Ma Hayat
ما الحياة؟: الجانب الفيزيائي للخلية الحية
Genres
شكل 1-1: البارامغناطيسية.
يعد هذا مثالا واضحا على نحو خاص على قانون إحصائي بحت. فتعمد الحركة الحرارية إلى المقاومة المستمرة للوضعية التي يميل المجال إلى إنتاجها؛ إذ تعمل هذه الحركة على ترتيب الجزيئات في وضعية عشوائية. يسفر هذا الصراع في الحقيقة عن مجرد تفضيل بسيط للزوايا الحادة على تلك المنفرجة بين المحاور الثنائية القطب والمجال. وعلى الرغم من أن الذرات المنفردة تغير وضعياتها باستمرار، فإنها تنتج في المتوسط (نظرا لعددها الضخم) ترجيحا ضئيلا وثابتا للوضعية في اتجاه الحقل، وعلى نحو متناسب معه. يعود الفضل في هذا التفسير البارع إلى الفيزيائي الفرنسي بي لانجفان، ويمكن التأكد منه بهذه الطريقة: لو أن المغناطيسية الضعيفة المرصودة هي حقا نتيجة الاتجاهات المتنافسة؛ أي المجال المغناطيسي الذي يعمل على ترتيب كل الجزيئات بحيث تكون متوازية، والحركة الحرارية التي تعمل على ترتيبها في وضعية عشوائية، فحري إذن أن يكون من الممكن زيادة المغناطيسية بإضعاف الحركة الحرارية؛ أي بتقليل الحرارة، بدلا من تقوية المجال. يتأكد ذلك بالتجربة التي ستخلص إلى أن المغناطيسية تتناسب عكسيا مع درجة الحرارة المطلقة، وهو ما يتفق كميا مع الجانب النظري (قانون كوري)، بل إن المعدات الحديثة تمكننا عن طريق خفض درجة الحرارة من تقليل الحركة الحرارية إلى مقدار غاية في الضآلة بحيث يسمح للميل التوجيهي للمجال المغناطيسي بفرض سيطرته على نحو كاف على الأقل، إن لم يكن تاما، لإنتاج قدر كبير من «المغناطيسية الكاملة»، وفي هذه الحالة لن نتوقع أن تؤدي مضاعفة قوة المجال إلى مضاعفة المغناطيسية، بل ستزداد الأخيرة بقدر أقل فأقل مع زيادة قوة المجال، مقتربة مما يسمى «التشبع». إن مثل هذا التنبؤ تأكد كميا أيضا بالتجربة.
لاحظ أن هذا السلوك يعتمد بالكامل على عدد ضخم من الجزيئات التي تتعاون في إنتاج هذه المغناطيسية الملاحظة، وإلا فلن تكون المغناطيسية ثابتة على الإطلاق، بل ستشهد على تقلبات الصراع بين الحركة الحرارية والمجال، وذلك بتذبذبها العشوائي من لحظة إلى أخرى. (7-2) المثال الثاني: «الحركة البراونية والانتشار»
إذا ملأت الجزء السفلي من إناء زجاجي مغلق بالضباب المتكون من قطرات دقيقة من الماء، فستجد أن الحد العلوي من الضباب قد بدأ ينحدر تدريجيا بسرعة محددة بدقة، تحددها لزوجة الهواء وحجم القطرات وثقلها النوعي. لكنك متى فحصت إحدى هذه القطرات تحت المجهر، فستجد أنها لا تنحدر دائما بسرعة ثابتة، بل تؤدي حركة غير منتظمة للغاية، وهي التي يطلق عليها الحركة البراونية، والتي تتوافق مع انحدار منتظم في المتوسط فحسب.
إن هذه القطرات ليست بذرات، لكنها صغيرة وخفيفة بما يكفي لتكون معرضة لتأثير إحدى تلك الجزيئات، التي تطرق أسطحها في تأثير دائم. هكذا تتعرض تلك القطرات لخبطات طوال الوقت، ولا يسعها الاستجابة لتأثير الجاذبية إلا بمعدلات متوسطة.
شكل 1-2: الضباب المنحدر.
شكل 1-3: الحركة البراونية لقطرة منحدرة.
يبين هذا المثال كم سيبدو حالنا مضحكا ومضطربا إذا ما قدر لحواسنا أن تكون معرضة لتأثير عدد قليل من الجزيئات. توجد بكيتريا وكائنات حية أخرى على قدر من الضآلة يجعلها تتأثر بشدة بهذه الظاهرة؛ إذ تتأثر حركاتها بالتقلبات الحرارية في الوسط المحيط، ولا خيار أمامها. إن كانت لتلك الكائنات قدرة مستقلة على التحرك، فربما تنجح في التنقل من مكان لآخر لكن ببعض الصعوبة؛ لأن الحركة الحرارية تتقاذفها كقارب صغير في بحر هائج.
شكل 1-4: الانتشار من اليسار إلى اليمين في سائل ذي تركيزات متنوعة.
إن «الانتشار» ظاهرة قريبة جدا من الحركة البراونية. تخيل وعاء ممتلئا بسائل، فلنقل ماء، مع كمية ضئيلة من مادة ملونة ذائبة فيه، فلنقل برمنجنات البوتاسيوم، دون تركيز موحد، بل كما هو موضح في الشكل
Unknown page