بل للخطوب يغولها إسراؤها
مل المقام فكم أعاشر أمة
أمرت، بغير صلاحها أمراؤها
وما أراني أخطأت حين رأيت رضاه عن هذين البيتين، وحين سمعته يكرر إنشادهما في خلوته إلى نفسه في ظلمة الليل أو في وضح النهار، فكلاهما ظلمة بالقياس إلينا جميعا. وما أراني أخطأت حين رأيت كتابه وطلابه الذين لم يكونوا يكتبون يعجبون بهذين البيتين حين أملاهما الشيخ ذات صباح أو ذات مساء، أشد الإعجاب ويستعيدونهما مرة ومرة؛ لأنهم كانوا يحبون أن يسمعوهما من الشيخ ينشدهما في صوته الممتلئ الشاحب، وعلى وجهه ابتسامة ليست أقل شحوبا من صوته، ولكنها تدل على الرضا بهذا الفوز الفني الظريف.
وما أظنني أخطأت حين سمعت الكتاب والطلاب يرددون هذين البيتين بعد انصرافهم عن الشيخ، يريدون أن يحفظوهما، ويقروهما في قلوبهم.
واللون الثاني من ألوان هذا العبث الذي كان يتفكه به أبو العلاء، ويفكه به طلابه وقراءه هو عبثه بالألفاظ اللغوية: يوردها مشتبهة، ثم يفسرها كما يفسر علماء اللغة ما يعرض لهم من الألفاظ المشكلة، وبنفس الأسلوب الذي يفسرون به هذه الألفاظ. ولست أضرب لذلك إلا مثلين اثنين. أحدهما قوله:
نوديت ألويت فانزل لا يراد أتى
سيري لوى الرمل بل للنبت إلواء
وقد زاد هذا التفسير إيضاحا بقوله بعد هذا البيت:
وذاك أن سواد الفود غيره
Unknown page