Ittihad Urubbi Muqaddima Qasira
الاتحاد الأوروبي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان هذا في حد ذاته سيصبح أمرا يمكن تدبره داخل الاتحاد الاقتصادي والنقدي بصورته القائمة؛ لأن السياسة الاقتصادية الكلية وتنظيم البنوك كانا لا يزالان في أيدي السلطات الوطنية، لكن بداية من 2009، حولت الأسواق المالية اهتمامها بعيدا عن البنوك، واتجهت إلى الحكومات، وبالأخص ديونها. وتنامى قلق الأسواق بخاصة بشأن تحمل الدول أعضاء منطقة اليورو مقادير مفرطة من الديون السيادية (أي الحكومية) لدرجة من شأنها أن تهدد قدرتها على خدمة ذلك الدين، أو على الحفاظ على قدرة الأنظمة المصرفية الوطنية على الوفاء بالتزاماتها المالية.
لعبت عضوية منطقة اليورو يقينا دورا رئيسا في هذا؛ حيث صارت الدول، التي كانت تتسم من قبل بضعف الإدارة المالية، قادرة على الاستفادة من رجاحة العقل الألمانية المتصورة في عموم منطقة اليورو عند إصدار سندات دين جديدة، والتي كانت تباع بأسعار أقل كثيرا من ذي قبل. شجع ذلك على تراخ في الإدارة المالية من قبل تلك الدول، بعد جهودها السابقة لاستيفاء متطلبات الانضمام إلى العملة الموحدة. كان «ميثاق الاستقرار والنمو» الذي ضمن في معاهدة أمستردام محاولة متأخرة للحفاظ على النظام الأشد صرامة، غير أن استهانة الدول الأعضاء، بما فيها ألمانيا وفرنسا، الدائمة به في منتصف العقد الأول من القرن الجاري ترتب عليها عدم إنفاذه، وإن كان المناخ الاقتصادي الكلي المؤاتي عموما هو وحده الذي يسر استدامة الوضع.
بداية من 2010 فصاعدا، انخرط زعماء منطقة اليورو في سلسلة من التدابير الطارئة لمحاولة كسب زمام المبادرة، منها إنشاء «مرفق الاستقرار المالي الأوروبي» في مايو 2010 الذي يملك التصرف في نحو 750 مليار يورو لتوفير دعم مكثف لأعضاء منطقة اليورو. كان هذا المرفق هو الوسيلة التي قدمت من خلالها معونات الإنقاذ إلى أيرلندا والبرتغال واليونان (مرتين حتى الآن في حالة اليونان). ترافقت مع هذه المعونات اشتراطات لتنفيذ إصلاحات متنوعة على جانب العرض لتهيئة الظروف للمزيد من النمو المستدام على المدى الطويل. وكان استعداد البنك المركزي الأوروبي - برئاسة ماريو دراجي - لتقديم قروض قليلة التكلفة للبنوك، ووقف الدين السيادي منذ 2012 بمثابة وسيلة لتخفيف الضغط، وإن كان بشكل مؤقت.
إذا كان مرفق الاستقرار المالي الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وفرا مصدر إغاثة قصير المدى، فقد بذل أيضا جهد لوضع آليات تضمن عدم تكرار الأزمة مجددا. سار هذا الجهد في ثلاث مراحل رئيسة؛ أولا: جرى إصلاح ميثاق الاستقرار والنمو من خلال ما أطلق عليه «مجموعة التشريعات الستة» التي أقرت في 2011 للسماح بإنفاذ أشد صرامة لنصوصه المعنية بالعجوزات المفرطة، وهو ما وضع إطارا للعمل، إضافة إلى «ميثاق من أجل اليورو» وإصلاحاته التي أدخلها على جانب العرض في اقتصادات منطقة اليورو، غير أن محدوديات هذا النهج ساعدت على دفع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو إلى مرحلة ثانية بدأت في أواخر 2011، عندما تم إقرار «الاتفاق المالي الأوروبي».
