Jughrafiya Siyasiyya

Muhammad Riyad d. 1450 AH
179

Jughrafiya Siyasiyya

الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط

Genres

وخلاصة القول أن الحدود التعسفية في مناطق المستعمرات السابقة الذكر قد أدت إلى مشكلات عديدة: مشكلات حدود وأقليات، ومشكلة تنمية اقتصادية عاجزة عن التقدم دون موافقة رءوس الأموال الغربية (مثل مشكلة تمويل سد الفولتا في غانا التي تحولت إلى قضية سياسية اقتصادية أودت بحكومة نكروما)، وبالتالي فإن الدول الجديدة وجدت نفسها في مأزق حرج: حدودها غير منطقية وتحمل في طياتها مشكلات كامنة أو متفجرة، ومصالحها القومية الاقتصادية مفروض عليها وصايات مختلفة خارجية، والمفروض أن تعمل هذه الدول في إطار قومي متعارض تماما مع ما هو كائن من تناقضات ضد تكامل هذا الإطار القومي.

وقد اقترح بعض الزعماء الأفريقيين للخروج من هذا التناقض بين كيان الدولة كما يجب أن تكون، وبين إطاراتها الحدية المفتعلة والمشحونة بالمشكلات، وجذورها الاقتصادية المتنافسة والمناهضة لجوهر التنمية القومية الاقتصادية الاجتماعية؛ اقترحوا صيغا مختلفة للتكاملات الإقليمية في صورة وحدات سياسية كبرى أو ائتلافات إقليمية في صور سياسية أو إدارية أو تجمعات اقتصادية، لكن مثل هذه الآراء كانت سابقة لأوانها تاريخيا؛ لأن (1) الكثير من القادة الجدد كانت تربطهم بالقوى الاستعمارية مصالح مشتركة، أو (2) أن القادة الجدد غير المرتبطين أحكم رباطهم فيما بعد أو أزيلوا من الوجود عندما كانوا يتخذون مواقف متصلبة وحل محلهم قادة مرنين. وتشهد على الحالة الأولى حكومة نيجيريا التي أعقبت الاستقلال وقبل أن تطيح بها ثورة الأيبو والثورة المضادة لها، فقد كانت الحكومة الاتحادية النيجيرية، وحكومات الأقاليم الثلاثة تتكون من كبار الملاك والمساهمين في النشاطات الاقتصادية، فضلا عن كونهم أعضاء مجتمعات وعشائر الرئاسات التقليدية، ويشهد على الحالة الثانية إزاحة لومومبا من الحكم عقب استقلال زائيري - كنغو كنشاسا سابقا - وتولي حكومات مرنة القيادة مثل حكومة سيريل أدولا، أو حكومات منحازة للقوى الاستعمارية مثل حكومة مويس تشومبي.

وفي الحالات التي تم فيها ائتلاف إقليمي مثل اتحاد مالي - مالي والسنغال - فإن القوى الاستعمارية قد ساعدت على تفكيكه فيما بعد مستغلة عدم وجود قومية ناضجة، بل على العكس تفرق في الولاء بين القبيلة والتجمع الحضاري واللغوي والولاء غير المفهوم لنظام الدولة الحديثة، ومشكلة تعدد الولاء بين المجتمع المحلي والدولة الجديدة من المشكلات الكبيرة التي تواجه الدول الأفريقية وتزيد من ضعف وجودها، فالدولة في غالبية أفريقيا المدارية ليست متجانسة قوميا، وهي تكاد أن تكون إطارا سياسيا خارجيا يحدد مساحة من الأرض تسكنها مجموعة من الأقليات (التجمعات القبلية واللغوية)، ولا يوجد فيها - إلا في أحوال قليلة - مجموعة حضارية سائدة عدديا ومنتشرة مكانيا، وهناك حالات متعارضة كثيرة نذكر منها حالة السودان وزائيري، ففي السودان توجد عدة مجموعات حضارية، لكن تسودها المجموعة الشمالية والوسطى المتكونة من العرب المسلمين، بينما في الجنوب هناك عدة مجتمعات حضارية مختلفة لغة ونظاما سياسيا سلفيا ودينا - اختلاط إسلامي وكاثوليكي وبروتستانتي على خلفية وثنية قوية وسائدة - ومن ثم فإن السودان قد تلون بلون المجموعة الحضارية الكبيرة، وينعكس ذلك في تمركز الحكم في الخرطوم العربية، وارتباط السودان بجامعة الدول العربية، ويؤيد ذلك كله خلفية تاريخية من الحكم العربي ابتداء من عام 1504، وتركز النشاط الاقتصادي الحديث والمكون لعصب الدولة السودانية في داخل النطاق العربي الأوسط، وقد شعر الجنوبيون - من تلقائهم ونتيجة إيعازات خارجية وأخطاء داخلية - بدور صغير في حياة السودان القومية؛ ومن ثم جاءت ثورتهم الطويلة «بمساعدات خارجية»، والتي وجدت لها مؤخرا حلا مقبولا في صورة شكل من الحكم الذاتي أنهى هذا الموقف المتأزم.

