يعد الحسد عائلة معقدة نوعا ما من المشاعر المؤذية؛ ذلك أنه يكمن بالأساس في التعلق والانجذاب، لكنه ينطوي أيضا على عنصر قوي من الغضب والعداء والنفور. لقد وجدت الأبحاث العلمية الحديثة عن موضوع السعادة أن أحد المصادر الأساسية للسخط في عالم اليوم، لا سيما في المجتمعات الأكثر ثراء، هو نزعتنا البشرية لمقارنة أنفسنا بمن حولنا. ويتلخص هذا بالأساس في مسألة الحسد.
أما عائلة المشاعر المؤذية المتمثلة في الكبرياء أو الغرور، التي تنطوي على مواقف هدامة كالغطرسة والتحيز وحتى الإحراج المفرط أو غير الواقعي، فهي تتضمن أيضا مزيجا من الانجذاب والنفور: الانجذاب على سبيل المثال إلى صورة ذهنية غير واقعية أو مضللة عن الذات، والنفور من أي شخص أو أي شيء يهدد تلك الصورة الذاتية العزيزة، أو ازدرائه. هذا التعلق بصورة متغطرسة للذات، سواء أكانت قائمة على حالة اجتماعية أو إنجاز ما أو ظروف الميلاد، قد يدفعنا إلى القيام بأفعال تسيء إلى الآخرين، ومثل هذه الأفعال تدمر رفاهية الآخرين ورفاهيتنا أيضا.
وأخيرا، لدينا عائلة الشك المؤذي، التي تشمل مثل هذه المشاعر الهدامة كالقلق والشعور المفرط بالذنب. تنشأ هذه المشاعر من الخوف المعتاد والكراهية غير الواقعية للذات، والتي تضر للغاية بقدرتنا على التراحم. ومن ثم، يمكن للمشاعر التي تنتمي إلى عائلة الشك المؤذي أن تكون شديدة الضرر على شعورنا بالرفاهية.
تلك إذن هي المشاعر الهدامة التي أرى أنها العقبات الرئيسية أمام رفاهية الإنسان، لا رفاهيتنا الفردية فحسب بل رفاهية من حولنا أيضا، ورفاهية العالم الذي نتشارك فيه في النهاية. إن هذه المشاعر تقوض قدرتنا على ممارسة القيم الأخلاقية الإيجابية، مثل الرأفة، بصورة جوهرية. والحق أننا لن نتمكن من معالجتها بفعالية إلا عندما نصبح على وعي كامل بالتداعيات السلبية لمثل هذه المشاعر الهدامة ويتضح لنا عدم جدواها وانعدام فائدتها العملية كاستجابات.
إن تطورنا الداخلي فيما يتعلق بإدارة مشاعرنا الهدامة وضبطها يستلزم نهجا ذا شقين. فمن ناحية، يجب أن نسعى إلى الحد من التأثير المدمر للإمكانات المتأصلة فينا، ومن ناحية أخرى، يجب أن نسعى إلى تعزيز الصفات الإيجابية الموجودة أيضا فينا بشكل طبيعي. وهذا النهج ذو الشقين لتدريب العقل هو ما أعتبره قلب الممارسة الروحية الحقيقية. (5) اتخاذ موقف
من أجل البدء في معالجة هذه المشاعر الهدامة، ينبغي لنا أولا تبني موقف عام حيالها؛ موقف معارضة.
ينطوي مثل هذا الموقف على إدراك أن قانون المعارضة، الذي يتمثل في أن الإيجابيات تلغي السلبيات أو تحيدها، لا ينطبق على العالم المادي فحسب، بل ينطبق أيضا على عالمنا الداخلي أو النفسي. ونحن نجد في تقاليد الحكمة العظيمة دروسا واضحة عن الحالات الذهنية التي يجب معالجتها، وعن الحاجة إلى تنمية ترياقها واستخدامه. إذا لم تكن هناك قوى مضادة لمشاعرنا الهدامة ، فما من شيء يمكننا القيام به حيالها. لكن إذا وجدت قوى مضادة وإيجابية، فمن شأنها إذن أن تصبح ترياقا قويا. فعلى سبيل المثال، الترياق الرئيسي للغضب هو الصبر، وترياق الجشع هو الرضا، وترياق الخوف الشجاعة، وترياق الشك الفهم.
يتمثل أحد العناصر الأساسية في تكوين موقف فعال من معارضة المشاعر السلبية، في الإدراك العميق لطبيعتها الهدامة، والاقتناع بأننا نستطيع التغلب عليها، وأن علينا السعي جاهدين إلى تحقيق ذلك. حينئذ يمكن لهذه القناعة أن تكون بمثابة الأساس لقرار راسخ يقضي بمعالجتها. ويمكننا تطوير هذا العنصر من موقف المعارضة العام من خلال التفكير بانتباه ورأفة، في الآثار المدمرة التي تخلفها هذه المشاعر على حياتنا وحياة من حولنا. يمكننا التأمل في حقيقة أن مثل هذه المشاعر: الكراهية والجشع على سبيل المثال، لا تتسبب في العديد من المشكلات الشخصية فحسب، بل هي أيضا المصادر النهائية للعديد من مشكلاتنا الجمعية مثل الحرب والفقر والتدهور البيئي. وببساطة، فإن تبني موقف معارض تجاه المشاعر الهدامة، سيكون له تأثير فوري؛ إذ يمنحنا الشعور بالحذر، وهو ما يشكل عامل دفاع أساسيا عندما تعصف بنا مثل هذه المشاعر القوية. ولذا فمن المهم جدا أن نفكر بعناية في التأثير السلبي لكل نزعاتنا الهدامة الأكثر إلحاحا.
إذا فقدنا صوابنا، ولو فترة قصيرة، بسبب شعور هدام كالكراهية، فقد تصدر منا أفعال وأقوال فظيعة. وقد يكون الضرر الذي ينشأ في لحظة من الكراهية مدمرا تماما. في البوذية، غالبا ما يشبه العقل البشري بالفيل البري. فكما يعلم بعض المزارعين جيدا، عندما يهتاج الفيل يمكنه أن يحدث دمارا كبيرا. لكن العقل البشري الجامح والمعتاد على نوبات الغضب أو الحقد أو الرغبة المفرطة أو الغيرة أو الغطرسة، يمكنه أن يحدث دمارا أكبر حتى مما قد يحدثه فيل هائج، ويمكنه أن يدمر حيوات كثيرة.
لمواجهة هذه المشاعر الهدامة القوية للغاية التي تكمن بداخلنا جميعا، نحتاج إلى التحلي بقدر كبير للغاية من الحماس والإصرار إزاء هذه المهمة. وهذا الحماس سوف ينبع بدرجة كبيرة، من النظر في التأثير السلبي لتلك المشاعر . ذلك أن تأثير هذه المشاعر لا يقتصر على الدمار الكبير الناتج عنها في لحظات الاستحواذ الشديد لهذه المشاعر على الذات، بل يمكن أن تخلف أيضا تأثيرا خبيثا يفسد علينا رفاهيتنا الداخلية. فعلى نحو تدريجي مؤكد، تقوض هذه المشاعر سلامنا الداخلي، وتسلبنا الحرية الذهنية، وتعيق التعبير عن طبيعتنا المتعاطفة التي هي مصدر سعادتنا الكبرى. الحق أننا نستطيع حتى القول إن كل هذا العنف والدمار في العالم هو نتيجة للكراهية. فنحن نستطيع ملاحظة العواقب الهدامة للكراهية على مستوى الفرد والأسرة وعلى المستويات العالمية.
Unknown page