ويبدو أني غفوت قليلا قرب الفجر، وأني تقلبت بحيث أعطيته ظهري؛ فقد تنبهت فجأة على ارتطام شيء صلب بفخذي.
اعتدلت فوق ظهري على الفور وتطلعت نحوه، فرأيته في ضوء الفجر الخفيف يرمقني بعينين يقظتين، لكنه كان بعيدا عني بمسافة كافية، مما دفعني إلى الظن بأني كنت أحلم، وهو ما يعطيكم صورة عن الهواجس التي كانت تعتمل في داخلي.
ومن الطبيعي أني لم أتمكن من النوم بعد ذلك، وعندما تسللت أشعة الشمس إلى الحجرة قررت القيام، وسبقني هو فغادرنا الفراش سويا. ومضينا إلى الحمام، فتبولنا واغتسلنا.
ورأيته يستخرج أدوات الحلاقة من حافظته الجلدية، فقررت أن أحلق بدوري؛ سعيا وراء شيء من الانتعاش، ولأشغل نفسي حتى ينتهي؛ فقد كنت واثقا أنه لن يدعني أغادر الحمام قبل ذلك.
وقفنا متجاورين أمام المرآة المعلقة فوق الحوض. ورفعت إليها عينين حمراوين دامعتين، فالتقتا باثنتين تفيضان حيوية ونشاطا، كأنما نعمتا بالنوم طوال الليل. وطالعتني فيهما نظرة ثابتة حرت في تفسيرها؛ بسبب حولهما في الغالب، فاضطربت آلة الحلاقة في يدي؛ مما تمخض عن جرح خفيف أسفل ذقني.
وكان ذلك قمينا بأن يرسل القشعريرة في جسدي؛ لأني لم أكن أحتمل مشهد الدماء أو فكرة الألم. لكني رأيتني أتأمل جرحي، وخيط الدماء الذي انسال منه، بمشاعر أقرب ما تكون إلى الفضول.
نبهني رفيقي من استغراقي في تأمل دمائي بأن قدم إلي من حافظته الجلدية زجاجة صغيرة للمياه العطرية؛ كي أعالج بها الجرح. لكني اعتذرت شاكرا، ووضعت رأسي كله تحت الصنبور، وتركت المياه القليلة التي سالت منه تغسل الجرح وتكتمه.
عدنا إلى الغرفة بعد أن جففت رأسي، وألصقت قطعة صغيرة من القطن بمكان الجرح، فاستبدلنا ملابسنا، وبينما اكتفيت بقميص وبنطلون، ارتدى هو ملابسه الكاملة، ولم ينس أن يعقد رباط عنقه.
انتقلنا إلى المطبخ، فصنعت الشاي، ولم أجد في الثلاجة سوى ثلاث بيضات، وضعتها على النار في قليل من المياه، بعد أن استطلعت رغبة ضيفي في هذا الشأن، وأخرجت أيضا قطعة من الجبن، وأخرى من الحلاوة الطحينية، وقدرا من الزيتون الأسود.
جلسنا أخيرا، متواجهين، إلى مائدة الطعام، بعد أن قدمت إليه بيضتين من الثلاث المسلوقة، وخصصت نفسي بالثالثة، ولم يعلق بشيء على هذا التوزيع غير المتكافئ، وإنما أقبل على الطعام في شهية بالغة، بينما أكلت في غير حماس.
Unknown page