[اتحاف السادة المتقين]
[02]
Page 1
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر الواجب الوجود ذاتي الحمد سبحان من تعالي في أزل الأزل فلا يزال ليس له قبل وليس له بعد فهو الأول بلا أولية والأخر بلا وصلواته وتسليماته علي عبده الذي بين معالم التوحيد وشاد دعائم الدين وساد عند مولاه كافة الصفوة من العبيد سيدنا ومولانا محمد الحبيب الحميد وعلي آله وصحبه وأتباعه علي التأييد أمين وبعد فهذا شرح كتاب قواعد العقائد وهو الثاني من كتاب أحياء علوم الدين للإمام حجه الإسلام أبي حامد الغزالي الطوسي رحمة الله تعالي المتكفل لبيان القواعد الدينية المشتمل علي محاسن معتقدات الطائفية السنية العلية التي هي غاية مطامح انتظار العلماء العاملين وفي تحصيلها فتوح باب الرشد واليقين استمددت في تفصيل مجملها وإيضاح مهمها وتبين مشكلها بالكتب المؤلفة في طريقتي إمامي السنة والهدي وبدري المعالي في سماء الاهتداء والاقتدا الإمام أبي الحسن الأشعري والإمام أبي منصور الماتريدي مستعينا بحول الله وفتوته متوكلا عليه راجيا حسن معونته انه بالفضل جدير وعلي ما يشاء قدير وهذا تفصيل أسامي الكتب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب العلم فمن كتب الاشاعرة كتاب الأسماء والصفات للإمام أبي منصور وعبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي وهو أجمع كتاب رأيته في الفن وكتاب السنة للإمام أبي القاسم هبه الله بن الحسن الطبري اللالكائي والتذكرة القشيرية للإمام أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكرم القشيرى والمدخل الأوسط إلي علم الكلام للإمام أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك والكافي في العقد الصافي للإمام الفقيه أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الصمد الاسكاف النيسابوري وعمدة العقائد والفوائد بإثبات الشواهد للإمام يوسف بن ذوناس الفندلائي المالكي ومعتقد أهل السنة والجماعة للإمام ركن الإسلام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني واعتقاد أهل السنة للإمام زين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى @ وتحرير المطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب لمحمد بن عبد الرحمن البكر قاضي الجماعة بتونس ولمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة لإمام الحرمين وشرحه للإمام شرف الدين بن التلمساني وشرح الكبري للشريف أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي وحاشية العلامة أبي الوفاء لحسن بن مسعود اليوسي عليه ومختصر شرح السنوسي علي الجزائرية لابن تركي وهداية المريد شرح جوهرة التوحيد للبرهان اللقاني والحاشية علي أم البراهين للشهاب أحمد بن محمد الغنيمي والعقيدة للإمام أبي أسحق الشيرازي صاحب التنبيه والعقيدة للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وشرح عقيدة المصنف لبعض العلماء لفضلاء وهي عقيدة صغيرة الحجم في نحو ورقة وشارحها الفه بمكة في رابع رجب سنة خمس وعشرين وثمانمائة سماء منار سبل الهدي في مجلد ومشكاة الأنوار وكيمياء السعادة والمقصد الاسني في معاني أسماء الله الحسني والمعارف العقلية ولباب الحكمة الألهية والمنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال والجسام العوام في عام الكلام والأربعين في أصول الدين سبعتهم للمصنف وكتاب أسرار التنزيل للفخر الرازي ومحجة الحق ومنجاة الخلق لأبي الخير أحمد بن اسمعيل الطالقاني القزويني وتبيين كذب المفتري علي الإمام أبي الحسن الاشعري للحافظ ابن عساكر وتأويل المتشابهات لشمس الدين أبن اللبان ومن كتب الماتريديه شرح عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي لإبي المحاسن محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي وشرح العقائد النسفية لمؤلفه الإمام نجم الدين عمر بن محمد النسفى وللإمام حافظ الدين بن عبد الله بن أحمد النسفي والإمام شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الاسدي الحنفي وللإمام الكستلي والإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني وحاشية احمد بن موسي الخيالي عليه وكتاب المسايرة للكمال بن الهمام مع شرح تلميذه ابن أبي شريف عليه وشرح الفقه الأكبر للعلامة ملا علي القاري ونظم الفوائد وجمع الفوائد للفاضل عبد الرحيم بن علي الرومي واشارات المرام من عبارات الإمام للعلامة بياض زاده جمع فيه الكتب الخمسة المنسوبة للإمام وشرحها والعمدة للإمام ناصر الحق نور الدين أبي المحامد أحمد بن محمود الصابوني البخاري وهو غير عمدة النسفي وشرح بحر الكلام للبخاري وتلخيص الأدلة للصغار وغير هؤلاء مما سيأتي التصريح بالنقل عنها في مواضع من هذا الكتاب (مقدمة وفيها فصول الفصل الأول في ترجمة أمامي السنة أبي الحسن الاشعري وأبي منصور الماتريدي) فأما أبو الحسن الاشعري فهو الإمام الناصر للسنة إمام المتكلمين علي بن اسمعيل بن أبي بشر اسحق بن سالم ابن اسمعيل بن عبد الله بن موسي بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري وأسم أبي موسي عبد الله بن قيس صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم ورضي عنه ترجمة الحافظان أبو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين المفتري علي بن أبي الحسن الأشعري وأبو عبد الله الذهبي في تاريخ الإسلام وقبلهما الحافظ أبو بكر الخطيب في التاريخ ثم التاج السبكي في الطبقات والعماد بن كثير الحافظ في الطبقات أيضا ما بين مطول ومختصر ما حصله ولد سنة ستين وقيل سنة سبعين والأول أشهر أخذ علم الكلام أولا عن شيخه أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه لمنام رأه ورجع عن الأعتزال وأظهر ذلك أظهارا فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادي بأعلي صوته من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يري في الدار الآخرة بالأبصار وأن العباد يخلقون أفعالهم وها أنا تائب من الاعتزال معتقد الرد علي المعتزلة ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف علي خلافهم ودخل بغداد وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيي الساجي أحد أئمة الحديث والفقه وعن أبي خليفة الحجي وسهل بن سرح ومحمد ابن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف الضبي البصريين وروي عنهم كثيرا في تفسيره وصنف بعد رجوعه من اعتزاله الموجز وهو ثلاث مجلدات كتاب مفيد في الرد علي الجهمية والمعتزلة ومقالات الاسلاميين وكتاب الابانة وقال الخطيب هو بصري سكن بغداد إلي أن توفي وكان يجلس في أيام الجمعات في حلقة أبي اسحق @ المروزي الفقيه في جامع المنصور وممن أخذ عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي وأبو الحسن الباهلى وبندار بن الحسن الصوفي وأبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري وهؤلاء الأربعة أخص أصحابه فابن مجاهد هو شيخ أبي بكر الباقلانى وهو مالكي كما صرح به عياض في المدارك والباهلى شيخ الأستاذين أبي اسحق الأسفراينى وأبي بكر بن فورك وشيخ الباقلاني أيضا الا انه أخص بابن مجاهد والاستاذان أخص بالباهي ومن الأخذين عن الأشعري الاستاذ أبو سهل الصعلوكي وأبو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر القفال وأبو زيد المروزى وأبو عبد الله بن خفيف الشيرازي وزاهر بن أحمد السرخسي والحافظ ابو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر الاودفي والشيخ أبو محمد الطبري العراقي وأبو جعفر السلمي النقاش وغيرهم هؤلاء أصحابه وأما الذين جالسوا أصحابه وأصحاب أصحابه وهلم جرافهم كثيرون علي طبقاتهم وأما اجتهاد الشيخ في العبادة والتاله فأمر غريب ذكر بندرا خدمة انه مكث عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء وكان يأكل من غلة قرية وقفها جده بلال بن أبي بردة علي نسله قال وكانت نفقته في كل سنة سبعه عشر درهما كل شهر درهم وشئ يسير قال ابن كثير قال الأستاذ أبو اسحق الاسفرايني كنت في جنب أبي الحسن الباهلي كقطر في البحر وسمعته يقول كنت أنا في جنب أبي الحسن الأشعري كقطرة في البحر وقال القاضي الباقلاني أحسن أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن الأشعري وقال ابن السبكي ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب تبيين المفتري للحافظ أبي القاسم بن عساكر وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة واحسنها ويقال لايكون الفقية شافعيا علي الحقيقة حتى يحصل هذا الكتاب وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه قال وقد رغم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب وليس ذلك بصحيح أنما كان شافعيا تفقه علي أبي اسحق المروزى نص علي ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين والأستاذ أبو اسحق الاسفرايني فيما نقله الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة والمالكي هو القاضي أبو بكر الباقلاني شيخ الاشاعرة اهقلت والذي قال انه مالكي المذهب جماعة منهم القاضي عياض فذكره في طبقاتهم في كتابه المدارك واعتمد عليه وتبعه علي ذلك غير واحد منهم أبو عبد الله محمد بن موسي بن عماد الكلاعي البورقي وهو من أئمة المالكية فانه صرح في ترجمة الشيخ بأنه كان مالكي المذهب في الفروع وحكي انه سمع الإمام رافع الحمال يقول ذلك هكذا نقله الذهبي قال ابن السبكي وقد وقع لي أن سبب الوهم فيه ان القاضي أبا بكر كان يقال له الأشعري لشده قيامة في نصرة مذهب الشيخ وكان مالكيا علي الصحيح الذي صرح ابن السمعاني في القواطع غيره من النقلة الاثبات ورافع الحمال قرأ علي من قرأ علي القاضي فأظن اليورقي سمع رافعا يقول الأشعري مالكي فتوهمه يعني الشيخ وانما يعني رافع القاضي أبا بكر هذا ما وقع لي ولا أشك فيه واليورقي رجل معتزلي بعيد الدار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ وأصحاب أصحابه فبعد عليه تحقيق حاله وقد تقدم كلام الشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي اسحق وكفي به فانه أعرف من رافع ولا أحد في عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ ألا ان يكون الباقلاني اه وهذا الذي ذكره آخره مسلم ولكن توجيهه لكلام رافع مستبعد كما لا يخفي ولم لا يكون الشيخ عارفا بالمذهبين يفتي بهما كما كان ابن دقيق العيد وغيره من جهابذة العلماء ويكون دعوي كل من الفريقين صحيحا فتأمل وقال ابن كثير ذكر والشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال أولها حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة الحال الثاني أثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الجزئية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك والحال الثالث أثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا علي منوال السلف وهي طريقته في الأبانة التي صنفها أخرا وشرحها الباقلاني ونقلها ابن عساكر وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين في أواخر أقوالهم والله أعلم واختلفت في وفاته علي @ أقوال فقال الأستاذ ابن فورك والحافظ أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم القراب وأبو محمد بن حزم انه مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقال غيرهم سنة ثلاثين وقيل سنة نيف وثلاثين وقيل سنة عشرين والأول أشهر قلت وصححه ابن عساكر وأما الإمام أبو منصور الماتريدي فهو محمد بن محمد بن محمود الحنفي المتكلم وما تريد ويقال ما تريت بالمثناة الفوقية بدل الدال في أخر محلة بسمر قند أو قرية بها ويلقب بإمام الهدي وترجمه الإمام المحدث محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا القرشي الحنفي في الطبقات المسمي بالجواهر المضيئة والإمام مجيد الدين أبو الندي اسمعيل بن إبراهيم ابن محمد بن علي بن موسي الكناني البلبسي القاهري الحنفي في كتاب الأنساب كل منهما علي الأختصار وكذا يوجد بعض أحواله في انتساب كتب المذهب وحاصل ما ذكروه انه كان اماما جليلا مناضلا عن الدين موطدا لعقائد أهل السنة قطع المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم وخصمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم تخرج بالإمام أبي نصر العياضي وكان يقال له إمام الهدي وله مصنفات منها كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب رد أوائل الأدلة للكعبي وكتاب بيان وهم المعتزلة وكتاب تأويلات القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب فيه كتاب بل لا يدانيه شئ من تصنيف من سبقه في ذلك الفن وله غير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة بعد وفاة أبي الحسن الأشعري بقليل وقبرة بسمر قند كذا وجد بخط الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن المنبر الحلبي الحنفي ووجدت في بعض المجاميع بزيادة محمد بعد محمود وبالأنصاري في نسبه فان صح ذلك فلا ريب فيه فأنه ناصر السنة وقامع البدعة ومحيي الشريعة كما أن كنيته تدل علي ذلك أيضا ووجدت في كلام بعض الأجلاء من شيوخ الطريقة أنه كان مهدي هذه الأمة في وقته ومن شيوخه الإمام أبو بكر أحمد بن اسحق بن صالح الجوزجاني صاحب الفرق والتمييز وأما شيخه المذكور أبو نصر العياضي الذي تخرج به هو أحمد بن العباسي بن الحسين بن جبلة بن غالب بن جابر ابن نوفل بن عياض بن يحيي بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الفقيه السمرقندي ذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وقال كان من اهل العلم والجهاد ولم يكن أحد يضاهيه لعلمه وروعه وجلادته وشهامته إلي أن استشهد خلف أربعين رجلا من أصحابه كانوا من أقران أبي منصور الماتريدي وله ولدان فقيهان فاضلان أبو بكر وأبو أحمد ومن مشايخ الماتريدي نصير بن يحيي البلخي ويقال نصر بكرامات سنة ثمان وستين ومائتين ومن مشايخ الماتريدي محمد بن مقاتل الرازي قاضي الري ترجمه الذهبي في الميزان وقال حدث عن وكيع وطبقته وقد تقدم ذكره في الباب السادس من كتاب العلم في قصة دخول حاتم الأصم عليه فأما أبو بكر الجوزجاني وأبو نصر العياضي ونصير بن يحيي فكلهم تفقهوا علي الإمام أبي سليمان موسي بن سليمان الجوزجاني وهو علي الإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن وتفقه محمد بن مقاتل ونصير بن يحيي أيضا علي الإمامين أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وأبي مقاتل حفص بن مسلم السمر قندي وأخذ محمد بن مقاتل أيضا عن محمد بن الحسن أربعتهم عن الإمام أبي حنيفة قال ابن البياضي من علمائنا وليس الماتريدي من أتباع الأشعري لكونه أول من أظهر مذهب أهل السنة كما ظن لأن الماتريدي مفصل لمذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه المظهرين قبل الأشعري مذهب أهل السنة فلا يخلوا زمان من القائمين بنصرة الدين واظهاره كما في التبصرة النسفية وكيف لا وقد سبقه أيضا في ذلك الإمام أبو محمد عبد الله بن سعيد القطان وله قواعد وكتب وأصحاب ومخالفات للحنفية لاتبلغ عشر مسائل كما في سير الظهيرية والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم القلانسي الرازي وله أيضا قواعد وكتب وأصحاب وألف الإمام ابن فورك كتاب اختلاف الشيخين القلانسي والأشعري كما في التبصرة النسفية اه قلت اما عبد الله بن سعيد القطان فهو أبو محمد المعروف بابن كلاب بالضم والتشديد ويقال فيه عبد الله بن محمد أيضا أحد الأئمة المتكلمين ووفاته بعد الأربعين @ ومائتين فيما يظهر ذكره أبو عاصم العبادي الشافعي في طبقة أبي بكر الصيرفي وابن النجار في تاريخ بغداد وذكر بينه وبين عباد بن سليمان مناظرة وعباد بن سليمان هذا من رؤس المعتزلة وابن كلاب من أئمة السنة كان يقول أن صفات الذات ليست ولا غيرها ثم زاد سائر أهل السنة فذهب كعباد بن سليمان أن كلامه تعالي لا يتصف بالأمر والنهي والخبر في الآ زال لحدوث هذه الأمور وقدم الكلام النفسي وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجودا بغير واحد من خصوصياته فهذه هي مقاله ابن كلاب التي ألزمه أصحابنا وجود الجنس دون النوع وهو غير معقول وكان عباد ينسبه للكفر لعله لتلك المقالة أولان المعتزلة بأسرهم يقولون للصفاتية أعني مثبتي الصفات لقد كفرت النصارى بثلاث وكفرتم بسبع وهو تشنيع من سفهاء المعتزلة علي الصفاتية ما كفرت الصفاتية ولا أشركت وأنما وحدت وأثبتت صفات قديم واحد بخلاف النصارى فأنهم أثبتوا قدماء فإني يستويان أو يتقاربان وقد ذكره والد الفخر الرازي في أخر كتاب غاية المرام في علم الكلام فقال ومن متكلمى أهل السنة في أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمي الذي ذم المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم بيانه وهو أخو يحيي بن سعيد القطان صاحب الجرح والتعديل اه قال التاج السبكي وكشفت عن يحيي بن سعيد القطان هل له أخ اسمه عبد الله فلم أتحقق إلي الآن شيأ وأن تحققت شيأ ألحقته أن شاء الله قلت الرجل معروف بأبن كلاب واسمه عبد الله وأختلف في أسم أبيه علي قولين محمد أو سعيد وظاهر سياق أئمة النسب أن كلابا أسم جد له أو لقب جد له وإن كان سبق في أول الترجمة خلاف ذلك فأنه مبني علي غير مشهور ويحيي بن سعيد القطان جده فروخ وهو من موالي تميم ولم أر من ذكر له أخا اسمه عبد الله ولم يأت بهذه الغريبة ألا والد الغجر فيحتاج إلي متابعه قوية والله أعلم وأما أبو العباس القلانسي فأنه من طبقة ابن فورك بل من طبقة أصحابه فكيف يصح قوله وقد سبقه أي الأشعري كما في التبصرة النسفية والذي يظهر ان صاحب المقالات إنما هو والده أبو اسحق إبراهيم بن عبد الله القلانسي وهو أيضا في الطبقة الثانية من أصحاب أبي الحسن الأشعري معاصر لابن فورك ولابد من التأمل والنظر في هذا المقام والله أعلم. الفصل الثاني: اذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية قال الخيالي في حاشيته علي شرح العقائد الاشاعرة هم أهل السنة والجماعة هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك علي الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور بين الطائفتين أختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها اه وقال الكستلي في حاشيته عليه المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الاقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلي السنة أي طريق النبي صلي الله عليه وسلم والجماعة أي طريقه الصحابة رضي الله عنهم وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول كمسئلة التكوين ومسئلة الاستثناء في الإيمان ومسئلة إيمان المقلد والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلي البدعة والضلالة أه قال ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا علي معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وان اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك أو في لمية ما هنالك وبالجملة فهم بالأستقرار ثلاث طوائف الأول أهل الحديث ومعتمد مباديهم الأدلة السمعية أعني الكتاب والسنة والإجماع الثانية أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم الأشعرية والحنفية وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطالب@ يتوقف السمع عليه وفى المبادى السمعيه فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقليه السمعيه فى غيرها واتفقوا فى جميع المطالب الاعتقاديه الا فى مسالة التكوين ومسالة التقليد الثالثه اهل الوجدان والكشف وهم اهل الصوفيه ومباديهم مبادى اهل النظر والحديث فى البدايه والكشف والالهام فى النهايه ا ه وليعلم ان كلا من الامامين ابى الحسن وابى المنصور رضى الله عنهما وجزاهما عن الاسلام خيرالم يبدعا من عندهما رايا ولم يشتقا مذهبا انما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعى وما دلت عليه والثانى قام بنصرة نصوص مذهب ابى حنيفه وما دلت عليه وناظر كلا منهما ذوى البدع والضلالات حتى انقطعو وولوا منهزمين وهذا فى الحقيقه هو اصل الجهاد الحقيقى الذى تقدمت الاشارة اليه فالانتساب اليهما انما هو باعتبار ان كلا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك واقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدى به فى تلك المسائل والدلائل يسمى اشعريا وماتريديا وذكر العز بن عبد السلام ان عقيدة الاشعرى اجمع عليها الشافعيه والمالكيه والحنفيه وفضلاء الحنابله ووافقه على ذلك من اهل عصره شيخ المالكيه فى زمانه ابو عمرو بن الحاجب وشيخ الحنفيه جمال الدين الحصيرى واقره على ذلك التقى السبكى فيما نقله عن ولده التاج وفى كلام عبد الله الميرثى المتقدم بذكره ما نصه اهل السنه من المالكيه والشافعيه واكثر الحنفيه بلسان ابى الحسن الاشعرى يناضلون وبحجته يحتجون ثم قال ولم يكن ابو الحسن اول متكلم بلسان اهل السنه انما جرى على سنن غيره او على نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجه وبيانا ولم يبتدع مقاله اخترعها ولا مذهب انفرد به الا ترى ان مذهب اهل المدينه نسب الى مالك. من كان على مذهب اهل المدينه يقال له مالكى ومالك انما اجرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم الا انه زاد المذهب بيانا وسطا عزى اليه كذلك ابو الحسن الاشعرى لا فرق ليس له فى مذهب السلف اكثر من بسطه وشرحه وتواليه فى نصرته ثم عدد خلقا من ائمة المالكيه كانو يناضلون عن مذهب الاشعرى ويبدعون من خالفه ا ه قال التاج المالكيه اخص التاس بالشعرى اذ لا تحفظ مالكا غير اشعرى ويحفظ من غيرهم طوائف جنحوا اما الى اعتزال او الى تشيع وان كان جنح الى هذين من رعاع الفرق وذكر بن عساكر فى التبين ابا العباس الحنفى يعرف يقاضى العسكر ووصفه بانه من ائمة اصحاب الحنفيه ومن المتقدمين فى علم الكلام وحكى عن جملة من كلامه فمن قوله وجدت لابى الحسن الاشعرى كتبا كثيره فى هذا الفن يعنى اصول الدين وهو قريب من مائتى كتاب والموجز الكبير ياتى على عامة ما فى كتبه وقد صنف الاشعرى كتابا كبيرا لتصحيح مذهب المعتزله فانه كان يعتقد مذهبهم ثم بين الله ضلالتهم فبان عما اعتقده من مذهبهم وصنف كتابان قضا لما صنف للمعتزله وقد اخذ عامة اصحاب الشافعى بما استقر عليه مذهب ابى الحسن وصنف اصحاب الشافعى كتبا كثيرة على وفق ما ذهب اليه الاشعرى الا ان بعض اصحابنا من اهل السنة والجماعه خطا ابى الحسن فى بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوهما فمن وقف على المسائل التى اخطا فيها ابو الحسن وعرف خطاه فلا باس له بالنظر فى كتبه فقد امسك كتبه كثير من اصحابنا من اهل السنه والجماعه ونظروا فيها (ذكر البحث عن تحقيق ذلك) قال التاج السبكى سمعت الشيخ الامام الوالد يقول ما تضمنته عقيدة الطحاوى هو ما يعتقده الاشعرى لا يخالف الا فى ثلاث مسائل ا ه قلت وكانت وفاة الطحاوى بمصر فى سنة احدى وثلاثين وثلاثمائه فهومعاصر لابى الحسن الشاذلى وابى منصور الماتريدى ثم قال التاج السبكى وانا اعلم ان المالكيه كلهم اشاعره لا استثنى احدا والشافعيه غالبهم اشاعره لا استثنى الا من لحق منهم بتجسيم او اعتزال @ ممن لا يعبا الله به والحنفيه اكثرهم اشاعره اعنى يعتقدون عقيدة الاشعرى لا يخرج منهم الا من لحق منهم بالمعتزله والحنابله اكثر من غيرهم وقد تاملت عقيدة ابى جعفر الطحاوى فوجدت الامر على ما قال الشيخ الامام الوالد وعقيدة الطحاوى زعم انها الذى عليه ابو حنيفه وابو يوسف ومحمد ثم تصفحت كتب الحنفيه فوجدت جميع المسائل التى بيننا وبينهم خلاف فيها ثلاث عشرة مساله منها معنوى ستة مسائل والباقى لفظى وتلك الست المعنويه لا تقتضى مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم منها تكفيرا ولا تبديعا صرح بذلك الاستاذ ابو المنصور البغدادى وغيره من ائمتناوائمتهم وهو غنى عن التصريح لوضوحه ومن كلام الحافظ الذهبى الاصحاب كلهم مع اختلافهم فى بعض المسائل كلهم اجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق فانهم حين اختلفت بهم مستشنعات الاهواء والطرق كفر بعضهم بعضا وراى تبريه ممن خالفه فرضا قال التاج السبكى ثم هذه المسائل الثلاثة عشر لم يثبت جميعها عن الشيخ ولا عن ابى حنيفه رضى الله عنهما ولكن الكلام بتقدير الصحه ولى قصيده نونيه جمعت فيها هذه المسائل وضممت اليها مسائل اختلفت الاشاعره فيها مع تصويب بعضهم بعضا فى اصول العقيده ودعواهم انهم اجمعون على السنه وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيده لا سيما الحنفيه وشرحها من اصحاب الشيخ العلامه نور الدين محمد بن ابى الطيب الشيرازى الشافعى وهو رجل مقيم فى بلاد كبلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وخمسين وسبعمائه واقام يلازم حلقتى نحو عام ونصف ولم ار فيمن جاء من العجم فى هذا الزمان افضل منه ولا ادين وانا اذكر للك قصيدتى فى هذا المكان لتستفيد منها فى مسائل الخلاف وما اشتملت عليه الورد خدك صيغ من انسان ام فى الخدود شقائق النعمان والسيف لحظك سل من اجفان فسطا كمثل مهند وسنان بالله ما خلقت لحاظك باطلا وسدى تعالى الله عن بطلات وكذاك عقلك لم يركب يا اخى عبثا ويودع داخل الجثمانى لكن ليسعد او ليشقى مؤمن او كافر فبنواللورى صنفان كذب ابن فاعله يقول بجهله اله جسم ليس كالجثمانى واعلم بان الحق ما كانت عليه صحابة المبعوث من عدنان قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد دانو بما قد جاء فى القران ومضوا على خير وما عقدوا مجالس فى صفات الخالق الديانواتت على اعقابهم علماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى كالشافعى ومالك وكاحمد وابى حنيفه والرضى سفيان وكمثل اسحق وداود ومن يقفوا طرائقهم من الاعيان واتى ابو الحسن الامام الاشعرى مبينا للحق اى بيان ومناضلا ععليه اولئك الا سلاف بالتحرير والاتقان ما ان يخالف مالكا والشافعى واحمد بن محمد الشيبانى لكن يوافق قولهم ويزيده حسنا وتحقيقا وفضل بيان ومنها والكل معتقدون ان الهنا متوحد فرد قديم دانى حى عليم قادر متكلم عال ولا يعنى علو مكان باق له سمع وابصار يرى جميع ما يجرى من الانسان الى ان قال يا صاح ان عقيدة النعمان والاشعرى حقيقة الايمان @ كلاهما والله صاحب سنة * بهدى نبى الله مقتديان * لاذا يبدع ذا وهذوان* تحسب سواه وهمت فى الحسبان * من قال ان ابا حنيفه مبدع * رايا فذلك قائل الهذيان * او ظن ان الاشعرى مبدع * فلقد اساء وباء بالخسران * كل اما مقتدى ذوسنه * كالسيف مساولا على التعطان * والخلف بينهما قليل امره * سهل بلا بدع ولا كفران * فيما يقل من المسائل عده * ويهون عند تطاعن الاقران * ولقد بؤل خلافها امالى * لفظ كالاستثناء فى الايمان * وكمنعه ان السعيد يقتل او * يشقى ونعمة كافرخوان الاشعرى يقول انا مؤمن ان شاء الاله وابو حنيفه يقول انا مؤمن حقا والاشعرى يقول السعيد من كتب فى بطن امه سعيد والشقى من كتب فى بطن امه شقيا لا يتبدلان وابو حنيفه يقول قد يكون سعيدا ثم ينقلب والعياذ بالله شقيا وبالعكس والاشعرى يقول ليس على الكافر نعمة وكل ما يتقلب فيه استدراج وابو حنيفه يقول عليه نعمة ووافقة من الاشاعره ابو بكر الباقلانى فهو مع الحنفية فى هذه كما لما تريدى معنا فى مسئلة الاستثناء ثم ساق فى قصيدته هذه المسائل التى عزيت الى الاشعرى فيها انكار الرسالة بعد الموت وهى من الكذب عليه وفى كتبه وكتب اصحابه خلاف ذلك ثم ذكر مسئلة الرضا والاراده وقال فاعلم ان المنقول عن ابى حنيفة اتحادهما وعن الاشعرى اقترافهما وقيل ان ابا حنيفة لم يقل بالاتحاد فيهما بل ذلك مكذوب عليه فعلى هذا انقطع النزاع وانما الكلام بتقدير صحة الاتحاد عنده وعند اكثر الاشاعره على ما يعرى الى ابى حنيفة من الافتراق منهم امام الحرمين وغيره اخرهم الشيخ محى الدين النووى وحمه الله تعالى قال هما شئ واحد ولمن انا لا اختار ذلك والحق عندى انهما مقترفان كما هو منصوص الشيخ ابى الحسن ثم ذكر ما نسب الى الاشعرى من عدم صحة ايمان المقلد وقد انكر القشيرى ذلك فى رسالته شكاية اهل السنة وقال انه مكذوب عليه ثم قال وكذالك كسب الاشعرى وانه * صعب ولكن قام بالبرهان * من لم يقل بالكسب مال الى اعتزا* ل اول مقال الجبرذى الطغيان كسب الاشعرى كما هو مقرر فى مكانه انه اضطر اليه من ينكر خلق الافعال وكون العبد مجبرا والاول اعتزال والثانى جبر فكل احديث بت واسطة لكن يعسر التعبير عنها وتمثلوا بها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار وقد اضطرب المحققون فى تحرير هذه الواسطة والحنفية يسمونها الاختيار والذى تحرر لنا ان الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد ولكن الاشعرى اثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار لكونه منطوق القران والقوم اثر والفظ الاخيار لما فيه من اشعار قدرة العبد للقاضى ابى بكر مذهب يزيد على مذهب الاشعرى فلعله راى القوم ولامام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو ثم قال وقد عرفناك ان الشيخ الوالد كان يقول ان عقيدة الطحاوى لم تشتمل الاعلى ثلاث ولكا نحن جمعنا الثلاث الاخر من كلام القوم اولها ان الرب تعالى له عندنا ان يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولا حجر عليه فى ملكه ولا داعى له الى فعله وعندهم يجب تعذيب العاصى وانبة المطيع ويمتنع المعكس ووجوب معرفة الاله الاشعرى * يقول ذاك بشرعه الديان * والعقل ليس بحاكم لكن له الا * دراك لا حكم على الحيوان * وقضوا بان العقل يوجبها وفى * كتب الفروع لصحبنا وجهان * وبان اوصاف الفعال قديمه * ليست بحادثة على الحدثان * وبان مكتوب المصاحف منزل * يمين الكلام لمنزل القران * والبعض انكر ذا فان يصدق فقد * ذهبت من التعداد مسئلتان @ هذى ومسئلة الاراده قبلها * امران قيما قال مكذوبان * وكما انتقى هاذاك عنهم هكذا * عنا انتقى مما يقال اثنان *قالوا وليس بجائر تكليف ما * لا يستطلع فتى من الفتيان * وعليه من اصحابنا شيخ العرا * ق وحجة الاسلام ذو الاتقان (مسئلة) تكليف ما لا يطاق وافقهم من اصحابنا الشيخ ابو حامد الاسفراينى شيخ العراقين وحجة الاسلام الغزالى وابن دقيق العيد قالوا وتمتنع الصغائر من نبيى للا له وعندنا قولان * والمنع مروى عن الاستاذ والقاضى عياض وهو ذو رجحان * وبه اقول وكان مذهب والدى * رفعا لرتبتهم عن النقصان والاشعرى امامنا لكننا فى ذا تخالفه بكل لسان الى ان قال هذا الامام وقبله القاضى يقولان البقا لحقيقة الرحمان وهما كبير الاشعريه وهوقا * لبزائد فى الذات اللا مكان والشيخ والاستاذ منطقان فى عقد وفى اشياء مختلفان وكذاا بن فورك الشهيد وحجة الاسلام خصما الافك والبتهان وابن الخطيب وقوله ان الوجود يزيد وهو الاشعرى الثانى والاختلاف فى الاسم هل هو والمسمى واحد لا اثنان او غيران والاشعريه بينهم خلف اذا عدت مسائلة الانسان بغلت مئين وكلهم ذو سنة اخذت المبعوث من عدنان وكذلك اهل الراى مع اهل الحد يث فى الاعتقاد الحق متفقان ما ان يكفر بعضهم بعضا ولا ازرى عليه وسامه بهوان الا الذين بمعزل عنهم فهم فيه تتخت عنهم الفئتان هذا الصواب فلا تظنن غيره واعقد عليه بخنصر وبنات وهى طويلة اوردت منها القدر المذكور مع البيان الاجمالى واما التفصيل فى المسائل المختلف فيها بين الفريقين فانها بلغت همسين مسئلة وساذكرها فى فصل مختص به وهذه القصيده على وزان قصيدة لابن زفيل رجل من الحنابله وهى ستة الاف بيت ردفيها على الاشعرى وغيره من ائمة السنة وجعلهم جهمية تارة وكفار تارة اخرى وقد رد عليها شيخ الاسلام التقى السبكى فى كتاب سماه السيف الصقيل ونحن نورد منه ما ذكر فى مقدمته فى الجمل النافعة المفيدة وما اظن ولده التاج اراد فى قصيدته المذكورة كذب ابن فاعلة يقول بجهله الله جسم ليس كالجسمان الا الاشارة الى هذا الرجل وان لم يصرح به وهذا اول قصيدة ابن زفيل ان كنت كاذبة الذى حدثتنى فعليك اثم الكاذب الفتان جهم بن صفوان وشيعته الاولى سجدوا سفات الخالق الديان بل عطلوا منه السموات العلى والعرش اخلوه من الرحمان والعبد عندهم فليس بفاعل بل فعله كتحرك الرجفان الى اخر ما قال وهذا نص الشيخ تقى الدين السبكى فى شرحه على هذه القصيدة لا تشتغل من العلوم الا بما ينفع وهو القران والسنة والفقه واوصول الفقه والنحو وباخذها عن شيخ سالم العقيدة ويتجنب علم الكلام والحكمة اليونانية والاجتماع بمن هو فاسد العقيدة او النظر فى كلامة وليس على العقائد اضر من شيئين علم الكلام والخكمة اليونانية وهما فى الحقيقه علم واحد وهو العلم الالهى لكن اليونان طلبوه بمعرفة عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل @ وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة استوى الامر ان عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق الثلاثة فى كلامها مخاطرة اما خطأ فى بعضه واما سقوط هيبة والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة ولهذا كان الشافعى رضى الله عنه ينهى الناس عن الاشتغال بعلم الكلام ويأمر بالاشتغال فى الفقه وهو طريق السلامة ولو بقى الناس على ما كانوا عليه فى زمن الصحابة كان الاولى للعلماء تجنب النظر فى علم الكلام جملة لكن حدثت بدع اوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين ودفع شبههم عن ان تزيغ بها قلوب المهتدين والفرقة الاشعرية هم المتوسطون فى ذلك وهم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس واما المعتزلة فكانت لهم دولة فى اوائل المائة الثالثة ساعد هم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله تعالى شرهم وهاتان الطائفتان الاشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحولة المتكلمين من اهل الاسلام والاشعرية اعدلهما لانها بنت اصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح واما الحكمة اليونانية فالناس مكتفون شرها لان اهل الاسلام كلهم يعرفون فسادها ومجانبتها للاسلام واما الحشوية فهى طائفة رذيلة جهال ينتسبون الى اجمد واحمد مبرأ منهم وسبب نسبتهم اليه انه قام فى دفع المعتزلة وثبت فى المحنة رضى الله عنه ونقلت عنه كلمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد السئ وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم الا من عصمه الله تعالى ومازالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وانما فى كل وقت لهم ثورات ويتعلقون ببعض اتباع الدول ويكفى الله تعالى شرهم وما تعلقوا باحد الا وكانت عاقبته الى سوء وافسدوا اعتقاد جماعة شذوذ من الشافعية وغيرهم ولاسيما من بعض المحدثين بزمانه بدمشق ابن عساكر يمتنع من تحديثهم ولا يمكنهم يحضرون بمجلسه وكان ذلك ايام نور الدين الشهيد وكانوا مستذلين غاية الذلة ثم جاء فى اواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطلاع ولم يجد شيخا يهديه وهو على مذهبهم وهو جسور متجرد لتقرير مذهبه ويجد امورا بعيدة فبجسارته يلتزمها فقال بقيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى وان الله سبحانه وتعالى مازال فاعلا وان التسلسل ليس بمجال فيما مضى كما هو سيأتى وشق العصا وشوش عقائد المسلمين واغرى بينهم ولم يقتصر على العقائد فى علم الكلام حتى تعدى وقال ان السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم معصية وقال ان الطلاق الثلاث لا يقع وان من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه طلاق واتفق العلماء على حبسه الحبس الطويل فحبسه السلطان ومنعه من الكتابة فى الحبس وان لا يدخل عليه بدواة ومات فى الحبس ثم حدث من اصحابه من يشيع عقائده ويعلم مسائله ويلفى ذلك الى الناس سرا ويكتمه جهرا فعم الضرر بذلك حتى وقفت فى هذا الزمان على قصيدة نحو ستة الاف بيت يذكر فيها عقائده وعقائد غيره ويزعم بجهله ان عقائده عقائد اهل الحديث فوجدت هذه القصيدة تصنيفا فى علم الكلام الذى نهى العلماء من النظر فيه لو كان حقا وفى تقرير للعقائد الباطلة فيه وبرع بها وزيادة على ذلك وهى حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته فهذه ثلاثة امور هى مجامع ما تضمنته هذه القصيدة والاول من الثلاث حرام لان النهى عن علم الكلام ان كان نهى تنزيه فيما تدعو الحاجة الى الرد على المبتدعة فيه فهو نهى تحريم فيما لا تدعوا الحاجة اليه فكيف فيما هو باطل والثانى من العلماء مختلفون فى التكفير به ولم ينته الى هذا الحد اما مع هذه المبالغة ففى بقاء الخلاف فيه نظر واما الثالث فنحن نعلم بالقطع ان هؤلاء الطوائف الثلاثة الشافعية والمالكية والحنفية وموافقيهم من الحنابلة مسلمون وليسوا بكافرين فالقول بان جميعهم كفار وحمل الناس على ذلك كيف لا يكون كفرا وقد قال صلى الله عليه وسلم اذا قال المسلم لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما ولضرورة اوجبت بان بعض من كفرهم مسلم والحديث @ اقتضى انه يبوء بها احدهما فيكون القائل هو الذى باء بها ثم حكى رد امام الحرمين على السنجرى واطال فى العبارة وقد اقتصرنا على القدر المذكور لانى لست بصدد بيان اعتقادهم والرد على اقوالهم وله محل غير هذا والله اعلم * (الفصل الثالث فى تفصيل ما اجمل آنفا من ذكر المسائل المختلف فيها بين الاشاعرة والماتريدية ليكون المطالع لها على بصيرة) * اعلم انه تقدم النقل عن التقى السبكى ان الاختلاف بين الفريقين فى ثلاث مسائل فيما استنبطه من عقيدة ابى جعفر الطحاوى وزاد ولده التاج ثلاثة اخرى استخرجها من كتاب الماتريدية وزاد غيره سبعة اخرى واورد الفاضل عبد الرحيم بن على الحنفى فى كتابه نظم الفرائد وجمع الفوائد اربعين مسئلة ببراهينها وحجبها واطال الكلام فيها جدا وكذا العلامة ملا على القارئ فى شرح الفقه الاكبر وذكر العلامة ابن البياضى فى كتابه اشارات المرام من عبارات الامام حسن مسئلة ولنقتصر على ايراد عبارته لاختصارها وجمعها لاما تشتت من الاقوال قال رحمه الله تعالى فمن الخلافيات بين جمهور الماتريدية والاشعرية الوجود والوجود عين الذات فى التحقيق واختاره الاشعرى خلافا لهم والاسم اذا اريد به المدلول عين المسمى ولا ينقسم كالصفات الى ما هو عين والى ما هو غيره والى ما ليس هو ولا غيره واختاره كثير منهم ويعرف الصانع حق المعرفة واختاره بعضهم وهو الحق كما فى المنائح للآدمى وصفات الافعال راجعة الى صفة ذاتية هى التكوين اى مبدأ الاخراج من العدم الى الوجود وليس عين المكون واختاره الحرث المحاسبى كما فى معالم السنن لخطابى والبقاء هو الوجود المستمر وليس صفة زائده واختاره الباقلانى والاستاذ وكثير منهم والسمع بلا جارحة صفة غير العلم وكذا البصر واختاره اما الحرمين والرازى وكثير منهم وليس ادراك الشم والذوق واللمس صفة غير العلم فى شأنه تعالى وليس احساس الشئ باحدى الحواس الخمس علما به بل آلته والعقل ليس علنا ببعض الضروريات واختاره كثير منهم ويجب بمجرد العقل فى مدة الاستدلال معرفة وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته وكلامه وارادته وحدوث العالم ودلالة المعجرة على صدق الرسول ويجب تصديقه ويحرم الكفر والتكذيب لامر البعثة وبلوغ الدعوة والحسن بمعنى استحقاق المدح والثواب والقبح بمعنى استحقاق الذم والعقاب على التكذيب عنده اجمالا عقليا اى يعلم به حكم الصانع فى مدة الاستدلال فى هذه العشرة كما فى التوضيح وغيره لا لايجاب العقل للحسن والقبح ولا مطلقا كما زعمته المعتزلة اما كيفية الثواب وكونه بالجنة وكيفية العقاب وكونه بالنار فشرعى واختار ذلك الامام القفال الشاشى والصيرفى والحليمى وابو بكر الفارسى والقاضى وابو حامد وكثير من متقدميهم كما فى القواطع للامام ابى المظفر السمعانى الشافعى والكشف الكبير وهو مختار الامام القلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يجوز نسخ ما يقبل حسنه او قبحه السقوط كوجوب الايمان وحرمة الكفر واختاره المذكورون والقبح والحسن بمعنى الامر والنهى عن الحكمة الامر الناهى والحسن بمعنى كون الفعل بحيث يدرك بالعقل اشتماله على عاقبة حميدة والقبح بمعنى كونه يدرك به عدم اشتماله على ذلك لما يتصور ان يفعله الله تعالى لكنه لحكمته لا يفعل ذلك كما فى التبصرة والتعديل والتسديد وكل ما صدر منه تعالى فهو حسن اجماعا ويستحيل عقلا اتصافه تعالى بالجور وما لا ينبغى فلا ييجوز تعذيب المطيع ولا العفو عن الكفر عقلا لمنافاته للحكمة فيجزم العقل بعدم جوازه كما فى التنبيهات ولا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم القدرة او الشرط واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفرانى كما فى التبصرة وابو حامد الاسفرانى كما فى شرح ابن السبكى لعقيدة ابى منصور وافعاله تعالى معللة بالمصالح والحكم تفضلا على العباد فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الا صلح واختاره صاحب لنقاصد وفقهاؤهم كما فى كاشف الطلوع ولا تؤول المتشابهات ويفوض امرها الى الله تعالى مع التنزيه عن ارادة ظواهرها واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والحرث المحاسبى والقطانى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يسمع الكلام النفسى @ بل الدال عليه واختاره الاستاذ ومن تبعه كما فى التبصرة لابى المغين النسفى والنفسى ماذكره الله عز وجل فى الازل بلا صوت ولا حرف كما فى الارشاد للامام ابى حسن الرستغفنى وهو مذهب السلف كما فى نهاية الاقدام وهو اخبار فى الازل واختاره الاشعرى كما فى المنائج وكثير من الاشاعرة كما فى الصحائف والرؤيا نوع مشاهدة للروح قد يشاهد الشئ بحقيقته وقد يشاهده بمثاله كما فى التأويلات الماتريدية والتيسير واختاره مالك والشافعى والاستاذ والغزالى والدليل النقلى يفيد اليقين عند توارد الادلة على معنى واحد بطرق متعددة وقرائن متضمنة واختاره صاحب الابكار والمقاصد وكثير من المتقدمين والمحبة بمعنى الاستحماد لا مطلق الارادة فلا يتعلق بغير الطاقة واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين على البدل واختاره القلانسى وابن شريح البغدادى كما فى التبصرة البغدادية وكثير منهم كما فى شرح المواقفواختيار العبد مؤثر فالقدرتان المؤثرتان فى محلين وهو الكسب لا مقارنة الاختيار بلا تأثير اصلا واختاره الباقلانى كما فى المواقف وهو مذهب السلف كما فى المنطوقة للمحقق المرغوى واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفراينى وامام الحرمين فى قوله الاخير ان اختياره مؤثر فى المراد بمعاونة قدرة الله تعالى ولا تجتمع القدرتان المؤثرتان بالاستقلال ولا يلزم تماثل القدرتين لان المماثلة بالمساواة من وجه يقوى المتماثلان فيه وان لم يكن من كل وجه ولا يزيد ولا ينقص الايمان اى التصديق البالغ حق الجزم واختاره امام الحرمين والرازى والآمدى والنووى كما فى شرح السبكى وغيره وليس مشككا متفاوت الافراد قوة وضعفا فانه فى التصديق بمعنى العلم وهو شرط للتصديق بالكلام النفسى المعتبر فى الايمان كما فى التعديل والمسايرة على ما اختاره الاشعرى فى رواية الباقلانى وكثير منهم كما فى المسايرة وغيره والتفاوت فى العصر الاول بزيادة المؤمن به وبعده بحسب الكيفيات من الاشراف واستدامة الثمرات ويعتمد ايمان النائى عن العمران تقليد للمخبر واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والقطانى والمحاسبى والكرابيسى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا استثناء فى الايمان بوجود اعتبار الحال لايمامه الشك ولو باعتبار المآل واختاره الباقلانى وابن مجاهد كما فى التبصرة البغدادية والشقى فى الحال قد يسعد واختاره الباقلانى كما فى شرح السبكى وينعم الكافر فى الدنيا لكونها نعمة فى الحال وتقبل توبة اليأس واختاره كثير منهم كما فى شرح المقاصد والانبياء معصومون عن الصغائر قصدا وعن البكائر قطعا واختاره الاستاذ قال النووى وهو مذهب المحققين من المتكملين والمحدثين والذكورة شرط النبوة واختاره كثير منهم والمجتهد يخطئ ويصيب والحق عند الله واحد واختاره المحاسبى والقطانى والاستاذ ابو اسحق وعبد القاهر البغدادى وكثير منهم كما فى الكشف الكبير وتصح امامة المفضول واختاره الباقلانى وكثير منهم كما فى المواقف وبالموت يحصل الخروج للروح والازهاق لاقطع البقاء فهو وجودى كما فى التبصرة النسفية واختاره القلانسى كما فى التبصرة البغدادية والاعراض لا تعاد واختاره القلانسى وهو احد الروايتين عن الاشعرى كما فى المواقف فهذه خمسون مسئلة خلافية فى التفاريع الكلامية ذهب اليه جمهور الماتريدية وخالفهم فيه جمهور الاشاعرة كل ذلك مأخوذ من كلام الامام ابى حنيفة ومستفادها منه اما من العبارة او الاشارة او الدلالة او الاقتضاء او مفهوم المخالفة فانه يعتبرا كثرها فى الرواية والله اعلم * (الفصل الرابع) * هذه المسائل التى تلقاها الامامان الاشعرى والماتريدى وهى اصول الائمة رحمهم الله تعالى فالاشعرى بنى كتبه على مسائل من مذهب الامامين مالك والشافعى اخذ ذلك بوسائط فايدها وهذبها والماتريدى كذلك اخذها من نصوص الامام ابى حنيفة وهى فى خمسة كتب الفقه الاكبر والرسالة والفقه الابسط وكتاب العلم والمتعلم والوصية نسبت الى الامام واختلف فى ذلك كثيرا فمنهم من ينكر عزوها الى الامام مطلق وانها ليست من عمله ومنهم من ينسبها الى محمد بن يوسف النجارى المكنى بابى حنيفة وهذا قول المعتزلة لما فيها من ابطال نصوصهم الزائغة وادعائهم كون الامام منهم كما فى المناقب الكردرية وهذا @ كذب منهم على الامام فانه رضى الله عنه وصاحباه اول من تكلم فى اصول الدين واتقنها بقواطع البراهين على رأس المائة الاولى ففى التبصرة البغدادية اول متكلمى اهل السنة من الفقهاء ابو حنيفة الف فيه الفقه الاكبر والرسالة فى نصرة اهل السنة وقد ناظر فرقة الخوارج والشيعة والقدرية والدهرية وكانت دعاتهم بالبصرة فسافر اليها نيفا وعشرين مرة وفضهم بالادلة الباهرة وبلغ فى الكلام الى انه كان المشار اليه بين الانام واقتفى به تلامذته الاعلام اه وفى مناقب الكردرى عن خالد بن زيد العمرى انه كان ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر وحماد بن ابى حنيفة قد خصموا بالكلام الناس اى الزموا المخالفين وهو ائمة العلم وعن الامام ابى عبد الله الصميرى ان الامام ابا حنيفة كان متكلم هذه الامة فى زمانه وفقيههم فى الحلال والحرام وقد علم مما تقدم ان هذه الكتب من تأليف الامام نفسه والصحيح ان هذه المسائل المذكورة فى هذه الكتب من امالى الامام التى املاها على اصحابه كحماد وابو يوسف وابى مطيع الحكم ابن عبد الله البلخى وابى مقاتل حفص بن مسلم السمرقندى فمنهم الذين قاموا بجمعها وتلقاها عنهم جماعة من الائمة كاسمعيل بن حماد ومحمد بن مقاتل الرازى ومحمد بن سماعة ونصير بن يحيى البلخى وشداد بن الحكم وغيرهم الى ان وصلت بالاسناد الصحيح الى الامام ابى منصور الماتريدى فمن عزاهن الى الامام صح لكون تلك المسائل من املائه ومن عزاهن الى ابى نطيع البلخى او غيره ممن هو فى طبقته او ممن هو بعدهم صح لكونها من جعه ونظير ذلك المسند المنسوب للامام الشافعى فانه من تخريج ابى عمر ومحمد بن جعفر ابن محمد بن مطر التيسابورى لابى العباس الاصم من اصول الشافعى ونحن نذكر لك من نقل من هذه الكتب واعتمد عليها فمن ذلك فخر الاسلام على محمد البزودى قد ذكر فى اول اصوله جملة من الفقه الاكبر وكتاب العالم والرسالة وذكر بعض مسائل الكتب المذكورة فى كل من شروح الكافى لحسام الدين السغناقى والشامل للقوام الاتقانى والشافى لحلال الدين الكولانى وصان الاصول للقوام السكاكى والبرهان للنجارى والكشف لعلاء الدين النجارى والتقرير لاكمل الدين البابرتى وذكرت الرسالة بتمامها فى اواخر خزانة الاكمل للهمدانى وذكرها الامام الناطفى فى الاجناس وذكر كثير من مسائل كتاب العالم فى المناقب للامام نجم الدين النسفى وللخوارزمى والكشف لابى محمد الحارثى الحافظ وبعضها فى نكاح اهل الكتاب فى المحيط البرهانى وذكر بعض مسائل الفقه الاكبر شيخ الاسلام محمد بن الياس فى فتاويه ةابن الهمام فى المسايرة وذكر بعض مسائل الفقه الابسط الامام ابو المعين النسفى فى الاعتماد شرح العمدة وكشف المنار والناطفى فى الاجناس والقاضى ابو العلاء الصاعدى فى كتاب الاعتقاد وابو شجاع الناصرى فى البرهان الساطع شرح عقائد الطحاوى وابو المحاسن محمود القونوى فى شرحها ايضا وشرحه الفقيه عطاء بن على الجوزجانى شرحا نفسيا وذكر الوصية بتمامها الامام صارم المصرى فى نظم الجمان ومن المتأخرين القاضى تقى الدين التميمى فى الطبقات السنية والقاضى ابو الفضل محمد بن الشحنة الحلبى فى اوائل شرح الهداية وذكر بعض مسائلها ابن الهمام فى المسايرة وشرحها الشيخ اكمل الدين البابرتى فقد ذكر جملا من مسائل الكتب الخمسة منقولا عنها نحو ثلاثين كتابا من كتب الائمة وهذا القدر كاف فى تلقى الامة لها بالقبول والله اعلم* (الفصل الخامس) * قال السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم ان لكل علم موضوعا ومبادئ ومسائل اذ بها تنوعت العلوم وتمايزت فى المفهوم ثم من المعلوم ان الناظرين فى هذا الشأن اعنى علم التوحيد والباحثين عنه على قسمين فمنهم من نظر نظرا عاما فى المعلوم من حيث هو معلوم وان كان المقصود او لا بالذات العلم بواجب الوجود ومنهم من نظر نظرا خاصا وذلك فيما يجب لله ويستحيل عليه ويجوز فى افعاله وما يوصل الى ذلك اجمالا وتفصيلا والعلم الحاصل من الاول هو المسمى بعلم الكلام والثانى يسمى بعلم العقائد @ وهذا مندرج تحت الاول باندراج الاخص تحت الاعم ولذلك كانت المطالب التى نحصل من الاول اكثر لشمولها لشئون الواجب واحوال الممكن ولذلك حد هذا العلم بانه الباحث عن احوال الواجب واحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد وما يعم قصد للتحقيق واما الثانى فلا يحصل منه الا ما عبدنا باعتقاده فقط كما فى هذه العقيدة يعنى عقيدة ابن الحاجب والنسفية واللمع وغيرها ويدل على هذا ما اقتصر عليه من ينكر طريق الكلام كما هو طريق الفقهاء والمحدثين وغيرهم حيث اقتصروا على تحصيل العقائد من غير نظر فى العالم بنظر المتكلم بل اقتصروا على المبادئ السمعية وما قرب من المبادئ العقلية ولذلك يحد هذا العلم بانه العلم بالاحكام الشرعية الاعتقادية عن قاطع عقلى او سمعى او وجدانى فعن قاطع يخرج التقليد وعقلى يدخل المتكلم وسمعى يدخل المحدث ووجدانى يدخل الصوفى وما حد به المحقق سعد الدين الكلام حيث قال الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن ادلتها اليقينية فحد له باعتبار المقصود منه والا فهو مشكل لامكان ورود منع الجميع واذا تقرر هذا فنقول لا يكفى فى معرفة موضوع هذا العلم اعنى علم العقائد ومسائله مباديه معرفة موضوع الكلام ومسائله ومباديه فلابد من التعرض لذلك بخصوصه فموضوع علم العقائد ذات الواجب اذ الناظر فى علم العقائد يبحث عن لواحق الواجب الذاتية اعنى صفاته وافعاله وكل ما يبحث فى علم عن لواحقه الذاتية فهو موضوع لذلك العلم لا ياقل موضوع العلم لا يتبين وجوده فى ذلك العلم بل فى علم اخر ومن المعلوم ان العلم بوجود الصانع يتبين فى هذا العلم فكيف يكون هذا موضوعه لانا نقول نمنع ان موضوع كل علم انما يتبين وجوده فى غيره ولئن سلمنا ذلك فمنع ان صانع العالم يتبين وجوده فى هذا العلم بل وجوده بديهى والمذكور انما هو على جهة التنبيه قال تعالى افى الله شك وبهذا قال جماعة من المحققين كابن البناء فى مراسيمه او انه مبين فى علم اخر وهو علم الكلام الذى هو اوسع واشمل كما نبهنا عليه واما مسائله فكل ما جعل الشرع العلم به ايمانا والجهل به كفرا وابتداعا واما مباديه فالقواطع العقلية والسمعية والادراكات الوجدانية والحسية * (الفصل السادس) * اعلم انه قد اصطلح اهل هذا الفن على الفاظ فيما بينهم فلابد فى ابتداء التعليم من تعلمها ولنذكر هنا مشاهيرها فمنها العالم وهو ما نصب علما على العلم بصانعه مأخوذ من العلم بمعنى العلامة فمن ثم تعددت العوالم فيقال عالم الانسان وعالم الجن وعالم الملائكة وغيرهم كما نبه عليه صاحب الكشاف ولما كان منشأ التسمية فى الجميع العلامة وكانت فى مجموع العوالم اجلى واوضح خص المتكلمون العالم بجملته بما سوى واجب الوجود تغليبا واقتصارا لانه تعالى يعلم به من حيث اسماؤه وصفاته وينقسم العالم ايضا على قسمين كبير وهو الفلك وما حواه من جوهر وعرض وصغير وهو الانسان لانه مخلوق على هيئة العالم الكبير واوجد الله فيه كل ما اوجده فى العالم الكبير ومنها الجوهر وهو ممكن قائم بنفسه هذا عند المتكلمين وينقسم الى قسمين فرد وهو ما لا ينقسم حسا ولا هما ولا عقلا وجسم اقل ما تركب منه الجسم جوهران وقيل الجوهر ماهية اذا وجدت فى الاعيان كانت لا فى موضوع وهو منحصر فى خمسة هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل لانه اما ان يكون مجردا اولا والاول الجسم والثانى اما حال او محل الاول الصورة والثانى الهيولى وتسمى الحقيقة فالجوهر ينقسم الى بسيط روحانى كالعقول والنفوس المجردة والى بسيطجسمانى كالعناصروالى مركب فى العقل دون الخارج كناهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل والى مركب منهما كالمولدات والممكن ما لا يقتضى وجودا ولا عدما لذاته والممكن بالذات ما يقتضى لذاته عدمه والقائم بنفسه هو ما يكون تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه لتحيز شئ اخر وقد يقال القائم بنفسه ما استغنى بذاته عن محل يقوم به ومنها العرض وهو فى مقابلة الجوهر هو الممكن القائم بغيره ومعنى القائم بالغير هو ان يكون تابعا فى تحيزه لتحيز غيره ومن امتنع قيام العرض @ بالعرض عند المتكلم وقد يقال القيام بالغير هو الاختصاص الناعت وهذا التعريف اولى لشموله قيام الصفات الازلية دون الاول اذ هو مختص بالمحدث الجسمانى والعرض ينقسم عند المتكلمين الى احد وعشرين نوعا وعند بعضهم ثلاثة وعشرين او اربعة وعشرين على خلاف فى ذلك يراجع فى محله * (الفصل السابع) * اعلم ان الكتب الموضوعة فى هذا الفن الذى هو علم العقائد على قسمين منهم من يخليها من ذكر الادلة بالكلية كما فعل النسفى وابن الحاجب والصنف فى هذه العقيدة المختصرة المذكورة هنا وكذا فى الاربعين له والعز بن عبد السلام وغيرهم ومنهم من يقتضب الادلة اقتضابا كما فعل امام الحرمين فى اللمع وابن القشيرى فى التذكرة الشرقية والمصنف فى الرسالة القدسية وهى التى بعد هذه المختصرة وغيرهم والاولون ذكروا المعتقدات واهملوها من الادلة ونبهوا على انه لابد من تحصيلها بالقاطع وتركوها قابلة للجميع حتى يمكن تبينها باى طريقة من الطرق الثلاثة التى هى طريقة اهل الحديث وطريقة اهل النظر الشاملة للاشاعرة والماتريدية وطريقة اهل التصوف وهذه العقيدة المختصرة التى قدمها المصنف فى هذا الكتاب واهمل فيها الادلة بالكلية تعريضا بذلك فلنشرحها على الطرق الثلاث بحسب الامكان ولكن فلتعلم ان الوجدان الالهامى حصول العلم به قاصر على واجده فلا يمكن تعليمه ولكن ننبه عليه لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ومن اجل ان هذه العقيدة على مذهب اهل السنة والجماعة نقتصر على ما بينهم من المتفق فيه والمختلف ولا نتعرض لخلاف غيرهم اذ هم خارجون عن الجماعة ولان ذكرهم يمنع المقتصر ويشوش على المقتصد وبه تمت المقدمة بما فيها ولنرجع الى المقصود من كلام المصنف ونقول قال الحافظ ابو القاسم بن عساكر فى كتاب التبيين سمعت الشيخ الفقيه الامام سعد بن على بن ابى القاسم ابن ابى هريرة الاسفراينى الصوفى الشافعى بدمشق قال سمعت الامام الاوحد زين القراء جمال الحرم ابا الفتح عامر بن نجا بن عامر السارى بمكة حرسها الله تعالى يقول دخلت المسجد الحرام يوم الاحد فيما بين الظهر والعصر الرابع عشر من شوال سنة خمس واربعين وخمسمائة وكان فى نوع تكسر ودوران رأس بحيث انى لا اقدر ان اقف او اجلس لشدة ما فى فكنت اطلب موضعا استريح فيه ساعة على جنبى فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامشتى عند باب العروة مفتوحا فقصدته ودخلت فيه ووقعت على جنبى الايمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدى تحت خدى لكيلا يأخذنى النوم فتنقض طهارتى فاذا رجل من اهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت واخرج لويحا من جيبه اظنه كان من الحجرة وعليه كبابة فقبله ووضعه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللويح فى كل مرة واذا فرغ من صلاته سجد عليه واطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع فى الدعاء ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانيا وادخله فى جيبه كما كان قال فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت ذلك وقلت فى نفسى ليت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا فيما بيننا ليخرجهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت اطرد النوم عن نفسى كى لا يأخذنى فتفسد طهارتى فبينما انا كذلك اذ طرأ النعاس وغلبنى فكأنى بين اليقظة والنوم فرأيت عرضة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفى يد كل واحد منهم كتاب جلد تحلق كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن فى الحلقة قالوا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء اصحاب المذاهب يريدون ان يقرؤا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصحبوها عليه قال نبينا انا انظر الى القوم اذ جاء واحد من اهل الحلقة ةبيده كتاب قيل ان هذا هو الشافعى رضى الله عنه فدخل فى وسط الحلقة وسلم على النبى صلى الله عليه وسلم قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زى اهل التصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقرأ الشافعى بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه وبذلك @ جاء شخص اخر قيل هو ابو حنيفة رضى الله عنه وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعى وقرأ مذهبه واعتقاده ثم اتى بعده كل صاحب مذهب الى ان لم يبق الا القليل وكل من يقرأ يقعد بجنب الاخر فلما فرغوا اذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفى يده كراريس غير مجلدة فيها ذكر عقائدهم الباطلة وهو ان يدخل الحلقة يقرؤها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج اليه واحد ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجره واخذ الكراريس من يده ورمى بها الى خارج الحلقة وطرده واهانه قال فلما رأيت القوم قد فرغوا وما بقى احد يقرأ عليه شيئا تقدمت قليلا وكان فى يدى كتاب مجلد فناديت وقلت يا رسول الله هذا الكتاب معتقدى ومعتقد اهل السنة لو اذنت لى حتى اقرأه عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايش ذلك قلت يا رسول الله هو قواعد العقائد الذى صنفه الغزالى فاذن لى فى القراءة قال فقعدت وابتدأت (بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب قواعد اللغة * وفيه اربعة فصول) ** (الفصل الاول * فى ترجمة عقيدة اهل السنة فى كلمتى الشهادة التى هى احد مبانى الاسلام فنقول وبالله التوفيق الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد) وذكر انه قرأ الخطبة والعقيدة حتى وصل الى قول الغزالى فى القيدة وانه تعالى بعث النبى الامى محمدا صلى الله عليه وسلم الى كافة العرب والعجم والانس والجن قال فلما بلغت الى هذا رأيت البشاشة والبشر فى وجهه صلى الله عليه وسلم قال فالتفت الى وقال اين الغزالى فاذا بالغزالى كانه واقف على الحلقة بين يديه فقال ها انا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالى يقبل يده ويضع خديه عليها تبركا به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر استبشارا بقراءة احد مثل ما كان بقراءتى عليه قواعد العقائد ثم انتبهت من النوم وعلى عينى اثر الدمع مما رأيت من تلك الاحوال والمشاهدات والكرامات فانها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى سيما فى اخر الزمان مع كثرة الاهواء فنسأل الله تعالى ان يثبتنا على عقيدة اهل الحق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم اه قوله فى ترجمة اى بيان عقيدة وهى فعيلة من العقد هو الربط لغة ثم نقل لتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والمراد بالعقيدة هنا هو ما يدين الانسان به واعتقد كذا عقد عليه قلبه وضميره واهل السنة تقدم المراد بهم واصل السنة الطريقة والمراد هنا طريقته