Jawhar Insaniyya

Zaynab Catif d. 1450 AH
144

Jawhar Insaniyya

جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف

Genres

يتعارض التعصب مع التقدم. فربما لم يمنع تزمت الكنيسة الكاثوليكية ابتكار أعظم أعمال الفن في عصر النهضة - فكانت الموضوعات المبكرة في الرسم والموسيقى في النهاية دينية في الأغلب - ولكنه أعاق العلم، الذي كان في بداية ازدهاره في شمالي أوروبا. وحاليا، تعيق الأصولية المتعصبة التقدم في معظم أنحاء العالم. فيواصل الأصوليون في الولايات المتحدة الأمريكية معارضة الإجهاض، كما ظهرت في أجزاء من العالم الإسلامي الأصولية والنزعة العسكرية.

22

وإذا أرادت دوله - من الجزائر حتى إيران، ومن أفغانستان حتى السودان - العودة إلى صعود السلم وتقديم حياة أفضل إلى شعوبها، فعليها أن تفعل شيئا واحدا؛ هو إعادة إدخال التسامح الديني. وعندها فقط سيعود البناء الخلاق على يد أبنائها، وليس التدمير الغاشم لمنافسيها، ليصبح سمة مميزة للحركة الإسلامية. وفي وقتنا الحالي تخشى دول مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا، التي تريد تحديث أنفسها اقتصاديا وإحياء العلم والتكنولوجيا، تبعات زيادة المعتقدات المتطرفة بين مواطنيها. ولحسن الحظ لا يدعم التعصب إلا أقلية من المؤمنين الحقيقيين.

يصل عدد معتنقي الإسلام حاليا إلى 1,2 مليار شخص، يعيش أكثر من نصفهم في أربع دول فقط،

23

هي بنجلاديش والهند وإندونيسيا وباكستان؛ ومن ثم فإنه يمثل واحدا من أكبر الديانات الفردية في العالم في عصرنا الحالي (في المرتبة الثانية مباشرة بعد المسيحية). ويعتبر المسلمون أيضا، مع اليهود الأرثوذكس والرومان الكاثوليك الورعين، على الأرجح من أكثر المخلصين في ممارسة شعائر دينهم. (2-3) البوذية والكونفوشيوسية والطاوية

تعتبر المعتقدات الثلاثة التي سنشرحها الآن، والتي نشأت جميعها في آسيا، فلسفات أكثر من كونها أديانا؛ فهي معتقدات يمارس المرء حياته وفقا لها. لا يشتمل أي منها على عقائد كالتي تميز المسيحية والإسلام؛ ومن ثم يخلو كل منها من الآثار الضارة التي تنتج عن التفسير الخاطئ المتعمد لتعاليم يسوع المسيح والنبي محمد.

كان سيدهارتا جواتام - الذي عرف فيما بعد باسم بوذا (تعني «تنوير» بالسنسكريتية) - أميرا هنديا عاش فيما يعرف حاليا بدولة نيبال في الفترة بين 563-480 قبل الميلاد تقريبا. تخلى عن مملكته ومتعها - وكذلك عن زوجته وطفله - وبدأ في ممارسة أسلوب الزهد في الحياة؛ يمكنك تشبيهه بتولستوي العصر القديم؛ فقد علم الناس التركيز أكثر على أنفسهم من التركيز على أي إله؛ فكان مفهوم الدارما الهندوسي محوريا في رسالته. لم يسجل هو أو أحد من أتباعه أيا من مواعظه؛ فلم تكن الكتابة في هذا الوقت جزءا من الحياة الهندوسية؛ وعليه، يعتبر بوذا شخصية محيرة تماما مثل المسيح، إن لم يكن أكثر. في الواقع، من الغريب أن تعاليمه نجت من الأساس؛ فقد ظلت تنقل شفهيا فقط لأكثر من أربعة قرون، وانتشرت ببطء من المناطق الجبلية في الشمال إلى ضفاف نهر الجانج، عبر أراض متباينة كانت بعيدة كل البعد عن وحدة الإمبراطورية الرومانية، التي انتشرت فيها تعاليم المسيح سريعا؛ ومع ذلك ظلت باقية. كتبت أقدم السجلات باللغة البالية - وهي لهجة هندية شمالية - وتشكل حاليا ما يعرف باسم كتاب «شريعة بالي». يحتوي هذا الكتاب على مواعظ بوذا (السوتا بيتاكا)، والقواعد الواجب اتباعها في حياة الرهبانية (فينايا بيتاكا)، وعدد من التقييمات الفلسفية والمذهبية (أبيهداما بيتاكا). وكما لم تحل المسيحية محل اليهودية في فلسطين وإنما حلت محل الوثنية في أماكن أخرى، لم تحل البوذية محل الهندوسية في الهند (رغم أنها ظلت تمارس فيها لأكثر من ألف سنة)، ولكنها انتشرت بدلا من ذلك شمالا في التيبت وآسيا الوسطى والصين وكوريا واليابان، وجنوبا في سيريلانكا وجنوب شرق آسيا. وفي اليابان كانت تمارس في صورة النسخة المعدلة المعروفة باسم «بوذية الزن» (التي تطورت هي نفسها من الطاوية في الصين في القرن السابع)، مع الديانة الرئيسية - الشنتو - التي ليس لها مؤسس معروف لكنها تمارس منذ أكثر من ألف سنة. وعندما تسافر في جميع أنحاء قارة آسيا في عصرنا الحالي، سترى تماثيل ضخمة لبوذا، يتوافد عليها الناس ليعبروا عن احترامهم لها. إلا أن جواتاما لم يكن إلها، ولا حتى ابنا لأحد الآلهة؛ وكان سيمقت هذا التمجيد الشخصي، كما تظهر تعاليمه بوضوح.

يتمثل الجانب المتعلق بهذا الكتاب في حقيقة أن البوذيين، مثل الهندوسيين، لا يرسمون الخط الفاصل الحاد بين البشر والحيوانات الذي يتميز به التراث اليهودي المسيحي؛ فكل الكائنات بالنسبة لهم لديها عقل يسمح لها بامتلاك مشاعر مثل الإنسان؛ ومن ثم لا يمثل تناسخ الأرواح بين البشر والحيوانات مشكلة. فلو كان تشارلز داروين نشر كتابه «أصل الأنواع» في آسيا، لم يكن ليحدث العداء الذي واجهه في أوروبا.

تتلخص روح البوذية في وصف الأيام الأخيرة في حياة بوذا؛ فقد كان يجلس مع ابن عمه وتلميذه أناندا، فالتفت إليه وقال: «ربما تفكر يا أناندا: «أن كلام المعلم الآن أصبح أمرا من الماضي؛ إذ لم يعد لدينا معلم بعد الآن.» لكن يجب ألا تنظر إلى الأمر على هذا النحو. فلتجعل الداما [= الدارما] والمبادئ التي علمتها لك تكون معلمك عندما أرحل.»

Unknown page