أما في زائيري فإنه توجد عشرات من المجتمعات الحضارية المتكافئة قوة وانتشارا، وإن كان يبرز من بينها الباكونجو في الغرب والبانجالا في الشرق والبالوبا واللوندا في كاتنجا والجنوب الشرقي واللنجالا في الشمال، ومن ثم فإن الحكم المركزي - ما لم يكن قويا - سوف يواجه ظهور النزاعات الاستقلالية على السطح في مكان أو آخر من هذه المساحة الشاسعة، ويجب أن نضيف إلى ذلك أن القوى الأجنبية لها دورها الفعال في الإبقاء على تكامل زائيري الإقليمي أو إثارة الحركات الثورية الانفصالية متى كان هذا أو ذاك مناسبا لمصالحها.

وبالمثل كان موقف باكستان الشرقية - بنجلاديش - والغربية متأزما برغم رابطة الدين، فقد كان كل شيء يعاكس الوحدة: عدم تكامل أرضي ولغات مختلفة واتجاهات اقتصادية مختلفة وسيطرة الغربيين على الحكم واستئثارهم به في كل باكستان، وإلى جانب هذه الدوافع للانفصال جاء دور الهند التي لا تريد أن تكون جارتها وشريكتها في شبه القارة الهندية دولة كبيرة قوية، مما كان له أكبر الأثر في الإسراع بتفكيك دولة باكستان إلى دولتين. (6) الحدود السياسية والقوى القومية والتكتلات الإقليمية

إذا عدنا إلى ما سبق أن ذكرناه من أن التصنيف النوعي يقسم الحدود إلى حدود الاتصال وحدود الانفصال، فإننا نرى أن هذا التقسيم ينطبق على كافة أشكال الحدود في أزمنة مختلفة، ففي عهود السلام يمكن أن تصبح أشد أنواع الحدود وعورة وتباعدا حدود اتصال، وتنقلب الآية فتصبح أكثر الحدود وصلا وتقريبا حدود انفصال مانعة خلال فترات العداء والحروب، فالفصل أو الوصل إذن عمل إرادي متعلق بإرادة الدول، ولكن علينا ألا نتناسى أن هناك فعلا مناطق وتخوما تساعد بطبيعتها على الفصل، وهي إذا تركت على حالها دون إنشاء الطرق التي تسير عليها الحركة فإنها تصبح طبيعيا وبشريا نطاقات فاصلة، وهذه مرحلة من مراحل وظائف الحدود، وترتبط بتوجيه الدولة، ويتضح هذا جليا في حدود الانفصال القائمة بين البرازيل وجيرانها مثل كولمبيا وبيرو حيث تعمل الغابات الشاسعة في أمازونيا على إقامة تخوم عازلة، ويساعدها في ذلك سلاسل الأند الوعرة المرتفعة التي تقيم نطاقا آخر من العزلة بين الجيران، ومن ثم فإن البرازيل تتجه صوب مناطق الحركة والموارد السهلة على الشاطئ الشرقي، بينما تدير بيرو وكولمبيا ظهرها للبرازيل متجهة بثقلها إلى سواحلها على المحيط الهادئ ووديانها العليا المنتجة لموارد صادراتها الأولية النباتية والمعدنية، لكن التنمية الاقتصادية والضغط السكاني يؤديان ببطء إلى اتجاه مركز ثقل الدولة إلى نطاقات العزلة الداخلية، ولعل نقل عاصمة البرازيل من الساحل إلى الداخل تعبير عن هذا التحول في توجيه الدولة، وفي المستقبل تتوقع أن تتحول سهول أمازونيا البرازيلية وامتداداتها في بيرو وكولمبيا إلى مناطق اتصال وحركة بدلا من وظيفتها الحاجزة الآن، وإذا كانت هناك الآن بعض مشكلات على الحدود في أمريكا الجنوبية عامة، فإن المستقبل سوف يشهد مشكلات أكبر حينما يصبح الاحتكاك أكثر على مناطق غنية بمواردها غير المعروفة الآن.