صلى الله عليه وسلم خاصة وكلمتا الشهادة هى لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى احد مبانى الاسلام اشارة الى حديث بنى الاسلام على خمس فذكر شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد تقدم الحديث وما فيه مفصلا فى كتاب العلم وانما اقتصر على هاتين الكلمتين لاشتمالهما على جميع مسائل التوحيد كما اشار له السنوسى وغيره وتفصيل ذلك ان معنى لا اله الا الله لا مستغنى عن كل ما سواه ومفتقر اليه كل ما عداه الا الله ومعنى الالوهية استغناء الاله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه اليه فدخل تحت الاستغناء ثمانية وعشرون عقيدة الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس ووجوب السمع له والبصر والكلام ولوازمها وهى كونه سميعا بصير متكلما وتنزهه عن الغرض فى افعاله واحكامه وعن وجوب شئ عليه فعلا وتركا وعن كون شئ من الممكنات يؤثر بقوة اودعها الله فيه واضدادها فجملتها ثمانية وعشرون عقيدة ودخل تحت الافتقار اثنان وعشرون عقيدة الحياة وعموم القدرة والارادة والعلم ولوازمها وهى كونه حيا وقادرا ومريدا وعالما والوحدانية وحدوث العالم بأسره وان لا تأثير لشئ من الكائنات فى اثر ما بالطبع واضدادها فجملتها اثنان وعشرون عقيدة ودخل تحت قوولنا محمد رسول الله اثنتا عشرة عقيدة وجوب الصدق للرسل والانبياء والامانة والتبليغ واضدادها والايمان بسائر الانبياء والملائكة والكتب السماوية واليوم الاخر وجواز وقوع @ الاعراض البشرية عليهم وعدم وقوعها فقد ظهر لك ان قولنا لا اله الا الله محمد رسول الله يتضمن اثنتين وستين عقيدة منها خمسون عقيدة تحت لا اله الا الله واثنتا عشرة عقيدة تحت محمد رسول الله كذا املاه شيخ مشايخنا الشيخ على الطولونى المحدث من تقرير شيخه سيدى على الجزائرى المغربى الحنفى رحمه الله تعالى قوله وبالله التوفيق قال ابو البقاء هو الهداية الى وفق الشئ وقدره وما يوافقه وقال غيره هو جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ويرضاه وقوله المبدئ المعيد قال المصنف فى شرح اسماء الله الحسنى معناه الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله سمى ابداء واذا كان مسبوقا بمثله سمى اعادة والله تعالى بدأ خلق الناس ثم هو الذى يحشرهم والاشياء كلها منه بدت واليه تعود وبه بدت وبه تعود اه وقال ابو منصور البغدادى اجمع المسلمون على ان الله عز وجل هو المبدئ المعيد يبدأ الخلق ثم يعيده واختلفوا فى تأويل ذلك فقال الجمهور يبدأ الخلق بايجاده اولا على غير مثال سبق ويعيده بعد افنائه اياه كما كان قبل الفناء ومنهم من قال يبدأ الابدان ويعيدها تارة بعد تارة توكيدا للحجة الفعال لما يريد اى لا يمتنع عليه مراد من افعاله وافعال غيره وقال الفعال معناه يفعل ما يريد على ما يراه لا يعترض عليه احد ولا يغلبه غالب فيدخل اولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل اعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر ويمهل العصاة على ما يشاء الى ان يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة اذا شاء فهو يفعل ما يريد (ذى العرش) اى خالقه ومالكه والعرش الجسيم المحيط بسائر الاجسام سمى به لارتفاعه وقيل هو الفلك الاعلى والكرسى فلك الكواكب وورد فى الحديث ما السموات السبع والارضون السبع فى جنب الكرسى الا كحلقة ملقاة فى ارض فلاة والكرسى عند العرش كذلك وقال الراغب عرش الله مما لا يعلمه البشر الا بالاسم وقال غيره العرش فى الاصل سرير الملك فعبر به عن ملكوت ربنا لانه ملك الملوك واليه يشير قول البيضاوى وقيل المراد بالعرش الملك (المجيد) يحتمل ان يكون صفة للعرش ومجده علوه وعظمه او صفة لله تعالى اى العظيم فى ذاته وصفاته فانه واجب الوجود قام بالقدرة والحكمة ونقل مكى عن بعض انكار ان يكون المجيد نعتا للعرش لانه من صفات الله وهو ممنوع فان العرش قد وصف بالكريم فى اخر المؤمنين (والبطش الشديد) معطوف على ما قبله والبطش اخذ بعنف وصولة ومعنى شدة بطشه مضاعفة عنفه وهكذا فسر قوله تعالى ان بطش ربك لشديد فقال مضاعف عنفه وقال السمين ويقال هو سرعة الانتقام وعدم التؤدة فى العفو وقوله ان بطش ربك لشديد تنبيه على انه سريع الانتقام كما صرح به فى غير موضع ولم يكفه ان ذكره بلفظ البطش حتى وصفه بالشدة وفى هذه الجمل اشارة الى ان جميع افعال العباد مخلوقة لله تعالى وانه تعالى لا يجب عليه شئ لانها دالة على انه يفعل ما يريد (الهادى) اى المرشد فيقال هداه هداية اذا ارشده (صفوة العبيد) اى خلاصتهم اسم من الاصطفاء وهو الاختيار والعبيد جمع للعبد (الى المنهج) بفتح الميم وسكون النون بالطريق الواضح وكذلك المنهاج والنهج وقد نهج الطريق من حد منع نهوجا وضح واستبان وانهج بالالف مثله (الرشيد) اى المستقيم المصلح (والمسلك السديد) من السداد وهو كل ما يسد به الخلل والمراد هنا الاستقاممة فهو يرجع الى معنى الرشيد (المنعم عليهم) اى على العبيد (بعد شهادة التوحيد) الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر او بصيرة وقد يعبر بها عن الاقرار والبيان والحكم والاعلام والتوحيد مصدر وحد اذا اوقع نسبة الواحد الى موضوعه (بحراسة) اى حفظ وصيانة (عقائدهم) التى عقدوا عليها القلوب والضمائر (عن ظلمات) اى شبهات (التشكيك والترديد) اى ايقاع الشك والتردد فيها وتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والتصديقى علم ان كان جزما ومطابقا عن موجب وجهل ان لم يطابقى واعتقاده ان طابق لغير موجب ويسمى تقليدا وظن ان لم يجزم بها وكان راجحا (السائق لهم) بمحض عنايته (الى اتباع) طريقة (رسوله) وحبيبه (المصطفى) @ المختار صلى الله عليه وسلم (واقتفاء) اى اتباع (اثار صحبه) جمع صاحب كركب وراكب وهم الذين تشرفوا بمشاهدة وجهه وتلقى الاحكام عنه (الاكرمين المكرمين) اى المعظمين المبجلين المفضلين (بالتأييد الالهى (والتسديد) اى موافقة الصواب (المتجلى لهم) اى الظاهر لهم ومنه قوله تعالى فلما تجلى ربه اى ظهر امره (فى ذاته) اى نفسه وعينه وهذا اللفظ ليس من كلام العرب انما يستعمله المتكلمون فيقولون ذات الشئ بالمعنى الذى ذكرناه ويستعملونه مفردا لظاهر تارة ومضمر اخرى وينكرونه مقطوعا عن الاضافة ومعرفة ومعرفا بأل فيقولون ذاتك وذات من الذوات فيجرونه مجرى النفس نبه عليه الراغب (وافعاله) الابداعية (بمحاسن اوصافه) جمع وصف هو والنعت مترادفان وبعضهم جعل النعت اخص منه فلا يقال نعت الا فيما هو محقق بخلاف الوصف والظاهر الاول والمحاسن جمع حسن على غير قياس (التى لا يدركها) ادراكا كما ينبغى ويليق (الا من) كان له قلب واع متيقظ لتلقى اسرار تلك المحاسن بالانكشاف ثم (القى السمع) واصغى (وهو شهيد) حاضر القلب وفى هذا السياق رمز صريح الى انه لا يحيط مخلوق حق حقيقة ذات الخالق الا بالحيرة والدهشة واما اتساع المعرفة والادراك فانما يكون فى معرفة اسمائه وصفاته وكل يعطى على قدر مقامه واجتهاده فتفاوت المراتب انما هو فى معرفة الاسماء والصفات فتأمل (المعرف اياهم فى ذاته) تعريفا لا يشوبه شك ولا تردد (انه) جل وعز (واحد) اكثر العلماء ان الواحد والاحد بمعنى واحد وقال الازهرى الفرق بين الواحد والاحد فى صفاته تعالى انه الاحد بنى لنفى ما يذكر معه العدد والواحد اسم لمفتتح العدد وتقول ما انانى منهم واحد وجاءنى منهم واحد والواحد بنى لانقطاع النظير وعوز المثل وقال بعضهم الواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة ثم يطلق فى كل موجود حتى انه ما من عدد الا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وقال الراغب الواحد لفظ مشترك يستعمل فى ستة اوجه الاول ما كان واحدا فى الجنس او فى النوع كقولنا الانسان والفرس واحد فى الجنس وزيد وعمرو واحد فى النوع الثنى ما كان واحدا بالاتصال اما من حيث الخلقة كقولنا شخص واحد واما فى الخلقة كقولنا الشمس واحدة واما فى دعوى الفضيلة كقولنا فلان واحد دهره مثل نسيج وحده الرابع ما كان واحدا لامتناع التجزئ فيه اما لصغره كالهباء واما لصلابته كالالماس الخامس للمبدأ اما لمبدأ الاعداد كقولنا واحد اثنان او لمبدأ الخط كقولنا النقطة الواحدة والواحدة فى كلها عارضة قال واذا وصف الله تعالى به فمعناه انه لا يجرى عليه التجزئ ولا التكثر وقال المصنف فى المقصد الاسنى الواحد هو الذى لا يتجزأ او لا يثنى اما الذى لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذى لا ينقسم فيقال انه واحد بمعنى انه لا جزء له وكذلك النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الانقسام فى ذاته واما الذى لا يتثنى فهو الذى لا نظير له كالشمس مثلا فانها وان كانت قابلة للانقسام بالفعل بتجزئة فى ذاتها لانها من قبيل الاجسام فهى لا نظير لها الا انه يمكن ان يكون لها نظير فان كان فى الوجود موجود ينفرد ويتوحد بخصوص وجوده تفردا او وحدة (لا شريك له) اى لا يتصور ان يشاركه غيره فيه اصلا فهو الواحد المطلق ازلا وابدا والعبد انما يكون واحدا اذا لم يكن له فى ابناء جنسه نظير فى خصلة من خصال الخير وذلك بالاضافة الى ابناء جنسه وبالاضافة الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت اخر مثله وبالاضافة الى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الاطلاق الا لله عز وجل اه وذكر الشيخ ابو منصور البغدادى فى الفرق بين الواحد والاحد اقوالا منها قد تقدم ذكرها آنفا ومنها ما لم يذكر فمن ذلك قال بعض المتكلمين انه واحد فى ذاته احد فى صفاته وقال اخرون انه واحد بلا كيف احد بلا حيث وقال اخرون وصفه بانه الواحد يدل على اوليته وازليته لان الواحد فى الاعداد والاحد فى ذاته اشارة الى توحيده فى صفاته وقال @ اخرون انه واحد بلا شريك فى الصنع لانفراده بالخلق والاختراع ولذلكقال الله تعالى ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار احد بنفى الابتداء والانتهاء والتشبيه عنه لقوله تعالى قل هو الله احد الله الصمد لو يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فلما نفى الشرك من الصنع والاختراع وصف نفسه بانه واحدا ولما نفى عن نفسه الابتداء والانتهاء ونفى التشبيه وصف نفسه بانه احد (رفد لا مثل له) يطلق الفرد فى اوصافه تعالى ويراد به انه يخالف الاشياء كلها فى الازدواج المنبه عليه بقوله ومن كل شئ خلقنا زوجين وقيل هو المستغنى عن كل شئ المنبه عليه بقوله ان الله لغنى عن العالمين واذا قيل انه منفرد بوحدانيته فمعناه انه مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها على انه بخلاف كل موجود والمثلية عبارة عن المشابهة لغيره فى معنى من المعانى اى معنى كان وهو اعم الالفاظ الموضوعة للمشابهة وسيأتى لذلك مزيد تحقيق * (تنبيه) * قال ابو منصور البغدادى قد اجمعت الامة على اطلاق اسم الفرد على الله تعالى وخالفهم عباد بن سليمان الضميرى من المعتزلة فانه زعم انه لا يجوز تسميته تعالى به وقال انما يصح اطلاق لفظ الفرد على الواحد الذى يجوز ان يكون له زوج لانهم يقولون فى العدد فرد وزوج وقد اجمعت الامة قبل ظهور عباد على اطلاق هذا الاسم عليه فى قولهم يا واحد يا فرد فلا اعتبار بخلاف المبتدع الضال لاهل الاجماع مع صحة معناه فيه لان الفرد هو الذى يتنصف والله سبحانه وتعالى ليس له نصف ولا شئ من الاجزاء والابعاض ويلزم على قوله المتقدم ان لا يسموا الاله واحدا لان الحساب قرنوا الواحد بالاثنين واكثر منه فقالوا واحد واثنان كما قالوا فرد وزوج (صمد لا ضد له) قيل فى الصمد ثلاثة اقوال احدها انه الذى لا يطعم روى ذلك عن الاعمش واستدل بقوله عز وجل وهو يطعم ولا يطعم وفى ذلك ابطال قول من زعم من النصارى ان عيسى عليه السلام اله وقال تعالى فى عيسى وامه عليهما السلام كانا يأكلان الطعام فبين ذلك ان الذى يأكل ويشرب لا يكون الها وفى ذلك دلالة على ان كل محتاج الى شئ فهو غير اله والاله هو الغنى عما سواه والقول الثانى ان الصمد هو الذى لا جوف له قاله السدى ففيه ابطال قول المشبهة من اليهود والهاشمية الذين زعموا ان معبودهم صورة مجوفة وقالوا نصفه الاعلى مخوف ونصفه الاسفل مصمد كما ذهب اليه هشام وسالم فاخبر الله انه صمد له جوف ولا صورة ولا تركيب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والقول الثالث ما ذهب اليه اهل اللغة بلا اختلاف ان الصمد السيد الذى انتهى اليه السودد والصمود فى النوائب الذى يصمد ايله فيها ةقيل هو السيد الذى صمد له كل شئ اى قصد قصده وتأويل صمود الاشياء لله تعالى دلالة كل شئ عليه بانه الصانع الاحد القديم الماجد من عرفه قصده بالرغبة اليه والرهبة منه واقتصر المصنف فى المقصد الاسنى من معانيه على الذى يصمد اليه فى الحوائج ويقصد اليه فى الرغائب اذ ينتهى اليه منتهى السودد ثم قال من جعله الله مقصدا لعباده فى مهمات دينهم ودنياهم واجرى على لسانه ويده حوائج خلقه فقد انعم عليه بحظ من معنى الوصف ليكن الصمد المطلق هو الذى يقصد اليه فى جميع الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى اه وقال الشيخ الاكبر فى حقائق الاسماء الصمد هو الذى يلجأ ويقصد اليه فى الحوائج والنوائب فصمدية الحق من حيث انه ما من شئ الا عنده خزائنه والخزائن غير متناهية لكن اقسام كلياتها ترجع الى العلوية والسفلية والغيبية والشهادية والثبوتية والوجودية وكلها عند الحق ومفاتيحها بيده يفتحها لمن شاء اذا شاء بما شاء ثم اطال الكلام وقال ولما كانت الكفايات والافتقار موزعة على افراد اشخاص خزائن الوجود فاكل عين من اعيان الموجود حظ من الصمدية فيما لا يظهر الا به ولذلك نهينا ان نصمد فى صلاتنا الى السترة صمدا وهو اشارة الى الغيرة الالهية وانه لا ينبغى للعبد ان يصمد صمدا الا الى الصمد المطلق عز سلطانه اه بقى شئ اشار له ابو منصور البغدادى وهو انه ان كان الصمد بمعنى السيد الذى انتهى اليه. @ السودد فيكون من صفات الذات وان كان بمعنى من يصمد اليه فى النوائب كان من صفاته الفعلية واذا قلنا انه الذى لاجوف له والذى لايطعم كان من صفاته الازلية التى استحقها لنفسه وكان فى الازل صمدا على هذا التاويل (منفرد لاندلة) الانفراد والتفرد والفردية شئ واحد وليس المطاوعة فى الانفراد مرادا هكذا هو فى بعض النسخ وفى بعضها متفرد بالتاء الفوقية وهو الصحيح لان المنفرد بالنون قد منع اطلاقه عليه سبحانه الامام ابو منصور البغدادى قال وقد نطق الكتاب والسنة بانه تعالى واحد وفى معناه المتوحد والمتفرد ولذلك قال اصحابنا ان الاله متفرد بالالهية متوحد بالفردانية اه والند بالكسر هو المثل المساوى وقيل هو اخص من المثل فان الند هو المشارك للشئ فى جوهره وذلك ضرب من المماثلة فان المثل يقال فى اى مشارك كان وكل ند مثل ولبس كل مثل ندا وقيل لايقال الا للمثل المخالف المتساوى وقيل هو بمعنى المثل من غير عموم ولا خصوص وهذا اولى لان المطلوب النهى على ان يجعل الله تعالى مثلا على الاطلاق لانه لايلزم من النهى عن الاخص النهى عن العم وقيل الند هو النظير وقيل الضد قاله ابو عبيدة وهوليس كذلك بدليل قولهم ليس لله بد ولا ضد وقال فى تفسيره انه نفى ما يسد مسده ونفا ما ينافيه فدل ذلك على انهما غيران وقيل الند الاشتراك فى الجوهر والضد هو ان يعقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد والله تعالى منزه على ان يكون له جوهر فاذ الاضدله (قديم لا اول له) اشتهر وصف البارى تعالى بالقديم فى عبارات المتكامين ولم يرد فى شئ من القران والاثار الصحيحة وصفة الله تعالى به لكنه قد ورد ذكره فى بعض الادعية واحسبها ماثورة ياقديم الاحسان قاله الراغب قلت قد اجمعت الامة على وصفه تعالى به ورد ذكره فى بعض الاخبار التى ذكرت فيها الاسماء الحسنى ودل عليه من القران عز وجل وما نحن بمسبوقين والخبر الذى ورد فيه ذكره هو ما اخبر به الشيخ المسند الجليل عمر بن احمد بن عقيل اجازه عن الامام الحافظ عبد الله بن سالم البصرى اخبرنا محمد بن علاء الدين اخبرنا على بن يحيى اخبرنا عبد الله بن يوسف اخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ اخبرنا عبد الرحيم بن محمد اخبرنا عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى اخبرنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن ابراهيم البزودى قراءة عليه وانا اسمع بقاسيون اخبرنا ابو الحسن على بن احمد بن عبد الواحد المقدسى اخبرنا ابو القاسم عبد الواحد بن ابى المطر الصيدلانى اجازة اخبرنا ابو سعد اسمعيل بن احمد بن عبد الملك النيسابورى اخبرنا ابو الرجاء خلف بن عمرو بن عبد العزيز الفارسى حدثنا الاستاذ ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمى اخبرنا ابو عمرو ومحمد بن جعفر بن مطر حدثنا عبد الله بن زيدان البجلى بالكوفة حدثنا محمد بن عمرو بن الوليد الكندى حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد العزيز بن حصين حدثنى ايوب السختيانى وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان لله تسعة وتسعين اسما من احصاها كلها دخل الجنة فساقها وذكر فيها بعد الفتاح القديم الوتر الفاطر الرازق واختلف فى وصفه بانه قديم من قال استحقه لنفسه وبه قال ابو الحسن الاشعرى فعلى هذا هو من صفة الذات ومنهم من قال انه تعالى قديم لمعنى يقوم به وهو قول عبد الله بن سعيد فيكون من اسماء الصفات الازلية القائمة به وشرح هذا القول ان الاشعرى يقول ان القديم معناه المقدم فى وجود ما يكون بعده والتقدم نوعان احدهما تقدم بلا ابتداء كتقدم البارى عز وجل وصفاته القائمه بذاته على على الحوادث كلها وهذا هو المراد من قول المنصف قديم لا اول له والثانى تقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض واجاز وصف القديم على الله تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القدين قديم لنفسه لا معنى يقوم به فلا ينكر وصف صفاته الازليه بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد ابو العباس القلانسى وهما من قدماء الاشاعرة ان القديم قديم بمعنى يقوم به فهم يقولون ان الالهة سبحانه قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة ازلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعمت المعتزلة ان الله تعالى لايوصف بانه قديم ولابانه كان عالما فى @ الازل بنفسه وسياتى البحث فى ذلك والرد عليهم ان شاء الله تعالى (ازلى لابداية له) الازل استمرار الوجود فى ازمنة متقدمة غير متناهية فى جانب الماضى والازلى ما ليس بمسبوق بالدعم ويقال ان اصله يزلى منسوب الى قولهم للقديم لم يزل ثم نسب الى هذا فلم يستقم الا بالاختصار فقالو يزلى ثم ابدلت الياء الفا للخفة فقالوا ازلى كما قالوا فى الرمح المنسوب الى زى يزن ازنى والى يثرب نصل اثر بى نقله الصغانى عن بعض اهل العلم والبداية بالكسر الابتداء وهى بالياء لغة الانصار ولغة غيرهم البداءة بالهمز (مستمر الوجود لا اخر له) الوجود صفة نفسية على المشهور لاتوصف بالوجود اى فى الخارج ولا بالعدم اى فى الذهن لانها من جملة الاحوال عند القائل بها وهو زائد على الذات كما ذهب اليه الفخر الرازى والجهود واما على القول بانه عين الذات كما ذهب اليه الاشعرى فجعله صفة للذات نظرا الى انها توصف به فى اللفظ فيقال ذات الله موجودة (ابدى لا نهاية له) الابد استمرار الوجود فى ازمنة 7 مقدرة غير متناهية فى الماضى وعبر عنه الراغب بانه مدة الزمان المعتد الذى يتجزا كما يتجزأ الزمان فهو اخص من الزمان والابدى مالا يكون منعدما والموجود ثلاثة اقسام لارابع لها ازلى ابدى وهو الحق سبحانه ولاازلى ولا ابدى وهو الدنيا وابدى غير ازلى وهو الاخرة عكسه محال اذا ما ثبت قدمه استحال عدمه (قيوم لا انقطاع له) القيوم فيعول قلبث الواو الاولى ياء لاجل الياء قبلها ادعمت الياء الاولى فيها ومعناه الحافظ القائم على كل شئ والمعطى له مابه قوامه وقال ابو عبيد هو الدائم الذى لايزول وقيل هو القائم بامور الخلق ولا يجوز اطلاق هذه اللفظة على غير البارئ تعالى لما فيه من المبالغة كما ذكر ولذلك فى الرحمن وغيره وقال المصنف فى المقصد الاسنى لقيوم هو الذى قوامه بذاته وقيام كل شئ به وليس ذلك الا الله تعالى فان الاشياء تنقسم الى مالا يقوم بنفسه ويفتقر الى محل كالاعراض والاوصاف فيقال فيها انها ليست قائمة بانفسها او الى ما يحتاج الى محل فيقال قائم بنفسه كالجواهر الا ان الجواهر وان استغنى عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن امور لابد منها لوجوده وتكون شرطا فى وجوده فلا يكون قائما بنفسه لانه محتاج فى قوامه الى وجود غيره وان لم يحتج مع ذلك الى محل فانه كان موجود يكفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولايشترط فى دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فان كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لايتصور للاشياء وجود ولادوام وجود الاية القيوم لان قوامه بذاته وقوام كل شئ به وليس ذلك الالله سبحانه وتعالى ومدخل العبد فى هذا الوصف بقدر استغنائه عما سواه الله تعالى اه وقال الشيخ الاكبر قدس سره اعلم ان طائفة من ارباب الطريقة منعت من التخلق بالقيومية وقالت انها من خصائص الحق وعند اهل الكشف هذه الصفة احق بالتخلق والاتصاف اشمول سريانها وقيام الحقائق الكونية وظهور الاسماء الالهية بها ولما كانت القيويمة من صفات الحى لذاته ونعوته استصحب القيوم الحى حيث كان وقد ثبتت الحياة لكل شئ من سريان اسم الحى فكان كل شئ حى كذلك كل شئ قائم بسريان القيومية ولولا هذا السريان ما قام اعيان المكان لامر الحق بقوله وقوموا لله قانتين فشرت احكام القيومية واثارها فى الحقائق المعنوية ومراتب الشئون الغيبية وبسائط الارواح النورية وتجليات الاسماء الالهية اولا وفى النفوس والانفاس الانسانية الكمالية الجمعية الاحاطية ثانيا وفى حقائق الحروف الرقية واللفظية والذهنية الدالة على الحقائق المعنوية ثالثا فلولا سريانهم فى حقائق العلوية المعنوية ماخرجت الاعيان الوجودية من مكامن الثبوت ولولا اثارها فى الانفاس ما ظهرت صور الحروف البسيطو ولولا حكم التاليف للحروف المشيرة الدالة ما كان للكلمات الوجودية ظهور اه وقال الامام ابو منصور البغدادى ان اخذنا القيوم من معنى القيام على النفس بارزاقها واجالها والجزاء على اكتسابها كان من اوصافه البشتقة من افعاله ولم يكن من صفاته الازلية وان اخذناه من معنى الدائم كان من الازلية الذاتية لانه يكون بمعنى الباقى وبقاؤه عندنا صفة ازلية وفى صحة هذا الاسم لله تعالى فوائد منها دوام بقائه ودوام مقدوراته وقدرته عليها واثبات @ قيامه على النفوس بما كسبت واثبات جزائه لها على اكتسابها وفى كل منها رد على المخالفين على ما سياتى واطلاق المتكلمين فيه انه القائم بنفسه فانهم يريدون به استغناء عن محل يحله او يقله وقال بعض اصحابنا لا قائم بنفسه فى الحقيقة الا الله سبحانه وتعالى فاتا الجوهرة فانه وان صح وجوده لا فى مكان فلا يصح وجوده بنفسه بل هو مفتقر فى وجوده الى صانعه وهؤلاء يقولون ان المحدثات كلها قائمة بالله تعالى على معنى انه هو الموجد لها لاعلى معنى حلولها فيه والله عز وجل قائم بنفسه لان وجوده واجب لذاته من غير موجد اوجده بل لم يزل موجودا او لايزال باقيا ابدا (دائم لا انصر ام له) اصل الدوام السكون ويعبر به عن البقاء فيقال الدائم هو الباقى ويكون الدوام بالضم بمعنى الدوران ولايجوز وصف الله بالدائم الا بمعنى الباقى فهو من صفاته الازلية الذاتية فاما الدائم بمعنى الساكن والدائر فانما يصح وصفه بذلك على مذهب الكرامية المجسمة والمشبهة الجوار بيتو الهشامية فان هؤلاء وصفوه بالدوران والانتقال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والانصرام الانقطاع (لم يزل ولا يزال) هو عبارة عن القدم والبقاء قال الزمخشرى فى الاساس قولهم كان فى الازل قادرا عالما وعلمه ازلى وله الازلية مصنوع لا من كلامهم وكانهم نظروا الى العظام يزل (موصوفا بنعوت الجلال) اشار به الى الصفات السلبية وهى سلب ما يستحيل ويمتنع لقد وسيته سبحانه ومنه ايضا قول المصنف فى عقيدة اخرى له لم يزل ولا يزال مقدسا عن كل نقص وافة لايوصف بصفات المحدثين ولايجوز عليه ما يجوز على المخلوقين (لايقضى عليه بالانقضاء) اى لايحكم عليه به (بتصرم) اى انقطاع (الاباد) جميع ابدوهو الدهر الطويل الذى ليس بمحدد (وانقراض الاجال) جمع اجل وهو المدة او الوقت (بل هو الاول) قبل كل شئ بالوجوب وابتدائه بالاحسان (والاخر) بعد كل شئ برجوع الامر اليه وبفضله بالغفران فللحق الاولية من حيث انه موجد كل شئ وله الاخرية من حيث رجوع الامر كله اليه وظهور مراتب الالهية كلها فيما بين الاولية الاخرية قال المصنف فى المقصد الاسنى اعلم ان الاول يكون اولا بالاضافة الى شئ وان الاخر يكون اخرا بالاضافة الى شئ وهما متناقضان فلا يتصور ان يكون الشئ الواحد من وجه بالاضافة الى شئ واحد اولا واخرا جميعا بل اذا نظرت الى ترتيب الوجود لاحظت سلسلة الموجودات المترتبة فالله تعالى بالاضافة اليها اول اذا الموجودات كلها استفادت الوجود منه واما هو فوجود بذاته ما استفاد الوجود من غيره ومهما نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت مرتبة السائرين اليه فهو اخر ماترتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاه الى معرفته والمنزل الاقصى هى معرفة الله تعالى فهو اخر بالاضافة الى السلوك اليه واول بالاضافة الى الوجود فمنه المبدا اولا واليه المرجع والمصير اخرا (والظاهر) بنفسه لنفسه والمظهر لغيره ولكمال ظهوره وجلاله بروزه اورثت شدة ظهوره خفاء فسبحان من احتجب باشراق نوره واختفى عن الابصار والعقول لشده ظهوره (والباطن) عن خلقه فلم يزل باطنا فهو الظاهر بالكفاية والباطن بالعناية وقال المصنف فى المقصد الاسنى هذا الوصفان ايضا من المضافات فان الظاهر يكون ظاهرا من وجه وباطنا من وجه اخر وبالاضافة الى ادراك فان الظهور والبطون انما يكون بالاضافة الى ادراكات والله سبحانه وتعالى باطن ان طلب من ادراك الحواس وخزانة الخيال ظاهران طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال اهم وهذه الاسماء الاربعة مع ما تقدم من كونه واحد فردا صمدا متفردا قديما دائما ازليا قيوما عبارة عن معنى ذاته على الوصف الذى يستحقه بنفسه وفى الاخير خلاف لاختلافهم فى تفسيره ولذا عده بعضهم فى القسم الذى يفيد الخير عن افعاله (الثنريه) وهو تبرئة الله عز وجل عما لا يليق بجلاله وقدسه من كل عيب ونقص ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان على قبول والفرق بين العيب والنقص بالعموم والخصوص @ فكل عيب نقص عيبا كفوات الكمال او كمال الكمال وضد العيب السلامة وضد النقص التمام والكمال والمراد تنزيه الله عن هذه الثلاثة فى ذاته وصفاته وافعاله اما الذات فيجب ان يسلب عنها الثلاثة عيب الحدوث والتكثر والجوهرية والعرضية والجسمية والافتقار الى الموجد والموجب وكذا من النقص الذى يعترى الحادثات ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان فان اثبات ذلك من الالحاد فى الاسماء وكذلك يجب سلب ذلك عن الصفات والافعال هذا على طريق الاجمال وقد اشتمل سياق المصنف الاتى على جمل من ذلك بالرموز والاشارات واما تنزيه عن عيب الحدوث فى ذاته فقد اشار به انفا بقوله قديم لا اول له ازلى لا بداية له اى لا اول لوجوده ومن كان كذلك لايجوز عليه الحدوث (وانه) تعالى (ليس يحسم) لان الجسم ماله طول وعرض وعمق قاله الراغب وقال غيره هو ما يتالف عن جوهر بن فاكثر وقال بعضهم هو جواهر مجتمعة والله تعالى متعال عن حال الاجسام وافتقارها وقبولها للانقسام فمن وصفه بالجسمية ضل واضل وقد حكى البيهقى عن الحليمى ان قوما ازاعوا عن الحق فوصفوا البارى جل وعز ببعض صفات المحدثين فمنهم من قال انه جسم تعالى الله عن ذلك اه ومنهم من زاد على ذلك فقال انه (مصور) اى حسن الصورة معتدلة لما يقال رجل مصور بهذا المعنى عند اهل اللغة وقد اجمع اهل السنة ان الله تعالى خالق الصور كلها ليس بذى صورة ولا يشبه شيئا وفى ذلك خلاف لفرق من اليهود والمعتزلة والمغيرية وغلاة الروافض والهشامية (ولاجوهر محدود مقدر) والجوهر هو الجزء الذى لا ينقسم وهو اصل الشئ وهو ما يثر كب منه الجسم والمحدود الذى له حد يقف عند وغاية ينتهى اليها والمقدر الذى يدخل تحت التقدير وكل ذلك مما ينزه البارى تعالى عنه (وانه لايمائل) اى لا يشابه (الاجرام) اى الاجساد (لا فى التقدير) والتحديد (ولا فى قبول الانقسام) كما هو شان الاجسام والله منزه عن ذلك (وانه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا بعرض ولا تحله الاعراض) لانه لو كان جوهرا او عرضا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر والاعراض واذا جاز ذلك لم يصح ان يكون خالقا والله خالق كل شئ فالاشياء كلها مخلوقة غير الله وصفاته وايضا الاعراض صفات الاجسام كاللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والاجتماع والافتراق والحركة والسكون والاجتصاص بالجهات والتحيز فى المكان والعرض لا يبقى زمانين ولا يقوم بنفسه وانما يقوم بغيره وكل ذلك حادث مخلوق متغير وجميع المخلوقات من العوالم العلوية والسفلية ينقسم الى ذلك والله خالقه جل جلاله (بل لا يمائل موجود اولا يماثله موجود) لانه لو كان كذلك لكان مخلوقا مثل ذلك من حيث انه يماثل لان الموجودات كلها مخلوقة لله تعالى غير الله وصفاته (و) انه (ليس كمثله شئ) والكاف زائدة اى ليس مثله شئ او المراد بالمثل ذاته (ولا هو مثل شئ) وسياتى البحث فيه (و) انه تعالى (لايحده المقدار ولا يحتويه) اى لاتضمه (الاقطار) جمع قطر بالضم اى الاطراف (ولا تحيط به الجهات الست) هو المحيط بكل شئ يعمله وقدرته وسلطانه (ولا تكتنفه الارضون ولا السماوات) يقال اكتنفه القوم كانو منه يمنه ويسره اى انه سبحانه لا مكان له ولا جهة قال الشافعى رحمه الله تعالى والدليل عليه هو انه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الازلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير فى ذاته ولا التبديل فى صفاته وقال امام الحرمين فى لمع الادلة والدليل على تقدسة تغالى عن الاختصاص بجهة والاتصاف بالمتحاذيات وان لاتحده الاقطار ولا تكتنفه الاقدار ويحل عن قبول الحد والمقدار ان كل مختص بجهة شاغل لها وكل متحيز قابل لملاقاه الجواهر ومفارقتها وكل ما يقبل الاجتماع والافتراق لا يخلو عهما ومالايخلو من الافتراق والاجتماع حادث كالجواهر فاذا ثبت تقدس البارى عن التحيز والاختصاص بالجهات فيترتب على ذلك تعاليه عن الاختصاص بمكان وملاقاه اجرام واجسام فقد بان لك تنزيه ذاته سبحانه عن كل مالايليق بجلاله وقد وسيته (وانه) تعالى (مستو على العرش على الوجه الذى قاله) فى كابة العزيز الرحمن على العرش @ استوى (وبالمعنى الذى اراده) بما يليق به سبحانه اعلم به كما جرى عليه السلف فى المتشابه من التنزيه عما لا يليق بجلال الله تعالى مع تفويض علم معناه اليه لا كما قاله بعض من اجازات ان يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره على شئ (بل استواء منزها عن المماسة) والمحاذاه (والاستقرار والتمكن) على شئ (والحلول) فى شئ و(الانتقال) من مكان الى اخر قيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى فان ذلك كله من صفة استواء الاجسام بالاجسام (لايحمله العرش) كما يقول البعض المجسمة نظرا الى ظاهرة لفظ فوق (بل العرش وحملته) وهم الملائكة الموكلون بحمله (محمولون باطاف قدرته) الباهرة (ومقهورون فى قبضته) القاهرة (وهو) تعالى (فوق العرش وفوق كل شئ الى تخوم الثرى) اى حدود الارض جمع تخم كفلوس وفلس وقال ان الاعرابى وابن السكيت الواحد تخوم والجمع تخم كرسول ورسل (فوقية) تليق بجليل ذاته بحيث (لاتزيده قربا الى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الارض والثرى) قال ابو اسحق الشيرازى فلو كان فى جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه اذا سجد بل هو تعالى (رفيع الدرجات) والرفعة العلو يقال هو رفيع القدر اى عالى المنزلة والشرف والدرجات جمع درجة والمراد بها المرتبه المعنوية (عن العرش والسماء كانه رفيع الدرجات عن الارض والثرى) ولم يرد رفيع فى اسمائه تعالى الا مقيدا بمضاف اليه وهو الدرجات وقال ابو منصور البغدادى تفسير الدرجات فيما يليه وهو ذو العرش لان العرش هو الدرجات الرفيعة اذ لجسم اعلى من العرش وليس معنى رفيع الدرجات كونه على درجات مرتفع لانه يستحيل كونه فى مكان لكن معناه انه رفيع العرش اى ان العرش الرفيع له هو خالقه ومالكه فهو بان يكون مالكا خالقه لما دونه اولى اه ولا يخفى ما فيه من التكلف وسياق المصنف يأباه كذلك فتامل (وهو مع ذلك قريب من كل موجود) واطلاق لفظ القريب عليه تعالى دل عليه فى القران قوله عز وجل واذا سالك عبادى عنى فانى قريب ومعناه القرب على معنى العلم منه بعباده وباحوالهم (وهو اقرب الى العبيد من حبل الوريد) عرق بين الحلقوم والعلباوين وهو ينبض ابدا وهو من الاورده التى فيها الحياة ولا يجرى فيها الدم بل هى تجارى النفس بالحركات قاله الفراء كما فى المصباح وهذا معنى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اى اعلم منه بنفسه وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم واسجد واقترب دليل على ان المراد به قرب المنزلة لاقرب المكان كما زعمت المجسمة انه مماس لعرشه اذا لو كان كذلك لازداد بالسجود منه بعد الاقربا (وهو على كل شئ شهيد) اى شاهد حاضر وحفيظا عالم لايغيب عنه شئ فعلى هذا هو ومن صفاته الازلية التى استحقها لاجل عمله القديم ولم يزل شهيدا (اذلا يماثل قربه قرب الاجسام كمالا تماثل ذاته) الشريفة (ذات الاجسام وانة) تعالى (لايحل فى شئ) لاذاته ولا صفاته اما ذاته فلان الحلول هو الحصول الحيز تبعا والله تعالى منزه عن التحيز ولان الحلول ينافى الوجوب الذاتى لافتقار الحال الى المحل واما صفاته فلات الانتقال من صفات الاجسام والله تعالى منز عن الجسمية كما مر (ولا يحل فيه شئ تعالى) وتقدس (عن ان يحويه مكان) فيشار اليه او تضمنه جهة وانما اختصت السماء برفع الايدى اليها عند الدعاء لانها جعلت قبلة الادعية كما ان الكعبة جعلت قبلة المصلى يستقبلها فى الصلاة ولا يقال ان الله تعالى فى جهة الكعبة (كما تقدس عن ان يحده زمان) لان المحدود محتو على اجزاء الماهية والله تعالى منزه عن ذلك كما تقدم (بل كان) تعالى (قبل ان خلق الزمان والمكان) والعرش والكرسى والسماوات والارضيين (وهو الان على ما عليه) من سلطة الازلية كما (كان) قبل خلقه الزمان والمكان وغيرهما (وانه) تعالى (بائن عن خلقه اصفائه) العلية (ليس فى ذاته سواء جل وعز ولا فى سواء ذاته) الشريفة (وانه) تعالى (مقدس) مره (عن التغير) من حال الى حال (والانتقال) من مكان الى مكان وكذا الاتصال والانفصال فان كلا من ذلك من صفات المخلوقين @ (لاتحله الحوادث) ولا تقوم به لانه لو جاز لك لزم عدم خلوه عن الحادث لا تصافه قبل ذلك الحادث بضده الحادث لزواله وبقابليته هو (ولاتعتريه العوارض) وهى الافات العارضة والا كدار والكثافات والاناس هو سبحانه وتعالى منزله عن ذلك (بل لايزال فى نعوت جلاله) واوصاف كماله (منزهاعن) نقص (الزوال وفى زيادة كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال) اذ كل كمال فانما يفاض منه بدا واليه يعود (وانه) تعالى (فى ذاته معلوم الوجود بالعقول) ان طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال (مرئى الذات بالابصار منه منه) وفضلا (ولطفا بالابرار) فى دار الدنيا (فى دار القرار) عقلا وسمعا وعليه اجمعت العلماء وفى جواز الرؤية فى الدنيا سمعنا اختلاف فاثبته قوم ونفاه اخرون كما سياتى تفصيله (واتمام للنعيم بالنظر الى وجهه الكريم) لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ثم اعلم ان صفات الله تعالى على ثلاثة اقسام نفسية وسلبية ومعان ومن اثبت الاحوال ذاد المعنوية فالصفة النفسية الوجود هى الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة بعلة فحرج من قوله الحالى المعانى والسلبية ومن قوله غير معللة الاحوال المعنوية كسكون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واما القسم الثانى وهو خمس صفات القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث اى لايماثله شئ منها مطلقا لافى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وقيامه تعالى بنفسه اى غير مفتقر الى محل ومخصص والوحدانية وهى سلب التعدد فى الذات وفى الصفات وفى الافعال قد اشار المصنف الى كل ذلك تصريحا نارة وتلميحا اخرى ولما فرغ منها شرع فى بيان صفات المعانى ويقال لها ايضا صفات الذات وصفات الاكرام وصفات الثبوت وتقديم السلبية عليها من باب تقديم التخلية على التحلية وانما سميت صفات المعانى لانها صفات موجودة فى نفسها وكل صفة موجودة فى نفسها تسمى صفة معنى لانها معان زائدة على معنى الذات العلية وعند المتقدمين لافرق بين المعانى والمعنوية قال المصنف رحمه الله (القدرة ) وهى صفة ازلية تؤثر فى الممكن عند تعلقها به ايجادا او اعداما (وانه) تعالى (حى) بحياة هى صفة ازلية له لايجوز عدمها ولازال حيا ابدا وليست حياته عن روح ولا عن لحية ورطوبة ولاعن تركيب ولاسمن نفس ولا عن سبب يوجب حدوثنا اوعيار هذه الصفة الرابعة من صفات المعانى فى تعبير المتاخرين او ردها المصنف فى ضمن صفى القدرة (قادر) بقدرة هى صفة ازلية ولا يزال قادرا ابدا (جبار) قيل معناه الذى جبر الخلق على ما اراده من امره وهو قيل الزجاج وقيل معناه جابر كل كسير وقيل هو القاسم للجبابرة والطغاة والمبيد للظلمة والعتاه وقيل معناه ذو الجبروت وقيل معناه الذى يتعظم ويتعاظم وقال ابن الانبارى هو الذى لا ينال اى هو المتعالى عن ان يدرك بحد وقيل معناه القهار ومنه قوله وما انت عليهم بجبار اى قهار قال ابو منصور البغدادى ان اخذ من معنى الامتناع عن ان ينال بحد او تشبيه فهو اذا من الصفات الذاتية التى استحقها لنفسه وان اخذ من معنى الاجبار الذى هو الاكراه على ما اراده من امر او من معنى جبر الكسر او من معنى القهر والغلبة فهو اذا من اوصافه التى استحقتها لفعله دون ذاته (قاهر) اى غالب على امره يفعل ما يشاء وبحكم ما يريد (لا يعتر به قصور ولا عجز) خلافا للثنوية والمجوس والقدرية (ولا تاخذه سنة ولا نوم) تعالى الله عن ذلك كله فالقهر صفة فعل بمعنى الغلبة فيكون القاهر من اوصافه المشتقة من افعاله ولا يكون من اوصافه الازلية وتاوله بعضهم على معنى القدرة وعلى هذا يكون فى الازل قاهرا كما كان فى الازل قادرا والاول اصوب والمعنى ان الله تعالى هو الذى قهر الجبابرة فى الدنيا بالدمار ويقهر جميع اعدائه فى الاخرة بالبوار وهذه الجمل الثلاثة سوقه لا يضاح الاسماء الاربعة اى من كان متصفا فى الازل بهذه الاوصاف يستحيل عليه طرو القصور والعجز والغفلة ومعارضة الفناء والموت (وانه ذو الملك) هو عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية (والملكوت) وهو عالم الغيب المختص بارواح النفوس وقيل هما مصدران والمعنى @ الله تعالى هو الملك حقيقة وكل مالك سواه فانما يصير مالكا لملوكه بتمليك الله عز وجل ايا من وجه ماذون فيه والله سبحانه وتعالى هو الذى وجد ما اوجد واعدم ما اعدم منها فه بدء كل مملوك واليه يعود (والعزة) اى المنعة (والجبروت) اى العظمة (له السلطان) اى القوة (والقهر) اى الغلبة (والخلق والامر والسماوات) ومافيها (مطويات) اى ملفوفات (يمينية) اى قدرته (والخلائق) اجمعون (مقهورون فى قبضته) وقهره وهو الغالب على كل شئ ولا يغلبه شئ (وانه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالايحاء والابداع) اشار بذلك الى وحدانية الافعال وهى تنفى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد او ابداع لغيره تعالى من الممكات واما وحدانية الذات التى هى عبارو عن سلب التعدد فى الذات والصفات والافعال ووحدانية الصفات وهى تقى التعدد المتصل والمنفصل فقد اشار بذلك اولا وكل من الخلق والاختراع والايجاد والابداع خص بالمولى عز وجل الا ان الخلق هو الايجاد مطلقا والاختراع هو الايجاد لاعلى مثال سابق فذلك قال (خلق الخلق) بقدرته (و) خلق (اعمالهم) لقوله تعالى والله خلقكم وما تعلمون والخلق هو انشاء الشئ واختراعه واحداثه من العدم الى الوجود وهذا لا يكون الا من الله عز وجل عند اهل الحق وعلى هذا يحمل غالب ما فى القران من هذا اللفظ الا ما شد فيه بمعنى التقدير والتصوير (وقدر ارزاقهم) واقواتهم واعطاهم منها ما قدره لهم (و) قدر (اجالهم) وهى المدد التى ينتهون اليها فالمقدر بهذا المعنى من اوصافه الفعليه دون الازلية (لا يشذ) اى لا يخرج (عن قبضته) القاهرة (مقدور) لكمال قهره (ولا يعذب) اى لا يغيب (عن قدرته) الباهرة (تصاريف الامور) وتدبيراتها (لاتحصى مقدوراته) فان كل ما صح حدوثه وتوهم كونه ولم تستحمل فى العقل وجوده فالله تعالى قادر على ايجاده واحداثه فاذا مقدوراته لا تحصى (ولا تتناهى معلوماته) اى لا تدخل تحت العد والاحصاء لان علمه نحيطا بها جملة وتفصيلا (العلم) وهى الصفى الثانية من صفات المعانى وهو المتعلق بكل واجب وكل مستحيل وكل جائز وهو صفة ازلية لها تعلق بالشئ على وجه الاحاطة به على ماهو عليه دون سبق خفاء (رانه) تعالى (عالم بجميع المعلومات) موجودا كان ذلك المعلوم او معدوما محالا كان او ممكنا قديما كان او حادثا متناهيا كان او غير متناه جزئيا كان او كليا مركبا كان او بسيطا (محيط بما يجرى من تحت تخوم الارضين الى اعلى السماوات) قال تعالى احاط بكل شئ علما اى علمه احاط بالمعلومات كلها فعلى هذا التاويل يكون المحيط من اوصافه الازلية لانه لم يزل عالما بالمعلومات كلها ودليل هذه الاحاطة قوله تعالى (لايعذب عن عمله مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماوات) وكذلك قوله عز وجل واحاط بما لديهم بل اطبق المسلمون على انه تعالى (يعلم دبيب) اى حركة (النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء) وكيف هو خالقها الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وايراد هذه الاوصاف تنبها على كمال الدقة والخفاء (ويدرك) بلا اله (حركة الزر) وهو الهباء المنتشر فى ضوء الشمس (فى جو الهواء) انه تعالى (يعلم السر واخفى) من السر وهو مايطرا وجوده فى ضمير صاحبه فيعلمه قبل ان يقع بخاطر صاحبه وقيل اخفى فعل اى واخفى ذلك عن خلقه ثم زاده يضاحا بقوله (ويطلع على هواجز الضمائر) وهى ما تقه فيه (وحركات الخواطر) مما تخطر بها (وخفايات السرائر) مما تكنها فيها (بعلم قديم) موصوف بالقدم (ازلى) غير مسبوق بالعدم بحضورها عنده بلا انتزاع صورة ولا انتقال ولا اتصاف بكيفية (لا بعلم حادث متجدد حاصل فى ذاته بالحلول والانتقال) كما ذهب اليه جهم بن صفوان والرافضة وسياتى تفصيل اقوالهم والرد فى شرح الرسالة القدسية (الارادة) وهى الصفة الثالثة من صفات المعانى ويذكرها المتاخرون مع القدرة لتعلقهما بجميع الممكنات دون الواجبات والمستحيلات الا ان جهة تعلقهما بالمكان مختلفة فالقدرة كما مر صفة ازلية تؤثر فى الممكان عند تعلقها به ايجادا او عدما والارادة صفة ازليه تؤثر فى اختصاص احد طرفى الممكن من وجود او عدم او طول او قصر ونحوها @ بالوقوع بدلا من مقابلة فصار تاثير القدرة هرع تاثير الارادة اذ لايوجد عز وجل من الممكات او يعدهم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده او اعدامه وقال شيخ مشايخنا اعلم ان فى نسبة التاثير للقدرة مسامحة اذ اذ التاثير فى الحقيقة انما هو للذات الموصوفة بالصفات فاساد التاثير للقدرة مجار قال وكان شيخنا الطوخى يمنع اسناد التاثير للقدرة ولو مجازا لما فيه من الابهام (وانه) تعالى (مريد للكائنات) على الحقيقة والارادة شرط فى كون كل فاعل فاعلا وكمالا يكون الفاعل الا قادرا كذلك لا يكون الامر يدا مختار الفعلة خلافا لمن زعم ان وصفة بالارادة مجاز وهو قول النظام والكعبى (مدبر للحادثات) بجليل حكمته (فلا يجرى فى الملك والملكوت) اى العالم السفلى والعلوى (قليل او كثير صغير او كبير) دقيق او جلبل (خير او شر نفع او ضر ايمان او كفر عرفان او نكر) صحة او سقم (فواز وخسران زيادة او نقصان طاعة او عصيان الا بقضائه وقدره) معنى قضائه تعالى عمله ازلا بالاشياء على ماهى عليه ومعنى قدرة ايجاده اياها على ما يطابق العلم (وحكمه ومشيئته) وهى والارادة مثراد فتان اراد تعالى حدوث كل ما علم على الوجه الذى علم حدوثه على الوجه الذى علم حدوثه عليه ولا يكون فى سلطانه الا مايريد كونه ولا ينتفى من ملكه الا ما اراد انتفاهم (فما شاء الله كان ومالم لم يشا لم يكن) ولا يكون وهذه هى الارادة الكونية ولا يختلف متعلقها متى تعلقت بشئ وجب وجود وفى اطلاق القول بارادته المعاصى والكفر على التفصيل اختلاف وظاهر سياق المصنف يدل على جوازه ومنهم من يقول ذلك فى الجملة ويمنع التفصيل ويكتفى بقوله ما شاء الله كان الخ وهذا كقول المسلمين فى الجملة يا خالق الاسسام وارزاق الانعام ولم يقولوا فى التفصيل يا خالق الكلاب والخنازير يراون كان فى الحقيقة هو خالقها كذلك يقول فى الجملة انه مريد لكل ماعلم حدوثه ولايقو فى التفصيل انه مريد الكفر وسائر المعاصى وان كان حدوثها بمشيئته وارادته وهذا تفصيل قدماء الاشاعرة ومنهم من قال بجواز اطلاقه مع قرينة لولاها لم يجزا طلاقها ايهام الخطا وهو قول الاشعرى يقول كل معصية اراد تعالى حدوثها من المعاصى بها كسبلة قبحا منه مذموما وهذا كقولهم ان المؤمن لا يقال له كافر على الاطلاق ولكن يقال يفيد بانه كافر بالجبت والطاغوت (لايخرج عن مشيئته الهته ناظر ولا فلته خاطر بل هو المبدئ المعيد فعال لما يريد) خلافا لمن زعم ان المعاصى كلها كانت من غير مشيئة له وقد يريد كوب الشئ فلا يكون ودليلنا قوله الفعال لما يريد فانه يدل على ان ارادته ليست من فعله لانها لو كانت فعله لوجب ان يكون مريدا لها لانه اخبرنا انما يفعل ما يريد الدليل على شمول ارادته بجميع المرادات قيام الدلالة على انها صفة له ازلية والصفة الازلية تعم جميع ما يتعلق بها من الاشتقاق كالعلم والقدرة واذا صح لنا كونها ازلية وجب ان تكون ارادة لكل مراد على الوجه الذى اراده وما يدل على صحة قولنا فى هذه المسالة انه لو جاز حدوث مالا يريده الله تعالى وجاز ان يريد شيئا فلا يتم مراده كما قالت القدرية لادى ذلك الى ابطال دلالة التمانع على توحيد الصانع وسياتى بيانه ان شاء الله تعالى (لاراد) اى لا دافع ولا مانع ولاصارف (لامره) الذى شاء (ولا معقب لقضائه) وحكمه اى لا متبع له ولا مكر له والمعقب الذى يكر على الشئ ويتبعه لينظر ما فيه من الخلل لينقضه وقيل معناه لا يقضى بعد قضائه قاض وقيل معناه لااحد يتعقبه ويبحث عن فعله (لامهرب لعبد عن معصيته) ومخالفة امره (الا بتوفيقه له ورحمته ولا قوة له على طاعته) واتيان ماموراته (الا بمعصية وارادته) وهذا هو تفسير لا حول ولا قوة الا بالله وفى هذا السياق اشارة الى ان المحبة والارادة شئ واحد وهو مذهب المصنف وعند الماثر يديه فرق بينهم او سياتى بيان ذلك (لو اجتمه الجن والانس والملائكة والشياطين على ان يحركوا فى العالم ذرة او يسكنوها دون ارادته ومشيئته عجزوا عن ذلك) فلا يجرى فى ملكه شئ الا بمشيئته فى اقضيته ومراداته سبحانه جل شانه (وان ارادته صفة ازلية قائمة بذاته) اراد بها مراداته (فى جملة صفاته) كالعلم والقدر نمو السمع والبصر والكلام (لم يزل كذلك موصوفا بها) فى الازل كما لم يزل عالما بعلم @ محيط بجميع المعلومات على التفصيل وكما انه لم يزل قادرا بقدرة شاملة لجميع المقدورات على التفصيل سامعا بسمع رائيا برؤية محيطين بجميع المسموعات والمرئيات على التفصيل (مريدا فى ازله لوجود الاشياء فى اوقاتها التى قدرها فوجدت فى اوقاتها كما اراد فى ازله) وهى الارادة لكونه وقد سبق انها متى تعلقت بشئ وجب وجوده (من غير تقدم) عن وقته (ولا تاخر) عنه (بل وقعت على وفق عمل وارادته) قال شيخ مشايخنا تاثير الارادة عند اهل على وفق العلم فكل ماعلم الله تعالى انه يكون من الممكات او لايكون فذلك مراده عز وجل (من غير تبدل ولا تغير) وفى ذلك خلاف للمعتزلة ياتى ببيان قولهم والرد عليهم (دبر الامور) لما كان التدبير فى صفات البشر هو التفكير فى عواقب الامور ولا يوصف سبحانه وتعالى به فانه لم يزل عالما قبل وقوعها فلذلك اعقبه بقوله (لابترتيب افكار) وتربص زمان) فاذا المراد بالتدبير فى الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامر من السماء الى الارض فيكون المدبر على هذا من اسمائه الازلية فلا مدبر ولا مقدر لما يجرى من السماوات والارض غيره كل حادث فيهن وما بينهن واقع بتقديره وجار على تدبيره فله التدبير والتقدير (فلذلك لم يشغله شان عن شان) وهو الان كما عليه كان ثم اعلم ان للقدرة والارادة تعلقين صلوحى وتنجيزى فالصلوحى قديم وحقيقته صحة الايجاد والاعدام بالقدرة وصحة التخصيص بالارادة بمعنى ان القدرة فى الازل صالحة للايجاد والاعدام على وفق تعلق الادارة الازلية والتنجيزى حادث وحقيقته صدور الممكات عن القدرة والارادة واللارادة تعلق ثالث وهو تنجيزى قديم وحقيقته قصد ايجاد الله تعالى الاشياء فى اوقاتها المعلومة (السمع والبصر) وهما الصفة الرابعة والخامسة من صفات المعانى المتعلقات بجميع الموجودات وحقيقة السمع صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا كاتاما الاعلى سبيل التخيل والتوهم ولا على طريق تاثير حاسة ولا وصول هواء وحقيقة البصر صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا على سبيل التخيل ولا على سبيل طريق تاثر حاسة ولا وصول شعاع ومعنى المتعلقات الطالبان بالانكشاف لجميع الموجودات (وانه تعالى سميع بصيؤ يسمع ويرى ولا يعذب) اى لا يغيب (عن سمعه مسموع وان خفى) كوقع ارجل النملة على الاجسام اللينة وكلام النفس فانه تعالى يسمع كلا منها (ولايغيب عن رؤيته مرئى وان دق) كالذرة فى الهواء يسمع النداء ويجيب الدعاء (ولا يدفع سمعه بعد ولا يحجب سمعه بعد ولاية رؤيته ظلام) بل (يرى من غير حدقة) يقلبها (ولا اجفان) يحركها تعالى الله عن ذلك (ويسمع من غير اطمخة) جمع صماخ بالكسر وهو الثقب الذى فى الاذن (ولا اذان) كما انه تعالى (يعلم بغير) دماغ (وقلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير اله) منزه عن سمات البرايا (اذا لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لاتشبه ذات الذات الخلق) اى ليس علمه كعلم مخلوق المختلف فى محلة اهو الدماغ او القلب ولا كسمع مخلوق الذى هو بقوة مودعة فى مقعر الصماخ يتوقف ادراكها كالاصوات على حصول الهواء الموصل لها الى الحاسة وتاثير الحاسة ولا كبصر المخلوق الذى هو قوة مودعة فى العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ فلذلك لم تشبه صفاته صفات الخلق كما لم تشبه ذاته ذات الخلق لما ثبت تنزيهه وتقديسه عما لايليق به جل جلاله قال المنجورى فى حواشيه على الصغرى والفحيحى على ام البراهين ان السمع والبصر ليس لهما الا تعلق واحد تنجيزى وهو ينقسم الى قسمين تنجيزى قديم كانكشاف ذات الله تعالى وصفاته الوجودية له فيما لا يزال فحينئذ ليس لها تعلق صلاحى لقولهم ان صفة الانكشاف لا صلاحى لها علما وسمعا وبصرا وادراكا وافهم قوله المتعلقات بجميع الموجودات انهما لا يتعلقان بالمعدومات ولو كانت ممكنة قال شيخ مشايخنا وهذه المسئلة مما @ خولف فيها الشيخ السنوسى اعنى تعلق السمع والبصر بخصوص الموجود وقد سبقه الى ذلك الفخر والامام والشهر ستاتى فى النهاية هو قول الاشعرى وسياتى لذلك تحقيق (الكلام) وهى الصفة السادسة من صفات المعانى وهى صفة ازلية قائمة بذاته تتعلق بما تعلق به العلم وهو كل واجب وكل مستحيل وكا جائز لا تقبل العدم ولا ما فى معناه من السكوت ولا التحديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا اللحن ولا الاعراب ولا الحرف ولا الصوت ولا سائر انواع التغيرات فقال (وانه تعالى مثلكم) لاختلاف فى ذلك لارباب المذاهب والملل وانما اختلفوا فى معنى كلامه تعالى وحقيقته كما سياتى بيانه (امرناه) مخاطب قائل مخبر (واعد متوعد) اجمعوا على ذلك وعلى ان كلامه امر وينتهى وخبر وخطاب وهذا بحسب المتعلق فان تعلق بتحصيل الفعل فامر او بالكف عنه فننهى وبوقوع النسبة او لا وقوعها فحبر واما النداء والوعد والوعيد فالكل راجع امالى الخبر او الى الطلب وعلى انه لا يوصف بانه ناطق وانما اختلفوا فى مسائل من فروع هذا الباب من طريق العبارة وخالفهم طوائف فى اصول هذا الباب وفروعه ودليل المتكلم والمتحدث على اثبات الكلام له تعالى قوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما واما الصوفى يقول الكلام وصفه كمالية اذ مرجع ذلك الانباء عن الشئ وكل الاشياء قابلة للانباء فلابد من حصول تلك الصفة على كمالها وحصولها على الكمال لا يكون الا بحيث لا ترتفع لنقيضها وذلك لا يكون الا فى واجب الوجود فواجب الوجود له تلك الصفة الكمالية اذ هو الذى له الكمال المطلق وهو المطلوب (بكلام ازلى قديم قائم بذاته) لان ثبوت المشتق للشئ يدل على ثبوت ما اخذ الاشتقاق لذلك الشئ (لا يشبه كلام الخلق) اذ كلام الخلق كله عرض وكلام الله تعالى لايوصف بجسم ولا عرض ثم بين وجه عدم شبه الكلام الخلق فقال (فليس بصوت يحدث من بين انسلال هواء او اصطكاك اجرام ولا يحرف يتقطع باطباق شفة او تحرك لسان) فكل ذلك من صفات كلام الخلق قال ابو الحسن الاشعرى الكلام كله ليس من جنس الحروف ولا من جنس الاصوات بل الحروف والاصوات على وجه مخصوص دلالات على الكلام القائم بنفس المتكلم وقال عبد الله بن سعيد وابو العباس القلانسى واصحابهما وهم من قدماء الاشاعرة ان كلام المخلوق حروف واصوات لانه تكون لها مخارج الحروف والاصوات وكلام الله ليس بحروف ولا اصوات لانه غير موصوف بمخارج الحروف والاصوات وهذا القول هو اختيار اكثر اصحاب الحديث قال ابو منصور والبغدادى وبه تقول وقال الامام ابو المعلى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت اى فهو منزه عن جميع ماتقدم لانه قديم والقديم لا يوصف باوصاف الحوادث وكيفية مجهوله لنا كما لا نحيط بذاته وبجميع حقائق صفاته فليس لاحد ان يخوض فى السكنة بعد معرفة ما يجب لذاته تعالى وصفاته (وان القران والتوراة والانجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله) اى الحروف انما هى عبارة عنه والعبارة غير المعبر عنه فلذلك اختلفت باختلاف الالسنة واذا عبرت عن تلك الصفة القائمة بذاته تعالى بالعربية فقران وبالعبرانية فتوراه وبالسريانية فانجيل وزبور والاختلاف فى العبارات دون المسمى فحروف القران حادثة والمعبر عنه بها هو المعنى القائم بذات الله تعالى قديم فالتلاوة والقراءة والكتابة حادثة والمناو والمقروء والكتوب قديم اى مادلت عليه الكتابة والقراءة والتلاوة كما اذا ذكر الله بالسنة متعددة ولغات مختلفة فان الذكر حادث والمذكور هو رب العباد قديم (وان القران) كلام الله تعالى غير مخلوق وانه مسموع بالاذان (مقروء بالالسنة) قالى الخراشى فى شرحه على ام البراهين الفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة اخص من القران لان التلاوة لا تكون فى كلمة واحدة والقراءة تكون فيها تقول فلان قرا اسمه لا تقول تلا اسمه فالقراءة اسم لجنس هذا الفعل (مكتوب فى المصاحف محفوظ فى القلوب والصدور وانه مع ذلك @ قديم، لا يوصف بالحدوث والخلق (قائم بذات الله تعالى) لا تفاقهم على ذلك وهذا كله حق واجب الايمان به لان القرآن يقال عليه الكلام فيقال على المعنى القائم بذاته عز شانه المعبر عنه بالسان العربى المبين ومعنى الاضافه فى قولنا كلام الله تعالى اضافه الصفه الى الموصوف كعلم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا ويقال على الكلام العربى المبين الدال على هذا المعنى القديم ومعنى الاضافه على هذا التقدير هى معنى اضافه الفعل الى الفاعل كخلق الله ورزقه وكلا الا الاطلاقين حقيقه على المختار خلافا لمن زعم انه حقيقه فى احداهما مجاز فى الاخر معنى ان القرآن مسموع بما يدل عليه وهو العباره متلو بالالسنه كذلك محفزظ بالرقوم والخطوط الحسيه والحاصل انه مسموع بما يدل من الحروف المرسومه فى قوى السمع مكتوب بما يدل عليه رقما متلو وبما يدل عليه نماقا محفوظ وبما يدل عليه نخيلا وهكذا كما يقال الله مذكور بالالسنه معناه مذكور بما يدل عليه النفاق الاسانى وسيأتى ذلك بحث فى الرساله القدسيه (لا يقبل الانفصال والافتراء بالانتقال الى القلوب والاوراق) كما لا يقبل العلم ولا فى معناه من السكوت والتجديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا المن ولا الاعراب ولا سائر التغيرات (وان موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف) قال الامام ابو المعالى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت وقد تقدم ذلك فى التأويلات لابى منصور الماتريدى ان موسى عليه السلام سمع صوتا د الاعلى كلام الله تعالى وخص بكونه كليم الله لانه سميع بغير واسطه الكاب والملك لا انه ليس فيه واسطه الحروف والصوت قلت واليه ذهب ابو اسحق الاسفراينى من الاشاعره وجمهور الاشاعره ذهبو الى ان الكلام القديم سمع لا بواسطه ما يدل عليه وقد نقل عن الاستاذ انه قال اتفقوا على لا يمكن سماع غير الصوت الا ان منهم من اطلق القول بذلك ومنهم من قال لما كان المعنى القائم بالنفس معلوما بواسطه الصوت كان مسموعا فلاختلاف لفظى (كما يرى الابرار) وهم الاخيار من العباد (ذات الله تعالى فى الاخره) رؤيه تليق بذاته تعالى (ومن غير جوهر ولا عرض واذا كانت له هذه الصفات العليه كان حباعا لما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياه والقدره والعلم والاراده والسمع والبصر والكلام) الازليات (لا بمجرد الذات) اشار بذلك الى ان صفات المعانى زائده على الذات العليه بأن المعنى الذى يفهم من العلم ابلغ من القدره الذى هو التمكين من الفعل او الترك وكذا باقى صفات المعانى فانها صفات ثابته موجوده فى نفسها قديمه باقيه بالذات العليه وهى كمالات ونقائضها نقائص والله منزه عن النقائص ولا ضرنا تعدد القديم حيث كان صفه للذات وانما الممنوع تعدد ذات قديمه ونحن لا نقول بذلك ثم ان تلك الصفات سبعه كما ساقها المصنف اخرا اجمالا واما فى التفصيل فقد ادرج صفه الحياه عند ذكره صفه القدره بناء على اصوبها القديم فى حدها بان ما كان شرطا فى وجود القدره لا جمعها على ان العلم والقدره والاراده لا يصحح وجود شئ منها فيما ليس يحيى وزعم بعض المعتزله ان الحياه تفيد معنى القدره وان الحى هو قادر روى ذلك عن عباد بن سليمان وذهب ابو عمر المازنى من الكراميه ان الحياه من جمله القادر لان القدره اسم جامع لكل صفخ لا اصح الحياه دونها فلحياه من جملتها فتامل ثم ان صفات المعانى ليست عين بذات ولا غير الذات لانها لو كانت عينها لزم الاتحاد فى المفهوم بلا تفاوت اصلا ولو كانت غيرها لزم الانفكاك بينهما وايضا العينه بالاتحاد يلزم منها ان يكون العلم مثلا سمعا وقدره والكلام بصرا وهذا محبط عظيم ثم ان صفات المعانى تنقسم اربع اقسام قسم لايتعلق بشى اى لا يطلب امر زائد على القيام بعملها وهى الحياه وقسم يتعلق بلممكن فقطوهما القدره والاراده وقسم يتعلق بجمبع الموجودات وهما السمع والبصر وقسم يتعلق بجميع اقسام الحكم العقلى وهما العلم والكلام وان شات قلت صفات المعانى تنقسم ثلاثه اقسام قسم لا يتعلق بنفسه ولا بغيره وهى الحياه وقسم لا يتعلق بنفسه ويتعلق @ بغيره وهما القدره والاراده وقسم يتعلق بنفسه وغيره وهو العلم واللكلام والسمع والبصر وبين متعلق القدره والاراده وبين متعلق السمع والبصر عموم وخصوصا من وجه يجتمعا فى الممكن الموجود وتنفرد القدره بالممكن المعدوم وينفرد السمع والبصر الموجود وبين متعلق السمع والبصر والعلم والكلام عموم وخصوص مطلق يشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان عليهما بالمستحيل والممكن المعدوم وبين متعلق القدره والاراده والسمع والبصر ومتعلق العلم والكلام عموم وخصوص مطلق فالعلم والكلام يشاركان القدره والاراده فى الممكن ويشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان على القدره والاراده بالواجب المستحيل ويزيدان على السمع والبصر بالمستحيل والممكن المعدوم ولما فرغ المصنف من التوحيد الذات وما لها من الصفات النفسيه والسلبيه والمعانى