يقع هذا الاتفاق (أو «معاهدة الاستقرار والتنسيق والحوكمة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي» كما يعرف رسميا) خارج الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي، لكن يمكنه استخدام مؤسساته. وقد نتج هذا الترتيب الغريب عن امتناع الحكومة البريطانية، في المجلس الأوروبي المنعقد في ديسمبر 2011، عن الموافقة على مراجعة للمعاهدة بالطريقة المعتادة؛ حيث طلبت حماية لمدينة لندن باعتبارها مركزا ماليا عالميا فرفض طلبها. ترتب على هذا الاعتراض، الذي انضمت إليها فيه الحكومة التشيكية، أن اضطر أعضاء منطقة اليورو ومعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين إلى اتخاذ مسار ذي طابع حكومي دولي لتحقيق هدف الاتفاق الرئيس المتمثل في وضع اشتراطات قانونية تقضي بأن تكون الموازنات العامة للدول متوازنة. وينص الاتفاق على آليات أقوى للمراقبة والإنفاذ على المستوى الأوروبي، بما في ذلك إمكانية اتخاذ إجراء قانوني أمام المحكمة. لقد سعت منطقة اليورو بفعلها هذا إلى إعطاء الأسواق مزيدا من الثقة في استدامة منطقة العملة على المدى الطويل.
دعما للاتفاق المالي الأوروبي، كان هناك أيضا توافق على تحويل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي إلى أساس دائم، وذلك بإنشاء «آلية الاستقرار الأوروبية» التي تحل محل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، وتوفر مجموعة أشمل كثيرا من الاحتياطيات المالية لدعم اقتصادات منطقة اليورو التي تعاني من متاعب. وتتموضع هذه الآلية، على عكس الاتفاق المالي الأوروبي، في صميم نظام التعاون المعزز بالاتحاد؛ حيث تنطبق على كل أعضاء منطقة اليورو.
غير أنه حتى مع التفاوض والموافقة السريعين على الاتفاق المالي، شهد عام 2012 ضغطا مجددا؛ مما أجبر من ثم الحكومات والمفوضية على وضع مخطط من جديد. ويدور النقاش في هذه المرحلة الحالية حول التكامل بما يتجاوز حدود التنسيق، ربما من خلال توحيد اللوائح المصرفية بحلول 2014، ثم الدخول في شيء أشبه باتحاد اقتصادي كامل. وهذا التطور الأخير من شأنه تكامل الميزانيات الوطنية والإشراف عليها من قبل المفوضية، إضافة إلى اتحاد مالي مع إنشاء دين سيادي مشترك، لكن كل هذه المقترحات ما زالت تحتاج إلى تفصيل وتفاوض كما ينبغي؛ نظرا للقفزة النوعية التي ستمثلها.
كانت نتيجة كل هذه التطورات الانتقال بالاتحاد الاقتصادي والنقدي إلى مرحلة جديدة من وجوده؛ إذ كشفت ضغوط قوى السوق شديدة السلبية محدوديات التصميم اللاتماثلي الذي أرسي في معاهدة ماستريخت. وهكذا اضطر أعضاء منطقة اليورو إلى تعزيز التزامهم باليورو، وتقوية عدد من الجوانب الأساسية لتكاملهم الاقتصادي والمالي.
غير أن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لن يؤدي حتما إلى دولة فيدرالية؛ فالدولة الفيدرالية تمدد صلاحياتها المركزية لتشمل استعمال القوة، وهذا لا ينتج عن تبني اليورو. أما الجدل الدائر حول التكامل في ميدان الدفاع (الذي سنتناوله في موضع لاحق) فشيء مختلف. وفيما يتعلق بتقوية المؤسسات وإضفاء مزيد من الديمقراطية عليها؛ فهذا شيء منشود بالفعل، سواء بالعملة الموحدة أو دونها، وسوف تصبح هذه التقوية ضرورية إذا أردنا أن يتمكن الاتحاد من تلبية حاجات مواطنيه، ويتفادى مخاطر التفكك.
الفصل الخامس
Unknown page