Janaqu Masamir Ard
الجنقو مسامير الأرض
Genres
قالت الأم للصبيات، وهي وبوشي تضحكان: في واحدة عايزة تتمنى ليه حاجه؟
ضحكن وأخذن يغنين: سبعة يوم عوضية بعيد، قلت وكنت صادقا أم سكران لست أدري: أتمنى أن تحكي لي الصافية حكاية من حكايات الجنقو، أو يحكي لي ود أمونة عن السجن، قالت الأم وهي تضحك فيهتز صدرها الكبير: الصافية في مشروع الزبيدي ترش السمسم، وود أمونة هرب، وقال هو تعبان، أنا ح أحكي ليك قصة حياتي، والله ح تلقاها أجمل من قصة حياة الصافية.
تعشينا جميعا، عندما سكرت جدا تركوني وذهبوا، نمت، حلمت بأن الصافية جاءت من مشروع الزبيدي على جمل ضخم أسود اللون، قالت لي: صديقك نجمته! وح أنجمك أنت برضو!
حول محنة أداليا دانيال
في بيت أداليا دانيال عشرة مسجلات بسماعات كبيرة خارجية ملحقة، تحتفظ بها في صندوق كبير من الحديد الصلب، كان يستخدم لحمل الذخيرة في الحرب العالمية الثانية، اشترته من كرن، بالصندوق أيضا عدد كبير من النظارات الشمسية، وأحذية أديدس كبيرة الحجم، وعشرون راديو ناشيونال بثلاث موجات، وأشياء أخرى صغيرة تافهة، ولكن لها قيمة أبقتها في الصندوق، تسمي أداليا دانيال الصندوق: خزنة الأمانات، وهي في الحقيقة ليست أمانات بالمعنى الواضح للكلمة، ولكنها دخلت الصندوق كأمانات ثم تم شربها تدريجيا أو أكلها، وفي القليل النادر جدا قبض بعض قيمتها نقدا، ويحدث هذا عادة في أشهر الصيف ونهاية موسم حصاد العيش؛ حيث يكون الجنقوجوراي قد استهلك آخر ما لديه من مال وبدأ في أكل زينته التي حرص على جمعها في شهور حصاد السمسم وقطع العيش - أي في أكتوبر، ونوفمبر، وأوائل ديسمبر - وهي كما يسميها الجنقوجوراي: الشهور السمينة.
أداليا دانيال مثلها مثل كل صانعات العرقي والمريسة تحترم الأصول، فعندما يقول لها أحد الفدادة: خلي المسجل دا معاك، تبدأ مباشرة في تحديد سعره، ثم على الحائط تشخبط ما شرب الفدادي من عرقي ومريسة، وما أخذه نقدا، إلى آخر كأس، والجنقوجوراي الأصيل ود القبائل لا يسأل عن أمانته مرة أخرى إلا إذا وفر ثمنها، وهو دائما ما يفضل شراء زينة جديدة في الشهور السمينة، ويتبع الموضة السائدة، أما الجنقوجوراي الحريف الذي يجيد اللعب فهو الذي يصاحب صاحبة العرقي، لا يهم فارق السن بين الاثنين، وهو غالبا ما لا يوضع في الاعتبار، لا يهم جمال المرأة أو قبحها؛ فالرجل الناضج الذكي يرى كل النساء جميلات، ومن الحكم السائدة في هذا الشأن أن كل امرأة لديها ما تقدمه للرجل بغض النظر عن سنها، أو جمالها، أو لونها، أو قبيلتها، وأن كل النساء جميلات بالقدر الذي يجعل الرجل يصل ذروة نشوته، ويختصر الفدادة القول في: الفحل مو عواف، ولكن الأهم من ذلك بند في عقد المصاحبة غير المكتوب، هو أن يصاحب الجنقوجوراي الواحد امرأة واحدة فقط، وأن تكتفي الفدادية بجنقوجوراي واحد، وهذا التزام صعب، وغالبا ما يفشل الجنقوجوراي في الوفاء به؛ حيث إن الكسل الذي يصيب الجنقوجوراي في هذه الأيام والتسكع والتلكع، والوجبات الدسمة التي توفرها له صاحبته، غالبا ما تحرك شياطين شهوته، والنساء يصبحن أجمل في ديسمبر، يناير، فبراير، مارس وإبريل؛ لأنهن لا يعملن في هذه الأشهر، في أم بحتي أو قطع قصب السكر في المشروعات المروية، حيث يكتفين بالحياة المنزلية البطيئة، يوفرن خبزهن عن طريق بيع الخمور، بيع العطور البلدية، بيع الشاي والقهوة في الأسواق نهارا أو في أركان المنازل مساء، قليل منهن يمارسن الدعارة، فضلا عن كونها لا تجلب مالا؛ لأن الرجال جميعا لا مال لهم في هذه الأشهر، حيث تسود المقايضة، إذا أضفنا ندرة الرجال أنفسهم في هذه الأشهر؛ حيث يهاجر معظمهم إلى مزارع السكر في جماعات للعمل في الكاتاكو.