شرع فى توحيد الافعال فقال (الافعال وانه تعالى لا موجود سواء وهو حادث) اى ناشئ (بفعله) وقد سبق الفرق بين الاختراع والايجاد والخلق والابداع بان الاختراع خاص بالله تعالى وكذا الايجاد والابداع والخلق واما الفعل فانه يطلع على القديم والحادث الا انه فى حقه تعالى حقيقه لانه هو الذى اخترعه واما فى حق الحادث فمجاذ وانما هو عباره عن مباشرتهم للاشياء وتحريكهم لها واعلم ان وحدانيه الذات تنقى التعدد المتصل بان يكون ذاتا مركبه من جواهر واعراض والتعدد المنفصل بان يكون ذات تماثل ذات الله عز وجل ووحدانيه الصفات تنفى التعدد المتصل بان تكون له قدرتان وارادتان وعلمان فاكثر الى اخرها والتعدد المنفصل بان تكون صفه فى ذات تماثل صفاته الازليه ووجدانيه الافعال تنقى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد لغيره تعالى من الممكنات (وفائض) اى سائل (من عدله على احسن الوجوه واكملها واثمالها واعدلها) وابدعها (وانه حكيم فى افعاله) باصابه مراد على حسب قصده (عادل فى اقضيته) على الحقيقه لا يوصف بالجوار والظلم (لا يقاس عدله بعدل العباد) فيه اشاره الى قول بعض الاشاعره ان العدل لا يصح تحديده بجنس ولا نوع مخصوص ولا بوصف خالص له لاسيما على ما يعرفه الناس به وكذا نقيضه ايضا لان العدل هو الحق عدول وا ور ايضا عدل وعدول عن الحق ولهذا قالوا ان الجور ليس بضد العدل لان كل فعل كان منا عدلآ بموافقه امر الله تعالى فقد يجوز ان يكون جوار بموافقه نهيه ومنهم من قال يصح تحديده وللعادل حينئذ معينات احداهما عدوله من صفات النقض والعيب وعلى هذا فهو من صفاته الازليه الواجبه له فى الازله والثانى رجوعه عن ايقاع الجوار وه وفعله فيكون حينئذ من اوصافه الفعليه المشتقه من فعله وفى المقصد الاسنى للمصنف العادل وهو الذى يقصد منه فعل العدل المضاد للجوار والظلم 7 ولمن يعرف العدل من لم يعرف عدل ولا يعرفه عدل ومن لم يعرف فعله فمن اراد ان يفهم هذا الوصف فينبغى ان يحيط علما بافعال الله تعالى من ملكوت السموات الى منتهى الثرى حتى اذا بهره جمال الخضره الربوييه وحيره اعتدالها وانتظامها تعلق بفهمه شئ من معانى عدل اته فى خلقه (اذ العبد تصور منه الظلم) والجوار (بتصرفه فى ملك غيره) او مجاوزه الحد او بوضع الشئ فى غير محله بنقص او زياده (ولا يتصور الظلم) بهذا المعنى (من الله تعالى) تقدس على ذلك (فانه لا يصادف لغيره ملكه) على الحقيقه (متى يكون ترغد فيه ظلما) وتعديا (فكل ما سواه من انس وجن وشيطان وسماء وارض وحيوان وجوهر وعرض ومدرك ومحدوس) بأنوعها واجناسها (حادث) وبالذات والزمان ثم اشار الى حدود الزمان فقال (اخترعه بقدرته بعد العدم بحتراعا) على غير مثال سابق ثم اكد ذلك بقوله (وانشأه انشاء) بعد ان لم يكن شيأ (واعطى كل شئ خلقه) وهو بذلك جواد ورتبه فى موضعه الائق به وهو بذلك عدل (اذ كان من الازلى موجود واحد ولم يكن معه غيره) يشاركه او يماثله فى ذاته وصفاته وافعاله واشار الى ان احداثه تعالى ذلك كان باختياره لا باستكمال كمال زائد على ما كان قبل احداثه (فأحدث) @ وانشأ (بعد عدمه) المحض (واظهار قدرته) الباهره (وتحقيقا لما سبق من ارادته) الازليه بكونه ووجوده (واما حقق من الازله من كلمته) التى لا تبدل وفيها اشاره الى ان تاثير القدره فره تاثير الاراده اذ لا يوجد تعالى شيأ من الممكنات او يعدم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده واعدامه وتاثيره الاراده ع وفق العلم فكل ما علم تعالى انه يكون من الممكنات اولا يكون فذلك مراده (لا لافتقاره اليه) اى الى ذلك الانشاء (وماجته) تعالى الله عن ذلك وهو الغنى المطلق وكل موجود فقير اليه فى وجوده وبقائه وسائر ما يمده به (وانه تعالى متفضل) جواد (بالخلق) وهو الايجاد المطل (والاختراع) وهو الايجاد لاعلى مثال سابق ونعم الايجاد شاء له لكل موجود (والتكليف) وهو الزام ما فيه كلفه ولا طلب ما فيه كلفه خلافا للباقلانى اى هو تعالى منفصل عليهم بحيث جعلهم اهلا لان يخاطبهم بالامر والنهى (عن لا وجوب) وهو عباره عن طلب تفريغ الذمه خلافا للمعتزله فى ايجاب التكليف (ومتطول بالانعام) على العباد (والاصلاح لهم لا عن لزوم) والمتفضل والمتطول بمعنى واحد ولم يردافى اسمائه الحسنى ولكن دل عليه قوله تعالى والله ذو الفضل العظيم وقوله تعالى ذى الطول ومعناه ذو الفضل والبسطه والمقدره فان اخد الطول من الغنى والمقدره فذو الطول من الاسماء الازليه فانه لم يزل غنيا قادرآ وان اخذ من الافضال والانعام على العباد فهو من اوصافه المشتقه من افعاله (فله الفضل) والمنه (والاحسان) والمعروف الدائم (والنعمه والامتنان اذا كان) عز وجل (قادر على ان يصيب على عباده أنواع العذاب) وهى العقوبه المؤلمه جزاء على سوء افعالهم (ويبتليهم) اى يمتحنهم (بضروب الالآم والاوصاب) وهى الاستقامه اللازمه (ولو فعل ذلك لكان منه عدلا) محضا (ولم يكن منه فبيحا ولا ظلما) فهو سبحانه وتعالى العادل الذى لا يعترض عليه فى تدبيره وحكمه وجميع افعاله وافق مراد العبد او لم يوافق وكل ذلك عدلا منه وهو كما ينبغى (وهو عز وجل يثيب ) اى يجازى (عباده المؤمنين على الطاعات) الصادره منهم وهى ما وافقت امره جل جلاله لا ارادته كما زعمته المعتزله (بحكم الكرم) المحضى (والوعد) السابق (لا بحكم الاستحقاق) والاستيجاب (واللزوم اذا لا يجب لاحد عليه فعل ولا يتصور منه ظلم) لانه غير واضح للشئ فى غير موضعه ولا عادل عن طريق الحكمه والعدل فى شئ من افعاله ولا يجوز ان يلحقه نقص فى ملكه ولا فى ارادته فلم يكن موصف بالظلم بحال (ولا يجب لحد عليه حق) لكون كل من سواه من مخترعاته ومخلوقاته ومصنوعاته فانى يكون للمخلوقات حق على الخالق والحق لغه هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره وهو الواجب اللازم من قولهم لفلان على حق اى دين واجب لازم (وانه حق فى الطاعات وجب على الخالق بايجابه على ألسنه أنبيائهم عليهم السلام لا بمجرد العقل) لان العقل لا يستقل بادراك كون الفعل او الترك متعلق المؤاخذه الشرعيه (ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهره) وهى الامور الخوارق للعادات المقرونه بالتحديد والموافقه للدعوى السالمه من المعارض على يد من يدعى النبوه وقول امام الحرمين انه لا يمكن نصب دليل على البنوه سوى المعجزه محمول على ما يصلح دليلا على الاطلاق والعموم ويصلح ان يكون حجه على المنكرين (فبلغو امره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به) وهذه المسئله معروفه بالتحسين والتقبيح العقليين قالت الاشاعره لا تحسين ولا تقبيح عقلا اى ان الافعال توصف بالحسن والقبح من حيث نعلق خطاب الشرع بها ودليله السمعى قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبه تمسك المحدث ايضا اما الصوفى فيقول الافعال كلها نسبتان نسبه التكوين ونسبه التكليف اما نسبه التكوين فعلمه لان الافعال كلها لله تعالى وبهذه النسبه لا توصف بالحسن او القبح لاستواء الايجاد بل هى حسنه من علم الفاعل وارادته واما نسبه التكليف وهى الطلب فهى مختصه بافعال المكلف ومن المعلوم ان الطلب للشئ فرع العلم به ولا علم بالحقيقه الالله تعالى فلا تكليف ولا طلب الا لله تعالى وايضا فان تعلق الطلب بفعل او ترك غيب @ فلا يعلم الا بالتوفيف السمعى النبوى فاذا الحسن والقبح لا يدرك بمجرد العقل فلا حسن ولا قبح عقلا وهو المطلوب وقالت الحنفيقه ان العقل قد يستقل بادراك الحسن والقبح الذاتيين أو لصفه فيدرك القبح المناسب لثبوت حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينتهض معه الاتيان به سببا فى العقاب ويدرك الحسن المناسب لثبوت حكمه تعالى فيه بالايجاب والثواب بفعله والعقاب بتركه وهو بعينه قول المعتزله الا ان المعتزله اطلقو القوم بعدم توقف حكم العقل بذلك على ورود الشرع وسيأتى تحقيق ذلك على التفصيل فى شرح الرساله القدسيه وهذا الذى ذكره المصنف اشار به الى النوع الثالث عند المتاخرين وهو معروفه ما يجوز فى حق الله تعالى وهو فعل كل ممكن وتركه ومن فروعه بعثه الانبياء الى العباد وانابه المطيع ومعاقبه العاصى وقد اشار اليهما المصنف وله فروع كثيره وكلهها مما لا يجب شئ منها على الله تعالى ولا يستحيل بل وجودها وعدمآ بالنسبه اليها سواء ولفظ الجائز والممكن مترادفان على معنى واحد وهو ما يصح فى العقل وجوده وعدمه ثم لما كانت المباحث المتعلقه بهذا العلم منقسمه على ثلاثه اقسام قسم يتعلق بالالهيات شرع فى بيات القسم الثانى وهو النبويات وقسم بالسمعيات وقد فرغ من قسم الالهيات شرع فى بيان القسم الثانى وهو النبويات وهى المسائل المبحوث فيها عن النبوه واحوالها والثالث وهو السمعيات وهى المسائل التى لا تلتقى احكامها الا من السمع ولا تؤخذ الا من الوحى فقال (معنى الكلمه الثانيه) من الشهادتين (الشهاده) وهكذا فى سائر النسخ وكان تأنيث الضمير باعتباره ما أضيف اليه (للرسول) هكذا فى سائر النسخ وقد وقع له هكذا فى اول كتاب العلم وسبق التنبيه بان التاج السبكى نقل من طبقاته عن الامام الشافعى رضى الله عنه انه كان يمنع من هذا التعبير وانما يقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لانه اقرب للتعظيم واكثر والشهاده قول صادر عن علم بمشاهدته بصر او بصيره وجمله الصلاه اتى به للتبرك (وانه) تعالى (بعث) اى ارسل ومطاوعه انبعث وكل شئ ينبعث بنفسه فان الفعل يتعدى اليه بنفسه يقال بعثته وما هنا كذلك وكل شئ لا ينبعث بنفسه كلكتابه والهديه فان الفعل يتعدى اليه بالباء يقال بعث به اى وجهه (النبى) وحقيقته انسان خصه الله بسماع وحى ولم يأمر بالتبليغ وحقيقه الرسول انسان بعثه الله الى خلقه ليبلغهم ما اوحا اليه من الاحكام الشرعيه وحقسقه الرساله الامر بتبليغ الوحى وحقيقه البنوه الاختصاص بالوحى قيل النبى اعم لانه يطلق على من اوحى اليه امر بالتبليغ او لم يؤمر والرسول أخص والكليه تدخل على الاخص فكل رسول نبى ولا العكس وانما البعض كالنبى صلى الله عليه وسلم وسائر اخوانه المرسلين من البشر وبعض من كان رسولآ ولم يكن نبيا كجبريل عليه السلام ومنهم من اعتبر ما يزيد به كل واحد منهما فقال بينهما عموم وخصوص من وجه يجتمعان فيمن اوحى عليه وامر بالتبليغ من البشر وتفطرد النبوه فيمن اوحى اليه ولم يؤمر بالتبليغ وتنطرد الرساله بالملائكه (الامى) منسوب الى الام لكونه لم يقرأ ولم يكتب كما تقدم تحقيقه فى كتاب العلم اوالى ام القرى وهى مكه لولادته بعا اوالى ام الكتاب وهو اللوح المحفوظ لانه عمله منه او غير ذلك وقد بسطناه فى شرحنا على القاموس (القرشى) نسبه الى قريش على غير قياس وهو لقب جده النضر ابن كنانه بن جزيمه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ومن لم يلده فليس بقرشى نقله السهيلى وغيره وسبب تلقيبه بذلك والاختلاف فيه بسطناه فى شرح قاموس (محمدا) وهو اسم مفعول من التحميد وهو مبالغه فى الحد وذلك لانه اذا بلغت خصال المرء النهايه وتكاءلت فيه المحاسن فهو محمد قال المناوى فى شرح الجامع الصغير لكن ذكر بعضى المحققين انه انما هو من صيغ المبالغه باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثره بخصوصه لا من جهه اللغه اذ لا يلزم من زيد مفضل على عمر والمبالغه فى تفضيله عليه اذ @ معناه له جهه تفضيل عليه بفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغه لانها لا تتجاوز حد الكثره ولحرصهم صيغ المبالغه فى عدد مخصوص وكونه اجل من حد وافضل من حد لايستلزم وضع الاسم للمبالغه لانه ذلك ثانبه له لذاته وان لم يسم به نعم المناسبه قائمه به مع سابق من دلاله البناء عرفا على بلوغ النهايه فى ذلك الوصف وقد الف شيخ شوخنا الشمس محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلى رساله خاصه لما يتضمن هذا الاسم الكريم من المعانى والاسرار (صلى الله عليه وسلم) من الصلاه وهىمن الله تعالى الرحمه وتعلق لفظ على بها لتضمن معنى النزول والسلام والتسليم من الافات المنافيه لغايه الكمال وجمع بينهما لكراهه أفراد احداهما اى لفظ لاخطا او مطلقا وقد تقدم البحث فيه فى اول كتاب العلم فى الخطبه (برسالته) وهى السفاره بين الله وبين ذوى الالباب لازاحه عللهم فيما يحتاجونه من مصالح الدارين (الى كافه) قال الازهرى هو مصدر على فاعله كالعافيه والعاقبه ولا يثنى ولا يجمع وفى الصباح وجاء الناس كافه قيل منصوب على الحال نصبا لاوما لايستعمل الا كذلك وعليه قوله تعالى وما ارسلناك الا كافه للناس اى الا للناس جميعا (العرب والعجم والانس والجن) وقال ابو البقاء اضافه كافه الى ما بعدها خطا لانه لا يقع الاحاله وانما قيل للناس لانه ينكف بعضهم الى بعض وبالاضافه تصير اضافه الشئ الى نفسه هذا الى اريد بالكافه الجماعه واذا ذهب به الى انه مصدركما قال الازهرى فلا يلزم منه اضاقه الشئ الى نفسه فتامل والعرب اسم مؤنت ولهذا يوصف بالمؤنت فيقال العرب العرباء والعرب العاربه وهم خلاف العجم سمو بذلك لانهم سكنو بلاد يقال لها العربات والخلاف فى ذلك وفى نسبهم بسطناه فى شرح القاموس والجن بالكسر خلاف الانس سمو بذلك لاستتارهم عن الاعين كما ان الانس من انس اذا ظهرأ او ألف وتفصيل ذلك كله فى شرح القاموس ثم ان المراد بهذا التعبير انه مبعوث الى الثقلين الانس والجن والعرب والعجم دخلون فى الانس وقد يعبر عنهم بالاسود والاحمر وكونه مبعوثا الى الثقلين خاصه اختاره الحليمى والبهقى بل حكى الفخر الرازى والنسق عليه الاجماع ومنهم من زادو الملائكه وانتصر له السبكى مستدلآ بايه ليكون للعالمين نذيرآ وخبر ارسلت الى الخلق كافه ونازع فيما حكى عن الحليمى بان البيهقى نقله عنه وتبرأ منه والحليمى سنيا لكن وافق المعتزله فى تفصيل الملك على البشر فظاهر حاجه بناؤه عليه وبان الاعتماد على تفسيرهما فى حكايه اجماع انفردا بحكايته لا ينهض حجه عند ائمه النقل لان مدارك نقل الاجماع انا تتلاقى من كلام اصحاب المذاهب المطبوعه ومن يلحق به فى سعه دائره الاطلاع والحفظ والاتقان والشهره عند علماء النقل (فنسخ بشر بعثه) الواضحه السهله الغزاء (الشرائع) المتقدمه كلها (الا ما قرره منها) والنسخ فى رفع الحكم الشرعى بخطاب (وفضله على سائر الانبياء) بأنواع من الفضائل لخصوصيه فضله بها فى ذاته بها ارتفع كما لا فوق المراتب الكماليه انساينه كانت او ملكيه قال الله تعالى تلك الرساله فضلنا بعضها على بعض منهم من كل الله ورفع بعضها درجات ذلك البعض هو الحقيقه المحمديه اذا هو اول نور تلقى من حضره الوجوب بل لا متلقى على الحقيه الا هو فكان له صلى الله عليه وسلم حيثيتان حيثيه ابتدائيه وبها حصل الكمال الاختصاصى المتوحد وحيثيه انتهائيه وبها حصل الكمال المتكثر الذى انقسم على الحقائق النبويه وله عليه السلام منه الخط الاوفر الجامع بين كمالاته كلها فمن حيث الكمال الاختصاصى كان رسولا لجميع العالم ومن حيث كماله الجماعى الاشتراكى كان رسول للجن والانس فاعلم من ذلك رساله صلى الله عليه وسلم العامه منه والخاصه وكماله الخصوصى المتحد وكماله العلمى المشترك اوليته واخريته (وجعله سيد البشر) ورئيسهم والفائق عليهم بالفضائل والكمالات والسيد لغه هو الذى يفوق قومه او ما هو من جنسه ونوعه والسيد الرئيس والحكيم والسخى وقد ساد سياده وسوددا وكان صلى الله عليه وسلم فى كل اوصافه موصوفا بلسياده والتفوق وكان يقال له ايضا سيد قريش وسيد العرب وفى شعر الاشعى *ياسيد الناس وديان العرب*ويروى يا ملك الناس واخرج مسلم فى المناقب@ وابوداود فى السنه عن ابى هريره رفعه أنا سيد ولد ادام يوم القيامه واول من ينشق عنه قبرا الحديث واخرج الامام احمد والترميذى فى المناقب وابن ماجه عن ابى سعيد الخدرى رفعه انا سيد ولد ادم يوم القيامه ولا فخر الحديث قال المناوى فى شرحه خصه لانه يوم مجموع له الناس فيظهر سوددا لكل احد عيانا وصف نفسه بالسودد المطلق المقيد للعموم فى المقام الخطابى على ما تقرر فى علم البيان فيفيد تفوقه على جميع ولد ادم حتى اولى العزم من الرسل واحتياجهم اليه كيف لا وهو واسطه كل قبض وتخصيصه ولد ادم ليس للاحتراز فهو افضل حتى من خواص الملائكه كما نقل الامام عليه الاجماع ومرده الاجماع من يعتديه من اهل السنه (ومنع كمال الايمان بشهاده التوحيد وهو قول) المؤمن (لا اله الا الله مالم تقترن به شهاده الرسول) الحق (وقوله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم فصارت الكلمتان كلمه واحده عبر عنها بكلمه التوحيد والاخلاص (والزم الخلق) كلهم (تصديقه) وتلقيه بالقبول (فى جميع ما اخبره) به (وعنه امور الدنيا والاخره) اى المتعلقات بها بعد ان خصه كما خص اخوانه من الانبياء وارسل الكرام بالصدق والامانه والتبليغ والفطانه فهذه اربع صفات تجب فى حقهم فالصدق هو الاخبار بالحق الثابت فى الامر اى كون ما بلغو به عن الله تعالى موافقا لما عند الله تعالى ايجابا كان او سالبا والامانه كونها لا تصدر عنهم مخالفا اصلا وهى المعبر عنهم بعضهم بالعصمه والتبليغ هو انهم بلغو جميع ما امرو به اعتقاديا كان او عمليا ولم يكتمو منه شيئا والفطانه هى التيقظ لالزم الخصوم وطرق ابطال تحيلهم ودعاويهم الباطله ولما فرغ من ذكر النبويات شرع فى بيات السمعيات فقال (انه لا يتقبل ايمان عبد حتى يؤمن بما اخبر به) صلى الله عليه وسلم (بعد الموت) وفى ضمن ذلك اعتقاد حقيقه الموت وابتلائه به كل ذى روح لانه من مجوزات العقول الذى ورد الشرع بها فواجب اعتقادها وهو كيفيه وجوديه تضاد الحياه فلا يعرى الجسم الحيوانى عنها ولا يجتمعان فيه هذا قول الاشعرى وقيل عدم الحياه عما من شأنه الحياه وهو قول الاسفرينى والاكثر ين وقال بعض الصوفيه ليس الموت بعدم محض ولا فناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقه وحيلوله بينهما وتبدل حال بحال وانتقال من دار الى دار ثم شرع المصنف فى بيان ما اخبر به صلى الله عليه وسلم الاحوال التى تعرض بعد الموت فقال (واوله سؤال منكر ونكير) ويتقدم على ذلك وجوب اعتقاد ان ملك الموت يقبض روح كل ذى روح أى يخرجها وياخدها باذن ربه من مقرها اومن يد اعوانه والمراد بجميع ارواح الثقلين والملائكه والبهائم والطير وغيرهم ولو بعوضه بل قيل حتى روح نفسه والارواح اجسام خفيفه متخلله فى البدن تذهب الحياه بذهابها وقيل جسم لطيف مشتبك بالبدان اشتباك الماء بالعود الاخضر وبه جزم النووى وملك الموت اسمه عزرائيل ومعناه عبد الجبار عظيم وهائل المنظر راسه فى السماء العليا رجلاه فى تخوم الارض السفلى ووجه مقابل اللوح المحفوظ والخلق بين عينيه وله اعوان بعدد من يموت يترفق بالمؤمن ويأتيه فى صوره حسنه ومن ذلك ايضا وجوب اعتقادات الاجل بحسب علم الله تعالى واحد لا تعدد فيه وان كان مقتول ميت بسبب انقضاء عمره وعند حضور اجله فى الوقت الذى علم الله فى الازل حصول موته فيه بايجاده تعالى وخلقه من غير منع ومدخليه للقاتل فيه لا مباشرته ولا توليد وانه لم يقتل لجاز انه يموت فى ذلك الوقت وان لايموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل ثم يجب اعتقادات السؤال فى القبر حق اى ان حتى الموتى تسئل فى قبورها بعد تمام الدفن وعند انصراف الناس بان يعيد الله الروح الى الميت جميعه وتكمل حواسه فيرد اليهم ما يتوقف عليه فهم الخطاب ويتاتى معه الجواب من الحواس والعلم والعقل حتى يساله الملكان (وهما شخصان) اسوادان ازراقان (مهيبان هائلان) اى فظان عليظان شعورهما الى اقدامهما تبلع الفر بين انيابهما يشقان الارض بهما كلاهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف بايديهما مقاطع من حديد (يقعدان العبد فى قبره) اى بعد تمام دفنه هذا فى حق القبور وفى غيره بعد الموت @ (سويا) تاما (ذا روح وجسد) كامل الحوا س وافتى الشمس الرملى بات السؤال على الراس واحده ان انفصل لوجود ادله النطق وافتى الحافظ السيوطى بان الميت اذا نقل لا يسال حتى يدفن قال بعضهم ومثله المصلوب (فيسالانه) او احداهما يتفرقان بالمؤمن وينتهران المنافق والكافر ولو تمزقت اعضاؤه او اكلته السباع فى اجوافها وكذا الغريق والحريق وان ذرى فى الربح (عن التوحيد) أى وحدانيه الله تعالى (والرساله) أى رساله الانبياء عليهم السلام وما بلغوا وقال القرطبى اختلفت الاحاديث فى كيفيه السؤال والجواب وذلك بحسب الاشخاص فمنهم من يسال عن بعضى اعتقاداته ومنهم من يسال عن كلها وهذا السؤال خاص بهذه الامه والمراد بها امه الدعوى فيدخ المؤمنون والمنافقون والكافرون وورد فى حق جماعه انهم لا يسئلون كلمرابط والشهيد بأنواعه والمراد به التخفيف لامطلقا فى سؤال الاطفال الوقف وجزم السيوطى بعدم السؤال لعدم تكليفهم كالملائكه لا الجن ويقولان له كل احد بك انه او بالسرباينه او بالعربيه مطلقا ثلا ثه اقول (من ربك) الذى خلقك وسواك ورزقك (ومادينك) الذى كنت عليه (ومن نبيك) الذى ارسل اليك وامرت باتباعه ونقل السيوطى ان السؤال يقع بالسربانيه وهذه صورته اتره كره اترح سالح حين وهى خمس كلمات تعريها اتره قم يا عبد الله كاره الى ملائكه الله اترح ما كنت تصنع فى دار الدنيا سالح من ربك ومادينك وعقيدتك حين ما هذا الذى مت عليه (وهم فتانا القبر) مثنى فتان مبالغه فى التفتين والامتحان وقد يلحق بهما غيرهما من الصور الهائله فيقال للكل فتاتان اعاذنا الله منهما (وسؤالهم اول فتنه بعد الموت) يحصل فى القبر اى هذا السؤال هو نفسه الفتنه وهى الاختبار والامتحان بالنظر الى الميت او الينا او الى الملائكه لاحاطه عمله بكل شئ (وان يؤمن بعذاب القبر) ومنه ضغطته وهو انضمام اللحد بعضه الى بعض منه الحديث لو سلم احد من ضغطه القبر لسلم منها سعد وفى روايه لقد تضايق على هذا العبد الصالح فبره حتى فرج الله عنه وفى اخرى قد ضمه ذم فرج الله عنه (وانه حق) ثابت لما فى حديث مسلم المرفوع ان هذه الامه تبتلى فى فبورها فاولا ان لا تدافنو الدعوات الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذى اسمع منه ثم اقبل صلى الله عليه وسلم بوجهه علينا فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر الحديث وفى البخارى عن اسماء بنت ابى بكر قالت قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنه القبر التى يفتنن بها المرء فلماذ ذكر ذلك ضج المسلمون ضجه ثم قال (و) انه (حكمه) من الله تعالى (وعدل) منه لانه مالك الاعيان حقيقه وللمالك التصرف فى ملكه كيف يشاء الامر امره والحكم حكمه لايسئل عما يفعل (على الجسم والروح) معام كما هو مذهب أهل السنه (على ما يشاء) لمن يكون من اهل العذاب وحكمه الله تعالى فيه اظهار ما كتمه العباد فى الدنيا من كفر او ايمان او طاعه او عصيان ليباهى الله بهم الملائكه او ليفضحوا عندهم ومجمل القول فيه ان عذب القبر هو عذاب البرزخ واضيف الى القبر لانه الغالب والافكل ميت اراد الله تعذيبه ناله ما ارداه قبر او لم يقبر ومحله الروح والبدن جميعا باتفاق وبعد اعاده الروح اليه او الى جزء منه على قول من قال ان المعذب بعض الجسد وهو قسمان دائم وهو عذاب الكفار ومنقطع وهو عذاب العصاه ومما يجب اعتقاده ان نعيم القبر حتى لما ورد فى ذلك من النصوص ولا يختص بمومنى هذه الامه كما انه لا يختص بالمقبور ولا بالمكلفين فيكون لمن زال عقله ايضا وتعتبر الحاله التى زال عقله وهو عليها كفر وايمان ونحوهما ومن نعيمه توسيعه وفتح طاق فيه من الجنه ووضع فنديل فيه وامتلاؤه بالروح والريحان وجعه روضه من رياض الجنه وكل هذا محمول على الحقيقه عند العماء ومما يجب اعتقاده ان البعث حق وهو اعادتهم بعد احيائهم بجميع اجزائهم الاصليه التى من شأنها البقاء من اول العمر الى اخره ندورد بذلك الايات والاثار واكثرها لا يحتمل التاويل لا فرق فى ذلك بين من يحاسب كالمكلف وغيرها كما صححه النووى واختاره والبعث والنشور عباره عن معنى واحد وهو الاخراج من القبور بعد جمع جميع @ الاجزاء الاصليه واعاده الروح اليهاوات اعاده الاجسام عن عدم محض فيوجدها الله تعالى بعد انعدامها بالكليه وقبل عن تفريق محض فيذهب الله العين الاثر جميعا بحيث لا يبقا فى الجسم جوهران فردان على اتصال وعلى القول الاول يكون الجسم الثانى هو الاول المعدوم بعينه لا مثله وفى اعاده العرض القائم بالاجسام تبعا لمحلها مذهبان الاول تعاد بأشخاصها التى كانت فى الدنيا قائمه بالجسم حال الحياه وهو قول الاشعرى والثانى امتناع اعادتها مطلقا لان المعاد انما يعاد بمعنى فيلزم قيام المعنى بالمعنى وهو قول الفلاسفه وبعض المعتزله والكراميه والخوارزمى والاول الراجح وفى جواز اعاده الزمن قولان ومما يجب اعتقاده ان اليوم الاخر حق وهو من يوم الحشر الى مالا يتناهى اوالى ان يدخل اهل الجنه الجنه واهل النار النار ويدخل فى جمله امور الاخره اعتقاد ان اخذ الصحف حق وهى كتب الاعمال التى تكتبها الملائكه ما فعلوه فى الدنيا والرفع للصحف الريح من خزانه تحت العرش وان كل احد يدعى فيعطى صحيفتها اما باليمين وهو المؤمن الطائع اما بالشمال هو الكافر والمؤمن العاصى ملحق بالطائع على المشهور ومن امور اليوم الاخر الميزان وغيره وقد ذكر ذلك فى قوله (وان يؤمن بالميزان) والوزن لغه معرفه كميه بأخرى على وجه مخصوص والحمل على الحقيقه ممكن لكن نمسك عن تعيين جوهره ونصب الموازين بعد الحساب ثم عرف المصنف الميزان فقال (ذى الكفتين والميزان) كفه للمحسنات وهى من نور والاخرى من ظلمه وهى للسيان (وصفته) اى الميزان (فى العظم انه) أى كل كفه منه (مثل طباق السموات والارض) وفى حديث سليمان رضى الله عنه أنه قال توضع الموازين عن يمين العرش والنار عن شماله ويوتى بالميزان فتنصب بين يدى الله تعالى كفه للمحسنات عن يمين العرش مقابله للجنه وكفه للسيات عن يسار العرش مقابله للنار ثم ان المشهور انه ميزان واحد لجميع الامم ولجميع الاعمال فما ورد بصيغه الجمع فى الايات والاثار للتعظيم وقيل يجوز ان يكون للعامل الواحد موازين يوزن بكل منها صنف من عمله (توزن فيه الاعمال) اى اعمال العباد المكلفين فخرج بذلك الملائكه لانه فرغ عن الحساب وعن كتابه الاعمال خصوصا على بان الصحف هى التى توضع فى الميزان كما ياتى وكذا اخرجمنه الاطفال والانبياء عليهم السلام تشريفا لقدرهم وكذا من يدخل من الباب الايمن من هذه الامه كما ورد فى حديث (بقدره الله تعالى) ولطيف حكمته وبديع صنعته والممسك للميزان جبريل عليه السلام (والصنج يومئذ مناقبل الذر والخردل) الصنج بالصاد والسين المهمتين لغتان والنون ساكنه واخرها جيم معربه يقال اتزن منى بالصنجه الراجحه وانكر الجوهرى السين والمثاقبل جمع مثقال والذر ما يرى فى ضوء الشمس والخردل معروف (تحقيقا لتمام) صفه (العدل) بمقتضى الحكمه وهل الموزون الكتب التى اشتملت على اعمال العباده او اعيان الاعمال قولان الاول ذهب اليه جمهور المفسرين والامام ابو المعالى واستقر به ابن عطيه واشار اليه المصنف بقوله (وتطرح صحائف الحسنات) وهى الاعمال الصالحها بعد ان تصور (فى صوره حسنه) نورانيه (فى كفه النور) وهى اليمين المعده للحسنات (فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله تعالى بفضل الله) سبحانه وتعالى (وتطرح صحائف السيات) وهى الاعمال السيئه بعد ان تصور (فى صوره قبيحه) ظلمانيه (فى كفه الظلمه) وهى الشمال المعده للسيئات (فيخفف بها الميزان بعد الله) سيحانه وتعالى ولا يمتنع قلب الحقائق خرقا للعاده وقيل يخلق الله اجساما على عدد تلك الاعمال من غير قلب لها ومن فؤائد الوزن امتحان العباد بالايمان بالغيب فى الدنيا وجعل ذلك علامه لاهل السعاده والشقاوه والعباده مالهم من الجزء على الخير والشر وادامه الحجه عليهم والله الموفق (وان يؤمن بان الصراط حق) ثابت بالكتاب والسنه واجماع الامه (وهو) لغه الطريق الواضح لانه يبلغ المارهو شرعا (جسر ممدود على متن جهنم) يرده الاولون والاخرون ذاهبين الى الجنه لان جهنم بين الموقف والجنه (أحد @ من السيف وادق من الشعر) ومذهب اهل السنه بقاؤه على ظاهره مع تفويض علم حقيقته اليه سبحانه وتعالى خلافا للمعتزله وطوله ثلاثه الالف سنه الف صعود والف هبوط زالف استواء وجبريل فى اوله وميكائيل فى وسطه وفى حافتيه كلاليب معلقه مأموره باخذ من امرت به وفيه سبع قناطر يسئل العبد عن كل واحد من نوع من العبادات ومرو العباد عليه متفاوت فى سرعه النجاه وعدمها وهم فريقان وقد اشار الى ذلك المصنف بقوله (تزل به اقدام الكافرين) والمنافقين (بحكمه الله تعالى فتهوى به فى النار) اما على الدواء والتابيد كهؤلاء الى مده يريدها الله تعالى ثم ينجو كبعض عصاه المؤمنين ممن قضى الله عليه بالعذاب هذا القسم الاول واشار الى القسم الثانى بقوله (وتثبت عليه اقدام المؤمنين) وهم اهل رحجان الاعمال الصالحه والسالمون منهم من السيات ممن خصهم الله بسابقه الحسن (بفضل الله تعالى) وهم الذين يجوزون كعارفه العين وبعدها كلبعرد الخاطف وبعدها كريح العاصف وبعدها كطير وبعدها كالجواد السابق فى الجواز ساعيا ومشيا وحبوا على حسب تفاوت الاعمال ويتسع الصراط ويدق بحسب انتشار النور وضيقه ومن هنا كان دقيقا فى حق قوم وعر يضا فى حق اخرين وهو واحد نفسه (فيساقون الى دار القرار) أى الجنه والحكمه فيه ظهور النجاه من النار وان تصير الجنه اسر لقباوبهم وليتحسر الكافر بفوز المؤمنين بعد اشتراكهم فى العبور ومما يجب اعتقاده ان العرش حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى عاوى محيط يجمع الاجسام وهو اول مخلوق لله تعالى فى قوم ومما يجب اعتقاده ان الكرسى حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى بين يدى العرش ملتصق به فوق السماء السابعه وهو غير العرش على الصحيح ومما يجب اعتقاده ان القلم حق ثابت وهو عظيم نورانى خلقه الله تعالى وامره بكتب ما كام وما يكون الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان اللوح حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى كتب فيه القلم باذن الله تعالى ما كان وما هو كائن الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان كلا من الكاتبين على العباد اعمالهم فى الدنيا والكتابين فى اللوح المحفوظ ما فى صحف الملائكه الموكلين بالتصرف فى العالم والكتابين من صحف الحفظه كتابا يوضع تحت العرش حق ثابت (وان يؤمن بالحوش المردود) وهو (حوض) نبيا (محمد صلى الله عليه وسلم) الذى يعطاء فى الاخر وهو جسم مخصوص متسع الجوانب ترده هذه الامه وعند مسلم فى حديث انس فى نزول انا اعطيناك الكوثر هو حوض ترد عليه امتى يوم القيامه وعندهم فى حديث ابن مسعود وعقبه بن عامر وجندب وسهل بن سعد انافرطكم على الحوض ومن الحديث ابن عمر امامكم حوض كما بين جربين واذراح وقال الطبرى كما بينكم وبين جرباء واذرح وهو ذكر الحوض فى الصحيح من حديث ابى هريره وابى سعيد وعبد الله بن عمرو وحذيفه وابى زرو جابر بن سمره وحارث بن وهب وثوبان وعائشه وام سمله واسماء وقدر خرجت احاديث الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقى فى جزء استوعب فيه ظواهر الاحاديث انه بجانب الجنه كما قاله الحافظا بن الحجر (ويشرب منه المؤمنين) الذين وفو بعهد الله وميثاق وماتو على ذلك لم يغيرو ولم يبدلو وهذا الوصف ان شمل جميع مؤمنى الامم السابقه لمنه خلاف ظواهر الاحاديث انه لايرده الا مؤمنو هذه الامه لان كل امه انما ترد حوض نبيها وتخصيص حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر لوردوه بلاحاديث البالغه مبلغ التواتر بخلاف غيره بوردوه بالاحاد (قبل دخول الجنه وبعده بالصراط) على الصحيح ولكن جهل تقدمه على الصراط او تاخره عنه لا يضر اعتقاده وانما واجب اعتقاده ثبوته (ومن شرب منه شربا لم يظمأ) اى لم يعطش (بعدها) اى بعد تلك الشربه (ابدا عرض ميسره شهر ماؤه أشد بياضا من البن واحلى من العسل حوله اباريق عدد نجوم السماء) ففى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما رفعه حوضى ميسره شهر زواياه سواء ماؤه أبيض من البن وريحه اطيب من المسك وكيزانه اكثر من نجوم السماء من شرب منه لا يظمأ ابداولهما فى حديث @ انس فيه الابارق كعدد نجوم السماء وفى روايه لمسلم أكثر من عدد نجوم السماء وفى روايه اخرى له عدد النجوم وفيه اوحا الله تعالى الى عيس عليه السلام من صفه نبيا عليه الصلاه السلام له حوض ابعد من مكه الى مطلع الشمس فيه انيه مثل عدد نجوم السماء وله لون كل شراب الجنه وطعم كل ثمار الجنه (فيه ميزابان يصبان من الكوثر) وفى صحيح مسلم من حديث ثوبان يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنه احداهما من ذهب والاخر من ورق ويروى ان الصحابه قالو يا رسول الله اين نطالبك يوم الحشر فقال على الصراط فان لم تجدونى فعلى الميزان فان لم تجدونى فعلى الحوض وفى هذا تنبيه على ترتبيب الصراط والميزان والحوض وهى مسئله توقف فيها اكثر من اهل العلم (وان يومن بالحساب) جاء ذكره فى الحديث عمر رفعه اخرجه البيهقى فى البعث وهو توقيف الى عباه قبل الانصراف من الحشر على اعمالهم واول من يحاسب هذه الامه (وتفاوت الناس فيه الى مناقش فى الحساب) ففى الصحيحين عن عائشه رضى الله عنها من نوقشى الحساب عذاب قالت قلت اليس يقول الله تعالى فسوب يحاسب حسابا يسيرا قالت ذلك العرض (الى مسامح فيه) كل ذلك بكيقيه مختلفه فمنه اليسر والعسر والسر والجهر والتوبيخ والفضل والعدل (والى من يدخل الجنه بغير حساب) كالسبعين الفا (وهم المقربون) وافضلهم ابى بكر رضى الله عنهم فلا يحاسب لماروى مرفوعا عن عائشه رضى الله عنها الناس كلهم يحاسبون الا ابا بكر رضى الله عنه وفى الصحيحين فى حديث ابن عباس عرضت على الامم فقبل هذا امتك ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنه بغير حساب ولا عذاب ولمسلم من حديث ابى هريره وعمران بن حصين يدخل من امتى الجنه سبعون الفا بغير حساب زاد البيهقى فى البعث من حديث عمرو بن جزام واهطانى مع كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا زاد احمد من حديث عبد الرجمن بن ابى بكر بعد هذه الزياده قال عمر فهل استزدته قال قد استزته فاعطانى مع كل رجل سبعبن الفا قال عمر فهل استزته قال فقد استزته فاعطانى هذكذا وفرج بعد الله بن بكر بين يدى الحديث (فيسأل الله تعالى من يشاء من الانبياء عن تبيلغ الرساله ومن شاء من الكفار عن تعذيب المرسلين) ففى البخارى من حديث ابى سعيد رفعه يدعى نوع يوم القيامه فيقول لبيك وسعديك يارب فيقول عل بلغت فيقول نعم فيقول لامته فيقولون ما اتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وامته الحديث ولابن ماجه يجى النب يوم القيامه الحديث وفيه فيقال عل بلغه قومك الحديث (ويسال المبتدعه عن السنه) فعند ابن ماجه من حديث عائشه تكلم فى شئ من القدر وسئل عنهه يوم القيامه ومن حديث ابى هريره ما من دا يدعو الى شئ وقف يوم القيامه لزم لدعوه ما دعا اليه وان دعا رجل رجلا (ويسال المسلمين عن الاعمال) قولا كانت او فعلآ او اعتقادا مكسوبه اولا بعد اخذها كتبها خيرا كانت او شرا تفصيلآ لا بالوزن وعند اصحاب السنن الاربعه من حديث ابى هريره اول ما يحاسب به العبد يوم القيامه من عمله صلاته الحديث وسياتى فى الصلاه (وان يؤمن باخراج عصاه الموحدين من النار) هى دار عذاب بجميع طباقها السبع ولا جمر لها سوى بنى ادم والاحجار المتخذه من الهه من دون الله قيل كذا احجار الكبريت لشده اتقادها (بعد الانتقام) ولا يدوم عذابهم مده بقائهم بل يموتون بعد الدخول لحظه ما يعلم الله مقدارها فلا يحيون حتى يخرجوا منها (حتى لايبقا فى جهنم) وهى الطبقه العليا من النار وهى التى فيها العصاه من الموحدين وهذه الطبقه هى التى تخلى واما ما عداها فلا تخلى من اهلها معذبين فيها تخليدا كتخليد اهل الجنه وينتح عن شطير الطبقه العليا فيما قيل الجر جير (موحد) بفضل الله تعالى ففى الصحيحين فى حديث ابى هريره وفى حديث طويل حتى اذا فرغ الله من القضاء بين العباد واراد ان يخرج برحمته من اراد من اهل النار امر الملائكه ان يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن اراد ان يرحمه ممكن يقول لا اله الا الله الحديث وفى حديث عبد الله بن عمرو وياتى على النار زمان تخفق الرياح ابوابها ليس فيما احد يعنى من الموحدين اهل الطبقه العليا فاذن لم يبق فيها احد غير الكفار @ أتى بالموت فى صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار ويعرفه كل أحد من الفريقين كما فى السنن الأربعة (وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (ثم العلماء ثم الشهداء) هكذا اخرج ابن ماجه من حديث عثمان بي عفان رضى الله عنه رفعه وفيه يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وقد تقدم فى كتاب العلم واعلم ان الشفاعة لغة الوسيلة والطلب وعرفا سؤال الخير للغير وهنا واجبات ثلاثة يتعين اعتقادها على كل مكلف الأول كونه صلى الله عليه وسلم شافعا والثانى كونه صلى الله عليه وسلم مشفعا اى مقبول الشفاعة والثالث كونه صلى الله عليه وسلم مقدما على غيره من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة فيتعين اعتقاد انه صلى الله عليه وسلم وان كان له شفاعات إلا أن أعظمها شفاعته صلى الله عليه وسلم المختصة به للاراحة من طول الموقف وهى أول المقام المحمود ثانيها فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وهى مختصة به صلى الله عليه وسلم كما قاله النووى ثالثها فيمن استحق دخول النار أن لايدخلها وتردد النووى فى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم قال السبكى لأنه لم يرد نص صريح بثبوت الاختصاص ولا بنفيه رابعها فى اخراج الموحدين من النار ويشاركه فى هذه الأ نبياء والملائكة والمؤمنون وفصل القاضى عياض فقال ان كانت هذه الشفاعة لإخراج من فى قلبه مثقال ذرة من ايمان اختصت به صلى الله عليه وسلم وإلا شاركه غيره فيها خامسها فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها وجوز النووى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم سادسها فى جماعة من صلحاء أمته ليتجاوز عنهم فى تقصيرهم فى الطاعات سابعها فيمن دخل فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب فى أوقات مخصوصة كما فى حق أبى طالب وأبى لهب ثامنها فى أطفال المشركين ان لا يعذبوا ذكره الجلال الأسيوطى واياك واعتقاد امتناع شفاعته صلى الله عليه وسلم فى أهل الكبائر وغيرهم لا قبل دخولهم النار ولا بعده ومما يجب اعتقاده شفاعة غيره صلى الله عليه وسلم من الانبياء والمرسلين والملائكة (ثم سائر المؤمنين) يشفع (كل على حسب جاهه وقدر منزلته) ومقامه (عند الله تعالى) فى أرباب الكبائر كما جاء فى الأخبار الدالة على ذلك (ومن بقى من المؤمنين) فى النار (ولم يكن له شفيع) خاصة (اخرج بفضل الله عز وجل) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج قوما لم يعملواخيرا قط الحديث (فلا يخلد فى النار مؤمن بل يخرج منها من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى اخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان وفى رواية من خردل من خير وقد استنبط المصنف من قوله اخرجوا من كان الخ نجاة من أيقن بالإيمان وحال بينه وبين النطق به الموت قال واما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع ايقانه بالإيمان بقلبه فيحتمل ان يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة فلا يخلد فى النار ويحتمل خلافه ورجح غيره فيحتاج إلى تأويل ثم ينبغى ان يعلم انه لايشفع واحد ممن ذكر الا بعد انتهاء مدة المؤاخذة * (تنبيه) * هذه الامور السمعية التى تقدم بيانها يتحد فيها المتكلم والصوفى والمحدث اذمباديها هو النقل اذ النظر انما هو فى وقوعها وأما جوازها فضرورى والعقل لا يهتدى الى وقوع جائز فاضطروا جميعا الى السمع وان كان الصوفى يزيد عليهما بالكشف الا ان الكشف قاصر حكمه عليه فلا يتعدى العلم المستفاد منه االى غيره ولما فرغ المصنف من ذكر السمعيات شرع فى ذكر لواحق المعتقد فقال (وان يعتقد فضل الصحابة رضى الله عنهم ورتبتهم) ودرجاتهم ومنازلهم فيعطى كلا منهم ما يستحقه من التعظيم (و) يعتقد (ان أفضل الناس بعد النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر) الصديق (ثم عمر) بن الخطاب (ثم عثمان) بن عفان (ثم على) بن ابى طالب (رضى الله عنهم) هكذا ترتيب افضليتهم على ترتيب خلافتهم هكذا اجمع عليه اهل السنة اذ المسلمون كانوا لايقدمون احدا فى الامامة تشبها منهم وانما يقدمونه لاعتقادهم انه افضل واصلح للأمة من غيره وفى@ البخارى من حديث ابن عمر قال كنا نخبر بين الناس فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فنخبر ابا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ولأبى داود كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى افضل امة النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبرانى ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره (وان يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما اثنى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين) اما ثناء الله عزوجل عليهم بعمومهم وخصوصهم ففى آى من القرآن وشهدت نصوصه بعدالتهم والرضا عنهم ببيعة الرضوان وكانوا حينئذ اكثر من الف وسبعمائة وعلى المهاجرين والأنصار خاصة بقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والانصار وقوله تعالى للفقراء المهاجرين الآيات وعند الترمذى من حديث عبدالله بن مغقل الله الله فى اصحابى لاتتخذوهم غرضا بعدى وللشيخين من حديث ابى سعيد لاتسبوا اصحابى وللطبرانى من حديث ابن مسعود اذ اذكر اصحابى فامسكوا ومناقب الصحابة وفضائلهم عديدة وحقيق على المتدين ان يستصحب لهم ماكانوا عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان نقلت هناة فليتدبر العاقل النقل وطريقه فان ضعف رده وان ظهر وكان احادا لم يقدح فيما علم تواترا وشهدت به النصوص (فكل ذلك) اى مما ذكره من قواعد العقائد (ما وردت به الأخبار) من روايات الائمة الكبار (وشهدت به) اى بصحته (الآثار) من السلف الاخيار (فمن اعتقد جميع ذلك) جملة وتفصيلا (موقنا به) معتمدا عليه (كان من اهل الحق) وهو عبارة عن كل ما يحسن اعتقاده فالمعنى كان من الذين حسنت عقائدهم (وعصابة السنة) اى جماعتها والسنة طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة اصحابه (وفارق رهط الضلال) الرهط ما دون العشرة من الرجال وقيل من سبعة الى عشرة وقيل الى اربعين والضلال عن الطريق المستقيم وتضاده الهداية (وخرب البدعة) اى انصارها والبدعة الفعلية المخالفة للسنة والمراد بالحزب الجماعة فيكون بحذف مضاف اى جماعة اهل البدعة والمراد بهم فرق الضلال المبتدعة كالمعتزلة والخوارج والكرامية والروافض بانواعها واقسامها (فنسأل الله) سبحانه وتعالى من فضله (كمال اليقين) فى مراتب الايمان والاحسان (والثبات فى الدين) والمراد فى العقائد المتعلقة بالدين ونسأل ذلك كذلك (لكافة المسلمين) وعامتهم (انه) جل وعز (ارحم الراحمين) يجيب دعوة الداعين (صلى الله على سيدنا) ومولانا وهادينا (محمد وعلى آله وعلى كل عبد مصطفى) هكذا فى بعض النسخ وفى بعضها انتهاء الكلام الى قوله ارحم الراحمين فتكون هذه الجملة من زيادة النساخ وقد جرت العادة فى الختم به تبركا والله اعلم وهذا اخر شرح كتاب قواعد العقائد فرغت من تحريره بعد صلاة الظهر من يوم لليلتين بقيتا من ربيع الاول سنة 1193 بمنزلى بسويقة لالا من مصر اللهم يسر لنا اتمام مابقى قال مؤلفه وكتبه العبد المقصر المذنب ابو الفيض محمد مرتضى الحسينى غفر الله له بمئة وكرمه حامد الله مصليا ومسلما ومستغفرا انتهى بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر* (الفصل الثانى) * من الفصول الاربعة (فى) بيان (وجه التدريج) والتمهل (الى الارشاد) والهداية (وترتيب درجات الاعتقاد) بالنسبة الى اهل البداية والتوسط والنهاية (اعلم ان ماذكرناه) آنفا (فى ترجمة العقيدة) المختصرة (ينبغى ان يقدم) ذلك (الى الصبى) وهو الغلام الصغير بتعليمه اياها (فى أول نشأة) اى فى حال صباه (ليحفظه) فى صدره (حفظا) يأمن به عن الاغفال عنه ويتمكن ذلك المحفوظ فى باطنه حتى يكون نقشا على الحجر ولا يطرأ عليه ما يخالفه (ثم لايزال) مستمرا على ذلك حتى (ينكشف له معناه) وسره وحقيقته (فى) حالة (كبره) وهو البلوغ وما بعده (شيئا فشيئا) وهذا هو التدريج والترتيب المشار اليهما (فابتداؤه) فى حقه وحق غيره (الحفظ) بضبط صورها المدركة فى النفس وبتعهدها ورعايتها (ثم الفهم) بالتحقق فى معانيها (ثم الاعتقاد) اى عقد القلب باثباتها فى النفس (والايقان) بها (والتصديق) لما فيها فهذه ثلاثلا مراتب الاولى الفهم اى لمعانيها الحاصلة من ظواهر تلك الألفاظ @ الثانية عقد القلب على ذلك المعنى الذى فهمه الثالثة التصديق بذلك بانه حق بالمعنى الذى اراده الله ورسوله على الوجه الذى قاله وان كان لايقف على حقيقة فالتصديق لايكون الا بعد التصور والايمان انما يكون بعد التفهيم ولا يعتقد صدق قائلها فيها الا اذا فهم معانى الفاظها فلذلك قدم الفهم على الاعتقاد على التصديق (وذلك) القدر (مما يحصل) ويتيسر (فى الصبى) العامى (بغير برهان) ودليل (فمن فضل الله تعالى) وكمال نعمته (على قلب الانسان شرحه) وانفساحه (فى اول نشئه) وظهوره (الى الايمان من غير حاجة الى) اقامة (حجة) على اثباته أ(وبرهان) بايراد الأدلة الذى يقتضى الصدق أبدأ لان التصديق بالامور الجملية ليس بمحال وكل عاقل يعلم انه اريد بهذه الألفاظ معان وان كل اسم فله مسمى اذا نطق به من اراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه ان يعتقد كونه كاذبا مخبرا عنه على خلاف ما هو عليه ويمكنه ان يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه فهذا معقول على سبيل الاجمال يمكن ان يفهم من هذه الألفاظ امورا جملية غير مفصلة ويمكنه التصديق بها (وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام) من السوقة واهل البادية (مباديها التلقين المجرد) عن الادلة (والتعليم المحض) الخالص من غير ان يشوبه شئ اخر سواه (نعم يكون الاعتقاد المحض الحاصل بمجرد التقليد) للغير (غير خال عن نوع من الضعف) والوهاء (فى الابتداء) اى فى اول الامر لكن (على معنى انه يقبل الازالة بنقيضه لو القى اليه فلابد من تقويته واثباته فى نفس الصبى والعامى حتى يترشح) ذلك فيه (فلا يتزلزل) بالاضطراب (وليس الطريق فى تقويته واثباته) فى نفسهما (ان يعلم) كل منهما (صنعة الجدل والكلام) كما هو المتبادر الى الاذهان اذ الكلام والجدل علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل بالنفس وتخليق الفهم (بل) طريقه اللائق لاحواله ان (يشتغل بقراءة القرآن) وفى نسخة بتلاوة القرآن وهى والقراءة مترادفان ومنهم من فرق بينهما كما تقدم آنفا وهذا الاشتغال اعم من ان يكون حفظا فى الصدر او التكرار فيه (و) معرفة (تفسيره) اى الكشف عن معانى ظواهر الفاظه على قدر مايصل اليه فهمه (و) ان يشتغل فى (قراءة الحديث) المجموع فى كتب معلومة موثوق بها ويمضى فيها بتلقى ذلك عن الشيوخ المعروفين بحملها (و) معرفة (معانيه) الظاهرة للإفهام (و) ان (يشتغل) مع ذلك (بوظائف العبادات) واجلها المحافظة على الفرائض بواجباتها واركانها وسننها ولم يذكر الاشتغال بعلم الفقه لأنه حاصل من القرآن والحديث اذ كتب الحديث المؤلفة غالبها على ترتيب أبواب الفقه وان يشتغل فى أثناء ذلك بمجالسة الأخيار الصالحين من أهل المعارف والاذواق الذين سماهم فى وجوههم من اثر السجود واذ اذكر الله (فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخا) وثباتا (بما يقرع سمعه من ادلة القرآن) الباهرة وحججه القاهرة وقرعها للسمع كناية عن وصولها اليه بشدة (وبما يرد عليه من شواهد الاحاديث) الدالة على المقصود (وفوائدها) المستنبطة فيها (وبما يسطع عليه) اى على قلب ويلوح (من انوار العبادات) اى الحاصلة منها (و) من (وظائفها) اللائحة على ظاهره وباطنه فمن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار اى وجه قلبه (وبما يسرى اليه من ) بركات (مشاهدة الصالحين) من عباد الله (ومجالستهم) وملاحظتهم ومؤانستهم وآدابهم (وسماهم) الظاهر المعمور بالانوار (وهيآتهم) فى حركاتهم وسكناتهم (فى الخضوع لله تعالى) بسكون الجوارح وتلقى الواردات الالهية (والخوف منه) والاستشعار بهيبته (والاستكانة) اى التذلل وشغل اللسان بذكره وحفظ القلب عن حضور ما سواه فيه (فيكون من اول اليقين كالقاء بذر فى) ارض (الصدر وتكون هذه الاسباب) المذكورة بجملتها (كالسقى والتربية له) فشواهد القرآن والحديث بمنزلة الماء لذلك البذر ومنها حياته الاصلية اذ لولاها لذوى وانوار العبادات ومجالسة الاخيار بمنزلة التربية له بحفظه عما يضره (حتى ينمو ذلك البذر) نموا ظاهرا (ويقوى) أصله (ويرتفع) على ساق المتانة (شجيرة طيبة) نافعة (راسخة) قوية (أصلها ثابت) فى@ ارض القلب (وفرعها) الزاكى مرتفع (فى السماء) نجتنى منها ثمرات المعارف والاهتداء (وينبغى ان يحرس) اى يصان (سمعه) فى اثناء ذلك (من) طرق (الجدال) والمخاصمات (والكلام) والمناقضات (غاية الحراسة) على قدر الامكان (فان ما يشوشه الجدل) والكلام (اكثر مما يمهده) ويوطنه (وما يفسده اكثر مما يصلحه) نظرا الى ما يودع فى قلبه شبها للخصوم فربما انها لاتزول وتبقى آثارها فيتعلق قلبه بها فهذا اول فساده له واما ما يترتب عليه بعد ذلك فاكثر من ان يذكر (بل تقويته بالجدل يضاهى) اى يشابه (ضرب الشجرة بالمدقة) بكسر الميم (من الحديد) او بايداع المسامير فيها (رجاء تقويتها فان تكسير اجزائها) بآلات الحديد (ربما تفتتها وتكسرها) وفى نسخة ويفسدها اى يكون سببا لتكسير كلها واعدامها بالمرة (وهو الاغلب) فى الاحوال (والمشاهدة تكفيك فى هذا بيانا) واضحا (وناهيك بالعيان) اى المعاينة (برهانا) جليا لايحتاج الى تقريره ببرهان آخر قال المصنف فى الجام العوام فان قلت ان لم ينصرف قلب العامى عن التفكر لتشوقه الى البحث فما طريقه فاقول طريقه ان يشغل نفسه بالعبادة وقراءة القرآن والذكر وان لم يقدر فيعلم اخر لايناسب هذا الجنس من لغة او نحو او حساب او طب او فقه فان لم يمكنه فبحرفة او صناعة ولو الحراثة او الحياكة فان لم يقدر فبلعب او لهو فان لم يقدر فيحدث نفسه هول القيامة والحشر والنشر والحساب وكل ذلك خير له من الغوص فى هذا البحر البعيد عمقه العظيم خطره وضرره بل لو اشتغل العامى باللهو لابالعبادات البدنية ربما كان اسلم له من ان يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى فان ذلك عاقبته الفسق وهذا عاقبته الشرك فان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فان قلت العامى اذا لم تستكن نفسه الى الاعتقادات الدينية الا بدليل فهل يجوز ان يذكر له الدليل فان جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظر واى فرق بين هذا النظر وغيره وان منعت منه فكيف تمنعه ولا يتم ايمانه الا به فالجواب انى اجوز له ان يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق الرسول وعلى اليوم الآخر وان لا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولا يتفكر فيه الا تفكرا سهلا جليا ولا يمعن فى التفكر ولا يوغل فيه غاية الايغال فى البحث وادلة هذه الامور الاربعة مذكورة فى القرآن وهى قريب من خمسمائة جمعناها فى جواهر القرآن فلا ينبغى ان يزاد عليه فان قبل هذه هى الادلة ولا يمنعون عنها وكل ذلك يدرك بنظر العقل وتأويله فان فتح للعامى فى باب النظر فليفتح مطلقا او يسد مطلقا بطريق النظر وليكلف ليقلد من غير نظر فالجواب ان الادلة تنقسمالى ما يحتاح فيه الى تفكر وتدقيق خارج عن تدقيق العامى وقدرته والى ماهو جلى سابق الى الافهام ببادئ الرأى واقل النظر بل يشترك كافة الناس بسهولة لاخطر فيه وما يفتقر الى التدقيق فليس على قدم وسعة فادلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل انسان وادلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضر به الاكثرون بل ادلة القرآن كالماء ينتفع به الصبى والرجل القوى وسائر الادلة كالاطعمة التى ينتفع بها الاقوياء مرة ويمرضون بها اخرى ولا ينتفع بها الصبيان اصلا ولهذا قلنا ان ادلة القرآن ايضا ينبغى ان يصغى اليها اصغاءه الى كلام جلى ولا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر وما احدثه المتكلمون من تفسير وسؤال وتوجيه اشكال ثم اشتغاله بحله فهو بدعة وضرره فى حق عموم الخلق ظاهر فهذا الذى ينبغى ان يتوقى والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والتجربة وما ثار من الفتن بين الخلقق منذ نبغ المتكلمون وفشا صناعة الكلام مع سلامة العصر الاول عن مثل ذلك ودليله انهم ما خاضوا في ذلك ولا سلكوا مسلك المتكلمين فى تقسيماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك ولو علموا ان ذلك نافع لاطنبوا فيه وخاضوا فى تحرير الادلة خوضا يزيد على خوضهم فى مسائل الفرائض (فقس عقيدة اهل الصلاح) والرشد (والنفى من عوام الناس) وطائعها (بعقيدة المتكلمين والمجادلين) اى علماء الكلام والجدل (فترى اعتقاد العامى) منهم (فى@ الثبات) والرسوخ (كالطود الشامخ) اى الجبل العالى الذى (لا تحركه الدواهى) اى الشدائد (والصواعق) جمع صاعقة (و) ترى (عقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل) وانواعه بالادلة العقلية الجدلية (كخيط مرسل فى الهواء تفيئه) اى تحركه (الريح) وفى نسخة لرياح (مرة هكذا ومرة هكذا) فأمره الى غاية الضعف (الا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه) اى تلقاه وتلقنه (تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد) كذلك (تقليدا ولا فرق فى التقليد بين تعلم الدليل أو تعلم) نفس (المدلول) الذى اقيم عليه ذلك الدليل (فتلقين الدليل شئ والاستقلال ........... ) والبحث فيه (شئ آخر بعيد عنه) وهذا ظاهر (ثم الصبى اذا وقع نشؤه) اى مبدأ حاله (على هذه العقيدة) وتمكنت من قلبه (ان اشتغل بكسب الدنيا) كالتجارة والفلاحة وغيرهما من الصنائع والحرف (لم ينفتح له غيرها) لعدم انتقاله منها الى حالة اخرى منها (ولكنه سلم فى الآخرة) عن المؤاخذة والمعاتبة (باعتقاد الحق) المطابق للواقع اشار لذلك غير واحد من الائمة (اذ لم يكلف الشرع اجلاف العرب) من اهل البوادى (اكثر من التصديق الجازم) القاطع (بظاهر هذه العقيدة) ثم تم (فاما البحث والتفتيش) وامعان النظر واجالة الفكر (وتكلف نظم الادلة) وتنسيق البراهين (فلم يكلفوه اصلا) ومن شاهد احوال الأولين انكشف له الامر قال المصنف فى الاملاء اعلم ان اهل الاعتقاد المجرد عن تحصينه بالعلم وتوثيقه بالادلة ينقسمون من وجه على ثلاث حالات الاولى ان يعتقد احدهم جميع اركان الايمان على ما يكمل عليه فى الغالب لكنه على طريق التقليد الثانية ان لايعتقد الا بعض الاركان مما فيه خلاف اذا انفرد ولم ينضاف اليه فى اعتقاده سواء هل يكون به مؤمنا او مسلما مثل ان يعتقد وجود الواحد فقط او يعتقد انه موجود حى لا غير وأمثال هذه التقريرات ويخلو عن اعتقاد باقى الصفات خلوا كاملا لا يعتقد فيها حقا ولا باطلاالثالثة ان يعتقد الوجود كما قلناه او الوجود والوحدانية والحياة وفى باقى الصفات على مالا يوافق الحق بما هو بدعة او ضلالة وليس بكفر صراح والذى يدل عليه العلم ويستنبط من ظواهر الشرع ان ارباب الحالة الاولى والله اعلم على سبيل نجاة ووصف ايمان واسلام واما اهل الحالة الثانية فالمتقدمون من السلف لم يشتهر عنهم فى صورة هذه المسئلة ما يخرج صاحب هذه العقيدة عن حكم الايمان والاسلام والمتأخرون متخلفون وكثير خاف ان يخرج من اعتققد وجود الله تعالى واظهار الاقرار به ونبيه صلى الله عليه وسلم من الاسلام ولايبعد ان يكون كثير ممن اسلم من الاحلاف والرعيان وضعفاء النساء والاتباع هذا عقده بلا مزيد عليه ولو سئلوا واستكشفوا عن الله عزوجل هل له ارادة او كلام او بقاء او ماشا كل ذلك وهل له صفات معنوية ليست هى هو ولا هى غيره ربما وجدوا يجهلون ذلك ولايعقلون وجه ما يخاطبون به وكيف يخرج من اعتقد وجود الله تعالى ووحدانيته تعالى مع الاقرار بالنبوة من حكم الاسلام والنبى صلى الله عليه وسلم قد رفع القتال والقتل عنهم فاوجب حكم الايمان والاسلام لمن قال لااله الا الله وعقد عليها وهذه الكلمة لاتقتضى اكثر من اعتقاد الوجود والوحدة فى الظاهر وعلى البديهة من غير نظر ثم سمعنا عمن قالها فى صدر الاسلام ولم يعلم بعدها الا فرائض الوضوء والصلاة وهيئات الاعمال البدنية والكف عن اذى المسلم ولم يبلغنا انهم تدارسوا علم الصفات واحوالها ولا هل الله عالم بعلم او عالم بنفسه او هو باق ببقاء او بنفسه واشباه هذه المعارف ولايدفع ظهور هذا الا معاند او جاهل بسيرة السلف وما جرى بينهم ويدل على قوة هذا الجانب فى الشرع ان من استكشف منه على هذه الحالة وتحققت منه وابى ان يذعن الى تعلم مازاد على ماعنده لم يفت احد بقتله ولا باسترقاقه والحكم عليه بالخلود فى النار عسير جدا وخطر عظيم مع ثبوت الشرع بان من قال لا اله الا الله دخل الجنة ........ المقصود منه (وان اراد ان يكون من سالكى طريق الآخرة) وقطع عنه شواغل الدنيا (وساعده) مع ذلك (التوفيق) الالهى (حتى اشتغل بالعمل) بما علمه (ولازم@ التقوى) والخشية (ونهى النفس) الامارة (عن الهوى) عن كل ما تستلذه تميل اليه (واشتغل بالرياضة) الشرعية (والمجاهدة) المعنوية (انفتحت له ابواب) وطرق (من الهداية) ما (تكشف عن حقائق) هذه (العقيدة) وتفصح عن رموزها واسرارها (بنور الهى يقذف فى قلبه بسبب) تلك (المجاهدة تحقيقا لوعده تعالى) السابق (اذ قال) فى كتابه العزيز (والذين جاهدوا فينا) اى اعداءهم لاجلنا (لنهديهم سبلنا) اى الطرق الموصلة الينا (وان الله لمع المحسنين) بالنصر والاعانة والتوفيق وقد تقدم اقسام الجهاد وما يتعلق بهذه الآية فى كتاب العلم (وهو الجوهر النفيس الذى هو غاية ايمان الصديقين والمقربين) اما المقربون فهم ارباب المقام الثالث فى التوحيد وهؤلاء رأوا علامة الحدوثفى المخلوقات لائحة وعاينوا حالات الافتقار الى الله عز وجل واضحة وسمعوا جميعها تدل على التوحيد راشدة ناصحة ثم رأوا الله عزوجل بايمان قلوبهم وشاهدوه بغيب ارواحهم ولاحظوا جلاله جماله بخفى اسرارهم وهم مع ذلك فى درجات القرب على قدر حظ كل واحد منهم فى اليقين وصفاء القلب واما الصديقون فهم اهل المرتبة الرابعة فى التوحيد وهؤلاء رأوا الله عزوجل ثم رأوا الاشياء بعد ذلك فلم يروا فى الدار من غيره ولا اطلعوا فى الوجود على سواه والمريدون فى الغالب لابد لهم ان يحلوا فى المرتبة الثالثة وهى توحيد المقربين ومنها ينتقلون وعليها يعبرون الى المرتبة الرابعة واما المرادون فهم فى الغالب مبتدؤن بمقامهم الاخير وهى المرتبة الرابعة ومتمكنون فيها ومن اهل هذا المقام يكون القطب والاوتاد البدلاء ومن اهل المرتبة الثالثة يكون النقباء ............. والشهداء والصالحون (واليه الاشارة بالسر الذى وقر فى قلب ابى بكر الصديق رضى الله عنه حيث فضل به الخلق) لما تقدم فى كتاب العلم ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام ولكن بسر وقر فى صدره (انكشاف ذلك السر) الذى سبق حضرة الصديق به فى سيرة الناس هو رؤية الله وحده وعدم رؤية الاشياء قبله (بل تلك الاسرار) التى تنشأ لأرباب المقام الثالث (له درجات) متنوعة لأهله فى القرب والبعد (بحسب درجات المجاهدةو) بحسب (درجات الباطن فى النظافة والطهارة) بتفريغه (عمن سوى الله وفى الاستضاءة بنور اليقين) والمعرفة والعقل وفى عمارة السر بمشاهدة المحبوب (وذلك كتفاوت الخلق فى اسرار الطب والفقه وسائر العلوم اذ يختلف ذلك باختلاف الاجتهاد) والرياضات (واختلاف الفطرة) التى فطر عليها (فى الذكاء والفطنة) واتقاد الباطن وانقسام كل منهم فى الحالين كانقسام حفاظ القرآن مثلا فمن حافظ لبعضه ويكون ذلك البعض اكثر او كثيرا منه دون كماله ومن حافظ لجميعه لكنه متلعثم فيه ومن حافظ له ماهر فى تلاوته غير متوقف فيه (فكما لاتنحصر تلك الدرجات فكذلك هذه) وكل على قدر حظه منه بما اتيح له من الازل وبسبب اختلاف تلك الدرجات اختلفت احوالهم والحاصل مما سبق من كلام المصنف ان الصبيان والعوام لا ينبغى ان يلقنوا باكثر مما ذكر فى العقيدة المختصرة فان فيها مقنعا لهم وزجرا عن الوقوع فيما يضرهم وفى معنى العوام كل من لا يوصف بهذه الصفات وهى التجرد لطلب المعرفة والاستعداد لها والخلو عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام كما ستأتى الاشارة اليها فى كلام المصنف فيما بعد فالحق الصريح الذى لا مراء فيه عند اهل البصائر هو مذهب السلف اعنى مذاهب الصحابة والتابعين وقد قال المصنف فى الجام العوام ان حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا ان عوام الخلق يجب عليهم فى معتقدهم سبعة امور احدها التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ثم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة اما التقديس فاعنى به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها واما التصديق فهو الايمان بما قاله صلى الله عليه وسلم وان ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق وانه حق على الوجه الذى قاله واراده واما الاعتراف بالعجز فهو ان يقر بان معرفة مراده ليس على قدر طاقته وان@ ذلك ليس من شأنه وحرفته واما السكوت فانه لايسال عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم ان سؤاله عنه بدعة وانه فى خوضه فيه مخاطر بدينة وانه يوشك ان يكفر ان خاض فيه من حيث لا يشعر واما الامساك فهو ان لا يتصرف فى تلك الالفاظ الواردة بالتصريف والتبديل بلغة اخرى والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الايراد والاعراب والتصريف والصيغة واما الكف فان يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر والتصرف فيه واما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك وان خفى عليه لعجزه فقد لا يخفى على الرسول صلى الله عليه وسلم او على الانبياء او على الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام لا ينبغى ان يظن بالسلف الخلاف فى شئ منها (مسئلة فان قلت تعلم الجدل والكلام) هل هو (مذموم كعلم النجوم) وما يجرى مجراه (او هو مباح) لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه (او) هو (مندوب اليه) ما الجواب عن ذلك (فاعلم ان للناس فى هذا) المبحث (غلوا) اى تجاوزا عن الحد (واسرافا) اى ابعادا فى المجاوزة عنه (فى اطراف فمن قائل انه بدعة) قبيحة (وحرام) لايحل الاشتغال به (وان العبد ان لقى الله بكل ذنب سوى) وفى نسخة ماخلا (الشرك خير له من ان يلقاه بالكلام) وهو قول الشافعى كما سيأتى سنده (ومن قائل انه واجب) تعلمه (وفرض اما على الكفاية) وهو قول اكثر المتأخرين من المتكلمين (او على الاعيان) وهو ابعد الاقوال فان الله سبحانه وتعالى لم يفرض على كل انسان ان يكون متكلما جدليا والقائلون بوجوبه يقولون (انه افضل الاعمال) اى الاعتقادية (واعلى القربات) الى الله تعالى (فانه تحقيق لعلم التوحيد) الذى هو متضمن على معرفة وحدانية الله تعالى بما يليق بذاته وصفاته (ونضال) اى دفاع (عن دين الله تعالى) برد شبه المخالفين وابطال براهين الزائغين والواجب العينى فى التوحيد ما يخرج المكلف من التقليد الى التحقيق واقله معرفة كل عقيدة بدليل ولو جميلا والكفائى فيه ما يقتدر معه علي تحقيق مسائله واقامة الادلة التفصيلية عليها وازالة الشبه عنها اذ يجب كفاية على اهل كل قطر يشق الوصول منه الى غيره ان يكون فيهم من هو متصف بذلك ولا يخفى ان حصول ذلك متوقف على تعلم علم الكلام (والى التحريم ذهب الائمة) الاربعة ابو حنيفة و(الشافعى ومالك واحمد بن) محمد بن (حنبل وسفيان) الثورى وابو يوسف (وجميع اهل الحديث من السلف) الصالحين (قال ابو عبد الاعلى) هكذا فى النسخ وهو يونس بن عبد الاعلى بن موسى بن ميسرة الصوفى ابو موسى المصرى الفقيه المقرى ولد سنة 170 وسمع الحديث عن ابن عيينة وابن وهب والوليد بن مسلم ومنصور بن عيسى والشافعى واختص به روى عنه مسلم والنسائى وابن ماجه وابو عوانة وابو الطاهر المدينى وخلق (سمعت الشافعى رحمه الله تعالى يقول يوما وقد ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمى المعتزلة) قلت حفص هذا يلقب بالفرد تفقه على الامام ابى يوسف وكان من اصحابه ثم مال الى رأى المعتزلة وصار يناضل عنهم حتى صار من متكلميهم وقال الربيع كان الشافعى يقول له حفص المنفرد ولايقول الفرد (لان يلقى الله تعالى العبد بكل خطيئة ماخلا الشرك خير له من ان يلقاه بشئ من الكلام) روى هذا القول عن الامام من وجوه اخرجه ابن ابى حاتم فى كتاب المناقب له قال سمعت الربيع قال اخبرنى من سمع الشافعى يقول لان يلقى الله المرء بكل ذنب ماخلا الشرك بالله خير له من ان يلقاه بشئ من الاهواء رواه غير واحد عن الربيع انه سمع الشافعى يقول وقال ابن خزيمة سمعت الربيع لما كلم الشافعى حفصا الفرد فقال حفص القرآن مخلوق فقال له الشافعى كفرت بالله العظيم ورواه ابن ابى حاتم عن الربيع حدثنى من اثق به وكنت حاضرا فى المجلس فساقه (ولقد سمعت من حفص كلاما ما اقدر ان احكيه) وهو قوله ان القرآن مخلوق (وقال ايضا قد اطلعت من اهل الكلام على شئ ما ظننته قط) اخرجه اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال قال لى @ الشافعى تعلم ياابا موسى لقد اطلعت من اصحاب الكلام على شئ ما ظننت ان مسلما يقول ذلك (لان يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ماعدا الشرك خير له من ان ينظر فى الكلام) اخرجه اللالكائى من رواية ابى نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى يقول سمعت الربيع يقول سمعت الشافعى يقول وناظره رجل من اهل العراق فخرج الى شئ من الكلام فقال هذا من الكلام دعه قال وسمعت الشافعى يقول لان يبتلى الله المرء بكل ذنب نهى الله عنه ماعدا الشرك به خير له من الكلام (وحكى) الحسين ابن على ابو على (الكرابيسى ان الشافعى سئل عن شئ من الكلام فغضب وقال سل عنه هذا يعنى حفصا لفرد واصحابه اخزاهم الله) وكان الكرابيسى من متكلمى اهل السنة استاذا فى علم الكلام كما هو استاذ فى الحديث والفقه وكان الامام احمد يتكلم فيه بسبب مسئلة اللفظ وهوايض كان يتكلم فى احمد لذلك تجنب الناس الاخذ عنه (و) يروى انه (لما مرض الشافعى دخل عليه حفص الفرد وقال من انا قال حفص الفرد لاحفظك الله ولا رعاك حتى تتوب مما انت فيه) اى من القول بخلق القرآن واخرج اللالكائى فى السنة من رواية محمد بن يحيى بن آدم المصرى اخبرنا الربيع قال سمعت ابا شعيب قال حضرت الشافعى وحفص الفرد سأل الشافعى فاحتج عليه بان كلام الله غير مخلوق وكفر حفص المنفرد قال الربيع ولقيته فقال اراد الشافعى قتلى (وقال ايضا لو علم الناس ما فى الكلام من الاهواء لفروا منه فرارهم من الاسد) رواه محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعى يقول فساقه الا انه قال فى الاهواء بدل من الاهواء هكذا هو فى نسخة ابن كثير واخرج اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم قال قال الحسن بن عبد العزيز الجروى قال كان الشافعى ينهى النهى الشديد عن الكلام فى الاهواء ويقول احدهم اذا خالفه صاحبه قال كفرت والعلم فيه انما يقال اخطات وقال ابن كثير قال محمد ابن اسماعيل الكرابسى يقول قال الشافعى كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد وما سواه فهو هذيان (وقال ايضا اذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمى او غير المسمى فاشهد بانه من اهل الكلام ولا دين له) اخرجه بن عبد البر فى كتاب العلم ولفظه قال يونس بن عبد الاعلى سمعت الشافعى يقول اذا سمعتم الرجل يقول الاسم غير المسمى او الاسم المسمى فاشهدوا عليه انه من اهل الكلام ولادين له قال ابن السبكى وهذا وامثاله مما روى فى ذم الكلام وقد روى ما يعارضه وللحافظ ابن عساكر فى التبيين على امثاله هذه الكلمة كلام لامزيد على حسنه (وقال الزعفرانى) هو الحسن بن محمد ابن الصلاح ابو على البغدادى (قال الشافعى حكمى فى اصحاب الكلام ان يضربوا بالجريد) اى جريد النخل تعزيزا (ويطاف بهم فى العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واخذ فى الكلام) وهذا قد رواه ايضا ابو ثور عن الشافعى الا انه فيه واقبل على الكلام مكان واخذ فى الكلام واخرجه الخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية زكريا بن يحيى البصرى حدثنا محمد بن اسماعيل سمعت ابا ثور والحسين بن على يقولان سمعنا الشافعى يقول فساقه وزاد بعد قوله بالجريد ويحملوا على الابل وقال ابو نعيم بن عدى وغيره قال داود بن سليمان عن الكرابيسى سمع الشافعى يقول حكمى فى اهل الكلام حكم عمر فى ضبيغ واخرج اللالكائى من رواية احمد بن اصرم المعقلى قال قال ابو ثور سمعت الشافعى يقول ماتردى احد بالكلام قد افلح واخرج ايضا من رواية ابن ابى حاتم حدثنا الربيع قال رأيت الشافعى وهو نازل من الدرجة وقوم فى المسجد يتكلمون بشئ من الكلام فصاح فقال اما ان تجاورونا بخير واما ان تقوموا عنا فهذه الآثار وغيرها دالة على ان الشافعى كان شديد النهى عن علم الكلام (وقال احمد بن) محمد بن (حنبل) الشيبانى رحمه الله تعالى (لايفلح صاحب الكلام ابداولاتكاد ترى احدا نظر فى) علم (الكلام الا وفى قلبه غل) وهو تدرع الخيانة والعداوة (وبالغ فيه) اى فى ذمه (حتى هجر الحرث بن اسد بن عبدالله المحاسبى) شيخ الجنيد (مع زهده وورعه) وتقواه وجمعه بين @ علمى الظاهر والباطن (بسبب تصنيفه كتابا فى الرد على المبتدعة) من المعتزلة والرافضة فان الامام احمد كان يشدد النكير على من يتكلم فى علم الكلام خوفا ان يجر ذلك الى ما لا ينبغى ولاشك ان السكوت عنه ما لم تدع اليه الحاجة اولى والكلام فيه عند فقد الحاجة بدعة وكان الحرث قد تكلم فى مسائل من علم الكلام قال ابو القاسم النصر اباذى بلغنى ان الامام احمد هجره بهذا السبب وقال له الامام احمد لما انكر عليه تلك المقالات واجابه الحرث بانه انما ينصر السنة ويرد على البدعة (ويحك ألست تحكى بدعتهم اولا) اى اقوالهم التى احدثوهابدلائلها وبراهينها (ثم ترد عليهم) بعد ذلك بنقض ادلتها (ألست تحمل الناس بتصنيفك) هذا (على مطالعة) اقوال (البدع) والتفكر فى تلك الشبهات (فيدعوهم فعلهم ذلك الى) احداث (الرأى) فى الدين (والبحث) فى مسائل الاعتقاد فكأنه قصد بذلك سد هذا الباب رأسا وكل منهما من رؤساء الائمة وهداه هذه الامة والظن بالحرث انه انما تكلم حيث دعت الحاجة ولكل مقصد والله يرحمهما (وقال احمد ) ايضا (علماء الكلام زنادقة) قال صاحب البارع زنديق وزنادقة وزنادق وزناديق وليس ذلك من كلام العرب فى الاصل وقال الازهرى زندقة الزنديق انه لايؤمن بالآخرة ولا بوحدانية الخالق وقال غيره المشهور ان الزنديق هو الذى لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر وتعبر العرب عن هذا بقولهم ملحد اى طاعن فى الاديان (وقال مالك) بن انس الامام (ارايت ان جاء من هو اجدل منه) اى اكثر جدلا (ايدع دينه) الذى اعتقده (كل يوم لدين جديد يعنى ان اقوال المتجادلين تتقاوم) اى فلا يعتمد على تلك الاقوال لكونها فى معرض الازالة بما هو اقوى واخرج اللالكائى فى السنة من رواية الحسن بن على الحلوانى قال سمعت اسحق بن عيسى يقول قال مالك بن انس كلما جاءنا رجل اجدل من رجل تركنا مانزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله واخرج من رواية محمد بن حاتم بن بزيع قال سمعت ابن الطباع يقول جاء رجل الى مالك بن انس فسأله عن مسئلة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فقال ارايت لو كان كذا قال مالك فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم قال وقال مالك او كلما جاء رجل اجدل من رجل اخر رد ما انزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم واخرج ايضا من رواية القضى عن مالك قال مهما تلاعبت به من شئ فلا تلاعبن بامر دينك (وقال مالك) ايضا (لا تجوز شهادة اهل البدع والاهواء) اذا كانت بدعتهم تحمل على الكفر والخروج من الدين وفى كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع فى البسوط من قول عبد الله بن وهب انه لاتجوز شهادة القارئ على القارئ لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا ولعل هذا الذى رواه ابن وهب هو الذى اقتضاه قول مالك (فقال بعض اصحابه فى تاويله انه اراد باهل الاهواء) والبدع (اهل الكلام على اى مذهب كانوا) اى لما ينشأ منه من التحاسد والتباغض والعصبية والاغراض الفاسدة وهذا الذى ذكره المصنف من السياقين انما دلالتهما على المقصود بطريقق المفهوم كما لا يخفى وقد قال اللالكائى فى كتاب السنة قال مصعب بلغنى عن مالك بن انس انه كان يقول الكلام فى الدين كله اكرهه ولم يزل اهل بلدنا يعنى اهل المدينة ينهون عن الكلام فى الدين ولااحسب الكلام الا فيما كان تحته عمل واما الكلام فى الله فالسكوت عنه (وقال ابو يوسف) يعقوب بن ابراهيم القاضى الانصارى وهو الامام المقدم من اصحاب الامام ابى حنيفة (من طالب العلم بالكلام تزندق) اخرجه اللالكائى فى السنة فقال اخبرنا احمد بن محمد بن ميمون النهر سابسى بها حدثنا ابو بكر احمد بن محمد بن موسى الخطيب اخبرنا ابو جعفر بن ابى الدسيك قال سمعت بشر بن الوليد الكندى يقول سمعت ابا يوسف يقول من طلب المال بالكيمياء افلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق واورده الذهبى فى تاريخ والخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية بشر بن الوليد بزيادة من تتبع غريب الحديث كذب (وقال الحسن) بن يسار ابو سعيد البصرى (لاتجالسوا اهل الاهواء) يعنى اهل البدع (ولاتجادلوهم) اى لاتفتحوا لهم باب المجادلة فى الدين@ (ولا تسمعوا منهم) اى مقالاتهم فكل من ذلك مضر (وقد اتفق اهل الحديث) من السلف الصالحين (على هذا) الذى ذكر من ذم علم الكلام والنهى عن الاشتغال به واجمعوا عليه (ولاينحصر مانقل عنهم من التشديدات) والتهديدات (فيه وقالوا) مستدلين بان (ما سكت عنه الصحابة) رضوان الله عليهم (مع انهم اعرف بالحقائق) اللغوية والشرعية (وافصح بترتيب الالفاظ) بعضها مع بعض (من غيرهم) ممن اتى بعدهم (الا لعلمهم بما يتولد منه من الشر) فمن ذلك ما اخرجه اللالكائى فى السنة من رواية يونس بن عبد الاعلى حدثنا ابن وهب اخبرنا عبدالله بن محمد بن زياد ومالك بن انس عن ابى الزناد عن الاعرج عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذرونى ما تركتكم فانما اهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم اخرجه البخارى من رواية مالك ومسلم من رواية سفيان عن ابى الزناد واخرج من رواية ابى العوام عن قتادة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم قال صاحب بدعة يدعو الى بدعته (ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون ثلاث مرات) هكذا اخرجه مسلم فى القدر من صحيحه قال قال ذلك ثلاثا واخرجه الامام احمد فى القدر ايضا وابو داود فى السنة وليس عندهما ذكره ثلاث مرات كلهم عن ابن مسعود رضى الله عنه رفعه (اى المتعمقون) المتقعرون (فى البحث والاستقصاء يقال تنطع الرجل اذا تنطس فى عمله قال الزمخشرى فى الفائق اراد النهى عن التمادى والتلاحى فى القراآت المختلفة وان مرجعها الى واحد من الحسن والصواب اه وقال النووى فيه كراهة التقعر فى الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشى اللغة ودقائق الاعراب فى مخاطبة العوام ونحوهم اه وقال غيره المراد بالحديث الغالبون فى خوضهم فيما لا يعنيهم وقيل المتعنتون فى السؤال من عويص المسائل التى يندر وقوعها وقيل المبالغون فى العبادة بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان فى الوسوسة وقال الحافظ ابن حجر قال بعض الائمة التحقيق ان البحث عما لايوجد فيه نص قسمان احدهما ان يبحث فى دخوله فى دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على على من تعين عليه الثانى ان يدقق النظر فى وجوه الفروق فيفرق بين المتماثلين بفرق ولا اثر له فى الشرع مع وجود وصف الجمع او بالعكس بأن يجمع بين منتفرقين بوصف طردى مثلا فهذا الذى ذمه السلف وعابه وعليه ينطبق خبر هلك المتنطعون فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الاكثار من التفريغ على مسئلة لا اصل لها فى كتاب ولا سنة ولا اجماع وهى نادرة الوقوع فيصرف فيها زمنا كان يصرفه فى غيرها اولى سيما ان لزم منه اغفال التوسع فى بيان ما يكثر وقوعه واشد منه البحث عن امور معينة ورد الشرع بالايمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما يكون له شاهد فى عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الامة الى امثال ذلك مما لا يعرف ذلك الا بالنقل الصرف واكثر ذلك لم يثبت فيه شئ فيجب الايمان به بغير بحث (واحتجوا ايضا بان ذلك لو كان من) جملة (الدين لكان ذلك اهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) اصحابه اذ هو مأمور بتبليغ امور الدين (ويعظم طريقه) الموصل اليه (ويثنى على اربابه) اى حملته وفى نسخة عليه وعلى اربابه (فقد علمهم الاستنجاء) فيما اخرجه مسلم فى صحيحه عن سلمان رضى الله عنه (وندبهم الى علم الفرائض) فيما اخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقى عن ابى هريرة رضى الله عنه تعلموا الفرائض وعلموه الناس فانه نصف العلم وهوينسى وهو اول شئ ينزع من امتى قال الحافظ الذهبى فيه حفص بن عمر بن ابى العطاف واه بمرة وقال ابن حجر الحافظ مداره على حفص وهو متروك وقال البيهقى تفرد به حفص وليس بقوى وفى رواية فانه من الدين واخرج احمد والترمذى والنسائى والحاكم وصحيحه بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فانى امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف اثنان فى الفريضة فلا يجد ان من يفصل بينهما قال الحافظ فى الفتح رواته موثقون الا انه اختلف فيه على عوف@ الاعرابى واخرج الترمذى من حديث انس وافرضهم زيد بن ثابت (واثنى عليهم) حيث قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقال فى افتراق الامم الناجية منهم واحدة فقيل من هم فقال ما انا عليه واصحابى (ونهاهم عن الكلام فى القدر وقال امسكوا) فيما اخرجه الطبرانى فى الكبير عن ابن مسعود وعن ثوبان وابن عدى فى الكامل عن عمر بن الخطاب رفعوه اذ اذكر اصحابى فامسكوا اذ اذكرت النجوم فامسكوا واذ اذكر القدر فامسكوا اى لما فى الخوض فى الثلاثة من المفاسد التى لا تحصى وقدم هذا الحديث فى كتاب العلم واشبعنا الكلام عليه من جهة الصناعة الحديثية قال البغوى القدر سر الله لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لايجوز الخوض فى البحث عنه من طريق العقل بل يعتقد انه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين اهل يمين جعلهم للنعيم فضلا واهل شمال خلقهم للجحيم عدلا (وعلى هذا استمر الصحابة) رضى الله عنهم يروى انه سأل رجل عليا كرم الله وجهه عن القدر فقال طريق الظلم لاتسلكه فاعاد فقال بحر عميق لاتلجه فاعاد فقال سر الله قد خفى عليم لا تفتشه (فالزيادة على الاسناذ) بضم الهمزة وآخره ذال معجمة رئيس الصنعة اعجمى اشتهر استعماله فى الشيخ الكامل (طغيان) وتجاوز عن الحد (وظلم) اى وضع فى غير موضعه (وهم) اى الصحابة رضى الله عنهم (الاستاذون) الكاملون (والقدوة) لمتبعيهم (ونحن الاتباع التلامذة) جمع تلميذ بالكسر قيل اعجمى معرب وقيل اصله من التلم وهو شق الارض ووضع البذر فيها لينبت وبالجملة فعلم الكلام والجدل كما افصح عنه المصنف فى املائه على هذا الكتاب انه علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل النفس وتخليق الفهم وليس بشدة المشاهدة والكشف ولاجل هذا كان فيه الثمين والغث وشاع فى حال المناضلة فيه ايراد القطعى وما هو فى حكمه من غلبة الظن وابداء الصحيح والزام مذهب الخصم وسياتى لذلك زيادة ايضاح قريبا ان شاءالله تعالى (واما الفرقة الاخرى) القائلون بوجوب الاشتغال به (احتجوابات المحذور) اى الممنوع (من الكلام) وما يتعلق به (ان كان هو فى لفظ الجوهر والعرض) والهيولى والماهية والتحيز (وهذه الاصطلاحات الغريبة) كالموضوع والمحمول وهذا مركب من الشكل الفلانى والملازمة ممنوعة والصغرى والكبرى والمقدمة والنتيجة (التى لم يعهدها الصحابة) رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم باحسان (فالامر قريب) اى سهل (اذ ما من علم الا وقد احدث فيه اصطلاحات لاجل التفهيم) والتعليم (كالحديث والتفسير والفقه) واصول كل من ذلك (فلو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعديد وفساد الوضع) وما اشبه ذلك (لما كانوا يفهمونه) اذ لم يعهدوا ذلك ولا الفوه (فاحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح) لاينكر (كاحداث آنية على هيئة جديدة) لم تسبق (لاستعمالها فى مباح) شرعى (وان كان المحذور هو المعنى) المقصود لذاته (فنحن لانعنى به الا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق جل وعز و) معرفة (صفاته كما جاء به الشرع فمن اين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل) بل هو مطلوب بهذا الوجه (وان كان المحذور هو التشعب) اى المخاصمة ورفع الاصوات (والتعصب) فى ذلك (والعداوة والبغضاء وما يفضى اليه الكلام) من الزام مذهب الخصم وتكثير الآراء الوهمية فيه (فلذلك محرم) اتفاقا لا نقول بجوازه فى حال من الاحوال بل (يجب الاحتراز منه) والاجتناب عنه (كما ان الكبر والرياء وطلب الرياسة) والتكالب عليها (ايضا مما يفضى اليه علم الحديث والتفسير والفقه وهو محرم ايضا يجب الاحتراز منه ولكن لا يمنع عن العلم) والاشتغال به والسعى فى تحصيله (لاجل ادائه اليه) وكونه مفضيا اليه وقد الم بهذا البحث ابو الوفاء اليوسى فى شرحه على الكبرى تحقيقا لمطلوبه الذى هو ان العلوم كلها وسائل الى المقصود لايقال فيها مذموم ولا محرم ومن جرء بعضها فليحرم جميعها والا فمن اين التخصيص ومن انكر ان يكون بعض ذلك وسيلة فالعيان يكذبه فقال ولما تكاثرت الاهواء والبدع وافترقت الامة على فرق وعظمت على الحق شبه المبطلين انتهض علماء الامة الى مناضلتهم باللسان كمناضلة السلف بالسنان فاحتاجوا الى مقدمات كلية @ وقواعد عقلية واصطلاحات واوضاع يجعلونها على النزاع وينطقون بها مقاصد القوم عند الدفاع فدونوا ذلك وسموه علم الكلام واصول الدين ليكون بازاء اصول الفقه ثم قال فان قيل ان الكلام والمنطق مبتدعان وكل بدعة يجب اجتنابها قلنا لانسلم ان كل بدعة تجتنب اذ منها ما يستحسن ولو سلمناها فغيرهما من العلوم كالحساب والطب والتنجيم وصناعتى الاصول والحديث والادب ونحوها كذلك فان قال السلف كانوا يحسبون ويعالجون ويجتهدون ويحدثون وانما احدث فى هذه الصناعة الالقاب قلنا وكذلك كانوا يفسرون ويستدلون ويعللون ولا معنى للمنطق الا هذا كيف وهو الذى فى الطباع مركوز ولا ينفك عنه عاقل فمن حرمه اما ان يحرمه لكونه ..... حراما بوجه اخر فان اراد الاول قلنا لا نسلم ان مركوزيته توجب حصوله وعدم الفائدة فى تعلمه اذ النفس غافلة حتى تتنبه والمركوز انما هو العقل الفطرى والوجدان حاكم بأن النفس خالية عن العلوم بل وعن الاستعداد حتى تشحذ بالقوانين نعم لاننكر ان يكون ذو فطرة سليمة لايحتاج الى تعلمه كالعربى المستغنى عن تعلم العربية فان زعم هذا المنكر ان فطرته هكذا لايحصل له ان يقبس سائر العقول بعقله ولا ان يسد الباب على غيره اذ وجد انه لا ينهض دليلا على ما اراد وان اراد الثانى قلنا ما وجه حرمته فان قال لكونه بدعة قلنا تقدم جوابه وان كان لشئ اخر فعليه بيانه اه كلام اليوسى اما ادعاؤه ان العلوم كلها نافعة ووسائل الى المقصود فهو على الاطلاق غير متجه كما سياتى بيانه فى سياق المصنف فان فيه مقنعا واما غلوه فى الثناء على المنطق وكونه مركوزا فى الطباع السليمة فعجيب وتقدم ما يتعلق به فى شرح كتاب العلم عند ذكر العلوم المحمودة والمذمومة ما يغنى عن اعادته هنا وانما اوردنا كلامه هنا لمناسبته مع كلام الفرقة الثانية بان علم الكلام غاية ما فيه ذكر الحجة والمطالبة بالدليل والنقض والمنع (وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة والبحث عنها محظورا) اى ممنوعا (وقد قال) الله (تعالى) فى كتابه العزيز (قل هاتوا برهانكم) ان كنتم صادقين فطلب منهم البرهان (وقال عزوجل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة) فجعل الهلاك الذى هو كناية عن الانهزام والمغلوبية والحياة التى هى كناية عن الظفر بالغلبة مقصورين على البينة (وقال تعالى فلله الحجة البالغة) اى الكافية او المنتهية فى التوكيد والبلاغ وقيل المراد بالحجة هنا الكلام المستقيم (وقال تعالى الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه) اى خاصمه فيه بطلب الاحتجاج على ربوبيته جل وعز (الى قوله فبهت الذى كفر) اى الآيات بتمامها والبهت والتحير والدهش والمراد هنا انقطاع الحجة (اذ ذكر احتجاج ابراهيم ) عليه الصلاة والسلام (ومجادلته وافحامه) اى اسكاته (خصمه) وهو النمروذ ملك زمانه وكان يدعى الالهية (فى معرض الثناء عليه) والمدح له واعلم ان لإبراهيم عليه السلام فى الاحتجاج مقامات احدها مع نفسه وهو قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى الى اخر الاية وهذه طريقة المتكلمين فانه استدل بافولها وتغيرها على حدوثها ثم استدل بحدوثها على وجود محدثها وثانيها حاله مع ابيه وهو قوله ياابت لم تعبد ما لايسمع ولا يبصر الى اخر الايات وثالثها حاله مع قومه تارة بالقول وتارة بالفعل اما القول فهو قوله ما هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون واما الفعل فقوله فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم ورابها حال مع ملك زمانه وهو الذى ذكره المصنف ثم انه عليه السلام لما استدل بحدوثها على وجود محدثها كما اخبر الله تعالى عنه فى قوله ياقوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض عظم شأنه بذلك (وقال وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه) نرفع درجات من نشاء فهذه رفعة بعلم الحجة (وقال تعالى) حكاية عن الكفار انهم (قالوا يانوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا) ومعلوم ان مجادلة الرسول مع الكفار لاتكون فى تفاصيل الاحكام الشرعية فلم يبق الالنها كانت فى التوحيد والنبوة (وقال تعالى فى قصة) موسى عليه السلام ومباحثته مع (فرعون) قال (ويارب العالمين الى قوله اولو جئتك بشئ مبين) واعلم ان موسى عليه السلام ما كان يقول فى@ الاستدلال زيادة على دلائل ابراهيم عليه السلام وذلك لانه حكى الله تعالى عنه فى سورة طه ان فرعون قال له ولهرون فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى وهذا هو الدليل الذى ذكره ابراهيم عليه السلام حيث قال الذى خلقنى فهو يهدين ثم حكى الله تعالى عن موسى فى الشعراء انه قال لفرعون ربكم ورب آبائكم الاولين وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله ربى الذى يحيى ويميت فلما لم يكتف فرعون بذلك طالبه بدليل اخر قال موسى رب المشرق والمغرب وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ثم ان موسى عليه السلام لما فرغ من تقرير دلائل التوحيد ذكر بعد دلائل النبوة فقال اولو جئتك بشئ مبين وهذا يدل على انه عليه السلام فرع بيان النبوة على بيان التوحيد والمعرفة فان قيل ابراهيم وموسى عليهما السلام قدما دلائل النفس على دلائل الافلاك فان ابراهيم عليه السلام قال اولا ربى الذى يحيى ويميت ثم قال فان الله يأتى بالشمس من المشرق وموسى عليه السلام قال اولا ربكم ورب آبائكم الاولين ثم قال رب المشرق والمغرب فلم عكس سيدنا سليمان عليه السلام هذا الترتيب فقدم دلائل السموات على دلائل النفس فقال الذى يخرج الخبءفى السموات والارض قلنا ان ابراهيم وموسى عليهما السلام كان مناظرتهما مع من ادعى الهية البشر فان نمروذ وفرعون كل واحد منهما كان يدعى الالهية فلا جرم انهما عليهما السلام ابتدآ بابطال الهية البشر ثم انتقلا الى ابطال الهية الافلاك والكواكب واما سليمان عليه السلام فانه كان مناظرته مع من يدعى الهية الشمس فان الهدهد قال رأيتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله فلا جرم ابتدأ بذكر السموات ثم ذكر الارضيات ثم لما تمم دلائل التوحيد قال بعده لا اله الا هو رب العرش العظيم ثم ان المصنف ذكر البرهان والبينة والحجة وفى معناها السلطان وقد سمى الله الحجة العملية سلطانا قال ابن عباس كل سلطان فى القرآن فهو حجة كقوله تعالى ان عندكم من سلطان بهذا اى ماعندكم من حجة بما قلتم وقوله تعالى ماانزل الله بها من سلطان اى حجة ولا برهانا بل من تلقاء انفسكم وقوله تعالى ام لكم سلطان مبين يعنى حجة واضحة وانما سمى علم الحجة سلطانا لانها توجب تسلط صاحبها واقتداره فله بها سلطان على الجاهلين بل سلطان العلم اعظم من سلطان الجهل ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد فان الحجة تنقاد لها القلوب ومن لم يكن له اقتدار فى عمله فهو اما لضعف حجته وسلطانه واما لقهر سلطان اليد والسيف له والا فالحجة ناصرة نفسها ظاهرة على الباطل قاهرة له والفرق بين الحجة والبينة هو ان الحجج هى الادلة العلمية التى يعقلها القلب وتسمع بالآذان والحجة هى اسم لما يحتج به من حق وباطل واذا اضيفت الى الله فلا تكون الا حجة حق وقد تكون بمعنى المخاصمة كقوله تعالى لا حجة بيننا وبينكم اى قد ظهر الحق واستبان فلا خصومة بيننا بعد ظهوره ولا مجادلة فان الجدال شريعة موضوعة للتعاون على اظهار الحق فاذا ظهر الحق ولم يبق به خفاء فلا فائدة فى الخصومة والبينة اسم لكل ما يبين الحق من علامة منصوبة او امارة او دليل علمى فالبينات هى الآيات التى اقامها الله دلالة على صدقهم من المعجزات وكان القاء العصا واقلابها حية هو البينة وجرت سنة الله فى خلقه ان الكفار اذا طلبوا آية واقترحوها واجيبوا ولم يؤمنوا وجلوا بعذاب الاستئصال واليه يشير قوله تعالى وما منعنا ان نرسل بالآيات الا ان كذب الاولون بخلاف الحجج فانها لم تزل متتابعة يتلو بعضها بعضا وهى كل يوم فى مزيد وقد اشرنا الى ذلك فى كتاب العلم (وعلى الجملة فالقرآن من اوله الى اخره) توحيد صرف واحكام وقصص وامثال و(محاجة الكفار) مملوء من الحجج والادلة والبراهين فى مسائل التوحيد واثبات الصانع والمعاد وارسال الرسل وحدوث العالم فلا يذكر المتكلمون وغيرهم دليلا صحيحا على ذلك الا وهو فى القرآن بأفصح عبارة واوضح بيان واتم معنى وابعده عن الايراد والاسئلة وقد اعترف بهذا حذاف@ المتكلمين من المتقدمين والمتأخرين (فعمدة ادلة المتكلمين فى التوحيد) اى فى اثبات وحدانية الله تعالى (قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدنا) وسيأتى الكلام على هذه الاية فى شرح الرسالة القدسية (وفى البعث) والحشر (قوله) تعالى (قل يحييها الذى انشأها اول مرة) وسيأتى الكلام عليها ايضا (الى غير ذلك من الادلة) بجميع انواعها والاقيسة الصحيحة وقد تقدم للمصنف فى كتاب العلم ما حاصله ان حاصل ما يشتمل عليه الكلام من الادلة فالقرآن والاخبار مشتملة عليه وما خرج عنها فهو اما مجادلة مذمومة واما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التى اكثرها توهمات الى اخر ماقال ومر الكلام هناك وذكرنا هناك ايضا كلام الفخر الرازى فى كتابه اقسام اللذات لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروى غليلا ورأيت اقرب الطريق طريق القرآن اقرأ فى الاثبات اليه يصعد الكلم الطيب الرحمن على العرش استوى واقرا فى النفى ليس كمثله شئ ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى اه قال ابن القيم وهذا الذى اشار اليه بحسب ما فتح له من دلالة القرآن بطريق الخبر والا فدلالته البرهانية العقلية التى يشير اليها ويرشد اليها فتكون دليلا سمعيا عقليا امر تميز به القرآن وصار العالم به من الراسخين فى العلم وهو العلم الذى يطمئن اليه القلب وتسكن عنده النفس ويزكو به العقل وتستنير به البصيرة وتقوى به الحجة ولا سبيل لاحد من العالمين الى قطع من حاج به بل من خاصم به فلحت حجته وكسر شبهة خصمه وبه فتحت القلوب واستجابت لله ولرسوله ولكن اهل هذا العلم لاتكاد الاعصار تسمح منهم الا بالواحد بعد الواحد فدلالة القرآن سمعية عقلية قطعية يقينية لاتعترضها الشبهات ولا تتداولها الاحتمالات ولاينصرف القلب عنها بعد فهمها ابدا وقال بعض المتكلمين افنيت عمرى فى الكلام اطلب الدليل واذا انا لا ازداد الا بعدا منه فرجعت الى القرآن أتدبره واتفكر فيه واذا انا بالدليل حقا معى وانا لا اشعر به وقد اشرنا الى بقية هذا الكلام فى كتاب العلم (ولم تزل الرسل) عليهم الصلاة والسلام (يحاجون المنكرين ويجادلونهم) اولهم آدم عليه السلام وقد اظهر الله الحجة على فضله بان اظهر عمله على الملائكة وذلك محض الاستدلال وتقدم محاجة نوح وابراهيم وموسى عليهم السلام ولسيدنا سليمان عليه السلام مقامان احدهما فى اثبات التوحيد والآخر فى اثبات النبوة وقد تقدمت الاشارة الى ذلك وعيسى عليه السلام فانه اول ما تكلم شرح امر التوحيد فقال انى عبدالله وشهادة حاله كانت دالة على صدق مقالته وقد دلت على التوحيد والنبوة وبراءة امه رادا بذلك على اليهود الطاعنين فيها واما نبينا صلى الله عليه وسلم فمحاجته مع الكفار اظهر من ان يحتاج فيه الى مزيد تقرير كالدهرية ومثبتى الشريك على اختلاف الانواع ونافى القدرة والطاعنين فى اصل النبوة وخاصته فى نبوته صلى الله عليه وسلم بجميع انواعه ومنكرى الحشر (قال تعالى) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (وجادلهم بالتى هى احسن) وليس المراد منه المجادلة فى فروع الشرائع لأن من انكر نبوته فلا فائدة فى الخوض معه فى تفاريع الاحكام ومن اثبت نبوته فلا يخالفه ولايحتاج الى الجدال فعلمنا ان هذا الجدال المأمور كان فى تقرير مسائل الاصول واذا ثبت هذا فى حقه صلى الله عليه وسلم ثبت فى حق امته واليه اشار بقوله (والصحابة) رضوان الله عليهم (ايضا كانوا يجادلون عند الحاجة) اى لافى كل وقت (وكانت الحاجة اليه قليلة فى زمانهم) وقد اشار لذلك المصنف فى كتاب العلم بقوله ولم يكن شئمنه مألوفا فى العصر الاولولكن لما تغير الان حكمه اذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة لفقت لها شبها ورتبت لها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه وقد اشار الى مثل ذلك فى كتابه الاملاء ايضا وكذلك قوله تعالى ولاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن والمقصود ان مناظرات القرآن مع الكفار موجودة فيه وكذا مناظراته صلى الله عليه وسلم واصحابه لخصومهم واقامة الحج @ عليهم لاينكر ذلك الا جاهل مفرط فى الجهل (وأول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة الى الحق) امير المؤمنين (على) بن ابى طالب (رضى الله عنه اذ بعث) عبدالله (بن عباس) رضى الله عنهما (الى الخوارج) وهم الحرورية الذين خرجوا على على رضى الله تعالى عنه (يكلمهم فقال ما تنقمون على امامكم) يعنى عليا رضى الله عنه (قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم) اى ان كان قتاله حقا فلم ترك السبى والغنيمة ونهى عن ذلك (قال) ابن عباس فى الجواب (ذلك) مخصوص (فى قتال الكفار) لا المسلمين بعضهم مع بعض (ارأيتم لو سبى عائشة) رضى الله عنها (فى يوم الجمل) وهى وقعة مشهورة مذكورة فى السير (فوقعت عائشة فى سهم احدكم كنتم تستحلون منها ما تستحلون من ملككم وهى امكم فى نص الكتاب) حيث قال وازواجه امهاتهم (فقالوا لا ورجع منهم الى الطاعة) والانقياد (بمجادلته الفان) منهم وهذه القصة اوردها المصنف مختصرة وهى بطولها فى كتاب الحلية لابى نعيم قال حدثنا سليمان بن احمد حدثنا على بن عبد العزيز حدثنا ابو حذيقة موسى بن مسعود النهدى ح وحدثنا سليمان حدثنا اسحق حدثنا عبد الرازق قالا حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا ابو زميل الحنفى عن عبدالله بن عباس قال لما اعتزلت الحرورية قلت لعلى ياامير المؤمنين ابرد عن الصلاة لعلى آتى هؤلاء القوم فاكلمهم قال انى اتخوفهم عليك قال قلت كلا ان شاءالله فليست احسن مااقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون فى نحر الظهيرة فدخلت على قوم لم ار قوما قط اشد اجتهادا منهم ايديهم كأنها ثفن الابل ووجوههم معلبة من آثار السجود قال فدخلت فقالوا مرحبا بك ياابن عباس ما جاء بك قال جئت احدثكم عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحى وهم اعلم بتأويله فقالق بعضهم لا تحدثوه قال بعض لنحدثنه قال قلت اخبرونى ماتنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه واول من آمن به من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ننقم عليه ثلاثا قلت ما هن قالوا اولاهن انه حكم الرجال فى دين الله وقد قال الله ان الحكم الا الله قال قلت وماذا قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له اموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم قال قلت وماذا قالوا ومحا نفسه من امير المؤمنين فان لم يكن امير المؤمنين فهو امير الكافرين قال قلت ارايتم قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فان قرأت عليكم فى كتاب الله المحكم وحدثتكم عن سنة نبيكم ما تنكرونه اترجعون قالوا نعم قلت اما قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فانه يقول ياايها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءالى قوله ذوا عدل منكم وقال فى المرأة وزوجها وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها انشدكم الله أفحكم الرجال فى حقن دمائهم وانفسهم وصلاح ذات بينهم أحق ام فى ارنب ثمنها ربع درهم قالوا اللهم فى حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم قال اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم اتسبون امكم ام تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وان زعمتم انها ليست بامكم فققد كفقرتم وخرجتم من الاسلام ان الله تعالى يقول النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم تترددون بين ضلالتين فاختاروا ايتهما شئتم اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم محا نفسه من امير المؤمنين فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على ان يكتب بينه وبينهم كتابا فقال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله لو نعلم انك رسول الله ماصددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبدالله فقال والله انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب باعلى محمد بن عبدالله رسول الله كان افضل من على اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم فرجع معه عشرون الفا وبقى اربعة الاف فقتلوا اه ثم ان قول المصنف اول من سن الخ ظاهره يخالف مانقله اليوسى فى شرحه على الكبرى ان ممن نظر فى علم الكلام من السلف عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر والحق انه لاخلاف فى العبارتين @ كما يظهر فى بادئ الرأى فان النظر فيه شئ ودعوة المبتدعة بالمجادلة شئ اخر فتأمل (وروى ان الحسن) البصرى رحمه الله (ناظر قدريا ) اى رجلا ممن ينكر القدر (فرجع عن) انكار (القدر و) يروى ايضا انه (ناظر على بن ابى طالب) رضى الله عنه (رجلا من القدرية) فيما روى انه سأله رجل من الشام عن مسيره اليه أكان بقضاء الله وقدره فقال رضى الله عنه والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا واديا ولاعلونا تلعسة الا بقضاء وقدر فقال الشامى عندى احتسب عناك ماارى لى من الاجر شيئا فقال على بلى ايها الشيخ قد عظم لكم الامر على مسيركم وانتم سائرون وعلى منصرفكم وانتم منصرفون ولم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فقال الشيخ فكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا فقال على لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر والنهى من الله تعالى ولما كانت تأتى محمدة من الله لمحسن ولامذمة لمسئ ولما كان المحسن بثواب الاحسان اولى من المسئ والمسئ بعقوبة الذنب اولى من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان وجنود الشيطان وخصماء الرحمن ان الله لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم يخلق السموات والارض وعجائب الامور باطلا فويل للذين كفروا فقال الشيخ ما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئا الا بهما فقال على الامر من الله والحكم فنهض الشيخ وهو مسرور هكذا وجدت السياق فى بعض الكتب ولم اطلع على سنده وانما ظن الشيخ ان عليا رضى الله عنه اراد ان الله تعالى اجبرهم على المسير والانصراف بقضاء الله وقدره وقال لم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فاستنبه الشيخ وقال كيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا يريد انهما ساقانا سوقا لا امتناع عنه فنفى على رضى الله عنه ذلك وانهم ليسوا بمجبورين وقال ظننت قضاء لازما وقدرا حتما اى انما وقع ذلك باختيار منكم ولو كنتم مجبرين لبطل الثواب والعقاب الى اخر كلامه ويروى انه مر بقوم فقال له رجل منهم ياامير المؤمنين ان هذا يزعم انه يصنع شيئا فاقبل على رضى الله عنه على الرجل فقال له هل ملكك الله شيئا فأنت تملكه فقال ملكنى صلاتى وصومى وعتق رقيقى وطلاق امرأتى وحجى وعمرتى وما افترض على فقال له على هذا زعمت انك تملكه أتملكه من دون الله او تملكه مع الله قال له الرجل ما ادرى ما تقول فقال اكلمك بلسان عربى وتقول ما ادرى ماتقول فاعادها على رضى الله عنه فلم يجبه الرجل فقال له على ان زعمت انك تملكه من دون الله فقد جعلت نفسك من دون الله مالكا وان زعمت انك تملكه مع الله فقد جعلت نفسك مع الله شريكا ومالكا الا فالملك لله الواحد القهار (وناظر عبدالله بن مسعود) رضى الله عنه (يزيد بن عميرة) بفتح العين المهملة الزبيدى ويقال الكلبى ويقال الكندى السكسكى الحمصى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب روى عن ابى بكر وعمر ومعاذ بن جبل وابن مسعود ومعاوية وعنه ابو ادريس وعطية بن قيس وابو قلابة الجرمى وراشد بن سعد ومعبد الجهنى وشهر بن حوشب ذكره ابو زرعة الدمشقى فى الطبقة العليا التى تلى الصحابة وذكره ابن سميع فيمن ادرك الجاهلية من اصحاب معاذ وقال العجلى شامى تابعى ثقة من كبار التابعين وذكره ابن حبان فى الثقات وقال البخارى قدم الكوفة وسمع ابن مسعود قلت وهو من رجال ابى داود والترمذى والنسائى (فى الايمان فقال عبدالله لو قلت انى مؤمن لقلت انى من اهل الجنة فقال ابن عميرة ياصاحب رسول الله هذه زلة منك) اى سقطة (وهل الايمان الا ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والميزان وتقيم الصلاة والصوم والزكاة والحج ولنا ذنوب لو عملنا انها تغفر لنا لعلمنا اننا من اهل الجنة فمن اجل ذلك نقول انا مؤمنون ولانقول انا من اهل الجنة فقال ابن مسعود صدقت والله انها منى زلة) فرجع رضى الله عنه الى قوله معترفا على نفسه وهذا من انصافه وميله الى الحق الذى جبل عليه (فينبغى ان يقال كان خوضهم فيه قليلا) بحسب @ الحاجة
Page 56
(لاكثيرا قصيرا) اى يقصرون فيه (لا طويلا) لاشتغالهم بما هو اهم (و) انه كان ذلك (عند الحاجة) ايه فى دفع معاند او ارشاد ضال (لا بطريق التصنيف) فيه اى تسطيره صنفا صنفا (والتدريس) اى القائه درسا درسا (و) لا (اتخاذه صناعة) يتميز بها عن غيره واليها ينتسب (فيقال اما قلة خوضهم فيه كان لقلة الحاجة) الداعية اليه (ولم تكن البدعة تظهر فى ذلك الزمان) اى الآراء المحدثة انما ظهرت فيما بعد (واما القصر فقد كان الغاية القصوى افحام الخصم) اى اسكاته (واعترافه) بالحق (وانكشاف الحق) له من اول وهلة (فلو طال اشكال الخصم او لجاجه) فى محاورته (لطال لا محالة الزامهم) بدفع كل اشكال اشكال وايضا فانهم كانوا محتاجين الى محاجة اليهود والنصارى فى اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والى اثبات الالهية مع الاصنام والى اثبات البعث مع منكريه ثم ما زادوا فى هذه القواعد التى هى امهات العقائد على ادلة القرآن فمن اتبعهم فى ذلك قبلوه ومن لم يقنع قتلوه وعدلوا الى السيف والسنان بعد انشاء ادلة القرآن وما ركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات واستنباطها وتحرير طرق المجادلة (وما كانوا يقدرون قدر الحاجة بميزان ولا بمكيال بعد الشروع فيه) ولا بقاعدة معلومة وانما هو بحسب الوارد كل ذلك لعلمهم بان ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش وان من لا تقنعه ادلة القرآن فلا يقنعه الا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان (اما عدم تصديهم) اى تعرضهم (للتدريس والتصنيف) فيه (فهكذا كان فى الفقه والتفسير والحديث ايضا) لان الكتب المؤلفة فى العلوم محدثة باتفاق كما سبقت الاشارة اليه فى كتاب العلم (فان جاز تصنيف الفقه ووضع الصور النادرة) الغريبة (التى) لم تقع و(لاتتفق الا على) سبيل (الندور) والقلة (اما ادخارا) وحفظا لها (ليوم وقوعها وان كان نادرا او تشحيذا للخاطر) من شحذ الحديدة شحذا من باب نفع والذال المعجمة اذا احددتها وفى بعض النسخ او لتشحيذ الخاطر (او لادخار الحجة ) عنده (حتى لايعجز عنها عند) مسيس (الحاجة على البديهة والارتجال) يقال بدهه بدها اذا بغته وسميت البديهة لانها تبغت وتسبق الارتجال اتيان الكلام من غير روية ولا فكر (كمن يعد السلاح) اى يهيئه (قبل القتال) اى قبل حضوره وملابسته له (ليوم القتال فهذا) الذى قرر (مما يمكن ان يذكر للفريقين) اى فى احتجاج كل منهما على جواز الاشتغال به وعدمه (فان قلت فما المختار فيه) وفى نسخة منه (عندك) اى ما الذى تختاره وتذهب اليه (فاعلم ان الحق فيه ان اطلاق القول بذمه) اى كونه مذموما مطلقا (فى كل حال او بحمده) اى كونه محمودا مطلقا (فى كل حال خطأ بل لابد فيه من تفصيل) يظهر سياقه وجه الحق (فاعلم اولا ان الشئ قد يحرم لذاته كالخمر والميتة واعنى بقولى لذاته ان علة تحريمه وصف فى ذاته وهو الاسكار) فى الخمر (والموت) فى الميتة (وهذا اذا سئلنا عنه اطلقنا القول بانه حرام) نظرا الى هذه العلة (ولايلتفت الى اباحة الميتة عند الاضطرار واباحة تجرع الخمر اذا غص الانسان بلقمة) اى نشبت فى حلقه (ولم يجد ما يسيغها) وينزلها (سوى الخمر) وكان هذا جواب عن سؤال مقدربقول القائل كيف يجوز اطلاق القول فيهما بالحرمة مع انهما قد يباحان فى وقت فاجاب بأن ذلك نادر ولاحكم للنادر (والى مايحرم لغيره) لا لذاته (كالبيع على بيع اخيك فى وقت الخيار) اى الاختيار (والبيع وقت النداء) اى الاذان فكل منهما ورد النهى عنهما فى عدة احاديث (وكأ كل الطين فانه يحرم لما فيه من الضرر) للبدن (وهذا ينقسم الى ما يضر قليلة وكثيرة فيطلق عليه بانه حرام كالسم الذى يقتل قليلة وكثيرة) وهو انواع كثيره مابين حيوانى ونباتى ومعدنى (والى ما يضر@ عند الكثرة) فقط (فيطلق القول عليه بالاباحة كالعسل فان كثيره يضر بالمحرور) المزاج فى البلاد الحارة (وكأكل الطين) فانه كذلك كثيره يضر بالبدن (وكان اطلاق التحريم على الخمر والتحليل على العسل التفاتا) اى نظرا (الى اغلب الاحوال فان تصدى شئ) اى تعرض (تقابلت فيه الاحوال فالاولى والابعد عن الالتباس ان يفصل) فيها فاذا عرفت ذلك (فنعود الى علم الكلام) اذ هو المقصود لذاته من هذا البحث (فنقول فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته فى وقت الانتفاع حلال او مندوب او واجب كما يقتضيه الحال) باعتبار مسيس الحاجة الشديدة واشد منها (وهو باعتبار مضرته فى وقت الاستضرار ومحله حرام) ثم شرع فى ذكر مضرته ومنفعته فقال (اما مضرته فاثارة الشبهات) الملتبسة (وتحريك العقائد) الفاسدة (وازالتها عن الجزم والتصميم) وقد تقدم تشبيهه بخيط مرسل فى الهواء تقيئه الرياح (فلذلك مما يحصل فى الابتداء) اى ابتداء الامر فان قلت لانسلم ازالتها من الجزم فان الدليل عليها مما يقويها ويشدها (و) الجواب ان (رجوعها بالدليل مشكوك فيه) فان المدلول اذا لم يصمم به لعروض شبهة فالدليل عليه بطريق الاولى (وتختلف فيه الاشخاص) بالقوة والضعف (فهذا ضرره فى الاعتقاد الحق) الثابت (وله ضرر اخر فى تأكيد اعتقاد المبتدعة وتثبيتها فى صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم) المحركة (ويشتد حرصهم على الاصرار عليه) والوقوف لديه (ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب) للمذهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام (الذى يثور وينبعث من الجدل) والمناظرة (ولذلك ترى المبتدع العامى يمكن ان يزول اعتقاده باللطف فى اسرع زمان) لعدم رسوخه فى قلبه (الا اذا كانت نشأته) ونموه (فى بلد يظهر فيه الجدل والتعصب) كبلاد الرافضة مثلا (فانه لو اجتمع عليه الاولون والآخرون) بأنواع الادلة (لم يقدروا على نزع البدعة من صدره) لتمكنها فيه ورسوخها (بل الهوى) النفسانى (والتعصب) المذهبى والمباهاه بالمعارف (وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولى على قلبه) استيلاء كليا (ويمنعه من ادراك الحق) الصحيح ومن وصوله الى قلبه (حتى لو) فرض (وقيل له) بعد العجز عن ايصال ذلك الى فهمه (هل تريد ان يكشف الله لك الغطاء) والحجاب عن فهمك (فيعرفك بالعيان) والمشاهدة الحقيقية (ان الحق مع خصمك لكره ذلك) من نفسه (خيفة ان يفرح به خصمه) اذا علم منه رجوعه الى الحق (وهذا هو الداء العظيم) والخطب الجسيم (الذى استطار فى البلاد والعباد) شرره وعم ضرره (وهو نوع فساد اثاره المجادلون بالتعصب) للمذاهب (فهذا ضرره) ومنه تنشأ انواع الضررالمهلكة (واما منفعته فقد يظن ان فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هى عليها) وهو مقام الكشف والمشاهدة وعمارة السر بأنوار اليقين وحصول العلم المضارع للضرورى (فليس فى الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف) ومن اين للنازل طى المنازل (ولعل التخبيط والتضليل فيه اكثر من الكشف والتعريف) اذ اكثره عمل النفس وتخليق الفهم (وهذا) الكلام (اذا سمعته من محدث) وهو المشتغل بعلم الحديث بسائر فنونه العارف برجاله ومتونه (او حشوى) هو بالتحريك من يتتبع ظواهر الاحاديث قال اليوسى فى حاشية الكبرى نسبة الى الحشاء اى الجانب والطرف سموا بذلك لقول الحسن البصرى وكان اوائلهم يجلسون اليه بين يديه ثم وجد كلامهم ساقطا ردوا هؤلاء الى حشاء الحلقة اى جانبها او بسكون الشين من الحشو لقولهم بذلك فى القرآن حيث زعموا ان فى الكتاب والسنة مالا معنى له اه (ربما خطر ببالك ان @ الناس اعداء ماجهلوا) ومن جهل شيئا عاداه (فاسمع هذا ممن خبر الكلام) وسيره ودخل فيه وخرج والف فيه عدة تآليف (ثم قلاه) اى ابغضه وتركه (بعد حقيقة الخبرة) اى الاختبار الكلى (بعد التغلغل فيه) اى الدخول فى وسطه (الى) ان وصل (منتهى درجة المتكلمين) واقصى رتبتهم (وجاوز ذلك الى التعمق فى علوم اخر تناسب نوع الكلام) من العلوم الفلسفية (وتحقق ان الطريق الى حقائق المعرفة) كما هى عليها (من هذا الوجه مسدود) كما ذكر ذلك فى كتابه المنقذ من الضلال فقال فى اوله ولم ازل فى عنفوان شبابى عندما راهقت البلوغ قبل العشرين الى الآن وقد اناف سنى على الخمسين اقتحم لجة هذا البحر العميق واخوض غمرته خوض الجسور لاخوض الجبان الحذور واتوغل فى كل مضلة واهم على كل مشكلة واقتحم كل ورطة واتفحص عن عقيدة كل فرقة واستكشف اسرار مذهب كل طائفة لا ميز بين محق ومبطل ومستن ومبتدع الى ان قال وقد كان التعطش الى درك حقائق الامور اى من اول امرى غريزة وفطرة من الله تعالى وضعها فى جبلتى لا باختيارى وحيلتى حتى انحلت عنى رابطة التقليد ثم ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعت كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما اردت ان اصنف فصادفته علما وافيا بمقصوده غير واف بمقصودى اه وسيأتى بقية هذه العبارة فيما بعد (ولعمرى لاينفك الكلام عن كشف وتعريف وايضاح لبعض الامور ولكن على) سبيل (الندور) والقلة (وفى امور جلية) ظاهرة (تكاد تفهم قبل التعمق فى صنعة الكلام) بأصل الفطرة والجبلة (بل منفعته شئ واحد وهو حراسة العقيدة التى ترجمناها على العوام وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع الجدل) وقال المصنف فى الاملاء اعلم ان المتكلمين من حيث صناعة الكلام فقط لم يفارقوا اعتقاد العوام وانما حرسوها بالجدل عن الانخرام فهم حراس نواحى الشرع من اهل الاختلاس والقطع وقد تقدمت الاشارة الى ذلك ايضا فى كتاب العلم (فان العامى ضعيف يستفزه) ويحركه (جدل المبتدع وان كان فاسدا ومعارضة الفاسد بالفاسد مدفعة والناس متعبدون بهذه العقيدة التى قدمناها اذ ورد الشرع بها لما فيها من صلاح دينهم ودنياهم واجتماع السلف عليها) وقال المصنف فى كتابه المنقذ وانما المقصود منه حفظ عقيدة اهل السنة وحراستها عن تشويش اهل البدع فقد القى الله تعالى الى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة هى الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم كما نطق بمقدماته القرآن والاخبار (والعلماء متعبدون بحفظ ذلك على العوام من تلبيسات المبتدعة كما تعبد السلاطين بحفظ اموالهم عن تقحمات) وفى نسخة عن تهجمات (الظلمة والغصاب) جمع غاصب وهو الذى يأخذ المال قهرا وقال المصنف فى المنقذ ولما كان اكثر خوض المتكلمين فى استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم وهذا قليل النفع فى حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا لم يكن الكلام فى حقى كافيا ولا لدائى الذى اشكوه شافيا نعم لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة تشوف المتكلمون الى مجاوزة الذب عن الشبهة بالبحث عن حقائق الامور وخاضوا فى البحث عن الجواهر والاعراض واحكامها ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى فلم يحصل منه بالكلية مايمحو ظلمات الحيرة فى اختلاف الخلق فلا ابعد ان يكون حصل ذلك لغيرى بل لست اشك فى حصول ذلك لطائفة ولكن حصولا مشوبا بالتقليد فى بعض الامور التى ليست من الاوليات والغرض الآن حكاية حالى لا انكارا على من استشفى به فان ادوية الشفاء مختلفة باختلاف الداء فكم من دواء ينتفع به مريض ويستضر به اخر اه (واذا وقعت الاحاطة) وكمال المعرفة (بضرره ومنفعته فينبغى ان يكون الناظر فيه) بعد تلك الاحاطة (كالطبيب الحاذق) الماهر (فى استعمال الدواء الخطر) الذى فيه بعض سميات مثلا (اذ لايضعه الا فى موضعه) الذى يليق بوضعه (وذلك فى وقت الحاجة وعند قدر الحاجة) فانه اذا لم يصادف @ الوقت والقدر كان عين الضرر وهذا لاتبينه الا المهرة فى الفن (وتفصيله ان العوام) من الناس (المشغولين بالحرف) والصناعات وجميع انواع الاكتسابات (يجب ان يتركوا على سلامة عقائدهم) وهى (التى اعتقدوها مهما تلقنوا الاعتقاد الحق الذى ذكرناه) آنفا ويكتفى به معهم على هذا القدر ولا يعلمون المناظرة والجدال (فان تعليمهم الكلام) وصفة الجدال (ضرر محض) خالص (فى حقهم اذ ربما يثير لهم شكا) اى يبعث من الكلام يتعلق بفهمه (ويزلزل عليهم الاعتقاد) الذى تلقنوه (فلا يمكن القيام بعد ذلك بالاصلاح) اى بازالة ذلك الشك العارض فى قلبه لرسوخه فيه وعدم التفاته الى ما يزيله او نظره فيه ولم يفهم كنهه هذا حال ارباب الحرف (واما العامى المعتقد البدعة فينبغى ان يدعى الى) المعتقد (الحق باللطف) واللين فى المجاورة (لا بالتعصب) وسوء القول (وبالكلام اللطيف) السهل اللين (المقنع للنفس المؤثر) بوقعه (فى القلب القريب من سياق ادلة القرآن والحديث) فما بعد بيانهما بيان (الممزوج بالوعظ والتحذير) ولا يمارى الامراء ظاهرا (فان ذلك انفع من الجدل الموضوع) وفى نسخة المصوغ (على شرط المتكلمين) فانه يخبط الذهن ويشوشه (اذ العامى اذا سمع ذلك الاعتقاد اعتقد انه نوع صنعة تعلمها المتكلم يستدرج الناس بها الى اعتقاده) اى يستميلهم اليه على طريق الاستدراج (فان عجز عن الجواب قدر ان المجادلين من مذهبه) ومن طريقته (ايضا يقدرون على دفعه) ورد ما اورده (والجدل مع هذا) اى العامى (ومع الاول) اى معتقد البدعة (حرام) اما مع العامى فلزلزلة اعتقاده واما مع المبتدع فلتعصبه (وكذا مع من وقع له شك) وفى نسخة فى شك (اذ يجب ازالته باللطف والوعظ) لا بالعنف والقهر (والادلة القرآنية المقبولة البعيدة عن تعمق الكلام) بكلام جلى يفهمه ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر (والاستقصاء بالجدل) فى تفسير وسؤال وتوجيه واشكال ثم الاشتغال بحله (انما ينفع فى موضع واحد وهو ان يفرض عامى اعتقد البدعة بنوع جدل سمعه) وطرق الى اسماعه (فيقابل ذلك الجدل بمثله) ليزيله (فيعود الى اعتقاد الحق) بسهولة (وذلك فيمن ظهر له من الانس بالمجادلة ما يمنعه عن القناعة بالمواعظ والتحذيرات العامية) بعدم ميل قلبه اليها وانما يستأنس بالمجادلة (فقد انتهى هذا الى حال لايشفيه) اى لا يزيل داء اعتقاده (الا دواء الجدل فجاز ان يلقى اليه) بالقدر المحدود (واما فى بلاد تقل فيها البدعة ولا تختلف فيها المذاهب) بل يكونون على مذهب واحد فان غالب التعصبات انما يثور من اختلاف المذاهب (فيقتصر فيها على ترجمة الاعتقاد) المختصر (الذى ذكرناه) آنفا (ولا يتعرض للادلة) اى العقلية او مطلقا (ويتربص) اى ينتظر (وقوع شبهة) عرضت له على جزئى من جزئيات الاعتقاد (فان وقعت ذكر) الادلة (بقدر الحاجة) بشرط ان لا يوغل فيه غاية الايغال وان اقتصر على ادلة القرآن كفى وشفى (وان كانت البدعة شائعة) اى ظاهرة منتشرة (وكان يخاف على الصبيان) والاطفال (ان يخدعوا) بها (فلا بأس ان يعلموا القدر الذى اودعناه كتاب الرسالة القدسية) الآتى ذكرها فى الفصل الثالث من هذا الكتاب (ليكون ذلك سببا لدفع تأثير مجادلات المبتدعة ان وقعت اليهم) اى ان فرض وقوعها فما فى الرسالة القدسية من الادلة القرآنية والعقلية كفاية فى الرد على المخالفين كما سيأتى ذلك (وهو مقدار مختصر) فى اوراق يسيرة (وقد اودعناه هذا الكتاب) فى الفصل الثالث (لاختصاره) وجمعه (فان كان فيه ذكاء) وتوقد ذهن بالاستطلاع على الغوامض (وتنبه بذكائه لموضع سؤال @ ) يرد عليه (او ثارت فى نفسه شبهة) عرضت له (فقد بدت العلة المحذورة) منها (وظهر الداء) بعد كونه (فلا بأس ان يترقى منه الى القدر الذى ذكرناه فى كتاب الاقتصاد فى الاعتقاد وهو قدر خمسين ورقة) وقد يكون ازيد او اقل بحسب الخطوط والساطر وهو كتاب جليل مرد كره فى شرح خطبة الكتاب وشرحه غير واحد من الائمة (وليس فيه خروج عن النظر فى قواعد العقائد الى غير ذلك من مباحثة المتكلمين) بل الادلة المذكورة فيه دائرة بين قرآنية وحديثية وعقلية وليس فيها تعرض للمباحث العويصة (فان اقنعه ذلك) وكفاه (كف عنه) ولم يدعه يخوض فى المطولات (وان لم يشفه ذلك) بل زاد (فقد) عسر علاجه لانه (صارت العلة) فيه (مزمنة) وصار (الداء غالبا) على قلبه (والمرض ساريا) فى جسمه (فليتلطف به الطبيب بقدر امكانه) اذ علم الكلام راجع الى علم معالجة المرضى بالبدع كما قاله المصنف فى الجام العوام (وينتظر قضاء الله تعالى فيه الى ان ينكشف له الحق) بارتفاع المانع (بتنبيه من الله سبحانه) بنفث يلقى فى روعه او الهام او غير ذلك (او يستمر على) ما رسخ فيه من (الشك والشبهة الى ما قدر له) من الازل وفى الجام العوام للمصنف فان قيل اذا فرضنا عاميا مجادلا لجوجا ليس مقلدا ولا يقنعه التقليد ولا ادلة القرآن ولا الاقاويل الجلية المقنعة فماذا يصنع به قلنا هذا مريض مال طبعه من صحة الفطرة الاصلية فينظر فى شمائله فان وجد اللجاج والجدل غالبا عليه وعلى طبعه لم تجادله وطهرنا وجه الارض منه ان كان يجادلنا فى اصل من الايمان وان تفرسنا بالقرائن مخايل الرشد والقبول لو جاوزنا به من الكلام الظاهر الى تدقيق الادلة عالجناه بما قدرنا عليه من ذلك وداويناه بالجدال المسدد والبراهين الجلية وترخيصنا فى هذا المقدار من المداواة لايدل عن فتح الباب فى الكلام مع الكافة فان الادوية تستعمل فى حق المرضى وهم الاقلون وما يعالج به المريض بحكم الضرورة يجب عليه ان يوفى عنه الصحيح والفطرة الصحيحة الاصلية تعد لقبول الايمان دون المجادلة وتحرير حقائق الادلة وليس الضرر فى استعمال الداء مع الاصحاء بأقل من الضرر فى اهمال المداواه مع المرضى فليوضع كل شئ فى محله اه (فالقدر الذى يحويه هذا الكتاب وحده من المصنفات) يريد به كتاب الاقتصاد (هو الذى يرجى نفعه) للسالك فى سبيل الحق (واما الخارج عنه) اى عن ذلك القدر فانه (قسمان احدهما بحث على غير قواعد العقائد) الاسلامية (كالبحث عن الاعتمادات) كقول ابى هاشم ان الموجب لهوى الثقيل هو الاعتماد دون الحركة ذكره فى مسئلة التولد (والاكوان) جمع كون وهو استحالة جوهرته الى ما هو اشرف منه ويقابله الفساد وهو استحالة جوهرته الى ما هو دونه ولهم فى الكون اطلاقات اخر (وعن الادراكات) فى ثبوتها ونفيها ومذهب اهل السنة ان الادراكات كلها