وهذا المثال هو الذي تكرر المرات تلو المرات في تاريخ العالم منذ العصور الحجرية وتصارع المجتمعات على مناطق الصيد الوفير أو تصارع القبائل على المراعي الغنية، أو تصارع الدول المبكرة على موارد الخامات اللازمة لاقتصاديات الزراعة واحتياجات حياة المدينة، والسيطرة على طرق التجارة الرئيسية، أو صراع القوميات الحديثة على السيادة الإقليمية والمجالات الحيوية ومصادر الخامات وأسواق الاستهلاك وطرق التجارة، وفي كل هذه الحالات - قديمة ومعاصرة - تتحرك الصراعات نتيجة النمو والضغط السكاني، والنمو والضغط الاقتصادي، وكلاهما يؤدي إلى تحريك الحدود عبر نطاقات الحجز والتخوم الفاصلة نتيجة لظروفها الطبيعية أو لأن الناس هجروها لأسباب مختلفة سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية.

وبما أن نطاقات الفصل والعزل محدودة المساحة، فإن الوقت الذي تقف فيه القوى المتوسطة وجها لوجه عبر خط حاد يفصلها عن بعضها سيأتي دون شك، صحيح أن القوى المتوسعة من مركزين أو أكثر ليس محتوما أن تلتقي لتتصارع في كل نقاط التماس، لكن أكثر نقط التماس حساسية - لأسباب استراتيجية أو اقتصادية - هي مثار المشكلات الرئيسية بين الدول، ومن الأمثلة على ذلك وادي الراين الأوسط كمنطقة تماس بين القوى الجرمانية المتوسعة غربا والقوى الفرنسية المتوسعة شرقا؛ إذ سببت حروبا طويلة بين الدولتين، بينما استقرت منطقة التماس الجرمانية الفرنسية في النطاق الجبلي في سويسرا دون أن تسبب أزمات خطيرة.

في الماضي البعيد كان هناك متسع من الأرض تنتقل فيه الجماعات من مكان لآخر في صورة هجرات واسعة حينما كان التماس بين مجتمعين يهدد بمواجهات مميتة، وفي الماضي غير البعيد كان الصراع بين دولتين أو أكثر يؤدي إلى تسلط الغالب على المغلوب باحتلال عسكري - أو حضاري - وسلب للحريات.

وفي الوقت الحاضر لم يعد في الإمكان الالتجاء إلى ممارسات الماضي البعيد والقريب، فلم تعد هناك أراض تتحرك فيها الجماعات بعيدا عن مكامن الحظر، ولم تعد حدود الدول مفتوحة لحرية الحركة القديمة، فقد تم اقتسام أراضي اليابس إلى آخر شبر، وتم تحديد الحدود وأحكم إغلاقها إلا لمن تسمح له القوانين الدولية بالدخول والخروج، فقد نضجت المشاعر القومية خلال القرن الماضي والحالي نضوجا لا مزيد عليه، فكل حفنة من التراب القومي استحالت إلى كم معنوي مشحون بعواطف وطنية متأججة ملتهبة، حتى لو كانت هذه المعاني خالية من المحتوى النفعي ، وبذلك استحالت في عالمنا الدولي المعاصر فكرة الاحتلال بالقوة، برغم استخدام القوة الغاشمة من جانب القوى المتوسعة، وبرغم هزيمة مادية ملموسة حاقت بشعب ما، ولهذا لا يكتسب الاحتلال أية صبغة شرعية طالما قاوم المهزوم مشيئة الغالب بكل أشكال المقاومة.

Unknown page