234

Kanz al-kitāb wa-muntakhab al-ādāb (al-safar al-awwal min al-nuskha al-kubrā)

كنز الكتاب ومنتخب الآداب (السفر الأول من النسخة الكبرى)

Editor

حياة قارة

Publisher

المجمع الثقافي

Publisher Location

أبو ظبي

Genres

ينبسط انْقباضُها؟ ويرتَفِعَ بَعْدَكَ انْخِفاضُها، وكنتَ لها بدْرًا فهَجَرْتَ مطلعها، وفُؤادًا فأقْفَرْتَ أضْلُعَها. وكمْ راقتْ بكَ
صفْحَتُها، وهَبَّتْ بأذكى من المسكِ نفْحَتُها، حتى كأنَّ الشبيبَةَ حَشْوُ لِوائها، أو الغزالَةَ بعض أضوائها.
فأجْفانُها عليكَ باكية، وإليكَ بَمَضَضِ الثَّكل شاكية. تتفجَّع على ملِكِ كانَ لها جَمالًا، وتتوجَّعُ على سِيَرٍ
غَدَتْ لها يمينًا وشمالًا. ولئن فارقت منها معهدًا مألوفًا، ومشهدًا بالكتائبِ محفوفًا، بما يبدو منها سِنَانٌ
لامِعٌ، ولا يَغْدو لها مُطيعُ ولا سامِعٌ. وكيف يُؤلفُ جسمُ بغير فؤاد؟ ومَنَ يَرْكَبُ نُمُورًا بعد جواد؟ وما
تركتها إلا بعد أنْ ألْحفْتَها بالبهاء، وأَجْرَيْتها إلى أمد الانْتِهاء. وقد تُهجَرُ نفائس الأعْلاقِ، وتبلى
المليحة بالطلاق.
ولم تُحَطَّ - أيدك الله - إنّما الملك حطَّ من فلكه، وعُطِّل منْ حُلى مُلْكِه. فالنُّجومُ إذا غارت أوْرَثتِ
المطالع ارْتِدادًا، وكستْها بعد الإنارة تعدادًا. والتاج تضربه المفارقُ، ويَهُونُ بعده المفرقُ المُفارقُ،
والشمس تتَهاداها المغارِبُ والمشارقُ.
وله في المعنى وضمنها شكية.
أطال الله بقاء أمير المسلمين، وناصِر الدين، الذي أشرق به الإسلام وأنار، ولاح به للعدل علم
ومنار، للحقائق يجلو ظلامَها، ويُزيلُ عنْ يد الباطل زمامها.
قد أوْلاَني - أيَّده الله - من إسْعافه، ووطَّأني من أكْنافه، وثنى إليَّ من عدله وإنصافه، ما عصم حالي
من اختلالها، وشفاها من اعتلالها، فما تألَّمْتُ من حادث إلاّ شَفاه، ولا شَكَوْتُ من أمر كارثٍ إلا كفاه،
والله يقارضُهُ بثوابٍ يعدو لديه حاملًا، ويجعله في الحشر كالئًا وكَافِلًا، بمنِّه.

1 / 302