من فعل الله سبحانه وانه ليس شئ منها فعلا للانسان ولا كسبا له كما سيأتى بيانه (والخوض ان فى الرؤية هل لها ضد يسمى المنع او العمى وان كان فذلك واحد هو منع عن جميع مالا يرى او ثبت بكل مرئى يمكن رؤيته منع بحسب عدده) هكذا سياق العبارة فى غالب النسخ وفى بعضها او يثبت بكل مرئى وفى بعضها وان كان كل واحد هو منع جميع مالايرى او ثبت لكل مرئى فذلك يمكن رؤيته منع بحسب عدده واعلم ان الممنوع بوجود الصمم والعمى معنيان هما ادراكان للمسموع والمرئى وانهما غير ذاته فان قالت المعتزلة العمى والصمم مانعان له عن ان يكون مدركا قيل ما معنى منعهما عن كونه مدركا هل هو منع عن نفسه او عن معنى سواء ولايجوز ان يكون منعا عن نفسه فوجب ان يكون المنع انما وقع عن معنى سواء وهو ادراك اذ لايجوز ان يكون المنع منعا لا عن شئ وهذا البحث اورده ابو منصور التميمى فى كتاب الاسماء والصفات وسنشير اليه ان شاءالله تعالى (الى غير ذلك من الترهات) اى الاباطيل (المضلة) للفهم (والقسم الثانى زيادة تقرير) وفى بعض النسخ تقدير (لتلك الادلة) العقلية (فى غير تلك القواعد وزيادة اسئلة واجوبة) وشبه تنبعث من الافكار وفى بعض النسخ اسقاط اسئلة (وذلك ايضا استقصاء لايزيد) المستقل به (الاضلالا) عن الطريق @ (وجهلا فى حق من لم يقنعه ذلك القدر) ولم يكتف به (فرب كلام يزيده الاطناب) هو اداء المقصود باكثر من العبارة المتعارفة (والتقرير غموضا) وخفاء (ولوقال قائل البحث عن حكم الادراكات والاعتمادات فيها فائدة) نافعة وهى (تشحيذ الخاطر) وتنبيهها عن الغفلة (والخاطر آلة الدين) اصل الخاطر لما يتحرك فى القلب من رأى او معنى ثم سمى محله باسم ذلك وهو من الصفات الغالبة (كالسيف آلة للجهاد) اى بالخاطر تنكشف اسرار احكام الدين كما ان السيف تتم به امور المجاهدين (فلا بأس بتشحيذه) اى فلاى شئ يمنع من الخوض فى القسم الاول مع كونه مفيدا من وجه فاجاب بقوله (كان) اى هذا القول (كقوله لعب الشطرنج يشحذ الخاطر) ويهيئه لتلقى التدبيرات (فهو من الدين) اى من جملة اموره (وذلك هوس) واختلاط (فان الخاطر يشحذ بسائر علوم الشرع فلا يخاف فيها مضرة) ثم ان الشطرنج معرب واختلف فى اصله فقيل صدرنات يعنى مائة حيلة وقيل صدرنج يعنى مائة تعب وقيل شدرنج اى صار تعبا واختلف فى ضبطه فقيل بالفتح وهو المشهور وقيل بالكسر وهو المختار قال ابن الجواليقى فى كتاب ما يلحن فيه العامة ومما يكسرو العامة تفتحه او تضمه وهو الشطرنج بكسر الشين ققال وانما كسر ليكون نظير الاوزان العربية مثل جردحل اذ ليس فى ابنية العرب فعلل بالفتح حتى يحمل عليه واما اول من وضعه ولاى شئ وضعه واقوال الائمة فى جواز اللعب به او كراهته فقد ذكره الحافظ السخاوى فى عمدة المحتاج مستوفى واشرنا الى بعضها فى شرحنا على القاموس ليس هذا محل ذكرها (فقد عرفت بهذا) الذى تقدم ذكره (القدر المذموم والقدر المحمود من الكلام) بعد تقريره لذلك فى كتاب العلم بنحو مما ذكره هنا (و) عرفت ايضا (الحال الذى يذم فيها والحال التى يحمد فيها و) عرفت (الشخص الذى ينتفع به والذى لا ينتفع به فان قلت مهما اعترفت بالحاجة اليه فى دفع المبتدع) ورد شبهه (والآن فقد ثارت البدع) وهاجت (وعمت البلوى) الناس (وارهقت الحاجة) اى دنت وقرب وقوعها (فلابد ان يصير القيام بهذا العلم) والتصدى له (من فروض الكفايات كالقيام بحراسة الاموال) وحفظها من النهاب (وسائرالحقوق) كذلك (وكالقضاء والولاية وغيرهما) من المناصب العامة والخاصة (ومالم يشتغل العلماء بنشر ذلك) وتعليمه (والتدريس فيه والبحث عنه) والتحقيق فيه (لايدوم ولو ترك) الاشتغال به (لاندرس) بمرة وانمعى اثره ولقائل ان يقول لايحتاج الى نشره وتعليمه بل يكتفى منه فى رد شبه المبتدعة بما ركز فى الجبلة والطباع فاجاب بقوله (وليس فى مجرد الطباع) ولو كانت سليمة (كفاية) تامة (لحل شبه المبتدعة مالم يتعلم) ويدأب فيه لان اكثر هذا العلم امور دقيقة نظرية (فينبغى ان يكون التدريس فيه والبحث عنه ايضا من فروض الكفايات) وهذا (بخلاف زمان الصحابة) رضوان الله تعالى عليهم (فان الحاجة ماكانت ماسة اليه) اما لعدم ظهور البدع فى زمانهم او لاكتفائهم بما اشرق الله من انوار المشاهدة فى صدورهم فكانت الامور الخفية بالنسبة الينا جلية عندهم (فاعلم ان الحق) الذى لا محيد عنه (انه لابد فى كل بلد) من بلاد الاسلام (من قائم بهذا العلم) اى بازائه (مستقل بدفع شبه المبتدعة الذين ثاروا فى تلك البلدة) ونبغوا (وذلك يدوم بالتعليم) ويحفظ بالنشر والافادة (ولكن ليس من الصواب تدريسه على العموم) اى على عامة الناس (كتدريس الفقه والتفسير) ولوازمهما (فان هذا) اى علم الكلام (مثل الدواء) الذى لايحتاج اليه فى كل وقت وينتفع به آحاد الناس ويستضر به الآخرون (والفقه مثل الغذاء) لابد ان الذى لايستغنى عنه مجال فى اقامة ناموس البدن (وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذر لما ذكرنا فيه من انواع الضرر) التى لاتحصى (فالعالم به ينبغى ان يخصص بتعليم هذا العلم من) وجدت (فيه ثلاث خصال احداها التجرد للعلم) والاستعداد لطلب @ المعرفة (والحرص عليه) بالاكباب على درسه وتعلمه (فان المحترف) اى المشتغل بالحرفة والصناعة (يمنعه الشغل) الذى هو فيه (عن الاستتمام وازالة الشكوك اذا عرضت) لعدم استعداده لذلك (والثانية الذكاء) وهو سرعة الادراك وحدة الفهم وقيل هو سرعة اقتراح النتائج (والفطنة) وهى سرعة هجوم على حقائق معان مماتورده الحواس عليها (والفصاحة) وهى ملكة يقتدربها على التعبير عن المقصود (فان البليد) المتحير فى امره الذى لايوصف بذكاء ولافطنة (لا ينتفع بفهمه) بل هو دائما حيران فى امره (والقدم) وهو البطئ الفهم (لاينتفع بحجاجه) اى بمحاجته (فيخاف عليه من ضرر الكلام ولايرجى فيه نفعه والثالثة ان يكون فى طبعه الصلاح) وهو ضد الفساد ويختصان فى اكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل فى القرآن تارة بالفساد واخرى بالسيئة (والديانة) وهى التمسك بامور الدين (والتقوى) وهى تجنب القبيح خوفا من الله تعالى (ولاتكون الشهوات) النفسية (غالبة عليه) وفى معنى الشهوات التعصبات للمذاهب والمباهاه بالمعارف (فان الفاسق بادنى شبهه) اذا عرضت (ينخلع عن) ربقة (الدين فان ذلك يحل عنه الحجز) اى الستر الحاجز (ويرفع الستر بينه وبين الملاذ) الشهوانية (فلا يحرص على ازالة الشبهة) ودفعها (بل يغتنمها ليتخلص من اعباء التكليف) ومشقاته (فيكون ما يفسده مثل هذا المتعلم اكثر مما يصلحه) وقال المصنف فى الجام العوام التحدث فى هذا العلم للعالم انما يكون على اربعة اوجه اما ان يكون مع نفسه او مع من هو مثله فى الاستبصار او مع من هو مستعد للاستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله او مع العامى فان كان قاطعا اى لاظانا اى لا حاكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما فله ان يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله فى الاستبصار وهو متجرد لطلب المعرفة مستعد لها خال عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاة بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لان الفطن المتعطش الى المعرفة للمعرفة لا لغرض يحيك فى صدره اشكال الظواهر وربما يلقيه فى التأويلات الفاسدة لشدة شرهه عن الفرار عن الظواهر ومقتضاها ومنع العلم اهله ظلم كبثه الى غير اهله واما العامى فلا يحدث به وفى معنى العامى كل من لا يوصف بالصفات المذكورة واما المظنون فيحدث به مع نفسه اضطرارا فان ما ينطوى عليه الذهن من ظن وشك وقطع لاتزال النفس تحدث به ولا قدرة على الخلاص منه ولامنع منه ولاشك فى منع التحدث به مع العوام بل هو اولى بالمنع من المقطوع اما تحدثه به مع من هو فى مثل درجته فى المعرفة او مع المستعد له فيه نظر فيحتمل ان يقال هو جائز اذ لا يزيد على ان يقول اظن كذا وهو صادق ويحتمل المنع لانه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن فى صفة الله تعالى او فى مراده من كلامه وفيه خطر واباحته انما تعرف بنص او اجماع او قياس على منصوص ولم يرد شئ من ذلك بل ورد قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم اه (واذا عرفت هذه الانقسامات اتضح لك ان هذه الحجة المحمودة فى الكلام انما هو من جنس حجج القرآن) والاخبار الصحيحة (من الكلمات اللطيفة) المختصرة (المؤثرة فى القلوب) بوقعها (المقنعة للنفوس) الكافية لها (من دون التغلغل) والخوض (فى التقسيمات) الغريبة (والتدقيقات) العجيبة (التى لا يفهمها اكثر الناس) ولا يحوم فكرهم حولها (واذا فهموها) بعد جهد (اعتقدوا انها شعوذة) لا حقيقة لها (وصناعة تعلمها للتلبيس) والتخليط (فاذا قابله مثله فى الصنعة قاومه) قال المصنف فى الجام العوام العامى اذا منع من البحث والنظر ولم يعرف الدليل كان جاهلا بالمدلول وقد امر الله كافة عباده بمعرفته بالايمان به والتصديق بوجوده اولا وبتقديسه عن سمات الحوادث ومشابهة غيره ثانيا وبوحدانيته ثالثا وبصفاته من العلم والقدرة ونفوذ المشيئة وغيرها رابعا وهذه الامور ليست ضرورية فهى اذا مطلوبة وكل علم مطلوب ولاسبيل الى اقتناصه وتحصيله الا بالادلة فلابد من النظر فى الادلة والتفطن لوجه دلالتها على المطلوب وكيفية انتاجها له وذلك لايتم الا بمعرفة شروط البراهين وكيفية ترتيب @ المقدمات واستنتاج النتائج ويستجر ذلك بالضرورة شيئا فشيئا الى تمام البحث واستيفاء على الكلام الى اخر النظر فى علم المعقولات وكذلك يجب على العامى ان يصدق الرسول فى كل ماجاء به وصدقه ليس بضرورى بل هو بشر كسائر الخلق فلابد من دليل يميزه عن غيره ممن تحدى بالنبوة كاذبا ولايمكن ذلك الا بالنظر فى معجزاته ومعرفة حقيقة المعجزة وشروطها الى اخر النظر فى النبوات وهو ثلث علم الكلام قلنا الواجب على الخلق الايمان بهذه الامور والايمان عبارة عن تصديق جازم لا تردد فيه ولايشعر صاحبه بجواز وقوع الخطأ فيه وهذا التصديق يحصل على ست مراتب الاولى وهو اقصاها مايحصل بالبرهان المستقصى المستوفى بشروطه المحرر باصوله ومقدماته درجة درجة كلمة كلمة حتى لا يبقى مجال احتمال وممكن التباس وذلك هو الغاية القصوى وربما يتفق فى كل عصر واحد واثنان ممن ينتهى الى تلك الدرجة وقد يخلو العصر عنه ولو كانت النجاة مقصورة على مثل تلك المعارف لقلت النجاة وقل الناجون الثانية ان يحصل بالادلة الرسمية الكلامية المبنية على امور مسلمة مصدق بها لاشتهارها بين اكابر العلماء وشناعة انكارها ونفرة النفوس عن ابداء المزيد فيها وهذا الجنس ايضا يفيد فى بعض الامور وفى حق الناس تصديقا جازما بحيث لا يتغير صاحبه بامكان خلافه اصلا الثالثة ان يحصل التصديق بالادلة الخطابية التى جرت العادة باستعمالها فى المحاورة والمخاطبات الجارية فى العادات وذلك يفيد فى حق الاكثرين تصديقا ببادئ الرأى وسابق الفهم اذا لم يكن الباطن مشحونا بالتعصب وبرسوخ اعتقاد على خلاف مقتضى الدليل ولم يكن المستمع مشغوفا بتكلف المماراة والتشكيك ومنهاجه بتحذلق المجادلين فى العقائد واكثر ادلة القرآن من هذا الجنس من الدليل الظاهر المفيد للتصديق والدليل المستوفى هو الذى يفيد التصديق بعد تمام الاسئلة وجوابها بحيث لا يبقى للسؤال مجال والتصديق يحصل قبل ذلك الرابعة التصديق بوجود السماع ممن حسن فيه الاعتقاد بسبب كثرة ثناء الخلق فان من حسن اعتقاده فى ابيه واستاذه او رجل من الافاضل المشهورين قد يخبر عن شئ فيسبق اليه اعتقاد جازم وتصديق بما اخبر عنه بحيث لايبقى مجال لغيره فى قلبه ومستنده حسن اعتقاده فيه وكذلك اعتقاد الصبيان فى آبائهم ومعلمهم فلا جرم يسمعون الاعتقادات ويصدقونه ويستمرون عليه من غير حاجة الى دليل ومحاجة الخامسة التصديق الذى يسبق اليه عند سماع الشئ مع قرائن الاحوال لايفيد القطع عند المحقق ولكن يلقى فى حق العوام اعتقادا جازما السادسة ان يسمع القول فيناسب طبعه واخلاقه فيبادر الى التصديق بمجرد موافقته لطبعه لا من حسن اعتقاد فى قائله ولا من قرينة تشهد له لكن لمناسبة مافى طبعه وهذه اضعف التصديقات وادنى الدرجات لان ما قبله استند الى دليل ما وان كان ضعيفا من قرينة واحسن اعتقاد فى المخبر اى نوع من ذلك فهى امارات يظنها العامى ادلة فتعمل فى حقه عمل الادلة واذا علم مراتب التصديق وعلم ان مستند ايمان العوام هذه الاسباب فأعلى الدرجات فى حقه ادلة القرآن وما يجرى مجراه مما يحول القلب الى التصديق فلا ينبغى ان يجاوز بالعامى الى ما وراء ادلة القرآن وما فى معناه من الجليات المقنعة المسكنة للقلوب المستجرة لها الى الطمأنينة والتصديق فما وراء ذلك ليس على قدر طاقته اه بالختصار (وعرفت ان) الامام (الشافعى وكافة السلف) رحمهم الله ممن تقدم ذكرهم (انما منعوا من الخوض فيه والتجرد له لما فيه من الضرر الذى نبهنا عليه) اى فان اقوالهم محمولة على نهى المتعصب فى الدين او القاصر عن تحصيل اليقين او القاصد افساد عقائد المسلمين او الخائض فيما لا يفتقر اليه من غوامض المتفلسفين والا فلا يتصور من شريف تلك الحضرات وقوع المنع فيما هو اصل الواجبات واساس المشروعات (ان ما نقل عن ابن عباس رضى الله عنه من مناظرة الخوارج) فى المسائل الاربعة (ومانقل عن على رضى الله عنه من المناظرة فى القدر) مع رجل من الشام (وغيره كان كان من الكلام الجلى) الواضح (الظاهر) الذى لا يحتاج الى فتح باب الجدال (وفى محل الحاجة) وقدر الحاجة (وذلك) لاريب فيه انه (محمود فى كل حال) غير مذموم عند الرجال (نعم قد تختلف @ الاعصار) والازمان (فى كثرة الحاجة) اليه (وقلتها فلا يبعد ان يختلف الحكم لذلك) ولاجل ذلك ما خاض فيه الاولون الا قليلا لعدم حدوث البدع فى زمانهم فلم يحتاجوا الى ابطالها وافحام منتحلها (فهذا حكم العقيدة التى تعبد الخلق بها) وكلفوا بمعرفتها (وحكم طريقة النضال) والمدافعة (عنها وحفظها) فى الصدور (فاما ازالة الشبهة) الخفية عن القلب (وكشف اسرار الحقائق) الالهية (ومعرفة الاشياء على ماهى عليه) باليقين التام (وادراك الاسرار) الباطنة (التى يترجمها) ويبينها (ظاهر الفاظ هذه العقيدة) ومنطوقها (فلا مفتاح له الا المجاهدة) المشار اليها فى قوله عزوجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (و) فى معنى المجاهدة (قمع الشهوات) النفسانية (والاقبال بالكلية على الله تعالى) بحيث لايخطر فى خاطره خاطر لسواه (وملازمة الفكر الصافى عن شوائب المجادلات) والمخاصمات (وهى) اى تلك الحالة الحاصلة من هذه الامور (رحمة من الله عزوجل) ونعمة (تفيض على من يتعرض لنفحاتها) لما ورد تعرضوا لنفحات الله فان الله نفحات (بقدر الرزق) الذى قدر له من الازل (وبحسب قبول المحل) وانفساحه (وطهارة القلب) واتساعه لقبول تلك النفحات الواردات (وذلك البحر) العجاج (الذى لايدرك غوره) ومنتهاه (ولا يبلغ ساحله) اى طرفه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذا الكلام) الذى تقدم ذكره (يشير) ظاهره (الى ان العلوم) المحمودة (لها ظواهر واسرار) وان (بعضها جلى) ظاهر لكل الناس (يبدو اولا) ويظهر (وبعضها خفى) المدرك لا (يتضح) الا (بالمجاهدة) والرياضة ومكابدة النفس (والطلب الحثيث) فى كشف سره (والفكر الصافى) عن علائق الكدر (والسر الخالى عن كل شئ) يضاده (من اشغال الدنيا سوى المطلوب) المأمور بها (وهذا يكاد) ان (يكون مخالفا للشرع اذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن بل الظاهر والسر والعلن واحد) فاجاب بقوله (فاعلم ان انقسام هذه العلومالى خفية وجلية) من الواضحات التى (لا ينكرها ذو بصيرة) قادحة (وانما ينكرها القاصرون فى المعارف) الالهية (الذين تلقنوا فى اول الصبا) من المشايخ (شيئا) لم ينتقلوا منه بل (جمدوا عليه) اى استمروا على ذلك القدر اليسير اذ التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر (فلم يكن لهم ترق) وصعود (الى شأ والعلا) اى غايته وأمده (و) لا نصيب الى بلوغ (مقامات العلماء) العارفين (والاولياء) الصالحين فهؤلاء اذا ورد عليهم شئ من افراد تلك المقامات اول وهلة قاموا بالانكار عليه وبالغوا وشددوا وهذه الحالة تسببت لكثير من علماء الظاهر بسبق الانكارعلى علماء الباطن وتبديعهم واخراجهم من جادة الشريعة وهم معذورون لجمودهم على ما لقنوا (وذلك) الذى ذكرناه (ظاهر من ادلة الشرع قال صلى الله عليه وسلم ان للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا) قال العراقى اخرجه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابن مسعود بنحوه اه واورده ابن الاثير فى نهايته فى موضعين قال فى ح د د حديث فى صفة القرآن له حد اى غاية وحد كل شئ منتهى امره وقال فى ط ل ع وعليه علامة السين المهملة اى ان هذا الحديث من كتاب ابى موسى المدينى لكل حرف حد ولكل حد مطلع اى لكل حد مصعد يصعد اليه من معرفة علمه والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال قال ويجوز ان يكون مطلع كمصعدزنة ومعنى وقال المصنف فى اخر كتابه مشكاة الانوار حديث للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع وربما نقل هذا عن على موقوفا (وقال على رضى الله عنه) فيما اخرجه ابو نعيم فى كتاب الحلية بطوله من طريقين (واشار) بيده (الى صدره) هاءهاء (ان ههنا علوما جمة) اى كثيرة (لو وجدت لها حملة) وقد تقدم بطوله فى كتاب العلم مع شرح معانيه (وقال صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) تقدم بيانه فى كتاب العلم @ (وقال صلى الله عليه وسلم ما حدث احد قوما بحديث لم تبلغه عقولهم الا كانت فتنة عليهم) تقدم فى كتاب العلم ونسبة صاحب القوت الى بعض السلف بلفظ ما من عالم يحدث قوما بعلم لم تبلغه عقولهم الا كان فتنة عليهم واورده المصنف فى الجام العوام بلفظ لايفهمونه كان فتنة على بعضهم (وقال الله تعالى) فى كتابه العزيز (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون) تقدم ما يتعلق به فى اول كتاب العلم (وقال صلى الله عليه وسلم ان من العلم كهيئة المكنون لايعلمه الا العالمون بالله تعالى الحديث) اى الى اخره وهو فاذا علموه لا ينكر عليهم الا اهل الغرة بالله تعالى (كما اوردناه فى كتاب العلم) ووسعنا الكلام عليه هنالك ويوجد هنا فى بعض النسخ قبل هذا الحديث وقال ابو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما احدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم وليس ذلك فى نسخة العراقى (وقال صلى الله عليه وسلم لو علمتم) كذا فى النسخ الكثيرة وفى بعضها لو تعلمون وهو نسخة العراقى وهو نص الجماعة المخرجين لهذا الحديث (مااعلم) اى من انتقام الله من اهل الجرائم واهوال القيامة (لضحكتم قليلا) اى كان ضحككم على القلة وقيل معناه لما ضحكتم اصلا وهذا لمناسبة السياق لان لو حرف امتناع لامتناع (ولبكيتم كثيرا) وقدم الضحك لكونه من المسرة وفيه من انواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر وقال العراقى اخرجاه من حديث عائشة وانس اه قلت واخرجه ايضا الامام احمد والترمذى والنسائى وابن ماجة كلهم عن انس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت قط بمثلها ثم ذكره واخرج الحاكم فى المستدرك من رواية يوسف بن حبان عن مجاهد عن ابى ذر رفعه لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما ساغ لكم الطعام والشراب وقال على شرطهما ولم يخرجاه وتعقبه الذهبى بانه منقطع ورواه ايضا من طريقة ابن عساكر فى التاريخ بتلك الزيادة واخرج الحاكم ايضا فى كتاب الرقاق والبيهقى فى الشعب عن ابى الدرداء رفعه لو تعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم االى الصعدات تجأرون ولا تدرون تنجون او لاتنجون وقال الحاكم صحيح واقره الذهبى وقال الهيثمى رواه الطبرانى من طريق ابنة ابى الدرداء عن ابيها ولم اعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح واخرج الحاكم ايضا فى الاهوال عن ابى هريرة رفعه لوتعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا يظهر النفاق وترفع الامانة وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اتاخ بكم الشر الجور الفتن كأمثال الليل المظلم وقال صحيح واقره الذهبى (فليت شعرى ان لم يكن ذلك سرا) باطنيا (ومنع من افشائه) واظهاره (لقصور الفهم عن ادراكه) وفى نسخة عن دركه (اولمعنى آخر فلم لم يذكره) مع انه امين على تبليغ ما امر به (ولاشك انهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم) وينكشف ذلك بتسليم اصلين الاول ان النبى صلى الله عليه وسلم افاض الى الخلق ما اوحى اليه وانه ما كتم شيئا من الوحى فلذلك كان رحمة للعالمين فما ترك شيئا مما يقربهم الى رضا الله تعالى الا دلهم عليه وامرهم به ولامما يسخط اله الا حذرهم ونهاهم عنه فى العلم والعمل جميعا الثانى ان اعرف الناس بمعانى كلامه واحراهم بالوقوف على كنة درك اسراره الذين شاهدوا الوحى والتنزيلوصحبوه ولازموه متشمرين لتلقى ما يقوله بالقبول للعمل به اولا والنقل الى من بعدهم ثانيا والتقرب الى الله بسماعه وحفظه ونشره وهم الذين حضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السماع والفهم والحفظ والآداء فقال نضر الله امر اسمع مقالتى فوعاها واداها كما سمعها الحديث (وقال ابن عباس رضى الله عنه) فى تفسير (قوله عزوجل الله الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن) مانصه (لو ذكرت تفسيره) كما علمته (لرجمتمونى) اى لم تحتمل عقولكم لدركه فتنكرون على ذلك (وفى لفظ اخر لقلتم انه كافروقال صلى الله عليه وسلم مافضلكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشئ وقر فى صدره) تقدم فى كتاب العلم (ولاشك فى ان ذلك كان متعلقا بقواعد الدين غير خارج عنها وماكان من قواعد الدين لم يكن خافيا بظواهرها على غيره) @ من الصحابة رضوان الله عليهم (وقال) ابو محمد (سهل) بن عبدالله (التسترى) رحمه الله تعالى (للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه اظهاره الا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لايظهره لأحد) هكذا اورد صاحب القوت عن سهل الا انه قال وعلم هو سر بين الله وبين العالم هو حقيقة ايمانه لا يظهره لاهل الظاهر ولا لأهل الباطن (وقال بعض العارفين افشاء سر الربوبية كفر) هذا القول اورده صاحب القوت فى الباب الثالث والثلاثين فى آخر اخبار الصفات مانصه وحقيقة علم التوحيد باطن المعرفة وهو سبق المعروف الى من به تعرف بصنعة مخصوصة بحبب مقرب مخصوص ولايسع معرفة ذلك الكافة وافشاء سر الربوبية كفر وقال بعض العارفين من صرح بالتوحيد وافشى الوحدانية فقتله افضل من احياء غيره اه وقد علم من هذا السياق ان المراد ببعض العارفين فى قول المصنف هو ابو طالب المكى صاحب القوت وقد انكر على المصنف هذا القول فى زمنه فاجاب عنه فى كتابه الاملاء مانصه فصل واما معنى افشاء سرالربوبية كفر فيخرج على وجهين احدهما ان يراد به كفر دون كفر سمى بذلك تغليظا لما اتى به المفشى وتعظيما لما ارتكبه ويعترض هذا بان يقال لايصح ان يسمى هذا كفرا لانه ضد الكفر اذ الكافر الذى سمى هذا على معناه ساتر وهذا المفشى للسر ناشر واين النشر من الستر والاظهار من التغطية والاعلان من الكتم واندفاع هذا بين بان يقال ليس الكفر الشرعى تابع الاشتقاق وانما هو حكم لمخالفة الامر وارتكاب النهى فمن رد احسان محسن او جحد نعمة متفضل فيقال له كافر لجهتين احداهما من جهة الاشتقاق ويكون اذ ذاك اسما بناء على وصف والثانية من جهة الشرع اذذاك حكما يوجب عقوبة والشرع قد ورد لشكر المنعم فافهم لاتذهب مع الالفاظ ولاتحجبك التسميات وتفطن لخداعها واحترس من استدراجها فاذا من اظهر ماامر بكتمه كمن كتم ما امر بنشره وفى مخالفة الامر فيهما حكم واحد على هذا الاعتبار ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم وفى ارتكاب النهى عصيان ويسمى فى باب القياس على المذكور كفرانا والوجه الثانى ان يكون معناه كفرا للسامع دون المخبر بخلاف الوجه الاول ويكون هذا مطابقا لحديث لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم اتريدون ان يكذب الله ورسوله فيمن حدث احدا بما لم يصل اليه عقله ربما سارع الى التكذيب وهو الاكثر ومن كذب بقدرة الله تعالى او بما اوجد بها فقد كفر ولو لم يقصد الكفر فان اكثر اليهود والنصارى وسائر النحل ماقصدت الكفر ولاتظنه بأنفسها وهم كفار بلا ريب وهذا وجه واضح قريب ولا يلتفت الى مامال اليه بعض من لايعرف وجوه التأويل ولا يعقل كلام اولى الحكم والراسخين فى العلم حتى ظن ان قائل ذلك ام اراد به الكفر الذى هو نقيض الايمان والاسلام يتعلق بمخبره ويلحق قائله وهذا لايخرج الا على مذاهب اهل الاهواء الذين يكفرون بالمعاصى واهل السنة لايرضون بذلك وكيف يقال لمن آمن بالله واليوم الآخر وعبدالله بالقول الذى ينزهه والعمل الذى يقصد به التعبد لوجهه والامر الذى يستزيده ايمانا ومعرفة ثم يكرمه الله على ذلك بفوائد المزيد وينيله ما يشرف من المنح ويريه اعلام الرضا ثم يكفره احد بغير شرع ولا قياس عليه والايمان لايخرج عنه الابنبذه واطراحه وتركه واعتقاد مالايتم الايمان معه ولايحصل بمفارقته وليس فى افشاء الولى شئ مما يناقض الايمان اللهم الا ان يريد بافشائه وقوع الكفر من السامع له فهذا عابث متمرد وليس بولى ومن اراد من خلق الله ان يكفروا بالله فهو لامحالة كافر وعلى هذا يخرج قوله تعالى ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ثم انه من سب احدا منهم على معنى ما يجدله من العداوة والبغضاء قيل له اخطأت واثمت من غير تكفير وان كان انما فعل ذلك ليسمع سب الله وسب رسوله فهو كافر بالاجماع اه (وقال بعضهم) اى العارفين ومثله فى القوت ايضا ولكن سياق المصنف فى الاملاء الآتى ذكره صريح فى انه قول سهل التسترى وهو محل تأمل (للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف بطل العلم وللعلم سر لو @ ظهر لبطلت الاحكام) وهذا القول ايضا اورده صاحب القوت الا انه قال وللعلماء بالله سر لو اظهره الله تعالى لبطلت الاحكام ثم قال فقوام الايمان واستقامة الشرع بكتم السر به وقع التدبير وعليه انتظم الامر والنهى والله غالب على امره اه (وهذا القائل) من العارفين (ان لم يرد بذلك بطلان النبوة فى حق الضعفاء لقصور فهمهم) عن ادراك المعارف الخفية (فما ذكره ليس بحق بل الصحيح انه لاتناقض وان الكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وملاك الورع النبوة) قال المصنف فى الاملاء فان قيل فما معنى قول سهل الذى ينسب اليه للالهية سر الخ وجاء فى الاحياء على اثر هذا القول وقائل هذا ان لم يرد به بطلان النبوة فى حق الضعفاء فما قاله ليس بحق فان الصحيح لايتناقض والكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وهذا وان لم يكن من الاسئلة المرسومة فهو متعلق منها بما فرع من الكلام فيه آنفا وناظر اليه اذ ما ادى افشاؤه الى بطلان النبوة والاحكام فهو كفر والجواب ان الذى قاله رحمه الله وان كان مستعجما فى الظاهر فهو قريب المسلك بادى الصحة للمتأمل الذى يعرف مصادر اغراضهم ومسالك اقوالهم وسر الالوهية الذى بمعرفته يستحق النبوة من وصل الى الله باليقين الذى لولاه لم يكن نبيا لايخلو اما ان يكون انكشافه من الله تعالى مما يطلع على القلوب من الانوار التى كانت غالبة عنها بان كانت القلوب ضعيفة طرأ عليها من الدهش والاصطلام والحيرة والتيه ما يبهر العقول ويفقد الاحساس ويقطع عن الدنيا ومافيها وذلك لضعفه ومن انتهى الى هذه الحالة فتبطل النبوة فى حقه ان يعرفها أو يعقل ما جاء من قبلها اذ قد شغله عنها ما هو اعظم لديه منها وربما كان ذلك سبب موته لعجزه عن حمل ما يطرأ عليه كما حكى ان شابا من سالكى طريق الآخرة عرض عليه ابو يزيد ولم يره من قبل فلما نظر اليه الشاب مات لساعته فقيل له فى ذلك فقال كان فى صدره امر لم تنكشف له حقيقته فلما رآنى انكشف له وكان فى مقام الضعفاء من المريدين فلم يطق حمله فمات به واما ان يكون انكشافه من عالم به على جهة الخبر عنه فتبطل النبوة فى حق المخبر حيث نهى عن الافشاء فافشى وامر ان لا يتحدث فلم يفعل فخرج بهذه المعصية عن طاعة النبى صلى الله عليه وسلم فيها فلهذا قيل فى ذلك بطلت النبوة فى حقه باخباره فان قلت فلم لاتكفروه على هذا الوجه اذا بطلت النبوة فى حقه باخباره قلنا لم يبطل فى حقه جميعها وانما بطل فى حقه منها ما خالف الامر الثابت من قبلها ويعد مقوله من الكلم اغلاء وتغليظا لحق الافشاء وقد سبق الكلام عليه فى معنى افشاء سر الربوبية واما سر النبوة الذى اوجب بطلان العلم لمن رزقها او رزق معرفتها على الجملة اذ النبوة لايعرفها بالحقيقة الا نبى فان انكشف ذلك لقلب احد بطل العلم فى حقه باعتبار المحبة له بالامر المتوجه عليه بطلبه والبحث عنه والتفكر فيكون كالنبى اذا سئل عن شئ او وقعت له واقعة لم يحتج الى النظر فيها ولا الى البحث عنها بل ينتظر ماعود من كشف الحقائق باخبار ملك او ضرب مثل يفهم اياه او اطلاع على اللوح المحفوظ او القاء فى روع فيعود ذلك اصلا فى العلم ونسخا له معنى يقيس عليه غيره واما ان يكون كشفه بخبر ممن رزق علم ذلك كان بطلان العلم فى حق المخبر اذا افشاه لغير اهله واهداه لمن لايستحقه كما روى ان عيسى عليه السلام قال لاتعلقوا الدر فى اعناق الخنازير وانما اراد ان لايباح العلم غير اهله وقد جاء لاتمنعوا الحكمة اهلها فتظلموهم ولاتضعوها عند غير اهلها فتظلموها واما سر العلم الذى يوجب كشفه بطلان الاحكام فان كان كشفه من الله تعالى لقلوب ضعيفة بطلت الاحكام فى حقها لما تطلع عليه فى ذلك السر من معرفة مال الاشياء ومواقف الخلق وكشف اسرار العباد وما بطن من المقدور فمن عرف نفسه مثلا انه من اهل الجنة لم يصل ولم يصم ولم يتعب نفسه فى خير وكذلك لو انكشف له انه من اهل النار كمل انهما كه فلا يحتاج الى تعب زائد ولانصب مكايد فلو عرف كل واحد عاقبته وماله بطلت الاحكام الجارية عليه وان كان كشفها من مخبر استروح الضعيف الى ما يسمع من ذلك فيتعطل وينخرم حاله وينحل قيده وبعد هذا فلا يحمل كلام سهل رحمه الله @ الاعلى ما تعذر لاعلى مايوجد ولذلك جعله مقرونا بحرف لو الذال على امتناع لامتناع غيره كما يقال لو كان للانسان جناحان لطار ولو كان للسماء درج لصعد اليها ولو كان البشر ملكا لفقد الشهوة فعلى هذا يخرج كلام سهل رحمه الله فى ظاهر الامر والله اعلم اه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذه الآيات) القرآنية (والاخبار) الواردة من طريقق الثقات (تتطرق اليها تأويلات) تصرفها عن ظواهرها (فبين) لنا واوضح (اختلاف كيفية الظاهر والباطن فان الباطن ان كان مناقضا للظاهر ففيه ابطال الشرع وهو قول من قال ان الحقيقة خلاف الشريعة وهو كفر) وضلال (فان الشريعة عبارة عن الظاهر) اى ظاهر الاحكام المتلقاة على لسان الشرع (والحقيقة عبارة عن الباطن) وهو العلم المستفاد من باطن هذه الاحكام (وان كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو) بعينه (فيزول به الانقسام) اى انقسام العلوم الى خفية وجلية (ولايكون) على هذا (للشرع سر لا يفشى) ويؤمر بالكتمان (بل يكون الخفى والجلى) منه (واحدا) وقد اجاب عن هذا الاشكال بقوله (فاعلم ان هذا السؤال يحرك خطبا عظيما) وامرا جسيما (وينجر الى علوم المكاشفة ويخرج عن مقصود علم المعاملة) الذى نحن بصدده (وهو غرض هذه الكتب فان العقائد التى ذكرناها) فى هذا الكتاب (من اعمال القلوب فقد تعبدنا) والزمنا (بتلقيها بالقبول) والاذعان (والتصديق بعقد القلب عليها) وربطه عليها اشار بذلك الى معناها اللغوى (لا بان يتوصل) بها (الى ان تنكشف لنا حقائقها) كما هى هى (فان ذلك لم يكلف به كافة الناس) والا وقعوا فى حرج عظيم (ولولا انه) اى مجموع ما ذكر من العقائد (من الاعمال لما اوردناه فى هذا الكتاب ولولا انه عمل ظاهر القلب لاباطنه لما اوردناه فى الشطر الاول من الكتاب وانما الكشف الحقيقى) الذى هو معرفة الاشياء على ما هى عليها (هو صفة سر القلب) وباطنه (ولكن اذا انجز الكلام) والبحث (الى تحريك خيال) واثارة شبهة (فى مناقضة الظاهر للباطن) فى بادئ الرأى (فلابد من) ايراد (كلام وجيز) مختصر (فى حله) والكشف عن مظاله (فمن قال ان الحقيقة تخالف الشريعة او) زعم ان (الباطن يناقضه الظاهر فهو الى الكفر) والضلال (اقرب منه الى الايمان) والرشد (بل الاسرار التى تختص بها المقربون) الى الحضرات الالهية (بدركها) ومعرفتها واحاطتها (ولا يشاركهم الاكثرون) من العلماء (فى علمها) اى معرفتها (ويمنعون من افشائها) واظهارها لهم و(اليهم) فانها (ترجع الى خمسة اقسام) بالحصر والاستقصاء وماعداها مما تسبق اليه الاذهان راجع اليها عند التأمل التام (الاول ان يكون الشئ فى نفسه) اى حد ذاته (دقيقا) خفيا لشدة خفائه (تسكل اكثر الافهام) وتمنع (عن دركه) على حقيقته (فيختص بدركه الخواص) من عباد الله الذين اختصهم الله لقربه وجعلهم من اهل الاختصاص وهم المفتوح عليهم باب الواردات الالهية (وعليهم) انهم اذا كشف لهم عن سر ذلك الشئ (ان لايفشوه الى غير اهله) الذى ليس من ارباب ذلك الدرك (فيصير) ذلك الافشاء (فتنة عليهم) ومصيبة لهم (حيث تقصر افهامهم) الجامدة (عن الدرك واخفاء سر الروح وكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه من هذا القسم) اخرج البخارى ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود حين سأله اليهود عن الروح قال فامسك النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا الحديث وقال ابن عباس قالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم اخبرنا ما الروح وكيف تعذب الروح التى فى الجسد وانما الروح من امر الله ولم يكن نزل اليه فيه شئ فلم يجبهم فأتاه جبريل عليه السلام بالآية ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما اوتيتم من العلم الا قليلا (فان @ حقيقته مماتكل الافهام عن دركه وتقصر الاوهام عن تصور كنهه) ولذلك اختلف فيه الاختلاف الكثيرعلي ما تقدم بيانه وتفصيله في أخر كتاب العلم (ولاتظنن أن ذلك لم يكن مكشوفا لرسول الله صلي الله عليه وسلم فان من لم يعرف الروح) الذي به قوام كل ذات (فكأنه لم يعرف نفسه فكيف يعرف ربه) وعليه يخرج قولهم من عرف نفسه فقد عرف ربه (ولا يبعد أن يكون ذلك مكشوفا) ايضا (لبعض الاوليه) العارفين بما ألقي في روعهم بالنفث والالهام بل (العلماء) الراسخين (وان لم يكونوا انبياء ولكنهم يتأدبون باداب الشرع فسيكتون عما سكت عنه) أي من حيث انه صلي الله عليه وسلم أمسك عن الاخبار عن الروح وما هيته باذن الله تعالي ووحيه وهو صلي الله عليه وسلم معدن العلم وينبوع الحكمة لا يسوغ لغيره الخوض فيه والاشارة اليه لاجرم لما تقاضت النفس الانسانية المتطلعة الي الفضول المنشوفة الي المعقول المتحركة بوضعها الي كل ما أمرت بالسكوت فيه والمستورة بحرصها الي كل تحقيق وكل تمويه وأطلقت عنان النظر في مسارح الفكر وخاضت غمرات ما هية الروح تاهت في التيه وتنوعت آراؤها فيه ولم يوجد الاختلاف بين أرباب النقل والعقل في شيء كالاختلاف في ماهية الروح ولو لزمت النفوس حدها معترفة بعجزها كان ذلك أجدر بها وأولي (بل في صفات الله تعالي من الخفايا) أي الاسرارالخفية (ما تقصر أفهام الجماهير) أي كثير من الناس (عن دركه) ومعرفته (ولم يذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم منها الا الظراهر للافهام من العلم والقدرة وغيرهما) من الصفات (حتي فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها الي علمهم وقدرتهم اذا كان لهم من الاوصاف ما يسمي علما وقدرة فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة ولو ذكر من صفاته) عزوجل (مما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء لم يفهموه) ولنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالانكاروقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل في حق الكافة الا الاقلين وقد بعث صلي الله عليه وسلم داعيا للخلق الي سعادة الأخرة ورحمة للعالمين فكيف ينطق بما فيه هلاك الاكثرين (بل لذة الجماع اذا ذكرت للصبي) لم يدركها (او العنين) هو الذي لايقدرعلي اتيان النساء أو لا يشتهيهن (لم يفهمها الا بمناسبة لذة المطعوم الذي يدركه) كالسكر أو العسل مثلا (ولا يكون ذلك فهما غل التحقيق) كما ينبغي فان اللذة التي تحصل من استعمال السكر مثلا (والمخالفة بين علم الله وقدرته وعلم الخلق وقدرتهم أكثرمن المخالفة بين لذه الجماع والاكل) وهذا لايستراب فيه وقال المصف في المقصد الاسني فان قلت لوكان لناصبي اوعنين ما السبيل الي معرفته الي معرفته لذة الوقاع وادراك حقيقته قلنا ههنا سبيلان أحداهما ان نصفه لك حتي تعرفه والآخر تصبر حتي تظهر فيك غريزة الشهوة ثم تباشر الوقاع حتي تظهر فيك لذته فتعرفه وهذا السبيل الثاني هو السبيل المحقق المفضي الي حقيقة المعرفة فاما الاول فلا يفضي الا الي توهم الشيء بما لايشبهه اذغايتنا أن نمثل لذه الوقاع عنده بشيء من اللذات التي يدركها العنين كلذه الطعام الحلو مثلا فنقول له اما اعرف أن السكر لذيذ فلا تجد عند تناوله طيبة وتحس في نفسك راحة قال نعم قلنا الجماع أيضا كذلك افتري ان يفهم حقيقة لذة الجماع كما هي حتي ينزل في معرفتها منزلة من ذاق تلك اللذة وادركها هيهات هيهات وانما غاية هذا الوصف ايهام وتشبيه ومشاركة في الاسم لكن يقطع تلك اللذة التشبية بأن يقال ليس كمثله فهو حي لا كالاحياء وقادر لا كالقادرين كما يقال الوقاع لذيذ كالسكر ولكن تلك اللذه لا تشبه هذه البتة ولكن تشاركها في الاسم وكان اذا عرفنا أن الله تعالي حي عالم قدير عالم فلم نعرف أو لا الا بأنفسنا اذ الاصم لايتصور أن يفهم معني قولنا ان الله سميع ولا الآ ... معني قولنا ان الله بصير وكذلك اذا قال القائل كيف يكون الله عالما بالاشياء فنقول له كما تعلم أنت أشياء فلا يمكنه أن يفهم شيأ الا اذا كان فيه ما يناسبه فيعلم أولا ما هو متصف به ثم يعلم غيره بالمناسبة اليه فاذا كان لله تعالي وصف وخاصية ليس فينا ما يناسبه ويشاركه ولو في الاسم لم يتصور فهمه البتة فاعرف @ أحد الانفسه ثم قايس بين صفات الله تعالي وبين صفات نفسه وتتعلي صفات الله وتتقدس عن أن تشبه صفاتنا (وبالجملة فلا يدرك الانسان الا نفسه وصفات نفسه مما هي حاضرة له في الحال) موجودو لديه (أومما كانت له من قبل) فيتذكرها (ثم بالمناسبة اليه يفهم ذلك لغيره) مقايسة (ثم) انه (قديصدق) في نقسه (بان بينهما تفاوتا) وتمييزا (في الشرف والكمال) والعلو (فليس في قوة البشر الا أن يثبت لله تعالي ماهو ثابت لنفسه من الفعل والعلم والقدرة وغيره من الصفات) التي يتوهم فيها الاشتراك (مع التصديق) الجازم (بان ذلك) أي ما ثبت لله تعالي (أكمل وأشرف) واعلي (فيكون معظم تحويمة وتعريجه (علي صفات نفسه) فقط (لاعلي ما اختص الرب تعالي به من الجلال) والعظمة قال الصنف في المقصد الاسني ولا يتبغي أن المشاركة بكل وصف توجب المماثلة أتر الي الضدين يتماثلان وبينهما غاية البعد الذي لا يتصور أن يكون بعد فوقه وهما متشاركان في أوصاف كثيرة اذ السود يشارك البباض في كونه عرضا وفي كونه عرضا وفي كونه مدركا بالبصر وأمورا أخري سواء افتري من قال أن الله تعالي موجود لا في محل وانه سميع بصير عالم مريد سكام حي قادر فاعل وللانسان أيضا كذلك فقد شبه قائل هذا اذلا أقل من اثبات المشاركة في الوجود وهو موهم للمشابهة بل المماثلة عبارة عن المشاركة في النوع والماهية فكون العبد رحيما صبورا شكورا لا يوجب المماثلة ولا لكونه سميعا عالما قادر حيا فاعلا اه (ولذلك قال صلي الله عليه وسلم لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك) أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالي عنها انها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده قاله العراقي قالت قال مسلم حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة هو جاد ابن اسامة عن عبد الله بن عمر عن محمد بن يحي بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي علي نطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك وأخرجه الامام أحمد عن أبي أسامة قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الاذكار وفي السند لطيفة وهي رواية صحابي عن صحابي أبو هريرة عن عائشة (وليس المعني اني أعجز عن التعبير عما أدركت بل هو اعترف بالقصور عن ادراك كنه جلاله) وقال المصنف في المفصد الاسني ولم يرد به انه عرف منه مالا يطاوعه لسانه في العبارة عنه بل معناه اني لا أحيط بمحامدك وصفات الهيتك وانما أنت المحيط بها وحدك فاذا لا يحيط مخلوق من ملاحطة حقيقة ذاته الا بالحيرة والدهشة وأما اتساع المعرفة فانما يكون في معرفة أسمائه وصفاته اه (ولذلك قال بعضهم) وهو أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالي كما صرح به المصنف في المقصد الاسني (ما عرف الله بالحقيقة سوي الله عزوجل) قال المصنف بل أقول يستحيل أن يعرف النبي صلي الله عليع وسلم غير النبي وأمامن لانبؤة له أصلا فلا يعرف من النبوة الا اسمها وانها خاصية موجودة لانسان بها يفارق من ليس نبيا ولكن لا يعرف ماهيه تلك الخاصية الا النبي خاصة فأما من ليس بنبي فلا يعرفها البتة ولا يفهمها الا بالتشبيه بصفات نفسه بل أزيد وأقول لا يعرف أحد حقيقة الموت وحقيقة الجنة والنارالا بعد الموت ودخول الجنة والنار قال في موضع آخر منه الخاصية الالهية ليست الا لله تعالي ولا يعرفها الا الله تعالي ولذلك لم يعط أجل خلقه الا أسماء حجبه فقال سبح اسم ربك الاعلي فوالله ما عرف الله غير الله في الدنيا والاحرة وقيل لذي النون وقد أشرف علي الموت ماذا تشتهي قال أن أعرف قبل أن اموت ولو بلحظة اه (وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه) في بغض خطبه علي المنبر (الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا الي معرفته الا بالعجز عن معرفته) ويروي@ عنه أيضا العجز عن درك الادراك ادراك قال المصنف في كتابه المذكور نهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة ومعرفتهم بالحقيقة هي انهم لا يعرفونه وانهم لا يمكنهم البتة معرفتة وانه يستحيل أن يعرغ الله المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية الا الله تعالي فاذا انكشف لهم ذلك انكشافا برهانيا فقد عرفوه أي بلغوا المنتهي الذي يمكن في حق الخلق من معرفته ثم قال وللمعرفة سبيلان أحدهما السبيل الحقيقي وذلك مسدود الا في حق الله تعالي فلا يهتم أحد من الخلق لنيله وادراكه الا ردته سبحات الجلال الي الحيرة ولا يئسرئب أحد لملاحظته الاغطي الدهش طرفه وأما السبيل الثاني وهو معرفة الصفات والاسماء فذلك مفتوح للخلق وفيه تتفاوت مراتبهم فليس من يعلم انه عالم قادر علي الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت السموات والارض وخلق الارواح والاجساد واطلع علي بدائع المملكة وغرائب الصنعة ممعنا في التفاصيل ومستغرقا في دقائق الحكمة ومستوفيا لطائف التدبير ومتصفا بجميع الصفات اللكية المقربة من الله تعالي نائلا تلك الصفات نيل اتصاف بها بينهما من البون البعيد مالا يكاد يحصي وفي تفاصيل ذلك ومقاديره تتفاوت الانبياء والاولياء ولن يصل ذلك الي فهمك الا بمثال ولله المثل الاعلي ولكنك اعلم أن العالم التقي الكامل مثلا مثل الشافعي رضي الله عنه يعرفه المزني تلميذه والبواب يعرف انه عالم بالشرع ومصنف فيه ومرشد خلق الله تعالي اليه علي الجملة والمزني يعرفه لا كمعرفة البواب بل يعرفة بمعرفة محيطة بتفاصيل صفاته ومعلوماته بل العالم الذي يحسن عشرة أنواع من العلوم لا يعرفه بالحقيقة تلميذه الذي لم يحصل الانواعا واحد فضلا عن خادمه الذي لم يحصل شيا من علومه بل الذي حصل علما واحدا فانما عرف علي التحقيق عشره اذا ساواه في ذلك العلم حتي لم يقصر عنه فان قصر عنه فليس يعرف بالحقيقة ما قصر عنه الا بالاسم وايهام الجملة وهو انه يعرف انه يعلم شيا سوي ماعلمه فكذلك فافهم تفاوت الخلق في معرفة الله تعالي فبقدر ما انكشف له من معلومات الله تعالي وعجائب مقدوراته وبدائع آياته في الدنيا والآخرة والملك والملكوت تزداد معرفتهم بالله تعالي وتقرب معرفتهم من معرفته الحقيقة فان قلت فاذا لم يعرفوا حقيقة الذات واستحال معرفتها فهل عرفوا الاسناء والصفات معرفة تامة حقيقية قلنا هيهات ذلك لا يعرفه بالكمال في الحقيقة الا الله تعالي لاننا اذا علمنا ذاتنا عالمة فقد علمنا شيا مهما لاندري حقيقه لكن ندري ان له صفة العلم فان كانت صفة العلم معلومة لنا حقيقة كان علمنا بانه عالم أيضا علما تاما بحقيقة هذه الصفة والافلا ولا يعرف أحد حقيقة علم الله تعالي الا من له مثل عمله وليس ذلك له فلا يعرفه سواه تعالي وانما يعرفه غيره بالتشبيه بعلم نفسه كما أوردناه من مثال التشبيه بالسكر وعلم الله تعالي لايشبه علم الخلق البتة فلا يكون معرفته به معرفة تامة حقيقية أصلا بل ايهامية تشبيهيه (ولنقبض عنان الكلام عن هذا لنمط) فقد خضنا لجة بحر لا ساحل له وأمثال هذه الاسرار لا ينبغي أن تبذل بابداعها في الكتب واذا جاء هذا غرضا غير مقصود فلنكشف عنه (ولنرجع الي الغرض وهو ان أحد الاقسام) المذكورة (ماتكل الافهام عن ادراكه) ومعرفة حقيقته (ومن جملته الروح ومن جملته بعض صفات الله تعالي ولعل الاشارة الي مثله في قوله صلي الله عليه وسلم ان لله سبحانه سبعين حجابا من نور لوكشفها لاحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره) وهكذا أورده المصتف في كتابه مشكاة الانوار الا انه قال من نور وظلمة والباقي سواء قال وفي بعض الروايات سبعمائة وفي بعضها سبعين الفا اه وفي كتاب الاسماء والصفات لابي منصور التميمي انه صلي الله عليه وسلم وصف ربه عزوجل فقال حجابه النور لوكشفه لاحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركته وفي رواية دون الله سبعون ألف من نور وظلمة اه وقال العراقي أخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب العظمة من حديث أبي هريرة بين الله وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور واسناده ضعيف وفيه أيضا من حديث أنس قال قال رسول الله@ صلي الله عليه وسلم لجبريل هل تري ربك قال ان بيني وبينه لسبعين حجابا من نور وفي الكبير للطبراني من حديث سهل بن سعد دون الله تعالي سبعون الف حجابا من نور وظلمة ولمسلم من حديث أبي موسي حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلفه ولابن باجه كل شيء أدركه بصره اه قال أبو منصور التميمي في كتابه المذكور كل خبر ذكر فيه الحجاب فانه يرجع معناه الي الخلق لانهم هم المحجوبون عن رؤية الله عزوجل وليس الخالق محجوبا عنهم لانه يراهم ولا يجوز أن يكون مستورا بحجاب لان ا\ما ستره غيره فساتره أكبر منه وليس لله عزوجل حد ولا نهايه فلا يصح أن يكون بغيره مستورا ودليله قوله عزوجل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمجحوبون ولم يقل في انه محجوب عنهم ويؤيد ذلك ما رواه ابن ليلي عن علي رضي الله عنه انه مر بقصاب فسمعه يقول في يمينه لا والذي احتجب سبعة اطباق فعلاه بالدرة وقال له يالكع ان الله لايحتجب عن خلقه بشيء ولكنه حجب خلقه عنه فقال له القصاب أولا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين فقال لا انك حلفت بغير الله فأ ما قوله لو كشفها لاحترقت سبحات وجهه فقد تأوله أبو عبيد علي ان المرادبه لوكشف الرحمة عن النار لاحرقت من علي الارض وكذلك قوله دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة معناه انها أجمع حجاب لغيره لانه غير محصور في شيء وقيل معناه ان لله عزوجل علامات ودلالات علي وحدانيته لو شاهدها الخلق لقامت مقام العيان في الدلالة عليه غير انه خلق دون تلك الدلائل سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ليتوصل الخلق الي معرفته بالادلة النظرية دون المعارف الضرورية اه وفصل الخطاب في هذا المقام ما قاله المصنف في مشكاة الانوار في تفسير هذا الحديث ما نصه ان الله متجلي في ذاته بذاته ويكون الحجاب بالاضافة الي محجوب لامحالة وان المحجوبين من الخلق ثلاثة أقسام منهم من يحجب بمجرد الظلمة ومنهم من يحجب بالنور المحض ومنهم من يحجب بنور مقرون بظلمة واصناف هذه الاقيام كثيرة ويمكنني أن أتكلف حصرها لكني لا أثق بما يلوح من تحديد وحصر اذ لا ادري انه المراد بالحديث أم لا أما الخصر الي سبعمائة أوسبعين ألفا فتلك لا يتقل بها الا القوة النبوية مع ان ظاهر ظني ان هذه الاعداد مذكورة للتكثير لا للحديد وقد تجري العادة بذكر أعداد ولا يراد به الحصر بل التكثير والله أعلم بتحقيق ذلك وذلك خارج عن الوسع وانما الذي يمكنني الان أن أعرفك هذه الاقسام وبعض أصناف كل القسم الاول المحجوبون بمحض الظلمة وهؤلاء صنفان والصتف الثاني منهما ينقسمون أربعة فرق وأصناف الفرق الرابعة لا يحصون وكلهم محجون عن الله الظلمة وهي نفوسهم المظلمة والقسم الثاني طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلاثة أصناف صنف منشأ ظلمتهم من الحس وصنف منشأ ظلمتهم من الخيال وصنف منشأ ظلمتهم عن مقايسات عقلية فاسدة وفي الصنف الاول طوائف ستة لايخلو واحد منهم عن مجاوزة الالتفات الي نفسه والتشوق الي معرفة ربه وفي الصتف الثاني أيضا طوائف وأحسنهم رتبة الجسمة ثم الكرامية وفي الثالث أيضا فرق فهؤلاء كلهم أصناف القسم الثاني الذين حجبوا بنور مقرون بظلمة والقسم الثالث هم المحجوبون بمحض الانوار وهم أربعة أصناف الواصلون منهم الصنف الرابع وهم الذين تجلي لهم ان الرب المطلع موصوف بصفة لاتتناهي في الوحدانية المحضة والكمال البالغ وان نسبة هذا المطلع الي الموجودات الحسية نسبة الشمس في الانوار المحسوسة منه فتوجهوا من الذي يحرك السموات ومن الذي أمر بتحريكها الي الذي فطر السموات وفطر الارض بتحريكها فوصلوا الي موجود منزه عن كل ما أدركه بصر الناظرين وبصيرتهم اذ وجدوه مقدسا منزها ثم انقسموا فنهم من أحرق منه جميع ما أدركه بصره وانمعق وتلاشي ولكن بقي هو ملاحظا للعمال والقدس وملاحظا ذاته في جماله الذي ناله بالوصول الي الحضرة الالهية وانمعقت منه المبصرات دون المبصر وجاوز هؤلاء طائفة منهم خواص الخواص فأحرقتهم سبحات وجهه وغشيهم@ سلطان الجلال وأمحقوا وتلاشوا في ذاته ولم يبق لهم لحاظ الي أنفسهم بفنائهم عن أنفسهم ولم يبق الا الواحد الحق وصار معني قوله تعالي كل شيء هالك الا وجهه لهم ذوقا وحالا فهذه نهاية الواصلين ومنهم من لم يتدرج في الترقي والعزوج عن التفصيل الذي دكرناه ولم يطل عليه العروج فسبقوا في أول وهله الي معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه عنه فغلب عليهم أولا ما غلب علي الآخرين آخرا وهجم عليهم التجلي دفعة فأحرقت سبحات وجهه جميع ما يمكن أن يدركه بصر حسي أو بصيرة عقلية ويشبه أن يكون الاول طريق الخليل والثاني طريق الحبيب صلوات الله وسلامه عليهما والله أعلم بأسرار اقدامهما وأنوار مقامهما فهذه اشارة الي أصناف المحجوبين ولا يبعد أن يبلغ عددهم اذا فصلت المقامات وتتبع حجب السالكين سبعين ألفا واذا افتشت لا تجد واحد منهم خارجا عن الاقسام التي حصرناها فانهم انما يحجبون بصفاتهم اليشرية أو بالحس أو بالخيال أو بمقايسة العقل أو بالنور المحض كما سبق والله أعلم اه (القسم الثاني من الخفايا التي تمتنع الانبياء) عليهم السلام (والصديقون) ومن علي قدمهم من الاولياء العارفين والعلماء الراسخين (عن ذكرها) وبيانها (ما هو مفهوم في نفسه) أي في حد ذاته (لا يكل الفهم عنه) ولا يقصرعن ادراكه (ولكن ذكرها يضربأكثر المسنمعين) بالافتتان في دينه (ولا يضر بالانبياء والصديقين) لرسوخ قدمهم وعدم تزلزلهم في المعرفة الحقيقية وأكثر المستمعين لا يخلوا ما أن يكون جاهلا فذكره له نور يط في الكفر من حيث لا يشعر أو عارفا فعجزه عن تفهمه كعجزه البالغ عن افهم ولده الصبي مصالح بيت وندبيره بل عن تفهمه مصلحته في خرجه الي المكتب بل عجزالصانع عن تفهيم النجار دقائق صناعنه فان النجاروان كان بصيرا في صناعته فهو عاجزعن دقائق الصناعة فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله تعالي عاجزون عن معرفة الامور الالهيه كعجز كافة المعرضين عن الصناعات وعن فهمها (وسر القدر الذي منع أهل العلم من افشائه من هذا القسم) وقد أنكر صلي الله عليه وسلم علي قوم يتكلمون في القدر ويسألون عنه وقال أبهذا أمرتم (فلا يبعد أن يكون ذكربعض الحقائق مضرا بعض الخلق) مفتنالهم في دينهم (كما يضر نور الشمس بابصار الخفافيش) جمع خفاش طائر معروف (وكما تضر رياح الورد بالجعل) بضم الجيم وفتح العين نوع من الخنافس يدحرج العذرة وقد نظمه ابن الوردي لاميته بقول أيها الجاعل قولي عبثا ... * ... أن طيب الورد مؤذ بالجعل (وكيف يبعد هذا وقولنا ان الكفرو الزناو) سائر (المعاصي والشر ور بقضاء الله تعالي وارادته ومشيئته حق في نفسه) أي في حد ذاته (ونقيض الحكمة والرضا بالقبيح والظلم) فنسبوا ذلك الي فعل العبد وتخليقه فرارا ممارأوهموا فيه ووتوهموه وسموا أنفسهم بأهل العدل في التوحيد وهم بعيدون عن العدل (وقد ألحد ابن الراوندي) رجل من مشهوري الملاحدة وله كتاب أيضا في بيان معتقد المعتزله وكلامه محشو بالكفريات يتناشده الناس وراوند التي نسب اليها قرية بقاشان من أعمال أصبهان وأصبهان وأصلها شيعة (وطائفة من المخذولين) الذين علي قدمه في سوء الاعتقاديات (بمثل ذلك) أي بمثل قول المعتزلة فزعم جمهورهم ان المعاصي كلها كانت من غير مشيئة لله فيها وزعم البغداديون منهم ان الله تعالي لم يخلق لاحد شهوة الزنا ولا شهوة شيء من المعاصي كما زعموا انه ما خلق لاحد اردة المعصية وزعم البصريون منهم انه خالق الشهوات للانسان الزنا والمعاصي ولا يجوز أن يخلق ارادة الزنا والمعصية (وكذلك سرا القدر لو أفشي) أي أظهر (أوهم أكثر الخلق عجزا) في قدرة الله تعالي (اذ تقصر افهامهم عن ادراك ما يزيل ذلك الوهم) ويصرفه عنهم بأول وهلة فلذلك جاء الامر بالكتمان في بعض الحقائق دون بعض (ولو قال قائل ان القيامة لو ذكر ميقاتها) المعلوم (وانها تقوم (بعد) مضي (ألف سنة) من الهجرة مثلا (أو أكثر أو أقل لكان ذلك@ مفهوما) أي معلوما في الاذهان (ولكن لم يذكر) ذلك نظرا (لمصلحة العباد وخوفا من) وقوع الناس في (الضرر) والفساد (فلعل المدة اليها بعيدة فيطول الامد) فتقسو قلوبهم (واذا استبطأت النفوس) البشرية (العقاب) وعلمته بعيدا (قل اكثراثها) في أمور الآخرة (ولعلها كانت قريبة في علم الله تعالي ولكن (لو ذكرت) أي ذكر ميقاتها (لعظم الخوف) وامنلأت الصدور من الرهبة (وأعرض الناس عن الاعمال) الخيرية (وخربت الدنيا) وبطل نظامها فلاجل هذه النكتة أخفي أمرها (فهذا المعني لو اتجه وصح فيكون مثالا لهذا القسم) الثاني في أصل ذلك مفهوم لايكل الفهم عنه ولكن ذكره مضر بالاكثرين (القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا) ظاهرا (لفهم) معناه (ولم يكن فيه ضرر) يصيب السامع (ولكن يكني عنه) أي يؤتي بالكناية (علي سبيل الاستعارة والرمز) اي الاشارة والاستعارة ادعاء معني الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين (ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب) وأقوي مما ذكر مصرحا (وله مصلحة) ظاهرة (في أن يعظم وقع ذلك الامر في قلبه كما لو قال قائل) لقيت أسدا يعني رجلا شجاعا فلا يخفي ان هذا أوقع في القلب من قوله لقيت رجلا شجاعا وأخصر وكذا قوله (رأيت فلانا يقلد الدرفي أعناق الخناز يرفكني به عن افشاء العلم) ونشره (وبث الحكمة الي غير أهلها فالمستمع قد يسبق الي فهمه) أول وهله (ظاهره) الذي هو تقليد الدر في أعناق الخناز ير حقيقة (والمحقق) الكامل (اذا نظر) ببصيرته (وعلم ان ذلك الانسان لم يكن معه در) وهو الجوهر المعروف (ولا كان في موضهه خنزير) وهو الحيوان المعروف (تفطن لدرك السر الباطن) فوجده أراد بالدر العلم والحكمة وأراد بالخنزير الجهال والبداء وأراد بالتعليق البث والافاده (فيتفاوت الناس بذلك) أي من هنا جاء التفاوت في فهوم الناس (ومن هذا) القسم (قال الشاعر ... رجلان خياط ووأخر حائك ... * ... متقابلات علي السماك الآول) السماك بالكسرنجم نير وينزله القمر وهما سما كان أعزل ورامح وفي بعض النسخ السماك الاعزل ورامح وفي بعضها السماء الاول ... (لازال ينسج ذاك خرفة مدبر ... * ... ويخيط صاحبه ثياب المقبل وفي البيت لف ونشر غير مرتب وبين المقبل والمدبر حسن مقابلة (فانه) أي الشاعر (عبر عن سبب سماوي) هكذا قالوا ومنسوب الي السماء والهمزة تقلب واو عند النسب وفي نسخة سمائي (في الاقبال والادبار برجلين صانعين) الخياط والحائك (وهذا النوع يرجع الي التعبير عن المعني) المراد (بالصور التي تتضمن عين المعني أو مثله) وله نظائر كثيرة (ومثله قوله صلي الله عليه وسلم ان المسجد لينزوي) أيينقبض (من النخامة) وهي بالضم ما يلقيه الانسان من فمه أو أنفه (كما تنزوي الجلدة عن النار) أي عن مماستها قال العراقي هذا لم أر له أصلا في المرفوع وانما هو في قول أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه اه قلت ورواه كذلك عبد الرزاق موقوفا علي أبي هريرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي نخامة في المسجد في القبلة فقال ما بال أحدكم مستقبل ربه فينخع امامه أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع في وجهه (وأنت تري ان ساحة المسجد لا تنقبض بالنخامة و) الذي يظهر فيه أن (معناه روح المسجد وكونه معظما) في القلوب لكونه محل التقرب الي الله تعالي (ورمي النخامة فية تحقير له فيضاد معني المسحدية مضاد النار لاتصال أجراء الجادة وكذلك قوله صلي الله عليه وسلم) فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه (أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار) أو يجعل الله صورته صورة حمار@ وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كذلك كلهم في الصلاة وفي رواية ألايخشي أحدكم اذا رفع رأسه أي من السجود فهو نص فيه وعند أبي داود زيادة والامام ساجد وهو دليل علي التخصيص وألحق به الركوع لكونه في معناه وانما نص علي السجود لمزيد مزية فيه اذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح وعند ابن خزيمة قبل الامام في صلاته وقوله رأسه أي التي خبث بالرفع تعديا رأس حمار وفي رواية ابن حبان رأس ملب (وذلك من حيث الصورة قط لم يكن ولا يكون ولكن من حيث المعني هو كائن اذ رأس الحمار لم يكن بحقيقتةللونه وشكله بل بخاصيته الازمة فية وبلادته) وحمقه (ومن رفع رأسه قبل الامام) في ركوعه أو سجوده (فقد صار رأسه حمار في) جامع هو (معني البلادة والحمق وهو المقصود) من الحديث (دون الشكل الذي هو قالب المعني اذ من غايه الحمق أن يجمع بين الاقتداء) بامام (وبين التقدم) عليه (فانهما متناقضان) وفي حكمه الذي يسبق الامام في حركاته كلها ولكن النص انما أتي فيمن يرفع قلبه وهذا الذي ارتضاه المصنف في تقرير معني الحديث هو صحيح لا غبار عليه وعلم منه انه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ المعنوي ولكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية ويجوز أن يحمل معني الحديث علي الحقيقة علي ما عليه الا كثر من وقوع المسخ في هذه الامة ولا يلزم من الوعيد الوقوع وقال صاحب الفيض ليس للتقدم علي الامام سبب الاستعجال ودواؤه أن يستحضربانه لا يسلم قيبه ويروي عن جابر بن ماجه (انما يعرف ان هذا السر علي خلاف الظاهر) أي من منطوق اللفظ (اما بدليل عقلي أو شرعي أما العقلي) وهوالذي يكون مستنده من طريق العقل (بأن يكون حمله علي الظاهر غير ممكن كقولي صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فأقره السلف رحمهم الله تعالي علي ظاهره من غير تفسير) وسيأتي ان الامام أحمد حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ أحدها هذا الحديث كما سيأتي قريبا في كلام المصنف (وخالف فيه قوم) من المتأخرين فقالوا لابد من تأويله (اذ لو فتشنا عن صدور المؤمنين لم نجد فيها أصابع فعلم انها ليست عبارة عن جسم هو الا أن يتنحي عن ذلك المكان بل (كناية عن) معني آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلا وهي (القدرة التي هي سر الاصابع وروحها الخفي) فيها (و) انما (كني بالاصابع عن القدرة لان ذلك أعظم وقعا) في النفوس (في تفهم تمام الاقتدار) فيقال فلان يلاعب فلان علي أصبعه أو البلدة الفلانية في أصبع الامير فعلي العامي وغير العامي أن يتحقق قطعا