Janaqu Masamir Ard
الجنقو مسامير الأرض
Genres
الموظفون الأغراب يتقوقعون في كبسولة واحدة، يتحصنون بأسلوب وطرائق وأفكار وسبل معيشة رتيبة ومكرورة، ولكنها تصبح جيبا مجتمعيا معزولا عن المواطنين والأهالي، فهذا حصن لا بأس به ضد الإشاعات والقوالات، ولكنه أيضا سيظل هشا في مقابل حكمة ومكر وجمال ورقة وإنسانية وألعاب أي فتاة تثق في نفسها، المغربون أضعف البشر، دائما ما يتملكهم حنين إلى البيت والأسرة، والمرأة أو البنت عندهم هي رمز لاستمرار الحياة ودفء المكان، القرويات بالحلة لا يعرفن ذلك، ولكنهن يتصرفن وفقا لذات الرؤية، فإنهن حين يهبن، وحين يأخذن، وحين يدعين، وحين يتواضعن، يفعلن ذلك بشرف وكرامة وقدر من الخصوصية لا يستهان به، إنهن يقدمن أنموذج الأخت، والصديقة، والزوجة، والحبيبة، وليست الداعرة السوقية المستهلكة أو الانتهازية، إنهن بنات بيوت، ومشروعات صغيرة وحالمة لربات بيوت، يجدن فن الحب والعلاقات، أميتهن هي ثروتهن الكبرى التي لا تقيم بثمن، ذات الأمية هي مشعل وعيهن الاجتماعي الكبير، ألم قشي تعرف هؤلاء البنيات حسنا، تمطى الفكي علي، أصبحت الكرة الآن في ملعبه هو بالذات: اسمه بلال حسن التركي، أمه نفيسة بت عبد الله، جمع أولا الأرقام المقابلة لكل حرف من حروف الاسمين الأولين للابن والأم فقط، ثم حدد برج المدير، وباستحضاره للصفات الجسمانية من لون، وطول، ونوع الشعر، استطاع أن يتتبع نقاط ضعفه بين أبواب وأسطر كتاب شمس المعارف الكبرى، ثم زاوج ما بين علم الحرف والفلك والشجر، وما يعرف بالسحر الأسود، ثم غمس قصبته في الدواية وكتب، لم يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ولكنه بدأ كهذا: «براءة من الله ورسوله»، كتبها سبعا وسبعين مرة، لفها حول عرق يسمى عرق الهدهد، ثم أدخلها في قطاع من ساق الخروع المنظف جيدا، وجاوز الجميع بظفر طائر السمبر الذكر، ثم طلب أن يأخذها رجل نجس يقوم بحرقها، وذر رمادها في الهواء يوم الجمعة قبل أذان الفجر، ومن ثم يقوم الرجل النجس برسم خاتم سليمان مرة واحدة على الأرض .
عندما مر أسبوعان على موعد الطمث الشهري لألم قشي، تأكد لها بما لا يدع مجالا للشك أنها حبلت، سررنا لذلك وأخذنا نعد العدة لاستقبال الطفل، ولم يكن همي أنا بالذات نوعه ذكرا، أو أنثى، ولكني أريد مخلوقا صغيرا جميلا يبقى معنا في البيت، ويؤصل لعلاقتي وألم قشي، ولكن هذا لم يمنع من أن نختار اسما مسبقا، فقد اتفقنا على أنه محمد إذا كان ولدا، وأنها القنيش إذا كانت بنتا، ولم نتفق على اسمي التوأم بعد؛ لأنها كانت تود أن تطلق عليهما اسمين أكسوميين معقدين، وكنت أريد أن أطلق عليهما اسمين عربيين، اختلفنا فأحلنا النقاش إلى حين، على كل ألم قشي تفضل المولود بنتا وهي ذات الرغبة التي تزوجنا من أجلها، وهي ذاتها التي تجعل لتواصلنا الجسدي معنى ومتعة كبيرة، وكنت لا أستطيع مقاومة قولها: «عليك الله حملني، عايزة أحمل»، هذه الجملة تشحنني بدفق من الحب والجدية، وتجعلني ضحية بليدة لسلطة البقاء، فأحبها أكثر، لقد اكتشفت أن الجنس عندي مرتبط بالإنجاب، لا شيء آخر، المتعة تجيء مصحوبة بالفكرة، دائما ما يكون في مخيلتي طفل، وأنا على صدر ألم قشي، كان صديقي يعتبر الجنس واجبا إنسانيا، وهو ضروري كي يكون هناك إنسان كامل، وهو في حالة الصافية مسألة نفسية بحتة، بل مسألة إثبات ذات في المقام الأول، كنت أقول له دائما: إذا لم تكن هناك فكرة خلق، تصبح المسألة نوعا من اللذة الميكانيكية.
