Jughrafiya Siyasiyya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
الدولة كائن حي (راتزل)
ومن ثم جاء تشخيص هاوسهوفر للأمراض التي تشكو منها الدولة مبنيا على مشكلة الأرض التي تحتلها؛ ولهذا ظهر مبدأ «المجال الحيوي» للدولة الذي يدعوها إلى التوسع الأرضي من أجل إيجاد حلول لمشاكلها السكانية والاقتصادية والعسكرية، ويحسن موقعها وعلاقاتها المكانية الأرضية.
مبدأ الكفاية الاقتصادية للدولة
وهذا المبدأ يقوم على عدة مقاييس رسمها هاوسهوفر وزملاؤه كشروط أساسية لمقومات الدولة القوية، وقد أكدت النظرية على أربعة مقاييس هي: (أ) عدد وفير من السكان. (ب) نسبة مواليد مرتفعة. (ج) تماثل وتشابه تام بين دم السكان (السلالة). (د) توازن عادل بين سكان الريف والمدن. والمقياسان الأول والثاني مفهومان تستند إليهما الدولة لتدعيم قواها وتجديد هذه القوى بارتفاع نسبة المواليد، ولهذا يأتي المقياس الرابع مؤيدا لهذا الاتجاه، فهاوسهوفر لا يحبذ السكن المدني كثيرا؛ لأنه بطبيعته يؤدي إلى إنقاص نسبة المواليد، كما أن قلة سكان الريف سوف تقلل بالضرورة مدى تحكم الناس في إنتاج التربة الزراعية بمعناها الواسع، وبذلك يشترك العاملان معا في تقليل قوة الدولة العسكرية وتجديد هذه القوة، وفي تقليل الإنتاج الزراعي العام مما يؤدي إلى إضعاف الكفاية الذاتية للدولة. وأخيرا فإن المقياس الثالث يريد أن يفترض أن تجانس الشعب سلاليا هو أحد دعامات قوة الدولة، لكن هذه النظرة الضيقة - السلالة فقط - تعبر عن منطلق عنصري يرتبط بسيادة الجرماني، وهو في ذلك مؤيد للعنصرية النازية تمام التأييد.
9
لكن الكفاية الذاتية للدولة الكبرى يجب أن تمتد إلى مسطحات كبيرة من اليابس الأرضي في صورة «الاقتصاد الكبير مكانيا
Grossraum Wirtschaft » ولهذا نجد الدعاية والمصالح الألمانية تتوغل في كثير من أجزاء القارة، وخاصة في جنوب شرق القارة - بلغاريا ورومانيا - وفي وسط القارة. والاهتمام بالبلقان عامة في نظر الاقتصاد الألماني راجع إلى أنه كان في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية يكون منطقة إنتاج الأغذية والمواد الأولية، وهي ما تحتاجه ألمانيا الصناعية، وبذلك فإن التكامل الاقتصادي بين الصناعة والزراعة - في نظر الجيوبوليتيكيين - كان يتمثل خير تمثيل في الارتباط بين ألمانيا والدول المتخلفة صناعيا وعلى رأسها دول البلقان، وتجدر الإشارة إلى أن 80٪ من صادرات بلغاريا فيما قبل الحرب كانت تتجه إلى ألمانيا، وكذلك كانت المجر داخلة في دائرة النفوذ الاقتصادي الألماني بدرجة كبيرة، كما كان لبترول رومانيا أثره في جذب المصالح الألمانية، وكانت ألمانيا تدفع مقابل المواد الأولية التي تحصل عليها من دول البلقان سلعا صناعية ألمانية بأسعار أعلى من الأسعار العالمية كثيرا؛ مما جعل ألمانيا مدينة مزمنة لدول البلقان، وهكذا أدت الروابط الاقتصادية الألمانية المتغلغلة في البلقان بمعظم دول المنطقة إلى الانضمام إلى الحلف الألماني راضية أو مكرهة، وفي هذا كتب الأستاذ أوتو ماول قائلا: «إن التغلغل الاقتصادي الكامل له تماما نفس الآثار المترتبة على الاحتلال العسكري.»
العواصم والتأثيرات النفسية
اهتمت مدرسة ميونخ بموضع العواصم على أنه دليل على قوة واستقرار الدولة، ولهذا فإن عددا من الدول نقل عواصمه من مكامن الخطر إلى مناطق أكثر حماية في الداخل، وأهم الأمثلة على ذلك نقل العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة، ومن سان بطرسبرج - ليننجراد - إلى موسكو، «ويمكننا أن نضيف إلى ذلك ما حدث مؤخرا من نقل العاصمة الباكستانية من كراتشي إلى إسلام أباد، والعاصمة البرازيلية من ريو ديجانيرو إلى برازيليا»، ولكن يجب أن ننظر إلى هذه العملية من زاويتين: الأولى ما أوردته مدرسة ميونخ من أسباب استراتيجية، والثانية أن نقل العواصم من الأطراف إلى الداخل دليل على اعتناء الدولة بالتنمية الداخلية لبلادها.
وترى مدرسة ميونخ أن للعواصم تأثيرا نفسيا على الشعوب، فسقوط العاصمة يؤدي إلى إشاعة اليأس بين السكان، خاصة إذا كانت العاصمة في موقع جغرافي متوسط وجيد، مثل باريس أو موسكو، وترى هذه المدرسة أن سقوط باريس قد عجل بسقوط فرنسا، ولهذا نجد الألمان يحاولون الحصول على موسكو، وفي مقابل ذلك وقف السوفيت إلى النهاية مانعين سقوطها؛ مما كان له أثره الكبير في ضعضعة العزيمة الألمانية وتقوية الإرادة السوفيتية.
Unknown page