ويقينا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد بذلك اللفظ جسما وهو عضو مركب من لحم ودم لانه ذلك علي الله تعالي محال وهو عنه مقدس (ومن هذا القبيل في كنايته عن الاقتدار) أي كمال القدرة (بقوله تعالي انما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون فان ظاهره ممنتع اذ قوله كن ان كان خطابا للشيء قبل وجوده فهو محال اذ المعدوم) الذي لم يوجد بعد (يفهم الخطاب حتي يمتثل) فالامتثال فرع عن فهم الخطاب فهم الخطاب وفهم الخطاب فرع من أهليته له وذلك فرع عن الوجود فما لا يوجد كيف يخاطب (وان كان بعد الوجود فهو مستفن عن التكوين) وهو ايجاد شيء مسبوق بمادة (ولكن لما كانت هذه الكناية أوقع في النفوس في تفهم غاية الاقتدار عدل اليها) أي الكناية فهذا هو الدليل العقلي (وأما المدرك باشرع) دون العقل (فهو أن يكون اجراؤه علي الظاهر ممكنا ولكنه يروي) من طرق صحيحة (انه أريد به غير الظاهر) مثال هذا (كما ورد في تفسير قوله) عزوجل (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها الآيه) أي الي@ آخر الآية وهو قوله فاحتمل السيل زبد اربيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو أمتاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق بالباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض (وان معني الماء) النازل من السماء (هو القرآن) الذي أنزله علي رسوله فالتشبيه لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة ومصالح العباد في معاشهم ومعادهم (ومعني الاودية هي القلوب وان بعضها احتملت شيأ كثيرا) لا تساعه كواد عظيم يسع ماء كثيرا (وبعضها) احتملت (قليلا) كواد صغير انما يسع ماء قليلا (وبعضها لم يحمل) شيأ كالوادي الذي فيه قيعان وهذا مثل ضربه الله تعالي للقرآن والعلم حين تخالط القلوب بشاشته (والزبد مثل الكفر) والشبهات الباطلة فتطفو علي وجه القلب فالقرآن أو العلم يستخرج ذلك الزبد كما يستخرج السيل من الوادي زبدا يعلو فوق الماء وأخبر سبحانه انه رأبيطفو ويعلو علي الماء (قانه) آي الزبد (وان ظهر وطفا علي رأس الماء) وفي نسخة علي وجه الماء (فانه لا يثبت) في أرض الوادي ولا يستقر كذلك الكفر والشبهات الباطلة اذا أخرجها العلم المستنبط من القرآن ربت فوق القلوب وطفت فلا تستقر فيه بل تجفي وترمي (والهداية التي تنفع الناس تمكث) في القلب وتستقر كما يستقر في الوادي الماء الصافي ويذهب الزبد جفاء ثم ضرب سبحانه لذلك مثلا آخر فقال ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع يعني ان ما يوقد عليه بنو آدم من الذهب والفضة والنحاس والحديد يخرج منه خبثه وهو الزبد الذي تلقيه النار وتخرجه من ذلك الجوهر بسبب مخالطتها فانه يقذف ويلقي فيه ويستقر الجوهر الخالص وحده وضرب سبحانه مثلا لما فيه من الحياة والتبريد والمنفعة ومثلا بالنار لما فيها من الاضاءة والاشراق والاحراق فآيات القرآن تحي القلوب كما تحي الارض بالماء وتحرق خبثها وشيهاتها وشهواتها وسخائها كما تحرق النار ما يلقي فيها وتميز زبدها من زبدا كما تميز الخبث من الذهب والفضه والنحاي ونحوه فهذا بعض ما في هذا المثل العظيم من العبرة والعلم قال الله تعالي وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون (وفي هذا الفسم تعمق جماعة) من المبتدعة وتحاوزوا عن الحدود (فأولوا ما ورد في) أمور (الآخرة من الميزان والصراط وغيرهما) كورن الاعمال وتطاير الصحف في اليمين والشمال وغير ذلك (وهو) أي التأويل في مثل هذه الامور (بدعة) قبيحة اذ (لم ينقل ذلك بطريق الرواية) عن الثقات وليت شعري ما الذي حملهم علي تأويلها (واجرؤها علي الظاهرغيرمحال فيجب اجراؤه علي الظاهر) ويسد باب التأويلات في مثل ذلك (القسم الرابع ان يدرك الانسان الشيء جملة) أي علي وجه الاجمال (ثم يدركه) بعد (تفصيلا) وذلك (بالتحقق) أي الاثبات بدليل (والذوق) وهو التجربة (بان يصير حالا ملا بساله فيتفاوت العلمان) فالعلم الاول اجمالي والثاني تفصيلي هبه بدليل أو تجربة (ويكون الآول كالقشر) الخارج عن اللب (والثاني كاللباب) المحض الذي يحيط به القشر (ويكون الآول كالظاهروالاخر كالباطن) وكل من التعبيرين صحيحان (وذلك كما يتمثل للانسان في عينه ويتراءي (شخص) أي شبح (اما في الظلمة) الحاجبة من الانكشاف (أعلي البعد) منه في المسافة (فيحصل له) من ذلك التمثيل (نوع علم فاذا رآه بالقرب) منه بان قرب الرائي منه أو المرئي (أو بعد زوال الظلام) المانع له من انكشافه (أدرك تفرقة بينهما) أي بين العلمين (ولا يكون الآخر ضد الآول) لعدم منافاه أحدهما الآخر في أوصافه الخاصة (بل هو استكمال له) أي طلب كما له (فكذلك في العلم والايمان والتصديق) يكون أولا شيأ قليلا ثم يكمل (افقد يصدق الانسان بوجود العشق) وهو الافراط في المحبة (والمرض) وهو خروج البدن عن الاعتدال الخاص (والموت) وهو صفة وجودية خلقت ضد الحياة (قبل وقوعه) أي كل منها (ولكن تحققه به عند الوقوع أكمل من تحققه قبل الوقوع وهي مرتبة حق اليقين (بل للانسان في الشهوة) وهي نزوع النفس لما تريده (والعشق) بل (و) في (سائرالاحوال ثلاثة أحوال) وفي بعض النسخ بل الانسان في الشهوة والعشق @ وسائر الاحوال ثلاثة أحوال (متفاوتة و) ثلاثة (ادرا كان متباينة الآول تصديقه بوجود قبل وقوعه والآخر عند وقوعه والآخر بعد تصرمه) وانقضائه وهذا ظاهر (فان تحققك بالجوع) مثلا (بعد زواله) بالاكل (يخالف التحقق به قبل الزوال) فالادراك الذي يحصل في الآول غير الذي يحصل في الثاني (وكذلك في علوم الدين) منها (ما يصيرذوقا) محققا (فيكمل) بعذان كان ناقصا (فيكون ذلك كالباطن بالاضافة الي ما قبل ذلك) وهو الحاصل عن غير تحقيق وذوق (ففرق بين علم المريض بالصحة) في البدن وهي حالة طبيعية تجري أفعاله معها علي المجري الطبيعي (وبين علم الصحيح بها ففي هذه الاقسام الاربعة) المذكورة (تتفاوت الخلق وليس في شيء منه) أي من مجموع تلك الاقسام (باطن يناقض الظاهر) ولا ظاهر يناقض الباطن (بل يتممه) ويكمله (كما يتمم اللب القشرة والسلام) علي أهل التسليم (القسم الخامس ان يعبر بلسان النقال عن لسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال ما أنبأ عن حال قام به ولولم يكن نطقا (فالقاصر الفهم) الذي فهمه مقصور علي ما تلقفه وجامد عليه (يقف علي الظاهر) ولا يتجاوزه (يعتقده نطاقا بالخقيقة) والنطق في العرف العام الاصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان ولا يقال الا للانسان ولا يقال لغيره الاعلي سبيل التبع وقال المصنف في كتاب المعارف الالهية النطق معني زائد علي الكلام والقول وذلك لان الجنين يوصف بالنطق لانه ناطق بالقوة ولو لم يكن ناطقا لم يعد الكلام اي لغة كانت وبأي لغة كانت بأي عبارة اتفقت (والبصير بالحقائق) أي المنبصر بمعرفة حقائق الاشياء كما هي (يدرك السر) الذي هو مخفي (فيه وهذا كقول) بعضهم ... امتلأ الحوض وقال وقال قطني ... * ... مهلا رويد قد ملأت بطني ... وكقول (القائل قال الجدار للوتد) ككتف والمشهورعلي الالسنة للمسمار (لم تشقني) من شقه اذا أوقعه في المشقة (قال سل من يدقني فلم يتركني وراء) فعل أمر من رآي يرائي أي انظر (الحجر الذي ورائي فهذا وأمثاله (تعبير عن لسان الحال بلسان المقال ومن هذا قوله تعالي فقال لها وللارض انبا طوعا أو كرها قالتها أتيتا طائعين) الاتيان هو المجيء مطلقا وقيل بسهولة والطوع الانقياد ويضاده الكره وطائعين أي منقادين أي لم يمتنعا عليه مما يريد هما به (فالبليد الذهن (يفتقر في فهمه) لهذه الآية (الي ان يقدر لهما حياة مخلوقة) وفي بعض النسخ بزيادة الارض والسماء بدون لهما (وعقلا وفهما للخطاب ويقدر خطابا من صوت وحرف) بحيث (نسمعه الارض والسماء فتجيب بحرف وصوت وتقول أتينا ظائعين والبصير) العارف (يعلم ان ذلك لسان الحال وانه انباء) أي اخبار (عن كونها مسخرة بالضرورة ومضطرة الي التسخير) والانقياد والتسخير سياقة الشيء الي الغرض المختص به (ومن هذا) أيضا (قوله تعالي وان من شيء الا يسبح بحمده) ولكن لا تفقهون تسبيحهم (فالبليد يفتقر فيه الي ان يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقها بصوت وحرف حتي يقولوا سبحان الله) وبحمده (ليتحقق تسبيحه والبصير يعلم انه ما أر يدبه نطق اللسان) بحرف وصوت (بل) أريد به (كونه مسبحا بوجوده ومقدسا بذاته وشاهد بوحدانية الله تعالي كما يقال) وهو قول أبي العتاهية وأوله واعجبا كيف يعصي الاله ... * ... أم كيف يجحده الجاحد @ (وفي كل شيء له آية) أي علامة دالة (تدل علي انه واحد) لا شريك له (وكما يقال هذه الصنعة المحكمة) المتقنة (تشهد لصاحبها بحسن التدبير) واصابة الفعل (وكمال العلم) وجودة المعرفة (لابمعني انها تقول أشهد بالقول) باللسان الظاهر (ولكن بالذات و) لسان (الحال وكذلك ما من شيء) من الاشياء (الا وهو محتاج في نفسه الي موجود يوجده) أي يخرجه من العدم الي الوجود (وبيتقنه) أي يحكمة (ويديم أوصافه ويردده في أطواره) المختلفة (فهي بحالها تشهد لخالقها بالتقديس) والتنزيه والضمير راجع الي الاشياء وفي بعض النسيخ فهو بحاجته يشهد لخالقه (يدرك شهادتها ذو البصائر) الكاملة (دون الجامدين علي الظواهر) فلا حظ لهم في ادراك تلك الشهادة ولذلك قال تعالي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) يعني ليس في وسعكم ان تعرفوا حقيقة ذلك وأصل الفقه فهم الاشياء الخفية وقيل هو التواصل الي علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من مطلق الفهم (أما القاصرون) عن نيل الكمال (فلا يفقهون) ذلك (أصلا وأما المقربون) الي الله تعالي وهم فوق أهل اليمين (والعلماء الراسخون) في علومهم (فلا يفقهون كنهه وكماله) وكنه الشيء حقيقته ونهايته (اذا لكل شيء شهادات شتي) أي علي أنواع كثيرة (علي تقديس الله سبحانه وتسبيحه) وتنزيهه (ويدرك كل واحد) من أهل هذه المراتب (بقدر رزقة) ونصيبه الذي أعطيه (مبصيرته) التي خص بها دون غيره (وتعد تلك الشهادات) أي كل شهادة تفصيلا (لا تليق بعلم المعاملة) بل هو من علم المكاشفة (فهذا الفن أيضا مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في علمه وتظهر به مفارقة الباطن للظاهر) بخلاف الاقسام الاربعة التقدمة (وفي هذا المقام لارباب المقامات اسراف) أي مجاوزة الحدود (واقتصاد) أي الوقوف علي مقام بين مقامين (فمن مسرف) مفرط (في دفع) وفي نسخة رفع (الظواهر انها) حاله (الي تغيير جميع الظواهر أو أكثر) المتعلقة بالآخرة (حتي حملوا قوله تعالي وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) أي بما كسبت (وقوله تعالي قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) أي جعله ناطقا (وكذلك المخاطبات التي تجري من منكر ونكير) حين حلول الانسان في القبر وتلك المخاطبة أول فتنات القبور (و) كذلك (في الميزان) ذي الكتفين ووزن الاعمال (وفي الحساب) وتطاير الصحف في اليمين أو الشمال (ومناظرات أهل الجنة وقولهم أفضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) وأمثال ذلك (زعموا ان ذلك كله لسان الحال) لا للمقال حقيقة (وغلا الآخرون) منهم (في حسم الباب) أي سد باب التأويل مطلقا وهم من السلف (منهم) الامام (أحمدبن محمد بن حنبل) رحمه الله تعالي (حتي منع نأويل قوله تعالي كن فيكون) وهذا يعني سد باب التأويل علي الاطلاق هو المفهوم من ظاهر مذهبه كما نقله الثقات عنه (وزعموا) أن اتباعه ومقلدوه (ان ذلك خطاب) من الله تعالي (بحرف وصوت يوجد من الله تعالي في كل لحظة بعدد كون كل مكون) وقد ذكر أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي في كتابة تحرير الاصول وتهذيب المنقول ان الكلام عند الامام أحمد وجميع أصحابه ليس مشتركا بين العبارة ومدلولها هو الحروف المسموعة فهو حقيقة فيها مجاز في مدلولها ونقل عن بعض العلماء ان مذهب أحمد انه تعالي لم يزل متكلما اذا شاء ومتي شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وسيأتي البحث فيه في موضعه ونشبع الكلام هناك (حتي سمعت بعض أصحابه) أن الامام أحمد (يقول انه حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ) وردت أحدها (قوله صلي الله عليه وسلم الحجر الاسود يمين الله في أرضه) قال العراقي أخرجه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر وبلفظ الحجر يمين الله @ في الارض اه وأخرج الخطيب وابن عساكر عن جابر رفعه الحجر يمين الله في الارض بها عباده قال ابن الجوزي في سنده اسحق بن بشير كذبه ابن شيبة وغيره وقال الدارقطني هو في عدد من يضع وأخرج الديلي عن أنس رفعه الحجر يمين الله فمن مسحه فقد بايع الله وفي سنده علي بن عمر السكري ضعفه البرقاني وأيضا العلاء بن سلمة الرواس قال الذهبي منهم بالوضع ثم ان معني قوله يمين الله أي عو بمنزلة يميته ولما كان كل ملك اذا قدم عليه الوافد قبل يمينه والحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله فلذ انزل منزل يمين الكعبة والثاني (قوله صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) اخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو وقد تقدم الثالث (قوله صلي الله عليه وسلم اني لاجد نفسي الرحمن من جانب اليمين) أخرج أحد من حديث أبي هريرة في حديث قال فيه واجد نفس ربكم من قبل اليمين ورجاله ثقات قاله العراقي (ومال الي حسم الباب أرباب الظواهر والظن) الحسن (بأحمد بن حنبل) رحمه الله تعالي حسبما يقتضي جلالة قدره ورفعته في معرفة العلوم (انه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار علي شيء والنزول ليس هو الانتقال) من مكان الي مكان (ولكنه منع من التأويل حسما للباب ورعاية لصلاح الخلق) كما يشهد لذلك حاله مع الكرابيسي وقوله فيه وكذلك هجره الحرث المحاسبي علي ما سبق الايماء الي شيء من ذلك في كتاب العلم (فانه اذا فتح الباب اتسع الحرف) علي الرافع (وخروج عن حد الضبط وجاوز) مرتبة الاقتصاد اذ حد الاقتصاد لا ينضبط بقاعدة (فلا بأس بهذا الزجر) والمنع وسد الباب (وتشهد له سيرة السلف) الصالحين (فانهم كانوا يقولون أمروها) أي الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة (كما جاءت) روي الحسن بن اسماعيل الضراب في مناقب مالك من طريق الوليد بن مسلم قال سألت مالكا والاوزاعي وسفيان وليس عن هذه الاحاديث التي فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول فقالوا أوردوها كما جاءت وقال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له في باب ما حجدته الجهمية من كلام الله مع موسي بن عمران عليه السلام سألت أبي هريرة عن قوم يقولون لما كلم الله موسي لم لم يتكلم بصوت قال أبي بلي تكلم بصوت هذه الاحاديث تمرونها كما جاءت اه وهذه المسأله يأتي ذكوها والاختلاف فيها وقال لبن اللبان قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن اتباع أرباب البدع وعن الاصغاء الي آرائهم وحسموا مادة الجدال في التعرض بالآذي المتشابهة سد اللذريعة واستغناء عنه بالمحكم وأمروا بالايمان وبامراره كما جاء من غير تعطيل ولا تشبيه (حتي قال مالك) بن أنس امام المدينة رحمة الله تعالي (لما سئل عن) معني (الاستواء) في قوله تعالي ثم استوي علي العرش وفي قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي وقد جاء ذكره في ست آيات فقال مالك (اللاستواء معلوم والكيفية مجهولة الايمان به واجب والسؤال عنه بدعة) وهذا القول من مالك جاء بالفاظ مختلفة وأسانيد متنوعة وقد أورده المصنف هكذا في آخر الجام العوام وأورده ابن اللبان في كتابه بلفظ انه مثل كيف استوي فقال كيف غير معقول والاستواء غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال الالكائي في كتاب السنة أخبرنا علي بن الربيع المقري مذاكرة حديثنا عبد الله بن أبي داود حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر بن عبد الله قال جاء رجل الي مالك بن أنس فقال له يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استوي قال فما رآيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته ةعلاه الرحضاء يعني العرق وأطراف القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فقال فسري عنه فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعه فاني أخاف ان تكون ضالا وأمربه فأخرج وأخرجه كذلك أبو الشيخ وأبو نعيم وأبو عثمان الصابوني ونصر المقدسي كلهم من رواية جعفر بن عبد الله رواه الصابوني من وجه آخر من رواية جعفر بن ميمون عن مالك ورواه عثمان بن سعيد بن السكن من رواية جعفر بن عبد الله عن رجل قد سماه عن مالك ورواه ابن ماجه عن علي بن سعيد عن بشار الخفاف أو غيره عن مالك وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله @ الحافظ أخبرني أحمد بن محمد بن اسماعيل بن مهران ان حدثنا أبو الربيع بن أخي رشدين بن سعد قال سمعت عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استواؤه قال فاطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن علي العرش استوي كما وصف نقسه ولا يقال له كيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه قال فاخرج الرجل وقد يروي هذا القول أيضا عن ابن عيينة قال اللالكاني أخبرنا عبد الله بن أحمد النهاوندي أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن محمود النهاوندي سنة ست عشرة وثلاثمائة حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا أحمد بن يحيي بن سعيد القطان عن يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل عن قوله الرحمن علي العرش استوي قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلي الرسول البلاغ وعلينا التصديق وقد يروي أيضا لربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك أخرج اللالكاني بسنده المتقدم الي يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل ربيعة عن الاستواء فساقه بعينه ورواه أبو الشيخمن رواية عبدالله بن صالح بن مسلم قال سئل ربيعة بمعناها أي فيحتمل أن ابن عيينة أجاب السائل بما أجاب به ربيعة كما أن مالكا كذلك أجاب بما أجاب به ربيعة وان اختلفت ألفاظهم وأول من وفق لهذا الجواب السيدة أم سلمة رضي الله عنها والكل تابعون علي منهجها أخبرنا عمربن أحمد بن عقل اجازة أخبرنا عبد الله بن سالم أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ أخبرنا علي بن يحيي أخبرنا يوسف بن عبد الله أخبرنا محمد ابن عبدالرحمن الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الحافظ أخبرنا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ اخبرنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبد الحليم بن تميمة أخبرنا ابن عبد الدائم أخبرنا ابراهيم بن البرقي أخبرنا مالك بن أحمد أنا أبو الفتح بن أبي الفواريس الحافظ ثنا اسحق بن محمد ثنا عبدالله بن اسحق المدائني ثنا أبو يحيي الوراق ثنا محمد بن الاشرس الانصاري ثنا أبوالمغيرةعميربن عبد الحميد الحنفي عن قرط بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله عزوجل الرحمن علي العرش استوي قالت الكيف غير معقول والاستواء غيرمجهول والاقرار به ايمان والجحود به كفر وأرويه أعلي من هذا بالسند المتقدم الي محمد بن عبد الرحمن الحافظ قال أخبرني محمد بن مقبل الصير في بحلب أخبرنا الصلاح بن عمر المقدسي أخبرنا أبو الحسن السعدي أخبرنا عمربن محمد بن طبرزد أخبرنا هبة الله بن الحصين أخبرنا أبوطالب بن غيلان أخبرنا ابراهيم بن محمد المزكي أخبرنا أبوا العباس أحمد ابن محمد بن الازهر ثنا محمد بن الاشرس أبوكنانة بصري ثنا أبو المغيرة الحنفي وهو عمير بن عبد المجيد ثنا قرة خالد قلت وهذا هوالصواب يعني عبد المجيد وقرة وفي سياق السند الاول عبد الحميد وقرط كذا وجد بخط قديم وهو ليس بصحيح وفيه والايمان به واجب بدل قولها والاقرار به ايمان والباقي سواء وأبو يحيي الوراق في السند الاول هو الهندي واسمه محمد بن عمر بن كيسة وقد أخرج هذا الحديث من طريقة اللالكاني من رواية عبد الصمد بن علي عنه قال سمعه منه بالكوفة في جبانة سالم عن أبي كنانة محمد بن أشرص الانصاري فساقه ورواه أبو بكر الخلال عن محمد بن أحمد البصري عن أبي يحيي الوراق هو ابن كيسة به ورواه أبو عثمان الصابوني من رواية محمد بن عبيد الحافظ عن أبي يحيي بن كيسة به وقال فيه عن محمد بن الاشرس الوراق أبي كنانة ورواه أبو نعيم الاصبهاني في كتاب المحجة عن ابراهيم بن عبد الله بن اسحق المعدل سمعه منه بنيسابور عن أبي العباس أحمد بن محمد الازهري الحافظ عن محمد بن الاشرس أبي كنانة البصري به وقد تفرد بهذا الحديث أبو كنانة واختلف عليه فيه فرواه أبوعبدالله بن منده الحافظ عن أحمد بن مهران الفارسي ثنا الحسين بن حميد ثنا محمد بن أشرس أبو كنانة ثنا النضر بن خالد فذكره ورواه أيضا في التوحيد عن محمد بن اسحاق البصري عن الحسن بن الربيع الكوفي عن محمد بن أشرس أبي كنانة الكوفي عن أبي المغيرة النضر بن اسماعيل @ الحنفي الكوفي عن قرة بن خالد البصري وقد ذكر هذا الاختلاف أبو اسماعيل الانصاري في اسم أبي المغيرة ثم قال ان الاشبه عنده انه غير النضر بن اسماعيل لان النضر كوفي والحديث بصري السند والله أعلم وقال ابن اللبان في تفسير قول مالك قوله كيف غيرمعقول أي كيف من صفات الحوادث وكل ما كان من صفات الحوادث فاثباته في صفات الله تعالي يتافي ما يتقضيه العقل فيجزم بنفيه عن الله تعالي قوله والاستواء غير مجهول أي انه معلوم المعني عند أهل اللغة والايمان به علي الوجه اللائق به تعالي واجب لانه من الايمان بالله وبكتبه والسؤال عنه بدعة أي حادث لان الصحابة كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجون للسؤال عنه فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم يهديه لصفات ربه شرع يسأل عن ذلك فكان سؤاله سببا لاشتباهه علي الناس وزيغهم عن المراد اه (وذهبت طائفة الي الاقتصاد ففتحوا باب التأويل في كل ما ينعلق بصفات الله تعالي وتركوا ما يتعلق بالآخرة علي ظواهرها) كما جاءت (ومنعوا) فيه (التأويل وهم الاشعرية) أي فرقة الاشاعرة عامة وقد سبق في ترجمة الاشعري أن هذا قول لابي الحسن الاشعري وان له قولا ثانيا وهو أن تمر أخبار الصفات كما جاءت واليه مال في الابانة وتبعه الباقلاني وامام الحرمين والمصنف (وزاد المعتزلة عليهم) بجميع أصنافهم (حتي أولوا من صفاته تعالي تعلق الرؤية وأولوا قوله سميعا بصيرا) فقال أصحاب أبي هاشم الجباني معني قولنا للحي انه سميع بصير يفيد انه حي يصح أن يسمع المسموع اذا وجد ويصح أن يري المرئي اذا وجد ومتي وجد المسموع أو المرئي ولم تكن بالحي آفق مانعة من ادراكهما وجب أن يكون سامعا للمسموع ورائيا للمرئي من غير حصول معني هو سمع أو بصر فيه وسيأتي البحث في ذلك (وأولوا المعراج وزعموا انه لم يكن بالجسد) بل بالروح (وأولوا عذاب القبرو الميزان والصراط وجملة من أحكام الآخرة) أي المتعلقة بها (ولكن أقر بحشر الاجساد) من القبور (و) كذلك أقروا (الجنة) وانها موجودة (واشتمالها علي) أنواع (المأكولات والشمومات والمنكوخات والملاذ المحسوسة) وكذلك أقروا (بالنار) الا انهم قالوا ليست موجودة الآن وانما توجد يوم الجزاء (واشتمالها علي جسم محسوس يحرق) أجساد الكفار والعصاة (ويمزق الجلود ويذيب الشحوم) ولاقائل بخلق الجنة دون النار فثبوتها ثبوتها وقد أجمع العلماء علي أن التأويل في أكثر أمور الآخرة من غير ضرورة الحاد في الدين (ومن ترقيهم الي هذا الحد زاد الفلاسفة) وهم حكماء اليونان واليهم نسبت الفلسفة (فأولوا كل ما ورد في أمور الآخرة وردوها الي آلام عقلية وروحانية) غيرمحسوسة (ولذات عقلية وأنكروا حشر الاجساد) مطلقا واستبعدوه (وقالوا ببقاء النفوس) المجردة (وانها تكون أما معذبة واما منعة بعذاب ونعيم لايدرك بالحس) وانما يتعقل (وهؤلاء هم المسرفون) المفرطون (وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال) عن ربقة الشريعة (وبين جمود الحنابلة) ووقوفهم علي السمع المجرد (دقيق غامض) المدرك خفي (لا يطلع عليه الا الموفقون) من الاوال (الذين يدركون الامور بنور الهي) قذف في بصائرهم (لا بالسماع) المجرد من العقل (ثم اذا انكشفت لهم أسرار الامور) بواسطة ذلك النور واتضحت الاشياء علي ما هي عليها (نظروا الي السمع) المتلقي من الثقات (والالفاظ الواردة) في تلك الاخبار الصحيحة (فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين أقروه) واثبتوه (وما خالف) ذلك (أولوه) بما يقتضيه أسلوب اللغة العربية (فأما من يأخذ معرفة هذه الامور من السمع المجرد) عن العقل (فلا يستقر له قدم) فيه (ولايتعين له موقف) يطمئن اليه (والاليق بالمقتصر علي السمع المجرد مقام) سيدنا (أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي) وهو طريقة السلف وقد ذكر المصنف في الجام العوام انها تتضمن سبعة أمور التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ئم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة ثم بين ذلك بقوله التقديس فهو تنزيه الرب تعالي عن @ الجسمية وتوابعها وأما التصديق فهو الايمان بما قاله صلي الله عليه وسلم وان ما ذكره حق علي الوجه الذي قاله وأراده واما الاعتراف بالعجز فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليس علي قدر طاقته وان ذلك ليس من شأنه وحرفته وأما السكوت فان لايسأل عن معناه ولايخوض فيه ويعلم أن سؤال عته بدعة وأما الامساك فهو أن لا يتصرف في تلك الالفاظ بالتبديل بلغة أخري والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلي الوجه من الايرادو الاعراب والتصريف والصيغة وأما الكففان يكف باطنه من البحث والتفكر والتصرف فيه وأما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك ان خفي عليه لعجزه فقد لا يخفي علي الرسل أو علي الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف لاينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شيء منها ثم قال بعد كلام طويل ولهذا أقول يحرم علي الوعاظ علي رؤس المنابر الجواب عن هذه الاسئلة بالخوض في التأويل والتفصيل بل الواجب عليهم الاقتصارعلي ما ذكره السلف وهو المبالغة في التقديس والتنزيه وتفي التشبيه وانه تعالي منزه عن الجسمية وعوارضها وله المبالغة في هذا بما أراد حتي يقول كل ما يخطر في بالكم وهجس في ضمائركم وتصور في خواطركم فالله تعالي خلقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وانه ليس المراد بالاخبار شيأ من ذلك واما هو حقيقة المراد فلستم من أهل معرفته والسؤال عنه بدعة فاشتغلوا بالتقوي وما أكرمكم الله به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ومهما سمعتم شيأ من ذلك فاسكتوا وقولوا آمنا وصدقنا وما أوتينا من العلم الا قليلا وليس هذا مما أوتينا وقال أيضا في التأويل هو بيان معناه بعد ازالة ظاهره وهذا أما أن يقع من العامي أو من العارف مع العامي أو من العارف مع نفسه بنيه وبين ربه فهذه ثلاثة مواضع الاول تأويلالعامي علي سبيل الاستقلال بنفسه وهو حرام يشبه خوض البحر المغرق لمن لا يحسن السباحة فلا شك في تغريقه وبحر المعرفة أبعد غورا وأكثرمهالك من بحر الماء لان هلاك هذا البحرلا حياة بعده وهلاك بحر الدنيا لايزيل الا الحياة الزائلة وذلك يزيل الحياة الابدية فشتان بين الخطرين الموضع الثاني أن يكون ذلك من العالم مع العامي وهذا أيضا ممنوع ومثاله أن يبحرالسابح الغواص مع نفسه عاجزا عن السباحة مضطرب القلب والبدن وذلك حرام فانه عرضه لخطر الهلاك فانه لا يقوي علي حفظه في لجة البحر ولو أمره بالوقوف بقرب الساحل لا يطيعه ولو أمره بالسكون عند التطام الامواج واقبال التماسيح فاتحة فاها للالتقام اضطرب قلبه وبدنه ولم يكن علي حسب مرادة لقصور طاقته وفي معني العوام الاديب النحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمتكلم بل كل عالم سوي المتجردين لعلم السباحة في بحر المعرفة القاصرين أعمارهم عليه الصارفين وجوههم عن الدنيا والشهوات المعرضين عن المال والجاه والخلق وسائر اللذات المخلصين لله تعالي في العلوم والاعمال القائمين بجميع حدود الشريعة وآدابها في القيام بالطاعات وترك المنكرات للمفرغين قلوبهم عن غير الله المستحقرين للدنيا بل للآخرة والفردوس الاعلي في جنب محبة الله تعالي فهؤلاء هم أهل الغوص في بحر المعرفة وهم مع ذلك كله علي خطرعظيم يهلك من العشيرة تسعة الي أن يسعد واحد منهم بالدارالمكنون والسر المخزون أولئك الذين سبقت لهم منا الحسني فهم الفائزون وربك أعلم بما تكن صدورهم وما يعلنون الموضع الثالث تأويل العارف مع نفسه في سر قلبه بينه وبين ربه وهو علي ثلاثة أوجه فات الذي انقدح في سره أنه المراد من لفظ الفوق والاستواء مثلا أما أن يكون مقطوعا به أو مشكوكا فيه أو مظنونت ظنا غالبا فان كان قطيعا فليعتقده وان كان مشكوكل فلينجنبه ولا يحكمن علي مراد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم من كلامه باحتمال معارض بمثله من غير ترجيح بل الواجب علي الشاك في المشكوك فيه التوقف وان كان مظنونا فاعلم ان للظن تعليقن أحدهما في المعني الذي انقدح عنده هل هو جائز في حق الله تعالي أم هو محال والثاني أن يعلم قطعا جوازه ولكن يتردد@ هل هو المراد باللفظ أم لا وبينما تفاوت لان كل واحد من الظنين اذا انقدح في النفس وحاك في الصدر فلايدخل تحت الاختبار دفعه علي النفس فلا يمكنه أن لايظن فان للظن أسبابا ضرورية ولا يمكن دفعها ولا يكلف الله نفسا الا وسعها لكن عليه وظيفتان جديدتان أحداهما لايدع نفسه نطمئن اليه جزما من غير شعور بامكان الغلط فيه فلا ينبغي أن يحكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما والثانية انه ان ذكره لم يطلق القول بان المراد بالاستواء كذا وبالفوق كذا لانه حكم لما لا يعلم وقد قال ولا تقف ماليس لك به علم لكن يقول أنا أفان انه كذا فيكون صدقا في خبره عن نفسه وضنيره ولايكون حكماعلي صفة الله تعالي ولا علي مراده وكلامه بل حكما علي نفسه وبناء علي ضميره ثم أورد في بيان التصرفات الممنوعة الجمع بين المفترقات والتفرق بين المجتمهات فقال ولقد بعد من التوفيق من صنف كتابا في جميع هذه الاخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال باب في اثبات الرأس وباب في اثبات اليد وباب في اثبات العين وغيرذلك فان هذه كلمات متفرقة متباعدة اعتمادا علي قرائن مختلفة في فهم السامعين معاني صحيحة فاذا ذكرت مجموعة علي مثال خلق الانسان صار جميع تلك المفترقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظواهر وايهام التشبيه وصار الاشكال في أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم ينطق بما يوهم خلاف الحق أعظم في النفس وأوقع بل الكاحة الواحدة المفردة يتطرق اليها الاحتمال فاذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنسها وصار متواليا ضعف بالاضافة الي الجملة ولذلك يحصل بقول مخبرين وثلاثة مالا يحصل بقول الواحد بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر ما لا يحصل بالاحاد ويحصل من العلم القطعي باجتماع القرائن ما لا يحصل بالآحاد وكل ذلك نتيجة الاجماع اذ يتطرق الاحتمال والضعف فلذلك لا يجوز جمع المفرقات وأما التفريق بين المجتمعات فانه كذلك لا يجوز لان كل حكمه سابقة علي حكمه سابقة علي حكمه أو لا حقة له مؤثرة في تفهيم معناه ومرجحة للاحتمال الضعيف فيه فاذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثاله قوله تعالي وهو القاهر فرق عباده ولا يسلط علي أن يقول القائل وهو فوق مطلقا لانه اذا ذكر القاهر مع المقهور وهي فوقية الرتبة ولفظ القاهر يدل عليه بل لا يجوز أن يقول وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية في وصف من الله فوقه يؤكد احنمال فوقية السيادة اذا يحسن أن يقول السيد فوق عبده والاب فوق ابنه والزوج فوق الزوجة وان كان لا يحسن أن يقول زيد فوق عمر وقبل أن يبين تفاوتهما من السيادة والعبودية أو غلبة القهر ونفوذ الامر بالسلطنة أو بالابوة أو بالزوجة فهذه دقائق يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام فكيف يتسلط العوام فيكيف يتسلط الهوام في مثل ذلك علي التصريف بالجمع والتفريق والتأويل والتفسير وأنواع التغيير ولاجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجمود والاقتصار علي موارد التوقيف علي الوجه الذي ورد باللفظ الذي ورد والحق ما قالوه والصواب ما رأوه فأهم المواضع بالاحتياط ما هو تصرف في ذات الله تعالي وصفاته وأحق المواضع بالجام اللسان وتقييده عن الجريات بما يعظم فيه الخطر وأي خطر أعظم من الكفر والله أعلم (والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الامور داخل في علم المكاشفة والقول فيه يطول) اذ هو بحر لا ساحل له وقف لديه الفحول وتحيرت فية العقول (فلا نخوض فيه) اذ الخوض فيه يخرج عن بيان الغرض المهم (و) ذلك (الغرض) المهم هو (بيان موافقة الباطن الظاهر ومخالفته له وقد انكشف) سره (بهذه الاقسام الخمسة) المذكورة بأملتها (واذا رأينا أن نقتصر بكافة العوام) وقد دخل فيهم أكثر العلماء ممن لم يتصف بصفات الخواص التي ذكرت (علي ترجمة) أي بيان (العقيدة التي حررناها) وقد سبقت وهي في أوراق يسيرة (وانهم لا يكلفون غير ذلك) أي مما زاد عليها وذلك (في الدرجة الاولي) ثم نم المقصود (الا اذا كان خوف @ تشويق) أي يكون في بلد يشوش عليه في عقيدته (لشبوع البدعة) الحادثة وانتشارها فيحتاج الي معرفة أدلة تفصيلية عقلية وسمعية (فيرقي في الدرجة الثانية) بالتدريج (الي) النظر في (عقيدة) جامعة مانعة (فيها لوامع) جمع لامعة (من الادلة) العقلية والنقلية وقد سمي امام الحرمين شيخ المصنف كتابه لمع الادلة في قواعد أهل السنة والجماعة نظرا الي هذا (مختصرة) بالنسبة الي المطولات (من غير تعمق) فيها بارسال الرسن في ابحاث خارجة عن أصل المقصد (فلنورد في هذا الكتاب تلك اللوامع) المضيئة أنو ارها الواضحة أسرارها (ولنقتصر فيها) أي في تلك اللوامع (علي ما حررناه لاهل القدس) الشريف حين وفد عليه زائرا ومجاورا وذلك في أيام سياحته وتركه علائق الدنيا وخروجه من بغداد (وسميناه) لاجل ذلك (الرسالة القدسية) اسماد الاعلي مسماه (وهي) كما تري (مودعة في هذا الفصل الثالث من هذا الكتاب) واعلم ان للمصنف عدة رسائل مختصرة أرسلها الي بلدان شتي متضمنه علي صريح الاعتقاد والموعظ والنصائح فمنها رسال أرسلها الي الموصل مسماة بالقدسية أيضا يخاطب فيها بعض المشايخ وهي نحو ثلاثة أوراق ذكر في آخرها ما نصه وأما أقل ما يجب علي النكلفين فهو ما يترجمه قول لا اله الا الله محمد رسول الله ثم اذا صدق الرسول صلي الله عليه وسلم فينبغي أن يصدقه في صفات الله عزوجل وفي اليوم الآخر وكل ذلك مما يشتمل عليه القرآن من غير تأويل أما في الآخرة فالايمان بالجنة والنار والحساب وغيره وأما صفات الله تعالي انه حي قادر عالم متكلم مريد ليس كمثلة شيء وهم السميع البصير وليس عليه بحث عن حقيقة هذه الصفات وان الكلام والعلم وغيرهما قديم أو حادث بل لو كان لا يخطر له هذه السئلة حتي مات مات مؤمنا وليس عليه تعلم الادلة التي حررها المتكلمون بل مهما حصل في قلبه التصديق بالحق بمجرد الايمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن ولم يكلفه رسولالله صلي الله عليه وسلم أكثرمن ذلك وعلي هذا الاعتقاد المجمل استمر الاعراب وعوالم الخلق الا من وقع في بلدة يقرع سمعه فيها هذه المسائل كقدم الكلام وحدته ومعني الاستواء أوالنزول وغيره فان لم يجد لذلك اثرا في قلبه واشتغل بعبادته فلا حرج عليه وان أخذ ذلك بقلبه فأقل الواجبات عليه ما اعتقده السلف فيعتقد في القرآن القدم كما قال السلف القرآن كلام الله غير مخلوق ويعتقدان الاستواء حق والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة والكيفية مجهولة ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع ايمانا مجملا من غير بحث علي الحقيقة والكيف فان لم يقنعه ذلك وغلب علي قلبه الاشكال والشك فان أمكن ازالة شكله واشكاله بكلام قريب من الافهام وان لم يكن قويا عنده التكلمين ولا مرضيا عندهم فذلك كاف ولا حاجة به الي تحقق الدليل بل الاولي أن يزال شكه من غير ذكرحقيقة الدليل فان الدليل لا يتم الا بذكر الشبهة والجواب عنها ومهما ذكرت الشبهة لم يؤمن أن تتشبث بقلبه ويكل فهمه عن درك جوابها اذ الشيهة قد تكون جلية والجواب دقيقا لا يحتمله فهمه بل عقله فلهذا جر السلف عن البحث والتفتيش في الكلام وانما جروا عنه ضعفاء العوام فأما للمشتغلون بدرك الحقائق فلهم خوض غمرة الاشكالات ومنع العوام من الكلام يجري مجرد منع الصبيان علي شاطيء الدجلة خوف الغرق ورخصة الاقوياء فيه يضاهي الرخصة للماهر في صفة السباحة الا أن هنا موضع غور ومذلة قدم وهو ان كل ضعيف في عقله راض من الله بكمال عقله ويظن بنفسه انه يقدر علي درك الحقائق كلها وانه من جملة الاقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون فالصواب للخلق كلهم الا الشاذ النادر التي لا تسمح الاعصار الا بواحد منهم أو اثنين أن يسلكوا مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما لنزل الله تعالي وأخبر به من غير بحث ولا تفتيش والاشتغال بالتقوي ففيه شغل شاغل اذ قال الرسول صلي الله عليه وسلم حيث رأي أصحاب يختصمون بعد ان غضب حتي احمرت ونتاه أبهذا أمرتم تصربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا الي ما أمركم الله به @ فافعلوه ومانهاكم عنه فانتهوا فهذا ينبه علي نهج الصواب والحق واستيفاء ذلك قد شرحناه في كتاب قواعد العقائد فليطاب منه انتهي وبهذا تم الفصل الثاني من هذا الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * (الفصل الثالث من كتاب قواعد العقائد في) * بيان (لوامع الادلة للعقيدة التي ترجمناها بالقدس) وسميناها بالرسالة القدسية لكون تأليفها كان حين مجاورته به (فنقول) بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد لله الذي تفرد بوجوب وجوده ففاضت الحوادث عن كرمه وجوده والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد أفضل موجوده وأكرم ودوده الصادق في وعوده وعلي آله الآيلين اليه في مراتب شهوده وأصحابه الفائزين لديه بالتمسك في مراقي صعوده أما بعد فهذا شرح الرسالة القدسية للامام حجة الاسلام أبي حامد الغزالي قدس سره حوي من بدائع المسائل الكلامية ما هو كالفرائد اليتمية في العقد الفريد من الجيد رجوت من الله تعالي أن ينفع به كل سالك ومريد وأن يصرف اليه من الراغبين في اصلاح عقائدهم القلوب وأن يرفع لديهم قدره المرغوب وأن يجعله تذكرة لاولي الالباب لا ينسي ولا يهجر وروضة نفع للطلاب لا يترك ولا يضجر وان يكسبنا جميعا به ذكرا جميلا وفي الآخرة ثوابا جزيلا وها أنا أشرف في المقصود بعون الملك المعبود قال المصنف رحمه الله تعالي (بيم الله الرحمن الرحيم) الباء للاستعانة متعلقة بمحذوف تقديره أولف ونحوه وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولي من افتتح ونحوه لايهام قصر التبرك علي الافتتاح فقط كما حققه البرهان اللقاني والله علي الذات الواجب الوجود والرحمن المنعم بجلائل النعم كمية أو كيفية والرحيم المنعم بدقائقها كذلك وقدم الاول لدلالته علي الذات ثم الثاني لاختصاصه به ولانه أبلغ من الثالث فقدم عليه ليكون له كالتتمة والرديف (الحمد لله) سبقت مباحث الحمد مبسوطة في شرح خطبة كتاب العلم فأغنانا عن ايراده ثانيا (الذي ميز عصابة أهل السنة) التمييزمبالغة في الميز وهو عزل الشيء وفصله عن غيره وذلك يكون في المشتيهات كقوله تعالي ليمييزالله الخبيث من الطيب وفي المختلطات نحو قوله ... وامتازوا اليوم أيها المجرمون وتميز الشيء انفصل عن غيره ويستعمل نمييز الاشياء في تفريقها والعصابة بالكسر الجماعة من الناس والسنة الطريق المسلوكة والمراد بها طريقة النبي صلي الله عليه وسلم خاصة والمراد بأهل السنة هم الفرق الاربعة المحدثون والصوفية والاشاعرة والماتريديه علي ما تقدم بيانه في مقدمة الفصل الثاني (بأنوار اليقين) أي فصلهم عن غيرهم بهذه الانوار التي أشرقت في صدورهم ثم التمعت في وجوههم فهم بها عن غيرهم متميزون سيماهم في وجوههم وأما أهل البدع فلا زالوا يعرفون بظلام قلوبهم ووجوههم ولتعرفنهم بسيماهم (وآثر) بالمدأي اختار (رهط الحق) قال ابن السكيت الرهط والعشيرة بمعني وقال الاصمعي في كتاب المصادر الرهط ما فوق العشرة الي الاربعين ونقله ابن فارس أيضا والحق الثابت الذي لا يسوغ انكاره سواء كان قولا أو فعلا أو عقيدة أو دينا أو مذهبا (بالهداية) وهي دلالة بلطف الي ما يوصل (الي) المطلوب وذلك المطلوب هنا أقامة (دعائم الدين) أي أركانه جمع دعامة بالكسر وهي ما يشد به الحائط اذا مال يمنعه السقوط والدين وضع الهي يدعو أصحاب العقول الي قبول ما هو عند الرسول (وجنبهم زيغ الزائغين) الزيغ الميل عن الاستقامة والخروج عن نهج الحق والمراد بالزائغين هم أهل البجع القبيحة الذين أحدثوا في العقائد بمجرد التشهي ما يؤدي الي تشبيه أو تعطيل (وضلال الملحدين) أي غوايتهم والملحد المائل عن الحق والالحاد ضربان الحاد الي الشرك بالله والحاد الي الشرك بالاسباب فالاول ينافي الايمان ويبطله والثاني أن تتأول أوصافة علي مالا يليق به (ووفقهم) التوفيق تفعيل من الوفاق الذي هو المطابقة وعدم المنافرة واختص في العرف بالخير (للاقتداء) اي الاتباع (بيد@ المرسلين) النبي صلي الله عليه وسلم في سائر أقواله وأفعاله وأحواله (وسددهم) وهو من السداد هو الوفق الذي لا يعاب (للتأسي) أي الاقتناء والا سوة الكسر والنم القدوة وقيل التأسي اتباع الغائب (بصحبه الاكرمين أي المشرفين بمشاهدة أنوار وأسراره (ويسرلهم) أي سهل لهم (اقتفاء) أي اتباع (آثارالسلف الصالحين) من التابعين وأتباعهم باحسان وأصل السلف من تقدم من الآباء والجدود وفي العرق الطبقة الثالثة ويطلق علي الثانية أيضا (حتي اعتصموا) أي وثقوا (من مقتضيات) أي مما تقتضيه (العقول) المجردة عن الشرع (بالحبل المتين) أي القوي الذي لا ينقطع بمن تعلق به واستمسك وبهذا المعني جاءت صفة القرآن في الحديث وفيه تلميح الرد علي المعتزلة والفلاسفة فانهم تصرفوا في الالفاظ بمقتضي عقولهم فاولوا بدلوا (و) تمسكوا (من سير الاولين وعقائدهم) علي اختلافها (بالمنهج) وفي بعض النسخ بالنهج وهو الطريق (المبين) الواضح المسلوك أي سبروا في سير الاولين ونحلهم التي انتحلوها فما وافق الكتاب والسنة وآثار السلف أخذوا به وما خالف تركوه (فجمعوا القول بين نتائج العقول) أي ماتنتجة العقول السليمة عن الاهواء والشكوك (وقضايا الشرع المنقول) أي التي قضي بها الشرع ونقل لنا ذلك الثقات والقضية قول يصح أن يقال لقائله صادق أو كاذب فيه وفيه تلميح الي رفع شأن أهل النظرو البحث في العقائد علي مقتضي الكتاب والسنة حيث جمعوا بين العقل والنقل وقد تقدم النقل عن السبكي في خطبة هذا الكتاب ان اليونان طلبوا العلم بمجرد عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معا وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة غلب الامران عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق في كلامها مخاطرة اما خطأ في بعضه وأما سقوط هيبة والسالم عن ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون علي الفطرة السليمة اه (وتحققوا ان النطق) باللسان (بما تعبدوا به من قول) هده الكلمة الطيبة (لا اله الا الله محمد رسول الله) صلي الله عليه وسلم (ليس له طائل) أي نفع (ولامحصول) يتحصل منه (ان لم تتحقق الاحاطة) أي المعرفة التامة (بما تدور عليه) ارحية (هذه الشهادة من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول الاركان (وعرفوا أن كلمتى الشهادة) المذكورتين (على إيجازها) وإختصارها (تتضمن) سائر العقائد الدبنبة المذكورة فيما بعد إجمالاوتفصيل ذلك ان معني الاوهيه استغناء الاله عن كل سواه وافتقار كل ماعداه اليه فدخل فيه (اثبات ذات الاله واثبات صفاته) كلها السبعة ولوازمها وثبات أفعاله ودخل تحت قوانا محمد رسول الله (اثبات صدق الرسل) عليهم السلام والامانة والتبليغ وأضدادها وجملتها اثنان وستون عقيدة علي ما تقدم تفصيلها في أواخر الفصل الاول (فعلموا ان بناء الايمان علي هذه الاركان وهي أربعة) وهو استعارة بالكنايه لانه شبة الايمان بمعني له دعائم فذكر المشبه وطوي ذكر المشبه به وذكرها ما هو خواص المشبه به وهو البناء ويسمي هذا استعارة ترشيحية ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية بان تمثل حالة الايمان مع اركانه بحالة خباء أقيمت علي خمسة أعمدة وقطعها الذي تدور عليه الاركان شهادة أن لا اله الا الله وبقية شعب الايمان كالاوتاد للخباء ويجوز أن يكون استعارة تبعية بان تقدر الاستعارة في البناء والقرينة الايمان شبه ثباته علي هذه الاركان ببناء الحياء علي الاعمدة الاربعة وهذه الاستعارة أعني التبعية تقع أولا في المصادر ومتعلقات معاني الحروف ثم تسري في الافعال والصفات والحروف وفيه تكلف لان البناء اسم عين لامصدر الا أن يراد به الفعل وقد تقدم شيء من ذلك في أول الكتاب (يدور كل ركن) من هذه الاركان الاربعة المذكورة (علي عشرة أصول الركن الاول) من الاركان الاربعة (في معرفة ذات الله) عزوجل (ومداره علي عشرة أصول وهي العلم بوجود الله تعالي وقدمه وبقائه وانه ليس يجوهر) يتحيز (ولا جسم ولا عرض وانه تعال ليس مختصا بجهة) من الجهات الست (ولا مستقرا علي مكان) كالعرش @ ونحوه (وانه مرئي وانه واحد) بذكر كل واحد من هذه العشرة في أصل مستقل وما يتفرع منها من المسائل فهي راجعة اليها (لركن الثاني) في صفاته تعالي (ويشتمل) أيضا (علي عشرة أصول) هي العلم بكونه تعالي (حياءا لما قادرا مريدا) لافعاله (سميعا بصيرا منكلما منزها عن حلول الحوادث وانه قديم الكلام) القائم بالنفس وقديم العلم وقديم الارادة فهذه العشرة هي كونه حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما قديم العلم والارادة والكلام وقوله منزها عن حلول الحوادث غير معدودة في هؤلاء (الركن الثالث في أفعاله تعالي) بالخلق (ومداره علي عشرة أصول وهي ان لإعال العباد مخلوقة لله تعالي) لا خالق سواه وانها وان كانت كذلك لايخرجها عن كونها (مكتسبة للعباد وانها) وان كانت كسبا للعباد فلا تخرج عن أن تكون (مرادة لله تعالي وانه تعالي متفضل بالخلق) والاقتراح ومن الجائزات (ان له تعالي تكليف ما لا يطاق وانه له الام البريء وتعذيبه وانه لا يجب عليه رعاية الاصلح لعباده وانه لا واجب الا بالشرع دون العقل وان بعث الانبياء جائز ليس بمستحيل وان نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ثابته مؤيدة بالمعجزات الباهرة ثم ان هذه الاركان الثلاثة التي تقدم ذكرها في الالهيات والنبوات (الركن الرابع في السمعيات) وهي المتلقاه من السمع بما أخبر به صلي الله عليه وسلم (ومداره علي عشرة أصول وهي اثبات الحشر) والنشر (وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام الامام) الحق وفيه ذكر الخلفاء الاربعة وامامة أبي بكر رضي الله عنه بنص أو اختيار (وانه لو تعذر وجود الورع والعلم) فيمن يتصدي للامامة (حكم بانعقادها) فهذه عشرة فصار المجموع أربعين عقيدة هذا علي الاجمال ثم شرع في تفصيل ذلك فقال (فلإما الركن الاول من أركان الايمان في معرفة ذات الله تعالي ومداره علي عشرة أصول الاصل الاول معرفة وجوده تعالي) وعبارة ابن الهمام في المسايرة العلم بوجوده تعالي وهو سهل لان العلم والمعرفة لغة شيء واحد واعلم اولا ان الالهيات وهي الميائل المبحوث فيها عن الاله جل وعز أنواع ثلاثة الاول فيما يجب لله عزوجل الثاني فما يستحيل في حقه تعالي الثالث فيما يجوز في حقه تعالي النوع الاول فيما يجب له تعالي فما يجب له تعالي عشرون صفه وهل صفاته تعالي تنحصر في هذه العشرين أم لا والصحيح انها تابعة لكمالاته وكمالاته لانهاية لها لكن العجز عن معرفة مالم ينصب لنا هليه دليل عقلي ولانقلي لانؤخذ به بفضل الله تعالي ومفهومه ان ما قام عليه الدليل نؤاخذ بتركه وهي هذه العشرون صفة ومعني كما لاته لانهايه لها هل هو باعتبار عملنا أو باعتبار علم الله تعالي اما باعتبار عملنا فظاهر لنقصه وضعفه واما باعتبار علم الله فمعناه علمها علي ما هي عليه من عدم النهاية ويحتمل أن تكون لا نهاية لها باعتبار لغة العرب لان العرب اذا كثر الشيء يحكمون عليه بعدم النهاية وان كان في نفسه متناهيا كما تقول غنم فلان لا حصر لها ويحتمل أن تكون حكم عليها بعدم النهاية مراعاة للنفسية والسلبية لانها لها وأما المعاني والمعنوية فهي متناهية لان كل ما دخل في الوجود فهو متناه فتضم ما يتناهي وهي المعاني والمعنوية الي ما لا يتناهي وهي النفسية والسلبية وتحكم علي الجميع بعدم النهاية واعلم ان هذه الصفات العشرين في الحقيقة أقسام أربعة نفسية وسلبية زمعان ومعنزية وهذا علي القول بثبوت الاحوال والاصح انه لا حال جينئذ تكون الاقسام ثلاثة وعليه درج غالب المتكلمين فالاول من الصفات العشرين النفسية الوجود وهي التي اشار لها المصنف بقوله الاصل الاول معرفة وجوده ولم يمثلوا للنفسية بغير الوجود واتفقوا غلي تقديمه علي غيره من الصفات لكونه كالاصل لها اذ وجوب الواجبات تعالي واستخالة المستحيلات عليه وجواز اجائزات في حقه كالفرع عنه وانما قلنا كالاصل ولم نقل أصلا لان الوجود لوكان أصلا حقيقة للزم حدوث بقية الصفات لان الاصل يتقدم علي الفرع وليس كذلك والوجود صفة نفسية علي المشهور @ لا توصف بالوجود أي في الخارج ولا بالعدم أي في الذهن لانهامن جملة الاحوال عند القائل بها وهي الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة كالتحيز مثلا للجرم فانه واجب ما دام الجرم وليس ثبوته معالا لعلة وقوله الحال أخرج المعاني والسلبية وقوله غير معللة بعلة أخرج الاحوال المعنوية ككون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما ان الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواء ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي فأشار المصنف الي الجواب بأن له دليلين نقلي وعقلي فقال (وأولي ما يستضاء به من الانوار بسلك من طريق الاعتبار ما أرشد لله به) الي وجوده (عباده في القرآن) العزيز (فليس بعد بيان الله بيان) أرشدهم فيه بالآيات الدالة علي وجوده تعالي (وقد قال تعالي ألم نجعل الارض مهادا) أي كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد ليقوم عليه (والجبال أوتادا) للارض ولولاها لما استقرت (وخلقناكم أزواجا) ذكرا وانثي (وجعلنا نومكم سباتا) قطعا من الاحساس والحركة استراحة للقوي الحيوانية وازاحة لكلالها (وجعلنا الليل لباسا) غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء (وجعلنا النهار معاشا) وقت معاش تتقلبون لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تبعثون فيها عن نرمكم (وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهر (وجعلنا سراجا وهاجا) أي متلالئا وقادا والمراد الشمس (وانزلنا من المعصرات) هي السحابة المنكائفة أالرياح التي حان لها أن تعصر السحاب أو الرياح ذوات الاعاصير (ماء ثجاجا) أي ملتفة بعضها ببعض ففي كل ذلك تذكير ببعض ما يعاينة الانسان من عجائب صنعه الدالة علي وجوده وكما قدرته (وقال تعالي ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك) أي السفينة (التي تجري في البحر بما ينفع الناس) والفلك لفظ مفرده كلفظ جمعه وهو جمع تكسير وعند الاخفش مما اشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل ورد سيو به هذا بقولهم فلكان في التثنية (وما انزل الله من السماء) أي السحاب (من ماء فأحيا به الارض بعد موتها) أي بعد يبسها وخلوها من النبات (وبث فيها من كل دابة) أي نشر فيها وفرق أنواع الدواب وفيه تلميح الي ايجاد ما لم يكن موجودا (وتصريف الرياح) أي تقليبها من جهة الي أخري تكون شمالا تصير جنوبا ثم دبورا ثم نكباء (والسحاب المسخر) أي المذلل المنقاد (بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون) أي يتدبرون ويفهمون ان هذه الآيات نصبت لماذا وما الغرض منها (وقال تعالي ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) أي متطابقة بعضها فوق بعض كل منها طبق لما تحته (وجعل القمر فيهن نورا) أي منورا (وجعل الشمس سراجا) يتلألؤ (والله أنبتكم من الارض نباتا) هو مصدر أو حال وهذا من حيث ان بدء الانسان ونسأته من التراب وانه ينمو نموه وان كان له وصف زائد علي النبات (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم) أي الي أرض المحشر (اخرجا وقال تعالي أفرأيتم ما تمنون) أي ما تقذفون في الارحام من النطف (أأنتم تخلقونه) تجعلونه بشرا سويا (أم نحن الخالقون الي قوله للمقوين) وهو قوله تعالي (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الاولي فلولا تذكرون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفقهون انا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لونشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرزن أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين (فليس يخفيي علي من معه أدني مسكة) بضم الميم العقل يقال ليس له مسكه أي عقل وليس به مسكه أي قوة (اذا تأمل بأدني فكرة مضمون هذه الآيات) الكريمة (وأدار @ نظره علي عجائب خلق الارض والسموات) وما بينهم (وبدائع فطرة الحيوان والنبات) زسائر ما اشتملت عليه الآيات (ان هذا الامر العجيب والترتيب المحكم) الغريب (لا يستغني) كل منها (عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره) وعبارة عن صانع أوجده أي من هذا العدم وحكيم رتبه أي علي قانون أودع فيه من الحكم (بل تكاد فطرة النفوس) وجبلتها (تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضي تدبيره) وعلي هذا درجت كل العقلاء الا من لاعبرة بمكابرته وهم بعض الدهرية وانما كفروا بالاشراك بان دعوا مع الله الها آخر كالمجوس بالنسبة الي النار والوثنين بسبب الاصتام والصابئة بسبب الكواكب حيث عبدوها من دون الله تعالي وكفروا أيضا بنسبة بعض الحوادث الي غيره تعالي كهؤلاء أيضا فان المجوس ينسبون الشر الي أهرش والوثنيين ينسبون بعض الآثار الي الاصنام والصابئين ينسبون بعض الآثار الي الكواكب تعالي الله عما يشركون والكل معترفون بأن خلق السموات والارض والالوهية الاصلية لله تعالي (ولذلك) أي لكون الاعتراف بما ذكر ثابتا في فطرهم (قال الله تعالي أفي الله شك فاطر السموات والارض) أي مبتدعها منشئها من غير مثال احتذاء (يدعوكم) أي الي توحيده (وبهذا بعث الانبياء كلهم بدعوة الخلق الي التوحيد) ولم يسمع منهم الا ذلك والمراد من التوحيد هنا عدم التشريك في الالوهية وخواصها كتدبير العالم واستحقاق العبادة وخلق الاجسام بدليل قوله (ليقولوا لا الع الا الله) ويشهدوا بذلك (وما أمروا أن يقولوا لنا اله وللعالم اله فان ذلك مجبول في فطرة عقولهم من بدء نشاتهم وفي عنفوان شبيبتهم) ثابتا مركوزا ثم استبدل علي هذا الاعتراف بدليل آخرمن القرآن فقال (ولذلك قال تعالي ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله وقال تعالي فأقم وجهك للدين حنيفا) مائلا عن ضلالتهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ولكن أكثر الناس لا يعلمون (فاذا في فطرة الانسان أي ما ركز فيه من قوته علي معرفة التوحيد (وشواهد القرآن) التي تقدمت (ما يغني عن اقامة برهان) والبرهان هو الدليل القاطع فهو أحص من الدليل الواضح وقال الراغب البرهان أكد الادلة وهو ما يقتضي الصدق أبدا لا محالة ودلالة تقتضي الكذب أبدا ودلالة الي الصدق أقرب ودلالة الي الكذب أقرب ودلالة لهما علي السواء واختلفوا في نونه فقيل أصيلة وقيل زائدة وعلي الثاني اشنقاقه من البره وهو البياض سمي الدليل القاطع به لظهوره وسطوعه تخيلا لبياضه واضاءته ولذلك وصنعوه بالساطع ثم لما فرغ المصنف من البراهين النقلية علي اثبات وجوده تعالي شرع في بيان البرهان فقال (ولكنا علي سبيل الاستظهار) أي التقوية (والاقتداء بالعلماء النظار) من المتكلمين نرتب علي ذلك دليلا و(نقول من بديهة العقول) ترتيب اثبات وجود الواجب بمقدمتين احدهما العالم حادث الثانية (ان الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) أي لا يستغني عن سبب يحدنه أي يرجح وجوده علي عدمه (أما قولنا بأن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) وهي المقدمة الثانية (فجلي) أي ضروري ومعلوم ان ما كان جليا ضروريا لا يستدل لاثباته وانما ينبه عليه وقد نبه عليه بقوله (فان كل حادث) وهو ما كان معدوما وما ثم وجد أي الممكن (مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقدمة وتأخره فاختصاصه بوقته دون ما قبلة وما بعده) من الاوقات (يفتقر بالضرورة الي مخصص) لان كلا من تقدمه علي ذلك الوقت وتأخره عنه ووقوعه فيه أمر ممكن فلا بد من مرجح لوقوعه في ذلك الوقت علي تقدمه يأخره لان الترجيح من غير مرجح محال ونقل ابن التلمساني في شرحه لمع الادلة ما نصه وقد يدعي بعض الاصحاب ان افتقار الترجيح الي مرجح ضروري والصحيح انه قريب من الضروري (وأما قولنا العالم حادث) وهي النقدمة الاولي والمراد هو ما سوي الله تعالي من الموجودات جواهر كانت أو عراضا فالجوهر ماله قيام بذاته بمعني انه لا يفتقر الي محل يقوم به والعرض ما يفتقر الي محل يقوم به وقد يعبر بعضهم بدل الجواهر بالاجسام وعليه جري المصنف وهما في اللغة بمعني وان كان @ الجسم أخص من الجوهر اصطلاحا لانه المؤلف من جوهر ين أو أكثر علي الخلاف في أقل ما يتركب منه الجسم علي ما بين في المطولات والجوهر يصدق بغير المؤلف وبالمؤلف اذا تقررذلك فاعلم أن المصنف قد اسادل كغيره لاثبات المقدمة الاولي بحدوث الاجسام المعبر بها عن الجواهر وفي ضمن ذلك حدوث الاعراض فانه اذا اثبت حدوث الاجسام ثبت حدوث الاعراض لا محالة لافتقارها في تحققها الي الاجسام (فبرهانه ان أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والسكون) فالحركة هي الخروج من القوة الي الفعل تدريجا ويقال شغل حيز بعد ان كان في حيزآخر وقيل كونان في آنين في مكانين كما ان السكون كونان في آن في مكان واحد والحركة في الكم انتقال الجسم من كمية الي أخري كالنمو والذبول ولا تكون الا للجسم وفي الكيف كتسخين الماء أو تبرده وتسمي حركة استحالة وحركة الاين حركة الجسم من محل الي آخر وتسمي نقله وحركة الوضع هي المستديرة المتنقل بها الجسم من محل لآخر فان المتحرك بالاستدارة انما تبدل نسبة أجزاء مكانه غير خارج عنه والحركة العرضية ما يكون عروضها للجسم بواسطة عروضها للجسم بواسطة عروضها لآخر بالخقيقة كجالس السفينة والحركة الذاتية ما يكون عروضها لذات الجسم نقسه والحركة القسرية ما يكون مبدؤها بسبب ميل مستفاد من خارج كحجر مرمي الي فوق والحركة الارادية ما لا يكون مبدأها بسبب اخر خارج مقارن للشعور والارادة كحركة الحيوان بارادته والحركة الطبيهية ما لا يحصل بسبب أمر خارج وليس بشعور وارادة كحركة الحجر الي اسفل والسكون عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك فعدم الحركة عما من شأنه أن لايتحرك لا يكون سكونا فالموصوف بهذا لا يكون منحركا ولا ساكنا (وهما حادثان ومالا يخلو من الحوادث فهو حادث ففي هذا البرهان ثلاث دعاوي) جمع دعوي وهو قول يطلب به الانسان اثبات حق (الاول ان الاجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه) ظاهرة (مدركة بالبديهة والاضطرار فلا تحتاج الي تأمل وافتكار فان من عقل جسما لاساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا) أي سالكا طريق الجهالة (وعن نهج العقل) أي طريقه (ناكبا) أي معرضا وهذا السياق للمصنف مأخوذ من سياق شيخه امام الحرمين في الرسالة النظامية الدعوي (الثانية قولنا انهما حادثان) وقد استدل عليها المصنف بطريقتين أشار الي الاول منهما بقوله (يدل علي ذلك تعاقبهما) أي كون كل واحد منهما يعقب الآخر أي يخلفه في محله ذهابه (ووجود البعض منهما دون البعض) وانقضاؤهما أي ذهلب كل منهما عند وجود الآخر (وذلك) أي التعاقب والانقضاء (مشاهد في جميع الاحسام ومالم يشاهد) من الاجسام الاساكنا أو متحركا (فما من ساكن الا والعقل قاض بجواز حركته) كالجبال مثلا فالعقل قاض بجواز الحركة فيها بزازلة مثلا وكذا قاض عليها بقلبها ذهبا أو فضة