يقول ساخرا: إذن أنت من أنصار قصة حب وراء كل ممارسة جنس؟ - طفل، طفل أيضا، ما فائدة الحب بلا أطفال في الخاطر؟
قال ضاحكا محاكيا لغة الأفلام المصرية: دا انت رومانسي أوي.
نشأت بيني وألم قشي علاقة حب قوية، عرفت ذلك من القوالات، والإشاعات، وما يشبه الندوات في بيوت الفداديات، وأظن أن ألم قشي هي الأخرى تلمست ذلك، ولقد قيل لي علانية في بيت خدوم يوم الاثنين الماضي: الزولة دي بتحبك، وأنت عارف حب الحبش، تموت وتحيا معاك، مبروك ليك.
ولقد قالوا لها هي أيضا، وحدثتني قائلة: قالوا لي : إنت سويتي للراجل دا شنو؟
بذلك أكون قد وقعت في الحب لأول مرة في حياتي إذا صدق الناس فيما يقولون، أما إذا لم يصدقوا فتظل العلاقة بيني وبينها تحتاج لتعريف، ولو أنها تمتلك آلية استمرارها، لا يهم المسمى أو التعريف ما دامت الطفلة، أو الطفل يلوح بأنامله، من داخل جسدينا ورغبتنا ولمساتنا من عمق قلبينا، في ذاتنا يقهقه، لقد تنبأ لنا الفكي علي بحياة زوجية طويلة وأطفال كثر، والفكي علي رجل صالح من أحفاد رجل من رجال الله اسمه سليمان الزغراد، ظهر لأول مرة ولآخر مرة في كتاب الطبقات لود ضيف الله، أما الفكي علي الزغراد فيعتبر الزغراد الذي ذكر في كتاب ود ضيف الله زغرادا مشوها؛ لأن جده سليمان الطوالي ما كان يعمل بابكو للمراسة، ولكنه كان أحد تلامذة الشيخ محمد الهميم، جاء إليه من دار قمر بأقصى غرب السودان، وكان جده فكي قاطعا، باستطاعته أن يروب الماء، أما إذا زغرت فما من مغلق إلا انفتح، ولا مشبوك إلا انحل، ولا غائب إلا عاد، ولا بعيد إلا قرب، ولا عصية إلا طاعت، ولا كربة إلا فرجت. في هذه البلاد يؤمن الناس بالله ورسله، بملائكته وشياطينه، جنبا إلى جنب مع الفكي الزغراد؛ لذا كانت تنبؤاته حقائق مستقبلية وكشوفات ربانية، وربما هذا ما أعطى لحياتنا قدرا كبيرا من الاستقرار، خاصة من جانب ألم قشي؛ لأن إيمانها بالفكي الزغراد غير مشروط، أما أنا فكنت أفكر في الفكي علي الزغراد كشخص يمتلك مهارات لا تخفى في الإقناع، يعمل في منطقة مكشوفة من وعي مجتمع الحلة، وله القدرة على التأثير في الآخرين، وأرجع ذلك لإمكانات دنيوية مادية بحتة، وهنا تكمن عظمة هذا الرجل النظيف النحيف الذكي الذي تفوح منه دائما رائحة الصمغ العربي، وهو يفهم رأيي فيه ويحترمه، وإن كان يرى في نفسه أنه يمتلك قوة روحية، وأن له خدما من الجن ويحتفي بعلمه ومعرفته بأسرار النبات، وعلم الحرف، والكف، والوجه، وفتح الكتاب، ويقول فوق ذلك كله أو لذلك كله أنه من بيت النبوة ، وأنه من الأشراف، سألته ذات مرة: من هم الأشراف؟
قال لي: هم القرشيون عشيرة النبي.
قلت له: ولكن القبائل العربية اللي هاجرت للسودان كانت من جهينة؟
قال مبتسما: نحن أولاد الحسن والحسين، ولدي فاطمة وعلي رضي الله عنهم.
Unknown page