وتحتد المنافسة بين النساء الجميلات الكسولات في مواسم راحتهن، وتفرغهن للحب والمصاحبة والزواج، الكثيرات على العدد المحدود من الرجال، الذين قرروا البقاء بالحلة اعتمادا على تسليم زينتهم كأمانات غير مستردة، أو الزواج والمصاحبة كنظام معايشة إلى أن تنقضي الشهور الصعبة ببداية موسم الكديب، والرجل الجنقوجوراي الذي يعتمد على المصاحبة في عيشه يسمى: بالهوان، ثم يأتي موسم الحصاد، وهي الفترة التي غالبا ما يتم فيها فض الشراكة، منها الطلاق. أداليا دانيال متزوجة من رجل قوي الإيمان ينتمي للكنيسة الكاثوليكية، هي أيضا مؤمنة، تصلي لربها، وتعمل مع الأخوات في الكنيسة، ابناها أباب وتوني صغيران ويمارسان الدين إلى الآن كنمط من محاكاة الكبار، والتطلع إلى النضج الحقيقي والسريع، وتعلم أداليا خطورة أن ينمو طفلاها في بيت يرتاده السكارى؛ حيث إنهم يتحدثون بألفاظ لا يقبلونها كثيرا في موقد الأخلاق ولا يكترثون للذوق العام، أو ما يجب وما لا يجب، يتحدثون عن نسائهم فاضحين ما يستره الليل في القطاطي والرواكيب، ولا يتحرجون في نقل تجاربهم في المضاجعة، وخبرة النساء، ويضحكون في متعة قد يظن الطفلان أنها المتعة الحقة التي لا يوفرها سوى هذا النمط من الحياة؛ لذا كانت أداليا دانيال تتعامل معهما بحزم، ولا تتسامح في بقائهما قريبا من مرمى حديث السكارى، أو أن يسلكا سلوكهم، وهذا هو سر الالتزام بالكنيسة، وربط الأطفال بأنشطتها؛ حتى يتسنى لهما قضاء أكبر وقت خارج المنزل خاصة يوم مريستها كل سبت، وإذا عادا مبكرين ترسلهما مباشرة إلى منزل خالها عبد الله ماجوك، الذي يعمل محاسبا في زريبة المحاصيل، يتغديان هناك ويعودان قبل المغرب بقليل، حيث يجدان المنزل قد خلا من الفدادة، ويجدان نصيبهما من المريسة محفوظا، يؤديان صلاتهما، يشربان مريستهما قبل أن يخلدا للنوم، ولكن هذا البرنامج التقي المستمر لا يمضي كما تشاء أداليا دانيال ويشاء زوجها؛ لأن زوجها له رأي آخر في تربية أطفاله تنازل عنه لأداليا، ربما لقوة شخصيتها، ربما محاولة منه لتجنب الخلاف الذي قد يؤثر على حياة الطفلين، ربما تمشيا مع الأخلاق المسيحية كما يفهمها: التسامح المستمر، وإعطاء فرصة أخرى للآخر.
أداليا دانيال تفهم وجهات النظر هذه جميعها، ولكنها تنطلق من مبدأ أن تربية الأطفال من مسئولية الأم، وليس الأب الذي عليه النضال خارج المنزل لتوفير المال، ليس إلا، ولو أنه فشل في ذلك ففشله لا يسقط واجبه المفترض كأب لطفلين، ولا يحمله مسئولية لا تخصه وهي تربية أباب وتوني، ولكن هل حقا كانت أداليا دانيال بهذه الصرامة؟ حسنا، هنا دائما ما يعرف الآخرون عن الأشخاص أكثر مما يعرفونه هم عن أنفسهم، فالنظرة من خارج الشيء هي الأكثر موضوعية وشمولية، وحكمة المكان تقول: إن الآخرين كثر وأنت واحد، أيهما نصدق؟ للآخرين ألف عين، وخمسمائة قلب، وآلاف الأصدقاء، وألف أذن، وخمسمائة فم، وألف رجل، ومثلها يد، وأنت واحد، أيهما نصدق؟ لا بل أيهما أقدر على تقصي الحقيقة واختبار الكذب والتلفيق؟ فيما يشبه الندوة في يوم مريسة خميسة النوباوية تأكد الجميع من صحة الحكاية التالية: في اليوم الذي تزوجت فيه كلتومة بت خميسة النوباوية من عبدارامان الجنقوجوراي، بعد العقد مباشرة، بدأ الحوار حول المتعة، كان طازجا فجا بسيطا كأحر ما يكون، في الحق لم تبدأه ألم قشي ولم تكن الملحوظات التي أبدتها في هذا الشأن هي الأصوب، أو الأكثر إثارة للجدال، ولكن لا أحد يستطيع أن ينفي أنها كانت ذات باع طويل في كل ذلك، ولكن بالأمس في يوم مريسة خميسة النوباوية، وفي ما يشبه الندوة تحدثت النساء عن أول مرة، كما سمينها، تعرف فيها أداليا دانيال أن هنالك أمورا مهمة في حياتها كامرأة لم تصب هي منها شيئا، ورمينها بادعاء براءة لا تليق بامرأة في زواج مستقر منذ عشرين عاما، أنجبت خلاله مرتين، ولكن أداليا دانيال أكدت: الشيء اللي بتتكلموا عنو دا، والله ما حصل لي ولا مرة واحدة.
ثم أمطرنها بوابل من أسئلة رجيمة: - راجلك تمام؟ - «...»؟ - قاعد يصل بسرعة، ينبح زي الكلب؟ - كم دقيقة؟ - قاعد يطول ولا لا؟ - قاعد يلعب معاك شوية ولا طوالي؟
ثم حكين لها تجاربهن مع رجالهن، وأوحين لها بما يعني أن المشكلة كلها في لام دنق، وليست المشكلة هي عدم ختانه فحسب، ولكن في تعجله، وتعامله مع الأمر كواجب، هكذا توصلن إلى نتيجة أراحتهن كثيرا، وأحسسن بالعطف والشفقة على امرأة لم تتمتع بالميزة الأساسية التي تجعلها أعظم من خلق الله؛ أن تكون أنثى، قلن لها بما يعني: أنت ضائعة.
Unknown page