أو نحاسا أة حديدا (وما من متحرك الا والعقل قاض يجواز شكونه فالطاريء منهما حادث بطريانه والسابق حادث لعدمه) أي تجويز ما ذكر من الحركة والقلب بجويز عروض الحوادث علي محلها ومحل الحوادث حادث ثم أشار الي الطريق الثاني في الاستدلال بقوله (لانه) أي السابق من الحركة والسكون (لو ثبت قدمه لاستحال عدمه) وتجويز طريان الضد علي محل هو تجويز العدم علي ضده الذي كان بذلك المحل أولا ضروؤة ان يتمتع عقلا اجتماعهما بمحل فالتجويز المذكور باعتبار النظر الي الضد الطاريء تجويز الطريان وبالنظر ال ضده هو تجويز العدم علي هذا الضد قال لبن أبي شريف في شرح المسايرة والاولي ان تجويز الطريان يستلزم تجويز العدم لا انه هو (علي ما سيأتي بيانه وبرهانه) في الاصل الثالث (في اثبات بقاء الصانع تعالي وتقدس) وان وجوده مقتضي ذاته فلا يختلف عنها الدعوي (الثالثة) وهي (قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو محدث وبرهانه) انه (لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها) مرتبة كما يقول الفلاسفة في دورات الافلاك أي حركاتها اليومية (ولو لم تنقض تلك بجملتها) أي ما لا أول له من الحوادث (لا تنتهي النوبه الي وجود الحادث @ الحاضر في الحال) لان الحركة اليومية المعنية مشروط وجودها بانقضاء ما قبلها وكذلك الحركة التي قبلها مشروطة بمثل ذلك وهلم جرا (وانقضاء ما لا نهايه له) ووقع في نسخ المسايرة ما لا أول له بدل مالا نهاية له (محال) لانك اذا لاحظت الحادث الحاضر ثم انتقلت الي قلبه فلاحظته وهلم جرا علي الترتيب لم تفض الي نهاية ودخول ما لا نهاية له من الحوادث في الوجود محال وان لم يكن عدم افضائك الي نهاية لكان لتلك الحوادث أول وهو خلاف المفروض ثم شرع في الرد علي الفلاسفة القائلين يكون قبل كل حادث حوادث لا أول لها فقال (ولاته لو كان للفلك دوران لا نهاية له لكان لا يخلو عددها عن أن يكون شفعاو وترا جميعا) أي زوجا وفردا (أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن يكون شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا فان ذلك جمع بين النفي والاثبات) وهما ضدان (اذفي اثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما اثبات الآخر ومحال أن يكون شفعا) فقط (لان الشفع يكون وترا بزيادة واحد) أي اذ انهم علي العدد المشفوع آخر صار باعتبار ذلك وترا (فكيف يعوز ما لا نهاية له واحد) وفي نسخة يعوزها واحد (مع انه لا نهاية لاعدادها فحصل من هذا ان العالم لا يخلو من الحوادث فهو اذا حادث) أي حصل مما قرر أولا ان وجود الحادث الحاضر محال لانه لازم للمحال وهو وجود حوادث لا أول لها فلا نتفاء وجود حوادث لا أول لها انتفي ملزومه وهو كون ما لا يخلو من الحوادث قديما فثبت نقيضة وهو ما لا يخلو عن الحوادث حادث (واذا ثبت حدوثه كان افتقاره الي المحدث) أي الموجد (من المدركات بالضرورة) كما قدمه في صدر الاستدلال وذ لك الموجد هو الله سبحانه المقصود بالاسم الذي هو الله فالله اسم للذات الواجب الواجب الوجود الستجمع لجميع صفات الكمال الذي استند اليه ايجاد كل موجود وقال امام الحرمين شيخ المصنف في لمع الادلة حدوث الجواهر بني غلي أصول منها اثبات حدوثها ومنها استحالة تعري الجواهر منها ومنها اثبات استحالة حوادث لا أول لها ومنها ان ما لا يسبق الحوادث حادث ثم بين ذلك في أصول الي أن قال وأما ايضاح استحالة حوادث لا أول لها فالدليل علي ذلك ان دورات الافلاك تتعاقب وتقع كل دورة علي اثر انقضاء التي قبلها فلو انقضي قبل الدورة التي نحن فيها دورات لا نهاية لاعدادها ولا غاية لآحادها لكان ذلك مؤذنا بانتهاء ما لا نهاية لها اذ ما لا يحصره عدد ولا يضبطه حد لا يتقرر في العقول انقضاؤه ولا يتحقق في الاوهام انتهاؤه فلما انقضت الدورات التي قبل الدورة الناخرة دل ذلك علي نهاية اعدادها واذا تناهت الي أول ويطرد هذا الدليل في جملة المتعاقبات كالاولاد والوالدين والبذر والزرع ونحوها فاذا ثبتت هذه المقدمات ترتب عليها استحالة خلو الجواهر من الحوادث المستندة الي أول وما لايخلو عن الحوادث لا يسبقها وما لا يسبق الحوادث حادث علي اضطرار من غير حاجة الي نظر واعتبار أه وقال شارحه شرف الدين بن التلمساني اعلم أن هذه الحجة الزامية لا برهانية فانا لا يمكننا الاحتجاج بها علي صحة مذهبنا ابتداء فانها تطرأ في نعيم الجنان فانه يمكن أن تقنطع منه عشر دورات مثلا ثم تطابق نا بين الجملتين ويطرد الدليل الي آخره ولانا نقول ان عمله تعالي يتعلق بما لا نهايه له وكذلك ارادته وقدرته وقدرته ومتعلقات العلم أكثر من متعلقات القدرة والارادة مع ان متعلقات العلم بعضها أكثر من بعض وكذلك تضعيف الا آحاد والعشرات والمئات والالوف كل مرنبة منها لا تناهي مع تطرق الزيادة والنقصان والاقل والاكثر وأما قوله فاذاثبتت هذه المقدمات الخ فواضح الا انه يرد عليه انه ادعي حدوث العالم وفسر العالم بكل موجود سوي الله تعالي واستدل علي حدوث الجواهر والاعراض ولا تتم دعواه ما لم يبين انحصلر العالم فيها فان الخصم يدعي وجود جواهر عقلية ممكنة في نفسها واجبه بغيرها يسميها عقولا ونفوسا ملكية ويثبتها وسائط ومعدات ولم يقم دليلا علي ابطالها والجواب من وجهين أحدهما أن القائل قائلا أحدهما يقول بالايجاب @ الذاتي الذاتى وندم الاجسام واثبات الوسائط المذكورة وهو الفيلسوف والآخر يقول بحدوث الاجسام ونفي الايجاب الذاتي ونفي الوسائط وهم الموحدون وقد أقام الدليل علي حدوث الاجسام بالاخبار فلزم نفي الايجاب الذاتي والوسائط المذكورة اذ لاقائل بالفصل الثاني أن تلك العقول والنفوس المجردة لا تخلو اما أن تكون متناهية أو غير متناهية فان كانت غير متناهية لزم أن يدخل الوجود من الممكنات مالا نهاية له وقد أبطلناه وفي ضمنه اثبات علل ومعلولات لا تتناهي وهم يأبونه وان كانت متناهية محصورة في عدم لزم افتقار ذلك إلي مخصص والمخصص لا يخلوا ما أن يكون موجبا بالذات أو فاعلا بالاختبار والموجب بالذات لا يخصص مثلا علي مثل ونسبته إلي ما زاد علي ذلك العدد وإلي ما دونه نسبة واحدة وان خصص ذلك بإيجاده واختياره فكل واقع حادث إذ الفاعل المختار لا بد أن يقصد إلي إيجاد فعله والقصد إلي إيجاد الموجود محال فلا بد أن يسبق عدمه وجوده ليصحح القصد إلي إيجاده فيكون حادثا إلي هنا كلام ابن التلمساني ثم قال امام الحرمين إذا ثبتت الحوادث فهي جائزة الوجود إذ يجوز تقدير وجودها ويجوز تقدير استمرار العدم بدلا من الوجود فإذا اختصت بالوجود الممكن افتقرت إلي مخصص ثم يستحيل أن يكون المخصص طبيعة عند مثبتيها لا اختيار لها وهي موجبة آثارها عند ارتفاع الموانع وانقطاع الدوافع فإن كانت الطبيعة قديمة لزم قدم آثارها وقد وضح حدوث العالم وأن كانت حادثة افتقرت إلي محدث ثم الكلام في محدثها كالكلام فيها وينساق هذا الكلام إلي اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلان ذلك فوضح أن مخصص العالم صانع مختار موصوف بالاختيار والاقتدار ا ه قال ابن التلمساني هذا الفصل اشتمل علي ثلاثة أمور الاول احتياج العالم إلي محدث ومقتض والثاني تقسيم المقتضي إلي ثلاثة فاعل بالاختيار وموجب الذات ومقتض بالطبع والثالث ابطال العلة والطبيعة ليتعين أنه فاعل مختار أما الاول فاحتج عليه بان وجود العالم في الوقت المعين مع جواز أن يتقدم علي زمن وجوده بأوقات أو يتأخر عنه بساعات يفتقر إلي مخصص لامتناع ترجح الممكن بنفسه لان كل ما ليس له الترجح من نفسه فترجحه من غيره الثاني وهو تقسيم المقتضي إلي ثلاث أمور فلان كل مقتض لا يخلوا ما أن يصحح منه الامتناع من الفعل أولا فإن صح فهو الفاعل المختار وأن لم يصح فلا يخلوا ما أن يتوقف اقتضاؤه علي شرط وانتفاء مانع أولا فإن توقف فهو الطبيعة وان لم يتوقف فهو العلة وأما الثالث وهو ابطال كون المقتضي لتخصيص العالم علة فلان العلة لا تخلو أما أن يكون معها مانع في الازل أولا فإن كان معها مانع في الازل وجب أن يكون قديما وإذا كان قديما استحال عليه العدم فوجب أن لا يوجد مقتضاها وقد وجد هذا خلف وان لم يكن معها مانع في الازل وجب حصول مقتضاها أزلا فيلزم قدم العالم وقد أقمنا الدليل علي حدوثه ا ه وقال شيخ مشايخنا أبو الحسن الطولوني في املائه علي البخاري اعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواه ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي يقال حدوث هذا العالم فإنه موجود وله حقائق ثابتة مشاهدة وانه منحصر في جواهر واعراض فلو قال القائل ما الدليل علي حدوثه يقال مشاهدة تغيره فإن كل متغير حادث وتغيره من حركة إلي سكون من سكون إلي حركة مشاهد لكل أحد وملازم الحادث حادث فلو لم يكن له محدث بل حدث بنفسه لزم أن يكون أحد الامرين المتساويين راجحا علي مساويه بلا سبب وهو محال فدل علي أن الذي رجح جانب الوجود بعد العدم وأحدث هذا العالم @ هو الله سبحانه وتعالي ويستحيل أن يكون الحادث وهو الذي ممكن الوجود موجودا ويكون الذي أوجده بعد أن لم يكن شيئا ليس بموجود بل هو موجود واجب الوجود ا ه وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن حكم الجواهر والاعراض كلها الحدوث فإذا العالم كله حادث وعلي هذا اجماع المسلمين بل كل الملل ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الاجماع القطعي وهذا المطلب مما يكفي السمع لعدم توقفه عليه لحصول العلم بوجود الصانع بامكان العالم وامكانه ضروري ثم أقام البرهان علي حدوث الجوهر وأن الجوهر لا يخلو عن عرض والعرض حادث فالجوهر لا يخلو عن الحادث ومالا يخلو عن الحادث لا يسبقه إذ لو سبقه لخلا عنه وما لايسبق الحادث حادث فالجوهر حادث قال وهو أشهر حجج أهل النظر العقلي قال وقد يقال علي وجه أخص وأتم وهو أن كل ما سوي الواجب ممكن وكل ممكن حادث فالعالم حادث أما المقدمة الاولي فظاهرة وأما الثانية فلان الممكن يحتاج في وجوده إلي موجد والموجد لا يمكن أن يوجد حال وجوده وإلا لكان إيجادا للموجد وهو محال فيلزم أن يوجد حال لا وجوده فيكون وجوده مسبوقا بعدمه وذلك حدوثه وهو المطلوب قال وأما أهل الحديث فقد ثبت عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كان الله ولا شئ قبله وفي طريق ولا شئ غيره وفي طريق ولا شئ معه وقد ثبت الاجماع بل اجماع الكتب السماوية كلها كما نقله الفخر في شرح عيون الحكمة وجعل العمدة في هذه المسئلة الاجماع قال وأما طريق الصوفي فيقول بما تقدم ثم يقول بلسان التنبيه مشيرا إلي ما يخصه من وجود كل شئ له اعتبار أن اعتبار من حيث صورة ذاته واعتبار من حيث صورة العلم به فالصورة الاولي صورة عينية والثانية صورة عملية واعتبر نفسك فإنك تجد الآثار التي تبدو عنك لها صورتان صورتها العلمية من حيث أنها في ذهنك وصورتها العينية وهو ما بدا عنك مطابقا لعملك فالاشياء أما من حيث صورتها العينية فحادثة قطعا وذلك هو وجودنا الذي يدرك منه وفيه تعيننا وهذا يجده كل مدرك عاقل من نفسه والعالم كله متماثل ولا تفاوت فيه وقد ارتفع النزاع في ذلك قال الله تعالي ما نري في خلق الرحمن من تفاوت وقال أن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا وقال عليه السلام اللهم ربي ورب كل شئ أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة وأما من حيث صورتها العلمية أعني علم الله بها فذلك غيب عنا والله أعلم بغيبه فهذا ما نبه عليه الصوفي وغايته الرجوع إلي العجز الذي هو كمال الإدراك والتسليم لما في علم الله من حيث علم الله ومن فهم هذا التنبيه فهم المسئلة الصعبة التي أشار إليها الشيخ ابن عطاء الله في أول التنوير ا ه * (تنبيه) * جعل الوجود صفة ظاهر علي القول بأنه زائد علي الذات وهو الذي عليه الفخر والجمهور وأما علي القول بأنه عين الذات مطلقا كما عليه الاشعري فجعله صفة للذات نظرا إلي أنها يوصف بها في اللفظ فيقال ذات الله موجودة وقال السبكي اختلفوا في أن وجود الشئ هل هو عين ذاته أو زائد عليه أو الفرق بين الواجب والممكن ثالثها أن كان واجبا فهو عين ذاته ورابعها لاصحاب الاحوال أنه صفة نفسية في الواجب ليس عينه ولا غيره ومذهب أبي الحسن الاشعري أنه عينه مطلقا ا ه وفي شرح جمع الجوامع والاصح أن وجود الشئ في الخارج واجبا كان وهو الله أو ممكنا وهو الخلق عينه أى ليس زائدا عليه وقال كثير من المتكلمين غيره أى زائد عليه بأن يقوم الوجود بالشئ من حيث هو أى من غير اعتبار الوجود والعدم وان لم يخل منهما ذات وقال الحكماء أنه عينه في الواجب غيره في الممكن فعلي الاصح المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج وانما يتحقق بوجوده فيه وكذا علي القول الآخر عند أكثر القائلين به وذهب كثير من المعتزلة إلي أنه شئ أى حقيقة متقررة * (تنميم) * الموجودات أربعة أقسام موجود لا أول له ولا آخر له وهو مولانا جل وعز وموجود له أول وآخر وهو ما سواه من عالم الدنيا وموجود له أول وليس له آخر وهو عالم الآخرة @ وموجود له آخر وليس له أول وهو عدم العالم المنقطع بوجوده (الاصل الثاني) لما فرغ من ذكر الصفة النفسية التي هي الوجود من جملة الصفات العشرين وهو القسم الاول شرع في ذكر الصفات السلبية فأشار إلي أولها وهو القدم بقوله (العلم بان الباري تعالي قديم لم يزل) وأما بقية صفات السلب التي ذكرها المتأخرون ولا في كتبهم وهي البقاء ومخالفته للحوادث وقيام بنفسه والوحدانية فأنها تؤخذ من سياق المصنف علي طريقة المتقدمين مفرقة علي طريق التلويح والإشارة من غير ترتيب ثم القدم هي صفة سلبية علي الأصح أى ليست بمعني موجود في نفسه كالعلم مثلا وإنما هي عبارة عن سلب العدم السابق علي الوجود وان شئت قلت وهو عبارة عن سلب الاولية للوجود وان شئت قلت هو عبارة عن سلب الافتتاح للوجود والثلاثة بمعني واحد هذا معني القدم في حقه تعالي وفي حق صفاته ويطلق القدم علي معني آخر وهو توالي الازمنة علي الشئ وان كان محدثا ومنه قوله تعالي حتي عاد كالعرجون القديم وهذا المعني محال في حقه سبحانه وتعالي لان وجوده جل وعز لا يتقيد بزمان ولا مكان لحدوث كل منهما فلا يتقيد بواحد منهما إلا ما هو حادث وهل يجوز أن يتلفظ بالقديم في حقه تعالي فمن راعي معناه جوزه ومن راعي كونه لم يرو نصا منع لان الاسماء توقيفية ومنهم من أورده فيه نصا من السنة فعلي هذا يصح وقد أشرنا إلي ذلك في الفصل الاول فراجعه ودل عليه من القرآن قوله تعالي وما نحن بمسبوقين (أزلي) نسبة إلي الازل وهو القديم كما في الصحاح والتهذيب فهو حينئذ بمعني القديم وقيل منسوب إلي لم يزل قاله الزمخشري وتقدم البحث فيه في الفصل الاول (ليس لوجوده أول بل هو الاول قبل كل شئ وقبل كل ميت وحي) أى لم يسبق وجوده عدم يعني ان القدم في حقه تعالي بمعني الازلية التي هي كون وجوده غير مستفتح قال المصنف في الاقتصاد ليس تحت لفظ القديم يعني في حق الله تعالي سوي اثبات موجود ونفي عدم سابق فلا تظنن أن القدم معني زائد علي ذات القديم فيلزمك أن تقول ذلك المعني أيضا قديم بقدم زائد عليه وتسلسل إلي غير نهاية ا ه وقال أبو منصور والتميمي اختلف المتكلمون فيما يجوز اطلاق وصف القديم عليه تعالي وفي معناه علي أربعة مذاهب وكان شيخنا الاشعرى يقول ان معناه المتقدم فى وجود مايكون بعده والتقدم نوعان تقدم بلا ابتداء كنقدمه تعالى وصفاته القائمة بذاته على الحوادث كلها وتقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض وأجاز اطللاق وصف القديم عليه تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القديم قديم لنفسه لالمعنى يقوم به فلا ننكر وصف صفاته الازلية بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد وأبو العباس لقلانسى ان القديم قديم بمعنى يقوم به هؤلاء يقولون انه تعالى قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة أزلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعم معمر وأتباعه من المعتزلة الحق ان الله لا يوصف بانه قديم ولا بانه كان عالما فى الازل بنفسه لان من شرط المعلوم عند أن يكون غير العالم ونفسه ليس لغيره وزعم الباقون من القدرية أن القديم هو الاله ونفوا صفاته الازلية وقالوا لو كانت الصفات أزلية لشاركته فى القدم ولوجب أن تكون الهة لان الاشتراك فى القدم يوجب التماثل وقد بينا فى أول الكتاب أن الاشتراك فى القدم لايوجب تماثلا كما أن الاشتراك فى صفة الحدوث لا يوجب تماثلا اه وقال البكى اعلم أن الاشاعرة اختلفوا فى صفة القدم فنقل عن الشيخ انها صفات المعانى وهو قول عبد الله سعيد وقيل من الصفات النفسية واليه رجع الشيخ والحق انها من الصفات السلبية فلا يكون من الصفات النفسية ولا المعنوية اذ السلب داخل فى مفهومه اذ القدم هو عدم سبقية العدم على الوجود وقد تقدم ذلك اه قال المصنف (وبرهانه انه لو كان حادثا ولم يكن قديما لا متقر) أى احتاج (الى محدث) وبيانه انه لو لم يكن قديما لكان حادثا لوجوب انحصار كل موجود فى القدم والحدوث فمهما انتفى أحدهما تعين @ الاخر والحدوث على الله عز وجل مستحيل لانه يستلزم له محدث لما تقدم فى حدوث العالم ان كل حادث لابد له من محدث فينقل الكلام الى ذلك المحدث فان كان قديما فهو المراد بمسمة كلمة الجلالة وان لم يكن قديما كان حادثا (وافتقر محدثه الى محدث ويتسلسل ذلك الى غير نهاية وما تسلسل) لا الى نهاية (لم يتحصل) أى ان تسلسل هكذا لزم عدم حصول حادث منها أصلا لما سبق أن المحال وهو وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر وأيضا فان التسلسل يؤدى الى فراغ مالا نهاية له وذلك لا يعقل وان كان الامر ينتهى الى عدد متناه فيلزم الدور وهو محال ايضا لانه يلزم عليه تقدم الشئ على نفسه وتأخره عنها فاذا كان الحدوث يؤدى الى الدور أو التسلسل المحالين لزم أن يكون محالا (أو ينتهى الى محدث قديم هو الاول) وهو مسمى كلمة الجلالة (وذلك هو المطلوب الذى سميناه صانع العالم وبارئه ومحدثه ومبدئه) على غير مثال سابق قال ابن الهمام فى المسايرة وتلميذه ابن أبى شريف فى شرحه بل اللزوم هنا بطريق أولى من الطريق الذى ذكر فى استلزام حوادث لا أول لها استحالة وجود الحادث الحاضر لان هذا الترتيب على أى ترتيب معلول على علة فكل مرتبة من مراتبه علة لوجود مايليها غير أن ايجاد كل للاخر الذى يليه بالاختيار كما ينبه عليه قولهم افتقر الى محدث قال الشارح وهذا الاستدراك للتنبيه على أن قولنا على ليس على طريقة الفلاسفة وهو أن العلة توجب المعلول وذلك أى الطريق المذكور فى حوادث لا أول لها لم يفرض فيه غير ترتب تلك الحوادث فى الوجود دون تعرض لكون كل منها علة لوجود مايليه لكن حصول الحوادث ثابت ضرورة بالحس والعقل فيجب أن ينتهى حصولها فى الوجود الى موجد لا أول له ولا يراد بالاسم الذى هو الله الا ذلك وقال امام الحرمين فى الارشاد فان قيل اثبات موجد لا أول له اثبات أوقات متعاقبة لا نهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود الا فى أوقات وذلك يؤدى الى اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلانها قلنا هذا زلل ممن ظنه فان الاوقات يعبر بها عن موجودات تقارن موجودا وكل موجود أضيف الى مقارنة موجود فهو وقته المستمر فى العادات التعبير بالاوقات عن حركات الفلك وتعاقب الجديدين فاذا تبين ذلك فى معنى الوقت فليس من شرط وجود الشئ أن يفارقه موجود اخر اذا لم يتعلق أحدهما بالثانى فى قضية عقلية ولو افتقر كل موجود الى وقت وقدرت الاوقات موجودة لافتقرت الى أوقات وذلك يجزالى جهالات لا ينتحلها عاقل فالبارى تعالى قبل حدوث الحوادث منفرد بوجوده وصفاته لا يقارن حادث اه وهذا الذى ذكره امام الحرمين قد زاده وضوحا ابن التلمسانى فى شرح اللمع لامام الحرمين فقال مانصه فان قيل القبول بالقدم يلزم منه وجود أزمنة لانهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود وبقاؤه الا بزمان وأنتم لا تقولون به قلنا الزمان يطلق باعتبارات ثلاث وكلما منتفية بالنسبة الى البارى تعالى الاول الاطلاق العرفى وهو مرور الليالى والايام وذلك تابع لحركات الافلاك وقد أفنا الدليل على حدوث العالم فقد كان الله ولا زمان بهذا الاعتبار وكان الله ولا شئ معه الثانى مااصطلح عليه المتكلمون وهو مقارنة متحدد لمتحدد توقيتا للمجهول بالمعلوم وذلك يختلف بالنسبة الى السامع فنقول ولد النبى صلى الله عليه وسلم عام الفيل فتجعله وقتا لمولده صلى الله عليه وسلم فنوقته بمولده صلى الله عليه وسلم لمن يعلمه ولا يعلم عام الفيل فهو أمر مرضى وذلك لا يتحقق فى الازل أو لا يتجدد فى الازل ويطلق فى اصطلاح الحكماء على أمر حركة الفلك وهو تابع لحركات الافلاك فلا يكون أزليا فبأى معنى فسر الزمان لا يكون أزليا اه ثم هذا الذى ذكره المصنف من الاستدلال على قدم البارى تعالى هو المشهور بين المتكلمين وهو الذى اقتصر عليه الجماهير من المتقدمين وزاد بعضهم فقال ودليل ثان وهو انه تعالى واجب لذاته والواجب لذاته لا يقبل الانتفاء @ بحال فيلزم قدمه وبقاؤه قاله ابن التلمسانى واقتصر على هذا الدليل السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب وقرره بما نصه صانع العالم واجب الوجود وكل واجب الوجود فوجوده من ذاته وكل ماهو موجود من ذاته فعدمه محال وكل ماعدمه محال لم يمكن عدمه قط وكل مالا يمكن عدمه قط فهو قديم فصانع العالم قديم وبالجملة فالقدم من اللوازم البينة لذ أن الواجب وثبوت مستلزم المستلزم مستلزم لثبوت اللازم اه وهذا كقولهم مساوى المساوى مساو وأما دليل قدمه تعالى عند المدث فيقول قال تعالى لم يلد ولم يولد وقال تعال هو الاول وقال صلى الله عليه وسلم أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ الحديث أخرجه أبو دواود والترمذى فلو لم يكن قديما لكان حادثا ولو كان حادثا لكان قبله شئ وأما الصوفى فانه يقول كل قضية بديهية فلوازمها البينة بيديهية وهذا لازم بين لثبوت الوجود الذاتى اذ كلما تصور القدم ووجود الواجب لزم جزم العقل بوجوبهما * (تنبيه) * قال شيخ مشايخنا فى املائه اعلم أن القديم أخص من الازلى لان القديم موجود لا ابتداء لوجوده والازلى مالا ابتداء لوجوده وجوديا كان أو عدميا فكل قديم أزلى ولا عكس ويفترقان أيضا من جهة أن القديم يستحيل أن يلحقه تغير أو زوال بخلاف الازلى الذى ليس بقديم كعدم الحوادث المنقطع بوجوده * (تكميل) * قال ابن جامة التقدم خمسة الاول بالعلة كحرجكة الاصبع على الخاتم الثانى بالذات كالواحد على الاثنين والثالث بالشرف كأبى بكر على عمر والرابع بالرتبة كالجنس على النوع والخامس بالمكان كالامام على المأموم (الاصل الثالث العلم بانه تعالى مع كونه أزليا) كونه (أبديا) أى (ليس لوجوده اخر) أى يستحيل أن يلحقه عدم وهذه الصفة هى الصفة الثانية من الصفات السلبية على الاصح المعبر عنها بالبقاء وهو عبارة عن سلب الانقضائية للوجود والثلاثة بمعنى واحد هذا معنى البقاء فى حقه تعالى وحق صفاته ويطلق البقاء بمعنى اخر وهو مقارنة الوجود لزمانين فصاعدا وهذا محال فى حقه تعالى لما عرفت من استحالة تقييد وجوده بالزمان وقال أبو منصور التميمى اختلف أصحابنا فى معنى الباقى وحقيقته فمن قال منهم ان الباقى ما قام به البقاء امتنع من وصف صفات الله تعالى القديمة بذاته بانها باقية وقال انها موجودة أزلية قائمة بالله عز وجل ولا يقال فيها انها باقية ولا فانية هذا قول عبد الله بن سعيد وأبى العباس القلانسى ومن قال ان الباقى ماله بقاء ولم يشرط قيام البقاء به كما ذهب اليه أبو الحسن الاشعرى فانه يقول ان الصفات الازلية القائمة بالله باقية دائمة واختلف أصحابه فى كيفية وصفها بالبقاء فمنهم من قال كل صفة منها باقية لنفسها ونفسها بقاء لها وبقاؤه بقاء لنفسه وهذا اختيار أبى اسحق الاسفراينى ومنهم من قال بقاء البارى بقاء لنفسه ولسائر صفاته الازلية وهذا اختيار أبى بكر محمد بن الحسن بن فورك وبه نقول اه ثم اشار المصنف الى دليله النقلى فقال (فهو الاول) وهو دليل كونه أزليا (والاخر) وهو دليل كونه أبديا (والظاهر والباطن) وهو فى كتابه العزيز وجاء بمثله فى الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى كما تقدم وهذا هو دليل المحدث أيضا وأما الصوفى فدليله فى الابدية كدليله فى الازلية (لان ماثبت قدمه استحال عدمه) وهذا القول مبنى على المشهور من أن القديم أخص من الازلى كما تقدم بيانه قال شيخ مشايخنا فليست الاعدام أزلية قديمة حتى يرد ما قاله ابن التلمسانى من أن الاعدام الازلية قديمة ولم يستحل عدمها فيما لا يزال لانعدامها بالوجود ويمكن أن يجاب على تسليم الترادف بان ما عبارة عن موجود فلا تدخل الاعدام ثم شرع فى ذكر الدليل العقلى فقال (وبرهانه انه لو انعدم لكان لا يخلو اما أن ينعدم بنفسه) بان يكون انعدامه أثرا لقدرته (أو) ينعدم (بمعدم يضاده) فيمتنع وجوده معه قال ابن أبى شريف وسكت عن المثل والخلاف لانه @ لا يتوهم صلاحيتها لغلبة انعدام المثل والخلاف (و) انعدامه بنفسه باطل (لانه لو جاز أن ينعدم شئ يتصور دوامه بنفسه لجاز أن يوجد شئ بنفسه فكما يحتاج طربان الوجود الى سبب فكذلك يحتاج طربان العدم الى سبوقرره ابن الهمام بوجه اخر فقال لانه لما ثبت انه الموجد الذى استندت اليه كل الموجودات ثبت عدم استناد وجوده الى غيره فيلزم أن يكون وجوده له من نفسه أى اقتضت ذاته المقدسة اقتضاء تاما فاذا ثبت أن وجوده مقضى ذاته المقدسة استحال أن تؤثر ذاته عدمها لان ما بالذات أى ما تقتضيه الذات اقتضاء تاما لا يتخلف عنها اه وقد تختصر العبارة عن ذلك فيقال لانه واجب الوجود لا يقبل الانتفاء بحال فيلزم بقاؤه كما يلزم قدمه واليه أشار ابن التلمسانى ومنهم من قال فى برهان بقائه تعالى انه لو لحقه العدم لزم أن يكون من جملة الممكنات التى يجوز عليها الوجود والعدم وكل ممكن لا يكون وجوده الا حادثا تعالى الله عن ذلك ويلزم الدور أو التسلسل فتبين ان وجوب القدم يستلزم وجوب البقاء وهو المطلوب (وباطل) أيضا (أن ينعدم بمعدم يضاده لان ذلك المعدم) أى الضد المقتضى نفسه اما قديم أو حادث لا يجوز الاول لانه (لو كان قديما لما تصورالوجود معه) أى لزم انتفاء وجود البارى تعالى مع ذلك الضد من الابتداء أصلا لان التضاد يمنع الاجتماع بين الشيئين اللذين اتصفا به (وقد ظهر بالاصلين السابقين) الاول والثانى (وجوده) تعالى بنفسه (وقدمه) أزلا (فكيف كان وجوده فى القدم ومعه ضده) أى هذا محال لما مر من أن التضاد يمنع الاجتماع (فان كان الضد المعدم حادثا كان محالا) أى ولا يجوز الثانى أيضا وهو كون الضد حادثا (اذ ليس الحادث فى مضادته) أى باعتبار مضادته القديم (حتى يقطع) أى بحيث يقطع الحادث (وجوده) أى وجود ضده القديم (بأولى من القديم فى مضادته للحادث حتى يدفع) أى بحيث يدفع القديم (وجوده) أى وجود ضده الحادث (بل) القديم أولى بدفع وجود ضده من الحادث فى قطع وجود ضده القديم ورفعه لان (الدفع اهون من القطع والقديم أقوى من الحادث) وقرر هذا البرهان ابن التلمسانى فى شرح اللمع بأبسط من ذلك فقال عدم الشئ متى كان جائزا قديما يكون معدوما لانتفاء مايوجده او لوجود ما ينفيه وكل ما يتوقف وجوده عليه فهو شرط فى وجوده فلو انعدم لعدم ذلك لم يخل ذلك اما أن يكون حادثا أو قديما ولا جائز أن يكون القديم مشروطا بشرط حادث لما فيه من تقدم المشروط على الشرط وان كان قديما فالقول فى عدمه كالقول فى عدم المشروط ويتسلسل وان فرض عدمه لوجود ما ينفيه فلا يخلو ذلك من المعدم اما أن يعدمه بذاته أو بايثاره واختياره فان أعدمه بذاته فلا يخلو اما أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ أولا بطريق التضاد لا جائز أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ اولا بطريق التضاد لا جائز ان يعدمه بطريق التضاد فان أعدمه لا بطريق التضاد فلا يخلو اما أن يقوم به اولا فان قام به وهو مقتض لعدمه لزم أن يجامع وجوده عدمه فانه من حيث كونه محلا يستدعى أن يكون حاصلا موجودا ومن حيث كونه أثرا يستدعى أن يكون معدوما وان لم يقم به فنسبته اليه والى غيره نسبة واحدة فليس اعدامه بأولى من اعدامه بغيره وان أعدمه بايثاره واختياره فالمؤثر المختار لابد له من فعل والعدم لاشئ ومن فعل لا شئ لم يفعل شيأ ولان المعدم له ايضا اما أن يكون نفسه او غيره لا جائز أن يعدم نفسه ضرورة وجود الفاعل حال وجود فعله فيجامع وجوده عدمه ولا جائز أن يعدمه غيره لقيام الدليل على وحدانيته وقد قيل ان العقلاء لم يتفقوا على مسئلة نظرية الا هذة المسئلة وهو أن القديم لا يعدم (الاصل الرابع العلم بانه تعالى ليس بجوهر يتحيز) أى يختص بالكون فى الحيز خلافا للنصارى وقوله يتحيز صفة كاشفة لا مخصصة لان من شأن الجوهر الاختصاص بحيزه وحيز الجوهر عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذى يشغله الجوهر (بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز وبرهانه ان كل جوهر @ متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه) أى فى ذلك الحيز (أو متحركا عنه) لانه لا ينفك عن أحدهما (فلا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان) لما عرفته فيما سبق فكان لا يخلو عن الحوادث (ومالا يخلو عن الحوادث فهو حادث) والحكم بحدوثه ثابت بما قدمناه فى الاصل الاول من الدليل وقد علم من استحالة كونه تعالى جوهر استحالة لوازم الجوهر عليه تعالى من التحيز ولوازمه كالجهة وسيأتى بيان ذلك فى أصل مستقل (ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم) وهو باطل (فان سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز) أى قال لا كالجواهر فى التحيز ولوازمه من اثبات الجهة والاحاطة ونحوهما (كان مخطئا من حيث اللفظ لا من حيث المعنى) لمثل ما سيأتى فى اطلاق الجسم اذ لم يرد اطلاق لفظ الجوهرعليه تعالى لا لغة ولا شرعا وفى اطلاقه ايهام نقص تعالى لله أن يتطرق اليه نقص فان الجوهر يطلق على الجزء الذى لا يتجزأ وهو احقر الاشياء مقدارا قال النسفى فى شرح العمدة وقالت النصارى وابن كرام يجوز اطلاقه على الله تعالى لانه اسم للقائم بالذات والله تعالى قائم بالذات فيكون جوهرا قلنا الجوهر فى اللغة عبارة عن الاصل وسمى الجزء الذى لا يتجزأ جوهرا لانه أصل المركبات والله تعالى ليس بأصل للمركبات فلم يكن جوهرا ولان الجوهر هو المتحيز الذى لا ينقسم ولا يخلو عن الحركة والسكون فيكون حادثا لما مر ولفظ الجوهر لا ينبئ عن القائم بالذات لغة بل ينبئ عن الاصل وتحديد اللفظ بما لا ينبئ عنه لغة واخراج ما ينبئ عن لغة عن كونه جداله جهل فاحش اه وقال البكى اعلم أن الجوهر على اصطلاح المتكلمين هو المتحيز القائم بنفسه وعلى اصطلاح غيرهم هو الموجود لا فى موضوع والموضوع هو الجسم فهو تعالى ليس بجسم ولا جوهر على الاصطلاح الاول لضرورة افتقار الجوهر الى الحيز ولا على الثانى والا لكان وجوده زائدا على ذاته فيكون ممكنا ضرورة لان المعنى من قولهم الموجود لا فى موضوع أى الذى اذا وجد كان لا فى موضوع وذلك يقتضى الزيادة قطعا وكل من وجوده زائد فهو ممكن كما علم فى محله وأيضا فان ذلك التفسير للجوهر الذى هو أحد أقسام الممكن ضرورة ان الممكن جوهر جوهر وغير جوهر وأما من فسر الجوهر بانه قائم بنفسه كالنصارى فلا نزاع الا فى الاطلاق اذ الاطلاق موقوف على التوقيف ولم يرد فى ذلك توقيف اه (الاصل الخامس العلم بانه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر) فردة وهى الاجزاء التى لا تتجزأ (اذ الجسم عبارة عن المرلف من تلك الجواهر واذا بطل كونه جوهرا مخصوصا متحيزا) كما بين فى الاصل الذى قبله (بطل كونه جسما) أى ابطال كونه جوهرا يستقل بابطال كونه جسما (لان كل جسم مختص بحيز) هو الفراغ المتوهم الذى يشغله شئ ممتد أو غير ممتد (ومركب من جوهر والجوهر يستحيل خلوه عن) الا كوان مثل (الافتراق والاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار) فهذه لاقتضائها الاحتياج وقال البكى لو كان تعالى جسما لكان مركبا ولو كان مركبا لكان مفتقرا ضرورة ان كل مركب متوقف وكل متوقف مفتقر ولو كان مفتقرا لكان ممكنا وقد فرض واجب الوجود هذا خلف وقد يقال لو كان الصانع مركبا فصفات الالوهية كالعلم مثلا لا يخلو اما أن تقوم بكل جزء فيلزم تعداد الاله وهو محال أو وجود المعنى الواحد فى متعدد وهو محال أو بالبعض دون البعض فيلزم الاختصاص بالغير أو بالترجيح من غير مرجح أو بالمجموع بما هو مجموع فيلزم التسلسل لان المجموع ان كانت له جهة واحدة نقل الكلام اليها والا فليس الا الاجزاء المتلاصقة فما تقدم لازم اه وقال النسفى فى شرح العمدة الجسم اسم للمتركب فمن أطلقه وعنى به المتركب كاليهود وغلاة الروافض والمقابلة فهو مخطئ فى الاسم والمعنى لانه ان قام علم واحد وقدرة واحدة وارادة واحدة بجميع الاجزاء فهو محال لامتناع قيام الصفة الواحدة بالمحال المتعددة وان قام بكل جزء من أجزائه علم على حدة وقدرة على حدة وارادة @ على حدة فيكون كل جزء موصوفا بصفات الكمال فيكون كل جزئ الها فيفسد القول به كما فسد بالهين فان لم يكت موصوفا بهذه الصفات فيكون موصوفا باضدادها من سمات الحدوث اذ كل قائم بالذات يجوز قبوله للصفات ومالا يقوم به فانما لا يقوم لقيام الضدية ولو كان موصوفا بصفات النقصان لكان محدثا ولا ناقد دلنا على أن العالم بجميع اجزائه محدث والاجسام من العالم فيكون محدثا والا لم يجب أن يكون قديما أزليا فيمنع أن يكون جسما ضرورة (ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن تعتقد الالهية للشمس والقمر) كمل ضل فيه الصابئة (أو لشئ اخر من أقسام الاجسام) كما ضل فيه الوثنية والسمنية (فان تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسما من غير ارادة التأليف من الجواهر) وقال لا كالاجسام يعنى فى لوازم الجسمية كبعض الكرامية والحنابلة حيث قالوا هو جسم بمعنى موجود أو بمعنى انه قائم بنفسه (كان ذلك غلطا فى الاسم) لا فى المعنى (مع الاصابة فى نفى معنى الجسم) وامتناع اطلاق كل من الجسم والجوهر ظاهر على قول القائلين بالتوقيف وأما على القول بجواز اطلاق المشتق مما ثبت سمعا اتصافه بمعناه وما يشعر بالجلال ولم يوهم نقصا وان لم يرد توقيف كما ذهبت اليه المعتزلة وأبو بكر الباقلانى فخطا أيضا لانه لم يوجد فى السمع ما يسوغ اطلاقه ولان شرطه بعد السمع أن لايوهم نقصا فيكتفون حيث لا سمع بدلالة العقل على اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ ومن قال باطلاق الالفاظ التى هى أوصاف دون الاسماء الجارية مجرى الاعلام كالمصنف فى المقصد الاسنى والامام الرازى فالشرط عنده كذلك فيما أجازه دون توقيف واسم الجسم يقتضى النقص من حيث اقتضائية الافتتقار الى اجزائه التى يتركب منها وهو أعظم مقتض للحدوث فمن أطلقه عليه تعالى فهو عاص بل قد كفره الامام ركن الاسلام فيمن أطلق عليه اسم السبب والعلة وهو أظهر فان اطلاقه اياه غير مكره عليه بعد عمله بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف بجناب الربوبية وهو كفر اجماعا ولما ثبت انتفاء الجسمية بالمعنى المذكور ثبت انتفاء لوازمها وانتفاء الملزوم يستلزم انتفاء لازمه المساوى ولوازم الجسمية هى الاتصاف بالكيفيات المحسوسة بالحس الظاهر أو الباطن من اللون والرائحة والصورة والعوارض النفسانية من اللذة والالم والفرح والغم ونحوها ولان هذه الامور تابعة للمزاج المستلزم للتركيب المنافى للوجوب الذاتى ولان البعض منها تغيرات وانتقالات وهى على البارئ تعالى محال وما ورد فى الكتاب والسنة من ذكر الرضا والغضب والفرح ونحوها يجب التنزيه عن ظاهره على ما سيأتى بيانه ان شاء الله تعالى (الاصل السادس العلم بانه تعالى ليس بعرض قائم بجسم) وهو وصف كاشف لا مخصص (أو حال فى محل) والمراد بالحلول هنا الاستقرار ومنه حلول الجوهر او الجسم فى الحيز واستدل له من وجهين الاول ما تضمنه قوله (لان العرض بحل فى الجسم) وفى الاقتصاد للمصنف هو مايحتاج الى الجسم أو الجوهر فى تقومه أى فى قيام ذواته وتحققها (وكل جسم فهو حادث ويكون محدثه موجودا قبله فكيف يكون حالا فى الجسم وقد كان موجودا فى الازل وحده وما معه غيره ثم أحدث الاجسام والاعراض بعده) كما ثبت بالادلة السابقة أى فيستحيل وجوده قبله ضرورة استحالة وجود ما يتوقف وجوده على شئ قبل ذلك الشئ والله تعالى قبل كل شئ وموجده وقال النسفى فى شرح العمدة العرض يستحيل بقاؤه لانه لو كان باقيا اما أن يكون البقاء قائما به وهو محال لان العرض لا يقوم بالغرض باتفاق المتكلمين والبقاء عرض لان العرض عبارة عن أمر زائد على الذات ولم يصح وحده ولم يوجد بخلاف اتصال السواد باللونية لانها ليست بزائدة على ذاته بل هى داخلة فى ماهيته أو قائما بغيره فيكون الباقى ذلك الغير لان العرض وما يستحيل بقاؤه لان يكون قديما لان القديم واجب الوجود لذاته لما مر فيكون مستحيل العدم اه وقال السبكى صانع العالم لا يحل فى شئ لانه لو حل فى شئ اما عرضا أو جوهرا أو صورة والجميع محال ضرورة افتقارالحال لما حل فيه ولا شئ من المفتقر بواجب الوجود وكل @ حال فى شئ مفتقر فلاشئ من واجب الوجود بحال فى شئ وهو المطلوب اه والثانى ما تضمنه قوله (ولانه) تعالى (عالم قادر مريد خالق) أى موصوف بالعلم والقدرة والارادة والخلق (كما سيأتى بيانه) فيما بعد (وهذه الاوصاف تستحيل على الاعراض بل لا تعقل) هذه الاوصاف (الا لموجود) وفى بعض النسخ لوجد (قائم بنفسه مستقل بذاته) وأشار لهذا الوجه النسفى فى شرح العمدة فقال ولان العرض يفتقر الى محل يقوم به ومالا قيام له بذاته يستحيل منه الفعل اذ الفعل المحكم المتقن لا يتأتى الا من حى قادر عليم * (تنبيه) * قد علم من هذه الاصول وهى الرابع والخامس والسادس مخالفته تعالى للحوادث وقيامه بنفسه وهما الصفة الثالثة والرابعة من الصفات السلبيو فمخالفته تعالى للحوادث معناه لا يماثله شئ منها مطلقا لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وبرهانه انه لو ماصل شيأ منها لكان حادثا مثلها وذلك محال لما عرفت من وجوب قدمه وبقائه لان كل مثلين لابد أن يجب لكل واحد منهما ما وجب للاخر ويستحيل عليه ما استحال عليه ويجوزعليه ما جازعليه وقد وجب للحوادث الحدوث فلو ماثلها مولانا عز وجل لوجب له ما وجب لها من الحدوث واستحالة القدم ولو كان كذلك لافتقر الى محدث ولزم الدور أو التسلسل وبالجملة لو ماثل تعال شيأ فى الحوادث لوجب له القدم لالوهيته والحدوث لغرض مماثلته للحوادث وذلك جمع بين متنافيين ضرورة وأما قيامه تعالى بنفسه فهو عبارة عن سلب افتقاره الى شئ من الاشياء فلا يفقتر الى محل ولا مخصص والمراد بالمحل هنا الذات كما درج عليه الشيخ السنوسى لا الحيز الذى يحل فيه الجسم كما يتوهم وان كان يطلق عليه أيضا والمراد بالمخصص الفاعل فاذا القيام بالنفس هو عبارة عن الغنى المطلق أما برهان غناه عن المحل أى ذات يقوم بها فهو انه لو احتاج الى ذات اخرى يقوم بها لكان صفة لانه لا يحتاج الى الذات الا الصفات والصفة لا تتصف بصفات المعانى وهى القدرة والارادة والعلم الى اخرها ولا بالصفات المعنوية وهى كونه قادرا ومريدا وعالما الى اخرها فلا يكون تعالى صفة لان الواجب له نفيض ماوجب للصفة لانه يجب اتصافه بالمعانى والمعنوية والصفة يستحيل عليها ذلك اذا الصفة لو قبلت صفة أخرى يلزم أن لا تعرى عنها ولزم أن تقبل الاخرى أخرى اذ لا فرق بينهما الى غير غاية وذلك التسلسل وهو محال وبرهان غناه عن المخصص أى الفاعل هو انه لو احتاج اليه لكان حادثا وذلك محال لما تقدم من وجوب قدمه تعالى وبقائه فتبين بهذين الغنى المطلق له جل وعز وهو معنى قيامه بنفسه * (تكميل) * الموجودات بالنسبة الى المحل والمخصص أقسام أربعة قسم غنى عن المحل والمخصص وهو ذاته تعالى غنى عن المحل لكونه ذاتا وعن المخصص لكونه قديما باقيا وقسم غنى عن المخصص وموجود فى المحل وهو صفاته تعالى غنية عن المخصص وهى ذوات الاجرام غنية عن المحل لكونها ذاتا والذات لا تحتاج الى محل ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث وقسم مفتقر الى المحل والمخصص وهى الاعراض مفتقرة الى المحل لكونها اعراضا والعرض لا يقوم بنفسه ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث (وقد تحصل من هذه الاصول) أى من أولها الى هنا (انه) تعالى (موجود) واجب الوجود قديم لا اول له باق لا اخر له (قائم بنفسه) مخالف للحوادث (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض) ولا حال فى شئ ولا يحله شئ (وان العالم كله) وهو ما سوى الله تعالى (جواهر واعراض واجسام) وذكر الجواهر يغنى عن الاجسام لان الاجسام جواهر مؤلفة كما تقدم (فاذا لا يشبه شيأ) من خلقه (ولا يشبهه شئ) من خلقه والمشابهة تتحقق من الطرفين اذ العالم جواهر واعراض والله تعالى خالقها كلها (بل هو الحى القيوم) لما ثبت ان الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيأ من خلقه أشار الى ما يقع به التفرقة بينه وبين خلقه بما يتصف به تعالى دون خلقه فمن ذلك انه قيوم لا ينام اذ هو مختص بعدم النوم والسنة دون خلقه فانهم ينامون وانه تعالى حى لا يموت لان صفة الحياة الباقية مختصة به دون خلقه فانهم يموتون ثم قال (ليس كمثله شئ) أى ليس مثله شئ يناسبه ويزاوجه @ والمراد من مثله ذاته المقدسة كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفسه بطريق الكناية فانه اذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه أولى وقيل مثل صفته أى ليس كصفته صفة والمخالفة بينه وبين سائر الذوات لذاته المخصوصة تعالى لا لأمر زائد هذا مذهب الاشعر وأول هذه الاية تنزيه واخرها اثبات قصدرها برد على المجسمة وعجزها يرد على المعط له النافيين لجميع الصفات وبدأ بالتنزيه ليستفاد منه نفى التشبيه له تعالى مطلقا حتى فى السمع والبصر اللذين ذكرا بعد وقال أبو منصور التميمى اعترض بعض المشبهة على هذه الاية بأن قال ان هذه تقتضى اثبات مثل ونفى مثل عن ذلك المثل وهذا جهل منهم بكلام العرب فى مخاطباتها مع انتقاضه فى نفسه اما جهلهم بكلام العرب فلان العرب تزيد المثل تارة فى الكلام وتزيد الكاف أخرى مع الاستغناء عنها وذلك كقول القائل لصاحبه أعرفك كالهين العاجز أى اعرفك هينا عاجزا وقال الشاعر*وقبلى كمثل جذوع النخيل *يغشاهم سيل منهم أراد انهم كجذوع النخل فزاد المثل صلة فى الكلام وقال الاخر* فصيروا كمثل عصف مأكول* أراد مثل عصف فزاد الكاف وقد تزيد العرب الكاف على الكاف كقول الشاعر* وصاليات ككماتوثقى* أراد كما توثقنى فزاد عليه كافا فكذلك قوله ليس كمثله شئ الكاف فيه زائدة والمراد ليس مثله شئ ومعناه ليس شئ مثله وأما وجه مناقضة السؤال فى نفسه فمن حيث ان السائل زعم ان له مثلا لا نظير له واذا لم يكن للمثل نظير بطل أن يكون مثلا له لان مثل الشئ يقتضى أن يكون المضاف اليه بالتماثل مثلا له وذلك متناقض واذا تناقض السؤال فى نفسه لم يستحق جوابا (وانى يشبه) أى كيف يشبه (المخلوق خالقه والمقدور قدره والمصور مصوره والاجسام والاعراض كلها) أى ما سواء تعالى (من خلقه وصنعه) وابداعه (فاستحال القضاء عليها بمماثلته ومشابهته) اعلم ان أهل ملة الاسلام قد أطلقوا جميعا القول بأن صانع العالم لا يشبه شيأ من العالم وانه ليس له شبه ولا مثل ولا ضد وانه سبحانه موجود بلا تشبيه ولا تعطيل ثم اختلفوا بعد ذلك فيما بينهم فمنهم من اعتقد فى التفصيل ما يوافق اعتقاده فى الجملة ولم ينقض أصول التوحيد على نفسه بشئ من فروعه وهم المحققون من أهل السنة والجماعة أصاحب الحديث وأهل الرأى الذين تمسكوا بأصول الدين فى التوحيد والنبؤات ولم يخلطوا مذاهبهم بشئ من البدع والضلالان المعروفة بالقدر والارجاء والتجسيم والتشبيه والرفض ونحو ذلك وعلى ذلك أئمة الدين جميعهم فى الفقه والحديث والاجتهاد فى الفتيا والاحكام كمالك والشافعى وأبى حنيفة والاوزاعى والثورى وفقهاء المدينة وجميع أئمة الحرمين وأهل الظاهر وكل من يعتبر خلافه فى الفقه وبه قال أئمة الصفاتية المثبتة من المتكلمين كعبد الله بن سعيد القطان والحرث بن أسد المحاسبى وعبز العزيز المكى والحسين بن الفضل الجبلى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الاشعرى ومن تبعهم من الموحدين الخارجين عن التشبيه والتعطيل واليه ذهب ايضا ائمة اهل التصوف كأبى سليمان الدارانى وأحمد بن أبى الحوارمى وسرى السقطى وابراهيم بن ادهم والفضيل ابن عياض والجنيد ورويم والنووى والحراز والخواص ومن جرى مجراهم دون من انتسب اليهم وهم بريئون منهم من الحاولية وغيرهم وعلى ذلك درج من سلف من أئمة المسلمين فى الحديث كالزهرى وشعبة وقتادة وابن عيينة وعبد الرحمن بن مهدى ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وعلى بن المدائنى وأحمد ابن حنبل واسحق نراهويه ويحيى بن يحيى التميمى وجميع الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نقل قولهم فى الجرح والتعديل والتمييز بين الصحيح والسقيم من الاخبار والاثار وكذلك الائمة الذين أخذت عنهم اللغة والنحو والقرأن واعراب القرأن كلهم كانوا على طريقة التوحيد من غير تشبيه ولا تعطيل كعيسى بن عمر الثقفى وأبى عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والاصمعى وأبى زيد الانصارى وعثمان المازنى وأحمد بن يحيى ثعلب وأبى شمر وابن السكيت وعلى بن حمزة الكسائى وابراهيم الحربى @ والمبرد والقراء السبعة قبلهم وكل من يصح اليوم الاحتجاج بقوله فى اللغة والنحو والقراان من أئمة الدين فانهم كلهم منتسبون الى ما انتسب اليه اهل السنة والجماعة فى التوحيد واثبات صفات المدح لمعبودهم ونفى التشبيه عنه ومنهم من أجرى على معبوده اوصافا تؤذيه الى القول بالتشبيه تنزيه منه فى الظاهر كالمشبهة والمجسمة والحلولية على اختلاف مذاهبهم فى ذلك على اختلاف مذاهبهم فى ذلك فأما الخارجون عن ملة الاسلام ففريقان أحدهما دهريه ينكرون الصانع ويكلمون فى نفى التشبيه عنه وانا ولا يكلمون فى اثباته والفريق التانى مقرون بالصانع ولكنهم مختلفون فمنهم من بقول باثبات صانعين هما النور والظلمة ومنهم من ينسب الافعال والحوادث الى الطبائع الاربعة ومنهم من يقر بصانع واحد قديم وهؤلاء مختلفون فيه فمنهم من يقول انه لا شيأ من العالم ويفرط فى نفى الصفات عنه حتى يدخل فى باب التعطيل وهم أكثر الفلاسفة وفيهم المفرط فى اثبات الصفات والجوارح له تعالى حتى يدخل فى باب التشبيه بينه وبين خلقه كاليهود الذين زعموا ان معبودهم على صورة الانسان فى الاعضاء والجوارح والحد والنهاية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومعهم على هذا القول جماعة من المنتسبين الى الاسلام مع تنزيههم من القول بالتشبيه فى الظاهر خوفا من اظهار العامة على عوار مذاهبهم وهؤلاء فرق منهم اصحاب هشام ابن الحكم الرافضى والجواربية اصحاب داود الجوارلى والحلولية اصحابى ابى حلمان الدمشقى والبيانية اصحاب بيان بن سمعان التميمى والتناسخية اصحاب عبد الله بن منصور بن عبدالله بن جعفر والمغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد وغير هؤلاء ولهم مقالات يقشعر منها البدن قد ذكرها اصحاب الملل والنحل وفيما اشرنا اليه كفاية (الاصل السابع العلم بان الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات) أى ليست ذاته المقدسة فى جهة من الجهات الست ولا فى مكان من الامكنة (فان الجهة) وهى منتهى الاشارة ومقصد المتحرك بحركته من حيث حصوله فهى من ذوات الاوضاع المادية ومرجعها الى نفس الامكنة او حدودها واطرافها وهى تنقسم بحسب المشير الى ستة واشار الى فى قوله (اما فوق واما اسفل) وهو التحت (واما يمين او شمال او قدم او خلف) وقد تنحصر فى قسمين باعتبار وسط كرة العالم ومحويها فما فما كان الى نقطة مركز العالم ووسطه فهو سفل وما كان الى محيط ومحويه فهو جهة علو وهذا لا يكاد يختلف ومن ثم أدعى فيهما انها جهتان على الحقيقة حقيقة وطبعا كما قرر فى محله (وهذه الجهات هو الذى خلقها واحدثها بواسطة خلق الانسان) اى حادثة باحداث الانسان ونحوه مما يمشى على رجلين (اذ خلق له طرفين احدهما يعتمد على الارض ويسمى رجلا والاخر يقابله ويسمى رأسا فحدث اسم الفوق لما يلى جهة الرأس) أى معنى الفوق ما حاذى رأسه من جهة السماء (واسم الاسفل لما يلى جهة الارض) مما يحاذى رجله (حتى ان النملة التى تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق فى حقها تحتا) لانه المحاذى لظهرها (وان كان فى حقنا فوقا) أى معنى الفوق فيما يمشى على اربع او على بطنه بالنسبة اليهما ما يحاذى ظهره من فوقه فهى كلها اضافية (وخلق للانسان اليدين واحداهما اقوى من الاخرى فى الغالب فحدث اسم اليمين للاقوى) أى اليمين ما يحاذى اقوى يديه غالبا (والشمال لما يقابله) وانما قيده بالغالب فان فى الناس من يساره اقوى من اليمين ولكن نادر (وتسمى الجهة التى تلى اليمين يمينا والاخرى شمالا وخلق له جانبين يبصر من احدهما ويتحرك اليه فحدث له اسم القدام) ويسمى الامام ايضا وهو ما يحاذى جهة الصدر (للجهة التى) يبصر منها و(يتقدم اليها بالحركة واسم الخلف) وكذلك الوراء (لما يقابلها فالجهات) على ماذكر (حادثة بحدوث الانسان) فقبل خلق العالم لم يكن فوق ولا تحت اذ لم يكن ثم حيوان فلم يكن ثم رأس ولا رجل ولا ظهر وهى مع ذلك اعتبارية لا حقيقية تتبدل (ولو لم يخلق الانسان بهذه الخلقة) المعروفة وكذا كل حادث (بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود البتة) اى لم توجد واحدة من هذه اذ لا رأس ولا رجل ولا يمين ولا شمال ولا ظهر ولا @ وجه (فكيف كان) تعالى (فى الازل مختصا بجهة والجهة حادثة) وهو تعالى كان موجودا فى الازل ولم يكن شئ من الموجودات لان كل موجود سواء حادث (او كيف صار بجهة بعد ان لم يكن له ابا فان خلق الانسان تحته ويتعالى عن ان يكون فوق اذ تعالى ان يكون له رأس والفوق عبارة عما يلى جهة الرأس او خلق العالم تحته فتعالى ان يكون له رجل والتحت عبارة عما يلى جهة الجل وكل ذلك مميا يستحيل فى العقل) فهذا طريق الاستدلال قال ابو منصور التميمى واما احالة كونه فى جهة فان ذلك كاحالة كونه فى مكان لان ذلك يوجب حدوث كون ومحاذاة مخصوصة فيه وذلك دليل على حدوث ماحل فيه فلذلك احلنا اطلاق اسم الجهة على الله تعالى اه وقد نبه المصنف على طريق ثان فى الاستدلال بقوله (ولان المعقول من كونه مختصا بجهة انه مختص بحيز) هو كذا أى معنى من الاحيازوقد فسره بقوله (اختصاص الجواره او مختص بالجوهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهرا او عرضا) او جسما اذ الحيز مختص بالجوهر والجسم وقد مر تنزيهه سبحانه وتعالى عنهما واما العرض فلا اختصاص له بالحيز الا بواسطة كونه حالا فى الجوهر فهو تابع لاختصاص الجوهر ولما ظهر بطلان الجوهرية والجسمية (فاستحال كونه مختصا بالجهة) وقال النسفى فى شرح العمدة الصور والجهات مختلفة واجتماعها عليه تعالى مستحيل لتنافيها فى انفسها وليس البعض اولى من البعض لاستواء الكل فى افادة المدح والنقص وعدم دلالة المحدثات عليه فلو اختص بشئ منها لكان تخصيص مخصص وهذا من امارات المحدث اه وقال السبكى صانع العالم لا يكون فى جهة لانه لو كان فى جهة لكان فى مكان ضرورة انها المكان او المستلزمة له ولو كان فى مكان لكان متحيزا ولو كان متحيزا لكان مفتقرا الى حيزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت انه واجب الوجود وهذا خلف وايضا فلو كان فى جهة فاما فى كل الجهات وهو محال وشنيع واما فى البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار الى المخصص المنافى للوجوب اه (وان اريد بالجهة غير هذين المعنيين) مما ليس فيه حلول حيز ولا جسمية (كان غلطا فى الاسم مع المساعدة على المعنى) ولكن ينظر فيه ايرجع ذلك المعنى الى تنزيهه سبحانه عما لا يليق بجلاله فيخطأ من اراد فى مجرد التعبير عنه بالجهة لايهامه بما لا يليق ولعدم وروده فى اللغة او يرجع الى غيره فيرد قوله صونا عن الضلالة ثم نبه المصنف على طريق ثالث فى الاستدلال بقوله (ولانه لو كان فوق العالم) كما يقوله بعض المجسمة (لكان محاذيا له) اى مقابلا (وكل محاذ لجسم فاما ان يكون مثله او اصغر منه) كما يقوله هشام بن الحكم الرافضى (او اكبر) منه (وكل ذلك) مستحيل فى حقه تعالى اذ هو (تقدير يحوج الى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر) جل سبحانه وقال المصنف فى الجام العوام اعلم ان الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين احدهما نسبة جسم الى جسم بان يكون احدهما اعلى والاخر اسفل يعنى ان الاعلى من جانب راس الاسفل وقد لا بهذا المعنى فيقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الوزير والاول يستدعى جسما حتى ينسب الى جسم والثانى لا يستدعيه فليعتقد المؤمن الاول عير مراد وانه على الله تعالى محال فانه من لوازم الاجسام او لوازم اعراض الاجسام فان قيل فما بال الايدى ترفع الى السماء وهى جهة العلو فاشار المصنف الى الجواب بقوله (فاما رفع الايدى عند السؤال) والدعاء (الى جهة السماء فهو لانها قبلة الدعاء) كما ان البيت قبلة الصلاة يستقبل بالصدر والوجه والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزه عن الحلول بالبيت والسماء وقد اشار النسفى ايضا فقال ورفع الايدى والوجوه عند الدعاء تعبد محض كالتوجه الى الكعبة فى الصلاة فالسماء قبلة الدعاء كالبيت قبلة الصلاة (وفيه ايضا اشارة الى ماهو وصف للمدعو من الجلال) والعظمة (والكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلا فانه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء) ويدل لذلك قوله تعالى وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية فى وصف من الله فوقه يؤكد احتمال فوقية القهر والاستيلاء وقد ذكر المصنف فى الاقتصاد سر الاشارة @ بالدعاء الى السماء على وجه فيه طول فراجعه فان قيل نفيه عن الجهات الست اخبار عن عدمه اذ لا عدم اشد تحقيقا من نفى المذكور عن الجهات الست وهذا سؤال سمعه محمود بن سبكتين من الكرامية والقاه على ابن فورك قلت النفى عن الجهات الست لا يكون ذلك اخبارا عن عدم مالو كان لكان فى جهة من النافى لانفى ما يستحيل ان يكون فى جهة منه واما قول المعتزلة القائمان بالذات يكون واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة فالجواب عنه هذا على الاطلاق ام بشريطة ان يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا الاول ممنوع والثانى مسلم ولكن البارى تعالى يستحيل ان يكون محددوا متنافيا (تنبيه) هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سنى لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط فى الشرع على لسان نبى التصريح بلفظ الجهة فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا وكيف لا والحق يقول ليس كمثله شء ولو كان فى جهة بذلك الاعتبار لكان له امثال فضلا عن مثل واحد ومانقله القاضى عياض من ان المحدثين والفقهاء على الجهة ليس المعنى ماقام القاطع بخلافه ولم ينقل عن احد منهم انه تعالى فى جهة كذا تعالى الله عن ذلم لكن لما ثبت سمعا قرانا الرحمن على العرش استوى وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم وسنة وحيث قال صلى الله عليه وسلم للسوداء اين الله فاشارت نحو السماء فقال اعتقها فانها مؤمنة الى غير ذلك من الظواهر وكان اصلهم ثبوت المعتقدات من السمع فاعتقدوا ان هناك صفة تسمى بالاستواء على العرش لا تشبه استواء المخلوقين وصفة اخرى تسمى بفوق اى فوق عباده اى العرش ومن دونه الله اعلم بذلك الاستواء واعلم بتلك الفوقية بهذا صرح الامام احمد بن حنبل على مانقل عنه المقدسى فى رسالة الاعتقاد واعلم ان المنظور اليهم انما هم الائمة القدوة والعلماء الجلة ولا عبرة بالمقلدة الواقفة على ظاهر المنقول الذين لم يفرقوا بين المحكم من والمتشابه وسيأتى تمام البحث فيه فى الاصل الذى يليه واما الصوفى فيقول محال ان يكون البارى فى جهة اذ تلك الجهة اما ان تكون غيره او لا فان لم تكن غيره فلا جهة وان كانت غيره فاما قديمة او حادثة والجميع باطل قال صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شئ معه* (تكميل) * ذكر الامام قاضى القضاة ناصر الدين ابن المنير الاسكندرى المالكى فى كتابه المنتقى فى شرف المصطفى لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال ولهذا اشار مالك رحمه الله تعالى فى قوله صلى الله عليه وسلم رفع الى العرش ويونس عليه السلام هبط الى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة الى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام اقرب فى الرفيق الاعلى فهو افضل من السفلى فالفضل بالمكانة لا بالمكان هكذا نقله السبكى فى رسالة الرد على ابن زفيل (الاصل الثامن العلم بانه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذى اراد الله تعالى بالاستواء) هذا الاصل معقود لبيان انه تعالى غير مستقر على مكان كما قدمه صريحا فى ترجمة اصول الركن الاول ونبه عليه هنا بالجواب عن تمسك القائلين بالجهة والمكان فان الكرامية يثبتون جهة العلو من غير استقرار على العرش والحشوية وهم المجسمون مصرحون بالاستقرار على العرش وتمسكوا بظواهر منها قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وحديث الصحيحين ينزل ربنا كل ليلة الحديث واجيب عنه بجواب اجمالى هو كالمقدمة للاجوبة التفصيلية وهو ان الشرع انما ثبت بالعقل فان ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ وانما تثبت هذه الدلالة بالعقل فلو اتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل اذا تقرر هذا فنقول كل لفظ يرد فى الشرع مما يستند الى الذات المقدسة بان يطلق اسما او صفة لها وهو مخالف للعقل ويسمى المتشابه لا يخلو اما ان يتواتر أو ينقل احادا والاحاد ان كان نصا @ لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراءنا قله او سهوه او غلطة وان كان ظاهرا فظاهره غير مراد وان كان متواترا فلا يتصور ان يكون نصا لا يختمل التأويل بل لابد وان يكون ظاهر او حينئذ نقول الاحتمال الذى ينفيه العقل ليس مرادا منه ثم ان بقى بعد انتفائه احتمال واحد تعين انه المراد بحكم الحال وان بقى احتمالان فصاعدا فلا يخلو اما ان يدل قاطع على واحد منهما اولا فان جل حمل عليه وان لم يدل قاطع على التعيين فهل يعين بالنظر والاجتهاد دفعا للخبط عن العقائد او لا خشية الالحاد فى الاسماء والصفات الاول مذهب الخلف والثانى مذهب السلف وستأتى امثلة التزيل عليهما واما الاجوبة التفصيلية فقد اجيب عن اية الاستواء بانا نؤمن بانه تعالى استوى على العرش مع الحكم بانه ليس كاستواء الاجسام على الاجسام من التمكن والمماسة والمحاذاة لها القيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى بل نؤمن بان الاستواء ثابت له تعالى بمعنى يليق به تعالى (وهو الذى لا ينافى وصف الكبرياء ولا تتطرق اليه سمات الحدوث والفناء وهو الذى اريد بالاستواء الى السماء حيث قال فى القرأن ثم استوى الى السماء وهى دخان) وقال ايضا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات وفى طه عبد الرحمن على العرش استوى وفى الاعراف ويونس والرعد والسجدة والحديد ثم استوى على العرش وفى الفرقات ثم استوى على العرش الرحمن (وليس ذلك الا بطريق القهر والاستيلاء) أى قهره على العرش واستيلاؤه وهذا جرى عليه بعض الخلف واقتصر عليه المصنف هنا وهذا يعنى كون المراد انه الاستيلاء فعند الماتريدية أمر جائز الارادة أى يجوز ان يكون مراد الاية ولا يتعين كونه المراد خلافا لما دل عليه كلام المصنف من تعيينه اذ لا دليل على ارادته عينا فالواجب عينا ما ذكر من الايمان به مع نفى التشيبه واذا خيف على العامة لقصور افهامهم عدم فهم الاستواء اذا لم يكن بمعنى الاستيلاء الا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية وان لا يقفوا تلك اللوازم فلا بأس بصرف فهمهم الى الاستيلاء صيانة لهم من المحذور فانه قد ثبت اطلاقه وارادته لغة (كما قال الشاعر) وهو البعيث كما قاله ابن عباد أو الاخطل كما قاله الجوهرى فى بشر بن مروان (قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق) كذا نسبه الصاحب اسمعيل بن عباد فى كتابه نهج السبيل ثم قال فان قيل غهو مسئول على كل شئ فما وجه اختصاصه العرش بالذكر قيل كما هو رب كل شئ وقال رب العرش العظيم فان قيل فما معنى قولنا عرش الله ان لم يكن عليه قيل كما تقول بيت الله وان لم يكن فيه والعرش فى السماء تطوف به الملائكة كما ان الكعبة فى الارض تطوف بها الناس الى هنا كلام الصاحب وهو وان كان يميل الى رأى الاعتزال غير انه وافق أهل السنة فيما قاله هنا ومثل ذلك أيضا قول الشاعر فلما علونا واستوينا عليهم*جعلناهم مرعى لنسر وطائروقال الجاحظ فى كتاب التوحيد له مانصه قد زعم أصحاب التفسير عن عبد الله بن عباس وهو صاحب التأويل والناس عليه عيال ان قوله استوى استولى وهذا القول قد رده ابن تميية الحافظ فى كتاب العرش وقال ان الجاحظ رجل سوء معتزلى لا يوثق بنقله قال التقى السبكى وكتاب العرش من أقبح كتبه ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان مازال يلعنه حتى مات بعد ان كان يعظمه قال فيه استوى فى سبع ايات بغير لام ولو كانت بمعنى استولى لجاءت فى موضع وهذا الذى قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطرد وحسنه ان لفظ استوى أعذب وأخصر وليس هو من الاطراد الذى يجعله بعض الاصوليين من علامة الحقيقة فان ذلك الاطراد فى جميع موارد الاستعمال والذى حصل هنا اطراد استعمالها فى ايات فأين أحدهما من الاخر ثم ان استوى وزنه افتعل فالسين فيه اصلية واستولى وزنه استفعل فالسين فيه زائدة ومعناه من الولاية فهما مادتان متغايرتان فى اللفظ والمعنى والاستيلاء قد يكون بحق وقد يكون بباطل والاستواء لا يكون الا بحق والاستواء صفة للمستوى فى نفسه بالكمال والاعتدال والاستيلاء صفة متعدية الى غيره فلا يصح ان يقال استولى @ حتى يقال على كذا ويصح ان يقال استوى ويتم الكلام فلو قال استولى ولم يحصل المقصود ومراد المتكلم الذى يفسر الاستواء بالاستيلاء التنبيه على صرف اللفظ عن الظاهر الموهم للتشبيه واللفظ قد يستعمل مجازا فى معنى لفظ اخر ويلاحظ معه معنى اخر فى لفظ المجاز لو عبر عنه باللفظ الحقيقى لاختل المعنى وقد يريد المتكلم ان الاستواء من صفات الافعال كالاستواء المتمحض من كل وجه ويكون السبب فى لفظ الاستواء عذوبتها واختصارها دون ما ذكرناه ولكن ماذكرناه احسن وامكن مع مراعاة معنى الاستواء وانظر قول الشاعر * قد استوى بشر على العرائى * لو أتى بالاستيلاء لم تكن له هذه الطلاوة والحسن والمراد بالاستواء كمال الملك وهو مراد القائلين بالاستيلاء ولفظ الاستيلاء قاصر عن تأدية هذا المعنى فالاستواء فى اللغة له معنيان أحدهما الاستيلاء بحق وكمال فيفيد ثلاثة معان ولفظ الاستيلاء لا يفيد الا معنى واحدا فاذا قال المتكلم فى تفسير الاستواء الاستيلاء مراده المعانى الثلاثة وهو أمر يمكن فى حقه سبحانه وتعالى فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه والمفوض المنزه لا يجزم على التفسير بذلك الاحتمال ان يكون المراد خلافة وقصورافهامنا عن وصف الحق سبحانه وتعالى مع تنزيهه عن صفات الاجسام لا يعقل منه فى اللغة غير ذلك والله تعالى منزه عنها ومن أطلق القعود وقال انه لم يرد صفات الاجسام قال شيأ لم تشهد له به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤاخذ باقراره ولا يفيده انكاره واعلم ان الله تعالى كامل الملك ازلا وأبدا والعرش وماتحته حادث فأتى قوله تعالى ثم استوى على العرش لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء اه وقال البخارى فى صحيحه فى كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم قال الحافظ ابن حجر فى شرحه ذكر قطعتين من ايتين وتلطف فى ذكر الثانية عقيب الاولى لرد من توهم من قوله فى الحديث كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل وكذا قول من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع فأردف بقوله رب العرش العظيم اشارة الى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذى فيه فاذا انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فان فى اثبات القوائم للعرش دلالة على انه جسم مركب له ابعاض واجزاء والجسم المؤلف محدث مخلوق وقال البيهقى فى الاسماء والصفات اتفقت اقاويل اهل التفسير على ان العرش هو السرير وانه جسم خلقه الله تعالى وأمر الملائكة بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق فى الارض بيتا وامر بنى ادم بالطواف به واستقباله فى الصلاة وفى الايات والاحاديث والاثار دلالة على ما ذهبوا اليه ثم قال البخارى وقال ابو العالية استوى الى السماء ارتفع وقال مجاهد استوى علا على العرش قل ابن بطال اختلفوافى الاستواء هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة وقالت المجسمة معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا وبعضهم معناه الملك والقدرة وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشئ وخص لفظ العرش لكونه أعظم الاشياء وقيل ان على بمعنى الى فالمراد على هذا انتهى الى العرش أى فيما يتعلق بالعرش لانه خلق الخلق شيأ بعد شئ قال ابن بطال اما قول المعتزلة ففاسد لانه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله ثم استوى يقتضى افتتاح هذا الوصف بعد ان لم يكن ولازم تأويلهم انه كان مغاليا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا منتف عن الله تعالى وقول المجسمة ايضا فاسد لان الاستقرار من صفات الاجستم ويلزم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات قال واما تفسيره بعلا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول اهل السنة لانه تعالى وصف نفسه بالعلى وهى صفة من صفات الذات واما من فسره بارتفع ففيه نظر لانه لم يصف به نفسه قال واختلف اهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل فمن قال معناه علا قال هى صفة ذات ومن قال غير ذلك قال هى صفة فعل وان الله فعل فعلا سماه استوى @ على عرشه لان ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به ملخصا قال الحافظ وقد الزمه من فسره بالاسيتلاء بمثل ما الزم هو به من انه صار قاهر بعد ان لم يكن فيلزم انه صار عاليا بعد ان لم يكن والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله تعالى وكان الله عليما حكيما فان اهل العلم بالتفسير قالوا معناه لم يزل كذلك وبقى من معانى استوى ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل واستوى القمر امتلا واستوى فلان وفلان تماثلا واستوى الى المكان اقبل واستوى القائم قاعدا والنائم قاعدا ويمكن رد بعض هذه المعانى الى بعض وكذا ما تقدم عن ابطال وقد نقل ابو اسمعيل الهروى فى الفاروق بسنده الى داود بن على بن خلف قال كما عند ابى عهبدالله بن الاعرابى يعنى محمد بن زياد للغوى فقال له رجل الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما اخبر قال يا ابا عبدالله انما معناه استولى فقال اسكت لا يقال استولى على الشئ الا ان يكون له مضاد ونقل البغوى فى تفسيره عن ابن عباس واكثر المفسرين ان معناه ارتفع وبنحوه قال ابو عبيده والقرائ وغيرهما واضطر اهل الحق الى هذا التاويل كما اضطر اهل الباطل الى تاويل قوله تعالى وهو معكم اين ما كنتم اذا حل ذلك بالاتفاق على الاحاطه والعلم قال ابون نصر القشيرى فى التذكرة الشرقية فان قيل اليس الله يقول الرحمن على العرش استوى فيجب الاخذ بظاهرة قلنا الله يقول ايضا وهو معكم اين ما كنتم ويقول تعالى الا انه بكل شئ محيط فينبغى ايضا ان تاخذ بظاهر هذه الايات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محد قابه بالذات فى حالة واحدة والواحد يستحيل ان يكون بذاته فى حالة بكل مكان قالو قوله تعالى وهو معكم يعنى بالعلم وبكل شئ محيط احاطة العلم قلنا وقوله تعالى على العرش استوى قهر وحفظ وابقى وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن رواه مسلم فى صحيحه وفيه انضا ان قلوب بنى ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كقلب واحد يصرفه كما يشاء على القدرة والقهر مجاز بعلاقة ان اليد فى الشاهد محل لظهور سلطان القدرة والقهر فحسن اطلاق اليد وارادة القدرة والقهر قصدا للمبالغه اذا المجاز ابلغ وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسوديمين الله فى ارضه اخرجه ابو عبيد القاسم بن سلام بلفظه وروى ابن ماجه نحوا من معناه من حديث ابى هريره رفعه بلفظ من فاوض الحجر الاسود فانما يفاوض يد الرحمن على التشريف والاكرام والمعنى انه وضع فى الارض للتقبيل والاستسلام تشريفا له كما شرفت اليمين واكرمت بوضعها للتقبيل دون اليسار فى العادة فاستعير لفظ لايمين للحجر لذلك اولان من قبله او استلمه فقد فعل ما يقتضى الاقبال عليه والرضا عنه وهما لازمان عادة لتقبيل اليمين والحاصل ان لفظ اليمين استعير للحجر اللمعننين اولا حدهما ثم اضيف اضافة تشريف واكرام لانه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه المحال ويتامل بعض الايات والاخبار دون بعض على حكم التمنى والتشهى ليس فى الشرط والمقصود من هذه المعارضه انه يعرف ان الخصم يضطر الى التاويل فلتسكن التاويلات على وفق الاصول فان قيل هذا يشعر بكونه مغلوبا مقهورا قبل الاستواء قيل انما يشعر بما قلتم ان لو كان للعرش وجود قبل الخلق وكان قديما والعرش مخلوق وكل ما خلقه حصل مسخرا تحت خلقه فلولا خلقه ايا لما حدث ولولا ابقاؤه ايا لما بقى ونص على العرش لانه اعظم المخلوقات قيمانه الينا واذا نص على الاعظم فقد اندرج تحته ما دونه قال ابن القشيرى ولو اشعر ما قلنا توهم غلبته لا شعر قوله وهو القاهر فوق عبادة بذلك ايضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد هيهات اذا لم يكن للعباد وجود قبل خلقه اياهم بل لو كان الامر على ما توهمه الجهله من انه استواء بالذات لا شعر ذلك بالتغيير واعوجاج سابق على وقت الاستواء فان البارى تعالى كان موجودا قبل العرش ومن انصف علم ان قول من يقول العرش بالرب استوى امثل من قول من يقول الرب بالعرش استوى فالرب اذا موصوف بالعلو وفوقيه الرتبه والعظمة منزه عن الكون فى المكان @ وعن المحاذاة ثم قال وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استزلالهم للعوام بما يقرب من افهامهم ويتصور فى اوهامهم لاجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجرى الايات الموهمة تشبيها والاخبار المقتضبة حدا وعضوا على الظاهر ولا يجوز ان نطرق التأويل الى شئ من ذلك ويتمسكون بقول الله تعالى وما يعلم تأويله الا الله وهؤلاء والذى ارواحنا بيده اضر على الاسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان لان ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا الى اوليائهم بهذه البدع واحلوا فى قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالاعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد فى الجهات فمن أصغى الى ظاهرهم يبادر بوهمه الى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل وهو لا يدرى اه ثم ذكر المصنف المحال الذى يلزم من تفسير الاستواء بالاستقرار والتمكن فقال هو (كون المتمكن جسما مماسا للعرش اما مثله او اكبر منه او اصغر وذلك محال وما يؤدى الى المحال محال) وتحقيقه انه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من ان يكون مثل المكان او اكبر منه او اصغر منه فان كان مثل المكان فهو اذا متشكل باشكال المكان حتى اذا كان المكان مربعا كان هو مربعا او كان مثلثا وذلك محال وان كان اكبر من المكان فبعضه على المكان ويشعر بذلك بانه متجزئ وله كل ينطوى على بعض وكان بحيث ينتسب اليه المكان بانه ربعه او خمسه وان كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان الا بتحديد وتتطرق اليه المساحة والتقدير وكل ما يؤدى الى جواز التقدير على البارى تعالى فتجوزه فى حقه كفر من معتقده وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل الا بكون وقبح وصف البارى بالكون ومتى جاز عليه موازاة مكان او مماسته جاز عليه مباينته ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن الا حادثا وهل علمنا حدوث العالم الا بجواز المماسة والمباينة على اجزائه وقصارى الجهلة قولهم كيف يتصورموجود لا فى محل وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يعرف غورها وقعرها الا كل غواص على بحار الحقائق وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال والذى يدحض شبههم أن يقال لهم قبل ان يخلق العالم او المكان هل كان موجودا ام لا فمن ضرورة العقل ان يقول بلى فيلزمه لو صح قوله لا يعلم موجودا الا فى مكان احد امرين اما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم واما ان يقول الرب تعالى محدث وهذا مأل الجهلة والحثوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم ونعوذ بالله من الحيرة فى الدين قال ابن الهمام فى المسايرة على نحو ماذكرنا فى الاستواء يجرى كل ما ورد فى الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية فى الشاهد كالاصبع والقدم واليد والعين فيجب الايمان به مصحوبا بالتنزيه فان كلا منها صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به وهو سبحانه وتعالى اعلم به وقد يوؤل كل من ذلك لاجل صرف فهم العامة عن الجسمية وهو ممكن ان يراد ولا يجزم بارادته خصوصا على رأى اصحابنا يعنى الماتريديه انها من المتشابهات وحكم المتشابه انقطاع رجاء معرفة المراد منه فى هذه الدار والا لكان قد علم اه قال تلميذه ابن أبى شريف وهذا بناء على القول بالوقف فى الاية على قوله الا الله وهو قول الجمهور واعلم ان كلام امام الحرمين فى الارشاد يميل الى طريق التأويل ولكنه فى الرسالة النظامية اختار طريق التفويض حيث قال والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع السلف فانهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها وكأنه رجع الى اختيار التفويض لتأخر الرسالة ومال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الى التأويل فقال فى فتاويه طريقة التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها ان يكون على مقتضى لسان العرب وتوسط ابن دقيق العبد فقال نقبل التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب ونتوقف فيه اذا كان بعيد او جرى شيخنا المصنف يعنى ابن الهمام على التوسط بين أن تدعو الحاجة اليه لخلل فى فهم العوام وبين أن لا تدعو الحاجة @ الى ذلك اه وقال والد امام الحرمين فى كفاية المعتقد أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة ما يوهم بظاهرها تشبيها فاللسلف فيه طريقان احداهما الاعراض فيها عن الخوض فيها وتفويض عملها الى الله تعالى وهذه طريقة ابن عباس وعامة الصحابة واليها ذهب كثير من السلف وذلك مذهب من يقف على قوله ومايعلم تأويله الا الله ولا يستبعد ان يكون لله تعالى سر فى كتابه والصحيح ان الحروف المقطعة من هذا القبيل ويعلم بالدليل يقينا ان ركنا من اركان العقيدة ليس تحت ذلك السر لان الله تعالى لا يؤخر البيان المفتقر اليه عن وقت الحاجة ولا يكتم كتمانا والطريقة الثانية الكلام فيها وفى تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات الى صفات الفعل فيخمل النزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة وقد قال صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه وقد قال تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم الا ان يرد ذلك الى معنى الادراك والاحاطة لا الى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد اه وقول والد امام الحرمين وذلك مذهب من يقف على قوله الخ ومثله ما مرعن ابن ابى شريف قدرده القشيرى فى التذكرة الشرقية حيث قال واما قول الله عز وجل وما يعلم تأويله الا الله انما يريد به وقت قيام الساعة فأن المشركين سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها فالمتشابه اشارة الى علم الغيب فليس يعلم عواقب الامور الا الله عز وجل ولهذا قال هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله اى هل ينظرون الا قيام الساعة وكيف يسوغ القائل ان يقول فى كتاب الله تعالى مالا سبيل لمخلوق الى معرفته ولا يعلم تأويله الا الله اليس هذا من اعظم المدح فى النبؤات وان النبى صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد فى صفات الله تعالى ودعا الخلق الى علم مالا يعلم أليس الله اذ يقول بلسان عربى مبين فاذا على زعمهم يجب ان يقولوا كذب حيث قال بلسان عربى مبين اذ لم يكن معلوما عندهم والا فأين هذا البيان واذا كان بلغة العرب فكيف يدعى انه مما لاتعلمه العرب لما كان ذلك الشئ عربيا فما قول فى مقال ماله الا تكذيب الرب سبحانه ثم كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى عبادة الله تعالى فلو كان فى كلامى وفيما يلقيه الى امته شئ لا يعلم تأويله الا الله تعالى لكان للقوم أن يقولوا بين لنا اولا من تدعونا اليه وما الذى تقول فان الايمان بما لا يعلم أصله غير متأن ونسبة النبى صلى الله عليه وسلم الى انه دعا الى رب موصوف بصفات لا تعقل امر عظيم لا يتخيله مسلم فان الجهل بالصفات يؤدى الى الجهل بالموصوف والغرض أن يستبين من معه مسكة من العقل ان قول من يقول استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء الى الجهل وقد وضح الحق لذى عينين وليت شعرى هذا الذى ينكر التأويل يطرد هذا للانكار فى كل شئ وفى كل اية أم يقنع بترك التأويل فى صفات الله تعالى فان امتنع من التأويل اصلا فقد ابطل الشريعة والعلوم اذ مامن اية وخبر الا ويحتاج الى تأويل وتصرف فى الكلام لان ثم أشياء لابد من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه الا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع والاعتقاد لهذا يؤدى الى ابطال ماهو عليه من التمسك بالشرع وان قال يجوز التأويل على الجملة الا فيما يتعلق بالله وبصفاته يجب التغاضى عنه وهذا لا يرضى به مسلم وسر الامر ان هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير انهم يدلسون ويقولون لاه يد لا كالايدى وقدم لا كالاقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا فليقل المحقق هذا كلام لابد له من استبيان قولكم نجرى الامرعلى الظاهر ولا يعقل معناه تناقض ان اجريت على الظاهر فظاهر السياق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ فان أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالاقرا بهذه الاعضاء فهو الكفروان لم @ يمكنك الاخذ بها فأين الاخذ بالظاعر ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى بما يوهم الظاهر فكيف يكون أخذا بالظاهر وان بطل الخصم هذة الظواهر لا معنى لها أصلا فهو حكم بانها ملغاة وما كان فى ابلاغها الينا فائدة وهى هدر وهذا محال وفى لغة العرب ماشئت من التجوز والتوسع فى الخطاب وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية ومن احاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق وقد قيل وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم فكأنه قال والراسخون فى العلم أيضا يعلمونه ويقولون امنا به فان الايمان بالشئ انما يتصوربعد العلم اما مالا يعلم فالايمان به غير متأن ولهذا قال ابن عباش انا من الراسخين فى العلم اه قلت وهذا الذى ذهب اليه هو مختار شيخ جده ابن فورك واليه ذهب العز بن عبد السلام فى رسائله منها رسالته التى ارسلها جوابا للملك الاشرف موسى وهى بطولها فى طبقات ابن السبكى وهو بظاهره مخالف لمذهب السلف القائلين بامرارها على ظواهرها وقد مرت فى آخر الفصل الثانى شروط للتأويل راجع النظر اليها لتعلم انه كيف يجوز ولمن يجوز ومتى يجوز ولنذكر نص امام الحرمين فى الرسالة النظامية فى هذه المسئلة وهى آخر مؤلفاته على مازعم ابن ابى شريف قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى قال امام الحرمين فى الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء فى هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك فى آى الكتاب ومايصح من السنن وذهب أئمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واحراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها الى الله عز وجل والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الامة للدليل القاطع ان اجماع الامة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما فلا شك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة واذا واذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع اه قال الحافظ وقد تقدم النقل عن اهل العصر الثالث وهم فقهاء الامصار كالثورى والاوزاعى ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنه من الائمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة اه قلت والى هذا مال المصنف فى الجام العوام فقد عقد فى الكف عن التأويل والخوض فيه بابا وذكر فيه ثلاثة أمثلة مثال فى الفوقية ومثال فى الاستواء ومثال فى النزول وقال فى أول كتابه المذكور ان الحق الصريح الذى لا مراء فيه هو مذهب السلف أعنى مذهب الصحابة والتابعين وهو الحق عندنا ان كل من بلغه حديث من هذه الاخبار من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور التقديس والتصديق والاعتراف بالعجز والسكون والكف والامساك والتسليم لاهل المعرفة وقد تقدم شئ من ذلك فى الفصل الثانى فراجعه وقال الحافظ ابن حجر وقسم بعضهم اقوال الناس فى هذا الباب الى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد انها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة وتتفرع من قولهم عدة اراء والثانى من ينفى عنها شبه صفة المخلوقين لان ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فان صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته وقولان لما يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرا أحدهما يقول لا نؤول شيأ منها بل نقول الله اعلم بمراده والاخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك وقولان لمن لا يجزم بانها صفة أحدهما يجوز أن يكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز أن لا تكون صفة والاخر يقول لا يخاض فى شئ من هذا بل يجب الايمان به لانه من المتشابه الذى لا يدرك معناه اه وقال البكى فى شرح الحاجبية اختلف اهل السنة فى اتصاف البارى تعالى بهذه الصفات التى ظاهرها محال على ثلاثة اقوال الاول قول السلف انها هى صفات زائدة على السبع الله اعلم بحقائقها وهى أحد قولى الاشعرى وهو قول مالك واليه يشير الامام احمد بقوله الايات المتشابهات خزائن مقفلة حلها تلاوتها الثانى كلها مجازات يدل بها على تلك الصفات الثمانية عقلا وسمعا وهذا قول الحذاق من الاشاعرة الثالث الوقف وهو اختيار صاحب المواقف والمقترح ثم أهل @ التأويل اختلفوا على طريقين الاول طريق الاقدمين كابن فورك يحملها على مجازاتها الراجعة الى الصفات الثابتة عقلا الثانى طريق المتأخرين وهى التى كانت مركوزة فى قلوب السلف قبل دخول العجمة برد هذه المتشابهات الى التمثيل الذى يقصد به تصور المعانى العقلية بابرازها فى الصور الحسية قصدا الى كمال البيان اه الخ وقال الحافظ ابن حجر لاهل الكلام فى هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال احدها انها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدى اليها العقل والثانى ان العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كنايةعن صفة الوجود والثالث امرارها على ما جاءت به مفوضا معناها الى الله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين السهروردى فى كتاب العقيدة له أخبر الله فى كتابه وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم فى الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيهما بتشبيه ولا تعطيل اذ لولا اخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحى قال الطيبى هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شئ من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يامر الله تنبيه بتبليغ ما انزل اليه من ربه وينزل عليه اليوم اكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته اليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه حتى نقلوا عنه اقواله وافعاله واحواله وصفاته وما فعل بحضرته فدل على انهم اتفقوا على الايمان بها على الوجه الذى اراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى ليس كمثله شئ فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه * (تكميل) * قول من قال طريقة السلف اسلم وطريقة الخلف احكم نقل الحافظ ابن حجر عن بعضهم انه ليس بمستقيم لانه ظن ان طريقة السلف بمجرد الايمان بالفاظ القرأن والحديث من غير فقه فى ذلك وان طريقة الخلف هى استخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى فى طريقة الخلف وليس الامر كما ظن بل السلف فى غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفى غاية التعظيم له والخضوع لامره ولتسليم لمراده وليس من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذى يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله اه قلت وقد اشار الى ذلك المصنف فى الجام العوام بما لا مزيد على تحريره (الاصل التاسع العلم بأن الله تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار) المفهوم من قوله لا يشبه شيأ ولا يشبهه شيأ (مقدسا عن الجهات والاقطار) وعن الامكنة والازمنة والتحديد وغير ذلك (مرئى للمؤمنين بالاعين والابصار فى الدار الاخرة بعد دخولهم دار القرار) نظم المصنف هذا الاصل فى سلك اصول الركن المعقود لمعرفة الزاد نظرا الى ان نفى الجهة يوهم انه مقتض للانتفاء فاقتضى المقام دفع هذا التوهم ببيان جواز الرؤية عقلا ووقوعها سمعا فهو كالتتمة للكلام فى نفى الجهة والمكان قال ابن أبى شريف الكلام فى الرؤية فى ثلاث مقامات الاول فى تحقيق معناها تحريرا لمحل النزاع بيننا وبين المعتزلة فنقول اذا نظرنا الى الشمس مثلا فرأيناها ثم أغمضنا العين فانا نعلم الشمس عند التغميض علما جاليا لكن فى الحالة الاولى امر زائد وكذا اذا عملنا شيأ علما تاما جاليا ثم رأيناه فانا ندرك بالبديهة تفرقة بين الحالتين وهذا الادراك الممل على الزياة فنسميه الرؤية قلت يشير الى ان المعنى من الرؤية ما نجده من التفرقة من ادراك الشمس حالة تقليب الحدقة وصرف البصر اليه ومن ادراكا لها حالة انصراف البصر او تغميضه عنها فالادراك الاول هو المسمى بالرؤية والثانى هو المسمى بالعين ثم قال ولا تتعلق فى الدنيا الا بمقابلة لما هو فى جهة ومكان فهل يصح ان تقع بدون المقابلة والجهة والمكان ليصبح تعلقه بذات الله تعالى مع التنزيه عن الجهة والمكان المقام الثانى فى جوازها عقلا والثالث فى وقوعها سمعا اما المقام الثانى فقال الامدى اجمع الائمة من اصحابنا على ان رؤية الله تعالى فى الدنيا والاخرة جائزة عقلا واختلفوا فى جوازها سمعا فى الدنيا فأثبته قوم ونفاه @ اخرون وهل يجوز ان يرى فى المنام فقيل لا وقيل نعم والحق انه لا مانع من هذه الرؤية وان لم تكن رؤية حقيقية ولا خلاف عندنا انه تعالى يرى ذات المقدسة والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لدى الحواس واختلفوا فى رؤيته لذاته واما المقام الثالث فقد أطبق اهل السنة على وقوع الرؤية فى الآخرة واختلفوا فى وقوعها فى الدنيا ومقصود المصنف فى هذا المقام الاستدلال على وقوعها فى الآخرة فقدم الاستدلال عليه بالنقل ثم بالعقل ثم استدل بالنقل ايضا على الجواز على انه يلزم من ثبوت الوقوع فى الآخرة بدليله ثبوت الجواز ثم استدل بالعقل على الجواز فقال (لقوله تعالى يومئذ) أى يوم القيامة (ناضرة) اى ذات نضرة وهى تهلل الوجه وبهاؤه (الى ربها ناظرة) اى مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه فتقديم المعمول على هذا للحصر ادعاء ويصح كونه لمجرد الاهتمام ورعاية الفاصلة دون الحصر ويكون المعنى مكرمة بالنظر الى ربها قال البكى وتقرير هذا الدليل عند الائمة ان النظر الموصل بالى ام بمعنى الرؤية او هو ملزوم بالرؤية بشهادة النقل عن ائمة اللغة اما حقيقة او مجاز عن الرؤية لكونه عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئى طلبا لرؤيته وقد تعذرت هنا الحقيقة لامتناع المقابلة والجهة فتعينت الرؤية لكونها اقرب المجازات الى الحقيقة ثم اشتهر هذا المجاز بحيث التحق بالاستعمال الحقيقى كما يشهد به العرف اه وقال النسفى النظر المضاف الى الوجه المقيد بكلمة الى لا يكون الى نظر العين وبهذا بطل قول من قال من المعتزلة ان معنى الاية نعمة ربها منتظره لان الى واحد الالاء كذا فى تهذيب الازهرى اذ النظر اذا اريد به الانتظار فانه لا يعلق بالوجه ولا يتعدى بالى كما فى قوله تعالى فناظرة بما يرجع المرسلون أى منتظرة ولان حمل النظر على الانتظار المفضى للنعم فى دار القرار سمج لما قيل الانتظار موت احمر اه من الدلائل على جواز الرؤية من الكتاب قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون خص الكفار بالحجاب تحقيرا لهم واهانة فلو لم تكن من المؤمنون بخلافهم لعم التحقير وبطل التخصيص وقال النسفى تخصيص الحجاب للكفار دليل على عدمه للابرار اه وقال الربيع سمعت الشافعى يقول فى هذة الاية علمنا بذلك ان قوما غير محجوبين ينظرون اليه لا يضامون فى رؤيته مما دل على الرؤية من الكتاب ايضا قوله تعالى للذيت احسن الحسنى وزيادة فقد ورد من طرق صحيحة مرفوعة الى النبى صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الزيادة فقال النظر الى الله تعالى واما فى السنة فلما اخرجه الشيخان من حديث أبى هريرة رضى الله عنه رفعه هل تضارون فى الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فانكم ترونه كذلك فى بعض الروايات هل تضامون وفى بعضها فانكم ترون ربكم كذلك والمقصود به تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئى بالمرئى واخرج القشيرى فى رسالته حديثا طويلا من رواية جابر بن عبد الله رضى الله عنه وفيه فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيتمتعون بنور الرحمن سبحانه حتى لا يبصر بعضهم بعضا وأحاديث الرؤية متواترة معنى فقد وردت بطرق كثيرة عن جمع كثير من الصحابة ثم انهم بعد الجواز اختلفوا هل الوقوع مخصوص بالاخرة وهو قول جماعة واحدة قولى الاشعرى وظاهر قول مالك واليه اشار بقوله (ولا يرى فى الدنيا تصديقا لقوله عز وجل لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وهو اللطيف الخبير قال النسفى فى شرح العمدة وتبعه القونوى
Page 112
فى اكثر سياقه فى شرح عقيدة الطحاوى ولا نعلق للمعتزلة بهذه الاية لان الابصار صيغة جمع وهى تفيد العموم فسلبه يفيد سلب العموم وذلك لا يفيد عموم السلب فان قوله لا تدركه الابصار نقيض لقوله تدركه الابصار وقولنا تدركه الابصار نقيض لمن يدركه كل احد باعتبار الاستغراق الحاصل من الالف واللام ولما كان نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية كان معنى الاية لا يدركه جميع الابصار ونحن نقول بموجبه فانه لا يراه الجميع فان الكافرين لا يرونه بل يراه المؤمنون ولان المنفى هو الادراك دون الرؤية وهما غير ان فكان نفى الادراك لا يدل @ على نفى الرؤية وهذا لان الادراك هو الوقوف على جوانب المرئى وحدوده وما يستحيل عليه الادراك من الرؤية نازلا منزلة الاحاطة من العلم ونفى الاحاطة التى هى نقيض الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى العلم به وكذا هنا ثم مورد الاية وهو وجه التمدح يوجب ثبوت الرؤية اذ نفى ادراك مايستحيل رؤيته لاتمدح فيه اذ كل مالا برى لا يدرك كالمعدومات وانما التمدح بنفى الادراك مع تحقق الرؤية اذ انتفاؤه مع ثبوتها دليل ارتفاع نقيضه التناهى والحدود عن الذات فكانت الأية حجة لنا عليهم ولو امعنوا النظر فى الاية وعرفوا مواقع الحجاج لاغتنموا التقصى عن عهدة الاية اه *رجع للاول ومنهم من قال وقوع الرؤية غير مخصوصة بالاخرة بل تقع فى الدنيا وهو قول الكثير من السلف والخلف من أهل الحديث والتصوف والنظر واذا قلنا بانه غير مخصوص بالاخرة فهل هو مخصوص بالانبياء أو غير مخصوص بل يجوز للولى قولان للاشعرى وعلى انه مخصوص بالانبياء فهل هو خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم أو عير خاص وبالجملة فقد اتفق الكل على وقوعها فى الاخرة لجميع المؤمنين وأما فى الدنيا فاختلف فيه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال الاول انه رأى ربه وهو قول أكثر السلف وجماعة الصوفية قال النووى وهو الصحيح الثانى انه لم ير وهو قول أكثر الاشاعرة ويعض السلف الثالث الوقف وهو اختيار القاضى عياض وبالجملة فاختلاف الصحابة فى هذة المسئلة دليل على اعتقادهم جوازها ثم هل يجوز ذلك لاولياء امته على سبيل الكرامة وطريق التبعية فى ذلك قولان للاشعرى وأكثر أهل التصوف خصوصا المتأخرين على أن ذلك يجوز كرامة وكرامة أولياء الله تعالى معجزة له صلى الله عليه وسلم هذا حال اليقظة وأما فى النوم فاتفق الاكثر على جوازه ووقوعه ثم هذا المعتقد أما جوازه فيصح التمسك فيه بالسمع والعقل وأما الوقوع فليس الا بالسمع اذا العقل لا يهتدى وقد أورد المصنف على جوازه دليلا من الكتاب وأوردنا معه دلائل من أخر الكتاب ثم أورد دليلا ثانيا فقال (ولقوله تعالى فى خطاب موسى عليه السلام) حكاية عنه اذا قال رب أرنى أنظر اليك قال (لن ترانى) ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترانى ووجه الاستدلال من وجهين أحدهما انه لولم تجز الرؤية لما طلبها موسى عليه السلام واللازم باطل بالاجماع وتواتر الاخبار بيان اللزوم أن موسى عليه السلام عالم بما يجوز على الله تعالى وما يستحيل عليه والا يلزم الجهل وهو محال على الانبياء واذا كان عالما بما لايجوز والرؤية ممالايجوز على ذلك التقدير يكون طلبه للرؤية عبثا وذلك على الانبياء محال واليه أشاؤ المصنف بقوله (وليت شعرى كيف عرف المعتزلى) القائل بعدم جواز الرؤية (من صفات رب الارباب ماجهله موسى عليه السلام) مع انه نبى كريم من أولى العزم من الرسل أرأيت المعتزلى أعرف بالله تعالى منه مع أن المقصود من بعثة الانبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة الى العقائد الدينية الحقة والاعمال الصالحة (وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالا ولعل الجهل بذوى البدع) المضلة (والاهواء) المختلفة (من الجهلة) يمعانى كلام الله تعالى (الاغبياء) البلداء (أولى من الجهل بالانبياء صلوات الله عليهم) وسلامه وحاصل هذا الاستدلال ان سؤال موسى عليه السلام اياها دليل على انه كان يعتقد انه كان جائز الرؤية والوجه الثانى انه تعالى علق الرؤية بشرط متصور الكون وهو استقرار الجبل فدل على انه جائز الوجود اذ تعليق الفعل بما هو جائز الوجود يدل على جوازه كما أن التعليق بما هو ممتنع الوجود أو متحقق الوجود يدل على امتناعه أو تحققه والدليل على أن استقرار الجبل ممكن الثبوت قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا أخبر انه جعله دكا لاانه اندك بنفسه وماأوجده الله تعالى كان جائزا أن لا يوجد لولم يوجده الله تعالى اذ الله تعالى مختار فيما يفعل فاذا جعل الجبل دكا باختياره وكان جائزا أن لا يفعل دل على جواز وجوده قاله النسفة وفى الأية وجوه أخر دالة على جوازها منها انه تعالى ما أيسه وما عاتبه عليه ولو@ كان ذلك جعلا منه بالله تعالى خارجا عن الحكمة لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله انى أعظك أن تكون من الجاهلين حيث سأل انجاء ابنه من الغرق بل هذا أولى بالعتاب لان هذا لو كان جهلا منه بربه لبلغ مرتبة الكفر وذلك لم يبلغ هذه الرتبة فان قالوا مراده أرنى ايه من اياتك قلنا لو كان المراد كذلك لقال أنظر اليها ولقال لن ترى اياتى ومنها قوله لن ترانى فانه يقتضى نفى الوجود لا الجواز اذ لو كان ممتنع الرؤية لكان الجواب أن يقول لست بمرئى أولا تصح رؤيتى ولمالم يقل ذلك دل على انه مرئى اذ الموضع موضع الحاجة الى البيان ألا ترى أن من فى كمه حجر فظنه انسان طعاما وقال له أعطنيه لاكله كان الجواب الصحيح انه لا يؤكل أما اذا كان طعاما صح أن يقول المجيب انك لن تأكله ويجوز على الانبياء الريب فى أمر يتعلق بالغيب فيحمل على أن مااعتقد جائز ولكن ظن أن ما اعتقد جوازه تأخر فيرجع النفى فى الجواب الى السؤال وقد سألها فى الدنيا فينصرف النفى اليها اذ الجواب يكون على قضية السؤال فتأمل وأما الاستدلال عقلا فأشار المصنف الى ذلك بقوله (وأما وجه اجراء اية الرؤية) وهى قوله تعالى الى ربها ناظرة (على الظاهر) فقد العقل على جوازه وذلك (انه غير مؤد الى المحال) فوجب أن لا يعدل عن الظاهر اذ العدول انما يجوز عند عدم امكانه لامع امكانه ثم علل قوله غير مؤد الى المحال بقوله (فان الرؤية نوع كشف وعلم) للمدرك بالمرئى يخلق الله هذا النوع عند مقابلة الحاسة للمرئى بحسب ما جرت به العادة الالهية (الا انه أتم وأوضح من العلم) أى ان مسمى الرؤية هو الادراك المشتمل على الزيادة على الادراك الذى هو على جلى كما قدما أول هذا الاصل اذ هو العلم الذى لا ينقص منه قدر من الادراك (فاذا جاز تعلق العلم به) من غير أن ينقص منه قدر من الادراك (وليس فى جهة) أى من غير مقابلة بين الباصرة والمرئى فى جهة مع تلك المقابلة مسافة خاصة بين الحاسة والمرئى الكائن فى تلك الجهة ومن غير احاطة بمجموع المرئى (جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة) وقولى من غير مقابلة الخ فيه دفع لقول المعتزلة والحكماء القائلين بان من شرائط الرؤية مقابلة المرئى للباصرة فى جهة من الجهات وقولى مع تلك المقابلة مسافة خاصة رد على قولهم ان من شرائط الرؤية عدم غاية البعد بحيث ينقطع ادراك الباصرة وعدم غاية القرب فان المبصراذا التصق بسطح البصر بطل ادراكه بالكلية ولذلك لا يرى باطن الاجفان وقولى من غير احاطة بمجموع المرئى اشارة الى نفى كون الرؤية تستلزم الاحاطة بالمرئى لتكون ممتنعة فى حقه تعالى لانه لا يحاط به قال تعالى ولا يحيطون به علما والحاصل انه يجوز عقلا أن يخلق القدر المذكور من العلم فى الحى على وفق مشيئته تعالى من غير مقابلة لجهة أخرى وقولى بمجموع المرئى فيه تنبيه على انه اذا اثبت أن المجموع المتركب من أجزاء متناهية برى دون احاطة فالذات المنزهة عن التركيب والتناهى والحدود والجهة أولى بان تنفلت رؤيتها عن الاحاطة والدليل على جواز أن يخلق الله قدرا من العلم من غير مقابلة بحاسة البصر أصلا ماورد فى الصحيحين من حديث أنس رفعه أتموا صفوفكم فانى ارأكم من وراء ظهرى وعند البخارى وحده عن أنس أقيموا صفوفكم وتراسوا وعند النسائى استووا استووا استووا فوالذى بيدء انى أراكم من خلفى كما أراكم من بين يدى والدليل على قولنا من غير احاطة رؤيتنا السماء فانا نراها ولا نحيط بها وقد ظهر مما تقدم أن المصنف استدل لجواز الرؤية من غير جهة صريحا ومن غير احاطة ضمنا بوقوع أمور ثلاثة الأول والثالث منها لجوزاها من غير مقابلة لجهة ومن غير مسافة خاصة والثانى لجوزاها من غير احاطة وقد أشرنا الى الأول والثانى وأشار الى الثالث بقوله (وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق) أى كون ذلك القدر من العلم المسمى بالرؤية مشبها فى كونه دون مقابلة رؤية الله تعالى ايانا فانه تعالى يرى خلقه (وليس فى مقابلتهم) فى جهة باتفاق منا ومن المعتزلة (جاز أن يراه الخلق من غير مقابلة) فالرؤية نسبة خاصة بين طرفى راء ومرئى @ فان فرض ان تلك النسبة تقتضى عقلا كوم أحدهما فى جهة اقتضت كون طرفها الأخر كذلك فى جهة لاشتراكهما فى التعلق فاذا ثبت بوفاق الخصمين عدم لزوم ذلك فى أحد طرفيها لزم فى الطرف الاخر مثله فكان الثابت عقلا نقيض مافرض فثبت انتفاء ما فرض وان فرض اللزوم فى أحد الطرفين وعدمه فهو تحكم محض ويقال فى الاستدلال على جواز الرؤية أيضا (كما جاز أن يعلم) البارى سبحانه (من غير كيفية وصورة) لما قلنا ان الرؤية نوع علم خاص يخلقه الله تعالى فى الحى غير مشروط بمقابلة ولا غيرها مما ذكر لا يقال ان الرؤية فى الشاهد لا تنفك عن حصول المقابلة فى الجهة والمسافة بين الرائى والمرئى وحصول احاطة الرائى ببعض المرئيات وحصول ادراك صورة المرئى فليكن فى الغالب كذلك وان ذلك فى حقه باطل تنزه البارئ تعالى عن ذلك فانتفت الرؤية فى حقه لانتفاء لازمها لانا نقول حصول المسافة والمقابلة والاحاطة والصورة فى الرؤية فى الشاهد لاتفاق كمون بعض المرئيات كذلك أى تتصف بالمقابلة على المسافة المخصوصة بالاحاطة به وبالصورة لكونه جسما لا لكون الامور المذكورة معلولا عقليا لهذا النوع من العلم المسمى رؤية مع انتفاء العلوم المذكورة على ما بين بالاستدلال السابق والمعلول لا يثبت مع انتفاء علته والا لم يكن علة له فتأمل وقال النسفى فى شرح العمدة زعمت المعتزلة والزيدية والفلاسفة والخوارج ان فى العقل دلالة استحالة رؤيته لانه لابد لها من مقابلة بين الرائى والمرئى وذالا يصح الا فى المتحيز ومسافة مقدرة بين الرائى والمرئى بحيث لا يكون قربا مفرطا واتصال شعاع عين الرائى بالمرئى وكل ذلك مستحيل على الله تعالى وأكدوا هذا المعقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فقد تمدح بانتفاء الرؤية عن ذاته اذ الادراك بالبصر هو الرؤية كما تمدح بأسمائه الحسنى فى سياق الاية وسباقها وكل ما كام عدمه مدحا كان وجوده نقصا وهو على البارى لا يجوز فى الدارين والدليل على انه تمدح به وروده بين المدحين اذ ادراج غير المدح بين المدائح مما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع وأكثر المعتزلة على انه تعالى يرى ذاته ويرى العالم ثم أورد الجواب عن الاية بما تقدم بيانه قريبا ثم قال وما قالوا من اشتراط المقابلة وثبوت المسافة واتصال الشعاع وتحقق الجهة باطل فان الله تعالى يرانا من غير مقابلة ولا اتصال شعاع ولاثبوت مسافة بيننا وبينه ولا جهة ومن أنكر ذلك منهم فهو محجوج بقوله تعالى ألم يعلم بان الله يرى وهو السميع البصير والعلل والشرائط لا تتبدل بالشاهد والغائب وقد تبدلت فعلم انها من أوصاف الوجود دون القرائن اللازمة للرؤية فلا يشترط تعديها وهذا لان الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فان كان فى الجهة يرى فى الجهة وان كان لا فيها يرى لا فيها كالعلم فان كل شئ يعلم كما هو فان كان فى الجهة يعلم فى الجهة وان كان لافى الجهة يعلم لافى الجهة وبهذا تبين ان العلة المطلقة للرؤية الوجود لانها تتعلق بالجسم والجواهر والعرض فلا نفرق بين السواد والبياض والاجتماع والافتراق بحاسة البصر فعلم ان العرض مرئى وكذا غيره لانا نرى الطويل والعريض وذلك ليس بجواهر متألفة قى صفة مخصوصة والحكم المشترك يقتضى علة مشتركة لان تعليل الاحكام المتساوية بالعلل المختلفة ممتنع والمشترك بين هذه الاشياء اما الوجود أو الحدوث والحدوث لا يصلح للعلية لانه عبارة عن وجود حاصل بعد عدم سابق والعدم لا يصلح ان يكون علة ولا شطر العلة فلم يبق الا الوجود والله تعالى موجود فوجب القول بصحة رؤيته
Page 115
ومالا يرى من الموجودات فلعدم اجراء الله تعالى العادة فى رؤيتنا لا لاستحالة والوجود على مجوزة للروية لاموجبة للرؤية ولا يلزم من كون الشئ جائز الرؤية ان نراه مالم يخلق الله فينا رؤيته الا نرى ان الهرة ترى الفارة بالليل ونحن لا نراها وكذا المصروع يبصر الجن ولا يراه الحاضرون وكذا النبى صلى الله عليه وسلم كان يرى جبريل ومن عنده من الصحابة لا يرونه فان قيل هنا مشترك اخر وهو ان يكون ممكن الوجود لذلك قلنا الامكان لا يصلح علة للرؤية لان الامكان عدم فلا يصلح للعلية ولان الامكان قائم فى @ المعدومات ولا يصلح رؤيتها قال الفخر الرازى هذا التعليل ضعيف لانه يقال الجوهر والعرض مخلوقات فصحة المخلوقية حكم مشترك بينهما فلابد من علة مشتركة بينهما ولا مشترك الا الحدوث والوجود والحدوث ساقط من حيز الاعتبار لما ذكرتم فيبقى الوجود والله تعالى موجود 7 موجب صحة كونه مخلوقا وكما أن هذا باطل فكذا ما ذكرتموه ثم قال مذهبنا فى هذة المسئلة ما اختار الشيخ الامام أبو منصور الماتريدى رحمه الله انا نتمسك بالدلائل السمعية ونتمسك بالدلائل العقلية فى دفع شبهتهم وقولهم لو كان مرئيا لكام شبيها بالمرئيات باطل لان الرؤية تتعلق بالمتضادات كالسواد والبياض والحركة والسكون ولا مشابهة بينهما والله أعلم وقال البكى فى شرح الحاجبية أما الدليل العقلى على جواز الرؤية فتقريره انه تعالى البارى موجود وكل موجود يصح ان يرى فالبارى يصح ان يرى أما الصغرى فضروبة وأما الكبرى فلانا نرى الجواهر والاعراض قطعا والرؤية مشتركة بينهما وكل مشترك يجب تعليله بما هو مشترك بين تللك الاشياء ولا مشترك بين الجواهر والاعراض عملا بالاستقراء الا أحد أمور ثلاثة وهو الوجود والحدوث والامكان لا جائز ان يكون الحدوث أو الامكان اذ هما عدميان والعلة يجب ان تكون وجودية فيتعين ان يكون الوجود والموجود مشترك بالاشتراك المعنوى بين الموجودات كما برهن عليه فى محله فكل موجود يصح ان يرى عملا بالوجود المشترك وهو المطلوب وفيه تظهر جميع مقدماته ثم قال ولكن هنا اعتراض قوى وهو ان يقال وجود الصانع هو الوجود المجرد الذى هو عين ذاته وذلك لم يقع به اشتراك وانما وقع الاشتراك فى الوجود العارض المثول على وجوده ووجود الممكان
Page 116
بالتشكيك والشئ المقول بالتشكيك لا يلزم اتحاد معروضاته فى جميع أحكامه وما يقال ان علة صحة الرؤية هو متعلقها ومتعلقها هو الوجود المطلق أى كون الشئ ذا هوية ما لا حصوصية الوجودات والهويات ذالهوية المطلقة المقولة بازاء الهويات ليس الا من الاعتبارات وان مقوليتها عليها بالعرض لا بالذات وما يقال بالعرض لا يلزم اتحاد معروضاته فى أحكامه ولا يخفى على ذى فطنة ان المدرك انما هو خصوصية الوجودات لا الهوية المشتركة ثم الدليل منقوض بالملموسات فانا نلمس الجواهر والاعراض واللمس محال ان يتعلق به قال الشيخ سعد الدين وهو قوى وقال الامدى اختلف الاصحاب فمنهم من عم وقال البارى يدرك بالادركات الخمس للدليل المذكور لكن لا بنحو المعتاد بها بل كما يرى وهو قول الشيخ ومنهم من قال ان سائر الادراكات لا تعم كل موجود فان ادراك السمع خاص بالمسموعات وادراك اللمس خاص بالملموسات والبارى ليس بصوت ولا الصوت صفة له ولا كيفية ملموسة ولا هى صفة له وكذا يقال فى سائر المدركات الخمس ماعدا البصر وعلى القول بان هذة الادراكات تتعلق به على قول الشيخ فليس المراد خصوصيتها وانما هو ان نطلق الادراك من غير كيفية على مقتضى هذا الدليل أيضا جوز الشيخ تعلق الرؤية بصفاته جل وعلا وهذا لا يقتضى الوقوع اذا العقل لا مجال له فيه ولا يقتضى وقوعها وغاية الدليل ان سلم الجواز ولاجل ضعف هذا الدليل اختار المتأخرون دليل السمع ثم ساق تقريره والاستدلال به من وجهين حسبما بيناه انفا ثم قال وما تعترض به الخصوم فجهالة لا تسمع وأكثرها لا يصدر عن مسلم معترف بحق الانبياء وأما المحدث فحاله فى هذة المسئلة لا يزيد على حال الاشعرى الا بتصحيح الاحاديث الدالة على هذا المعتقد على ما يليق بجلاله تعالى ولاعبرة بالمشبهة اذ دخولهم فى أهل السنة والجماعة محل نظر اذ ليسوا منهم وأما الصوفى فيقول بجميع ما تقدم ويزيد باشارته الوجدية فيقول العبودية نسبة العبد الى ربه والربوبية نسبة الرب الى العبد ومن المعلوم عقلا ان معقول كل واحد من النسبتين متوقفة على الاخرى تعقلا ووجودا @ فادراك العبودية يكون معه ادراك الربوبية لا محالة وادراك العبودية على مراتب تخيل وهمى وعلم يقينى وذوق كشفى وشهود حسى وهذا كله خاص بالمتوجهين فالاولى لاهل الفرق من المريدين والثانية لاهل الجمع من السالكين والثالثة لاهل جمع الجمع من الواصلين والرابعة لاهل وحدة الجمع والوجود من المقربين وقد سئل سهل رحمه الله عن المشاهدة فقال العبودية وقال أيضا أربعون سنة أخاطب الحق والناس يظنون انى أخاطبهم وقد نبه المعلم الاعظم صلى الله عليه وسلم بقوله انكم سترون ربكم وقال تعالى سبحان الذى أسرى بعده فخص مواطن المشاهدة والرؤية بذكر اسم العبد والرب تنبيها على ما أشرنا اليه فاعرف ذلك وتحقق بعبوديتك فان الخير فيها ومنها فافهم اه وقال ابن فورك فى المدخل الاوسط اعلم ان رؤية الله تعلى جائزة من جهة النظر واجبة من جهة خبر الصادق فدلالة جوازه من جهة النظر ان الوصف له بانه راء من صفات نفسه كما ان وصفه بانه عالم من صفات نفسه واستحال ان يعلم غيره من لا يعلم نفسه كذلك يستحيل ان يرى نفسه كما ان شرط من يقدر يستحيل ان يقدر على نفسه ولان كل وصف لايوجب حدثه ولا حدث معنى فيه ولا قلبه عن حقيقته فجائز عليه والرؤية لا توجب حدث المرئى لانا نرى ماحدث أمس فلا يكون بالرؤية حادثا ولا حدث معنى فيه لانا نرى اللون لا يصح ان يحدث فيه معنى ولا قلبه عن حقيقته لانا نرى المختلفات فلا بنقلب أحدها عن حقيقته الى حقيقة غيره واللمس والشم والذوق يقتضى حدوث معنى فيه فلذلك لم يجز عليه اه وقد أوسع الكلام فى هذا المعتقد ابن التلمسانى فى شرح لمع الادلة ونحن نورد لك من تقريره ما تعلق به المقصود فى هذا المحل قال اعلم ان المراد بالرؤية والابصار حالة زائدة على العلم وعلى تأثير الحدقة بالمرئى وهل الادراك المقتصى لهذه الحالة خارج عن جنس العلم أو من جنسه اختلف الاشعريون فيه ونقل عن الاشعرى قولان مع الاتفاق على موافقته للعلم فى انه يقتضى كشفا ويتعلق بالشئ على ماهو عليه الا انه لا يتعلق الا بالموجود المعين والعلم يتعلق بالموجود والمعدوم والمعين والمطلق وزعمت المعتزلة ان الرؤية مشروطة بشروط منها كون المرئى مختصا بجهة مقابلا للرائى أو فى حكم المقابل كرؤية الانسان نفسه بالشعاع المنعكس ومنه انبعاث الاشعة من الحدقة واتصالها بالمرئى 7 وتشبيهها به ومنها انتفاء البعد المفرط والقرب المفرط ومنها زوال الحجب الكثيفة وصفاء الهواء لذلك يرى الجالس حول النار فى الليل وان بعد ولا يرى من فى ظله وان قرب ولما كان البارى سبحانه ليس فى جهة زعموا انه يستحيل رؤيته وساعدهم الفلاسفة على استحالة جواز رؤية واجب الوجود وان اختلفت مناهجهم فانهم يزعمون الن الرؤية ترجع الى انطباع صورة فى الحدقة والصورة مركبة ولا ينطبع الا فى مركب فلا جل ذلك قالوا لا يرى البارئ ولا يرى وأما الحثوية والكرامية وان ساعدوا على جواز رؤية الله تعالى فانما حكموا بجواز رؤيته لاعتقادهم انه فى جهة أما نحن فنقضى بجواز رؤيته مع نفى اختصاصه بالجهات فهم مخالفون لنا فى المعنى وان وافقوا فى اللفظ ثم قال وقول امام الحرمين والدليل على جواز رؤيته عقلا فاشارة منه الى انه يمكن ان يستدل على جواز الرؤية سمعا وذلك لان المطالب الالهية منقسمة الى مالا يدرك الا بالعقل وهو كل ما يتوقف صدق الرسول عليه فان مستند صحة الادلة السمعية كلها قول الرسول المدلول على صدقه فلو أثبتنا ما يتوقف اثبات المعجزة عليه بالسمع وهى لا تثبت الا بثبوته لدار ومنها ما لايمكن اثباته الا بالسمع وهو وقوع الجائزات الغيبية كالحشر والنشر والحساب والخلود فى احدى الدارين ووقوع الرؤية للمؤمنين فى الدار الاخرة من هذا القسم فلا حرم ان الامام قال ونستدل على وجوب الرؤية وانها ستكون وعدا من الله صدقا وعنى بوجوب الرؤية ههنا تحتم الوقوع للخبر والوعد الصدق وأما مالا يكون أصلا للمعجزة ولا يرجع الى وقوع جائز فيصح @ الاستدلال عليه بالعقل والسمع ان وجد او جواز الرؤية من هذا القسم فلاجل ذلك تمسك الاصحاب فيه بالمعقول والمنقول فما تمسكوا به عقلا ان قالوا حاصل الادراك علم مخصوص يخلقه الله تعالى فى العين وكما صح خلقه فى القلب صح خلقه فى العين وضعف هذا المسلك بانا نجد من أنفسنا فرقا ضروريا بين حالة تغميض أجفاننا عن الشئ مع العلم به وبين فتحها وتعلقها بالمرئى وذلك يدل على ان الادراك معنى زائد على العلم مغاير له وان درجته فى الكشف والظهور فوق درجة الشعور بالشئ حال غيبته وادراكه بعوارضه أو بادراك ماهيته وللمحتج بهذه الطريقة ان يقول ان الفرق يرجع الى كثرة العلم بالمتعلقات فان الرؤية تتعلق بالهيأت الاجتماعية التى لا يحيط بها الذهن والوصف مع الغيبة وهذه الحجة مفرعة على ان الرؤية من جنس العلوم المسلك الثانى ان ادراك الرؤية من الصفات التى تتعلق بالشئ ولا تؤثر كالعلم والخبر واذا كانت لا تؤثر فى متعلقها فلا مانع من تعلقها بالقديم والحادث وضعف هذا المسلك بان حاصله راجع الى ابطال مانع واحد من صحة الرؤية وهو التأثير ولا يلزم من نفى مانع واحد ثبوت الشئ مالم يحقق مصححه وانتفاء جميع موانعه المسلك الثالث ماتمسك به الامام وعليه اعتماد أكثر الاشعرية وهو ان البارى تعالى موجود وكل موجود يصح ان يرى فالبارى يصح ان يرى أما ان البارى موجود فقد سبق الدليل عليه وأما ان كل موجود يصح ان يرى فلان الرؤية تفاقمت فى الشاهد بالمختلفات بدليل رؤية الجواهر والاعراض وهى مختلفة فلا تخلو صحة الرؤية اما ان يكون لما به الافتراق أو لما به الاشتراك فان كانت لما به الافتراق لزم تعليل الاحكام المتساوية فى النوع بعلل مختلفة وتعليل الواحد بالنوع بالعلل المختلفة محال فتعين ان يكون لما به الاشتراك وما به الاشتراك هو الوجود أو الحدوث والحدوث لايصح ان يكون علة لصحة الرؤية فانها حكم ثبوتى والحدوث عبارة عن وجود حاضر وعدم سابق والسابق لا يكون علة للحاضر والعدم لا يجوز ان يكون جزأ من المقتضى واذا سقط الحدوث عن درجة الاعتبار لم يبق الا الوجود ومعقول ان الوجود لا يختلف شاهدا وغائبا والبارى تعالى موجود فصح ان يرى وقد أورد الفخر الرازى على هذا المسلك اعتراضات عديدة وأكد ورودها بقوله وانى غير قادر على الجواب عنها ونحن نلخصها ونجيب عنها بحسب الامكان ان شاء الله تعالى الاول لا نسلم ان صحة الرؤية أمر ثبوتى والذى يحقق ان صحة الرؤية أمر عدمى ان الصحة معقول عدمى فتكون صحة الرؤية أمرا عدميا انما قلنا ان الصحة أمر عدمى لا صحة وجود العالم سابقة على وجوده فلو كانت الصحة أمرا ثبوتيا لاستدعت محلا ثانيا لاستحالة قيام الامر الثبوتى بالنفى المحض ولو كان محلها ثابتا للزم قدم الهيولى على ماتزعم الفلاسفة أو شبيه المعدوم كما صار اليه بعض المعتزلة فالصحة اذا ليست حكما ثبوتيا واذا كانت الصحة ليست حكما ثبوتيا لزم ان لا يكون صحة الرؤية أمرا ثبوتيا لانها من افراد الصحة الثانى سلمنا ان الصحة أمر ثبوتى لكن لا نسلم صحة التعليل أصلا ورأسا كيف والشيخ أبو الحسن ممن ينفى الاحوال من المتكلمين لا يقول بالتعليل العقلى فانه لا واسطة عندة بين الوجود والعدم والعدم لا يعلل والوجوب اما واجب لذاته وهو مستغن بوجوبه عن المقتضى أو ممكن والممكان كلها تستند الى الله تعالى خلقا واختراعا فلا علة عنده ولا معقول فى العقل الثالث سلمنا صحة أصل التعليل فلم قلتم ان صحة الؤية من الاحكام المعللة فان صحة كون الشئ معلوما حكم وهو غير معلل الرابع سلمنا صحة تعليل الرؤية لكن لا نسلم ان صحة الرؤية حكم مشترك فان صحة كون السواد مرئيا مخالفة لرؤية الجوهر ولو كانتا متساويتين لصح ان تقوم احداهما مقام الاخرى ولو قامت احداهما مقام الاخرى لصح ان يرى السواد جوهرا والجوهر سوادا الخامس سلمنا ان صحة الرؤية حكم عام مشترك لكن لا نسلم امتناع تعليل الاحكام المتساوية لعلل مختلفة فان اللونية قدرمشترك ووجودها معلل بخصوصيات الالوان وهى مختلفة السادس سلمنا ان الحكم المشترك لابد له من علة مختلفة لكن لا نسلم ان الوجود مقول على الواجب والممكن بالاشتراك المعنوى وانما هو مقول بالاشتراك اللفظى أو بالتشكيك لانه لو كان @ مقولا بالتواطؤ لكان جنسا للواجب لذاته والممكن لذاته ولو كان جنسا لهما لاستدعى الواجب لذاته فصلا ويلزم منه تركيب ماهية واجب الوجود كيف والشيخ أبو الحسن ممن يوافق على انه معقول الاشتراك السابع سلمنا انه حكم عام وان الحكم العام يستدعى علة مشتركة لكن لا نسلم انه لا مشترك بين الجواهر والاعراض سوى الحدوث والوجود والاعتماد فى نفى الاشتراك فيما سواهما على الاستقراء لا يصح فانه عدم على لا علم بالعدم الثامن حرم الحصر بالامكان وبالمركب من الجواهر والاعراض ويحقق ذلك انا لم نر قط جوهرا عريا عن الاعراض ولا عرضا عريا عن الجوهر فما المانع ان يكون المصحح للرؤية كونه جوهرا على الحالة المخصوصة التاسع سلمنا انه لا مشترك سوى الوجود والحدوث لكن لا نسلم سقوط الحدوث عن درجة الاعتبار قولكم ان معقوله يرجع الى عدم سابق ووجود حاضر والعدم لا يكون علة للامر الثابت قلنا لا نسلم ان جزء الحدوث هو العدم السابق بل الحدوث عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم والوجود بصفة كونه مسبوقا كيفية حاصلة بثبوته لانها صفة للوجود والصفة العدومية يمتنع قيامها بالامر الوجودى العاشر سلمنا ان الوجود علة مشتركة لكن لم قلتم انه علم بالنسبة الى القديم فان العلة انما توجب أثرها اذا وجدت فى محلها بشرطها فان الحكم كما يعتبر فى ثبوته وجود مصححه يعتبر فيه وجود شرطه وانتفاء مانعه وحينئذ لا يلزم من وجود المصحح صحة رؤيته فان الحياة مصححة لكثير من الاحكام فى الشاهد كالالم واللذة والجهل واضداد السمع والبصر والكلام والبارى تعالى حى وجميع ذلك ممتنع عليه الحادى عشر سلمنا وجود المصحح بشرطه لكن لم قلته ان يكون مصححا فى حقنا ولا يلزم من كون الشئ مصححا ان يكون مصححا بالنسبة الى كل واحد فان صحة كون الجواهر مخلوقة معللة بامكانها ولا يصح نسبة خالقيتها الينا وكذلك كثير من الاعراض بالاتفاق الثانى عشر ماذكرتموه منقوض ببقية الادراكات من الشم والذوق واللمس فان جميع ذلك أحكام مشتركة ويستدعى مصححا مشتركا ولامشترك سوى الوجود بغير ماذكرتم فيلزم كون البارى تعال مذوقا مشموا ملموسا وذلك يفضى الى السفسطة والكفر الثالث عشر ما أورده البهشمية قالوا لو كان علة صحة الرؤية الوجود والوجود يشترك فى سائر الموجودات للزم ان لا يدرك اختلاف المختلفات لكن يدرك ذلك عند الرؤية فدل على ان الؤية تتعلق بألاخص ويتبعه العلم بالوجود الاعم وحينئذ لا يلزم من صحة رؤية بعض الممكان لتعلق الرؤية بأخصها تعلقها بكل أخص وهو كقول الاشعرى ان بعض المحدثات مكسوب للعباد وبعضها غير مكسوب لتعلق الكسب بالاخص والخصوصيات مختلفة قال الفخر الرازى بعد قوله وأنا غير قادر على الجواب عنها كما تقدم فمن أجاب عنها أمكنه ان يتمسك بهذه الطريقة قال ابن التلمسانى والجواب عنها بحسب الامكان مع التنبيه على أوقعها قوله لا نسلم أن صحة الرؤية أمر ثبوتى قلنا الدليل عليه أن الصحة نقيض لا صحة المحمول على الممتنع فالصحة أمر ثبوتى لاستحالة تقابل سلبين قوله صحة وجود العالم سابقة على وجوده الخ قلنا لا نسلم تقدم الامكان وما المانع أن يكون امكان وجود الماهية متقدما عليها بالذات وان كانا معافى الوجود كتقدم سائر أجزاء الماهيات عليها فان امكان الممكن من صفات نفسه الذاتية وسائر الصفات الذاتية متقدمة على ماهى ذاتية له وان كانا معا فى الوجود كما أن المعنوية والكونية سابقة على وجود السواد وان كانا لايوجد ان متجردين عن السوادية قوله فى السؤال الثانى لا نسلم صحة التعليل أصلا ورأسا وانه مبنى على اثبات الاحوال والواسطة قلنا الحق أن هذا الدليل لا يتم الا على اثبات الاحوال والواسطة والدليل على اثباتها أن السواد والبياض يشتركان فى المعنوية والكونية ويفترقان بالسوادية والبياضية ومابه الاشتراك غير مابه الافتراق فهذه الوجوه وكل وجه تقع به المماثلة أو المخالفة بين سائر الانواع لا يخلو اما أن تكون موجودة أو معدومة أولا موجودة ولا معدومة أو موجودة معدومة معا والاخير باطل بالقطع والاول باطل والا لكان للشئ الواحد وجودان فيتعين الثالث @ وهو ان صفات لا موجودة ولا معدومة وهى المعبر عنها بالثابت والحال ولا يقال فالاحوال أيضا مشتركة فى الحالية ومفترقة بالعموم والخصوص ومابه الاشتراك غير مابه الافتراق وقد زعمتم ان مابه الاشتراك والافتراق أحوال فيلزم اثبات الاحوال للاحوال ثم يعود التقسيم فى تلك الاحوال الثانية والثالثة ويلزم التسلسل لانا نقول انما يلزم التسلسل ان لو كان تمايز الاحوال بصفات نفسية كتمايز الانواع لكنا نقول ان الاحوال انما تتمايز بالاضافات لانها لو تمايزت بأنفسها لزم اثبات الحال للحال وتكون ذواتا فتمتاز حالة التمييز عن غيرها باضافتها الى ذات الجوهر وتمتاز العالمية باضافتها الى ذات العلم وكذلك القادرية باضافتها الى ذات القدرة وعلى هذا التقدير لا يلزم التسلسل قوله فى السؤال الثالث سلمنا صحة تعليل بعض الاحكام فلم قلتم ان صحة الرؤية من الاحكام المعللة وانها تتوقف على مصحح قلنا الدليل على توقفها انها لو لم تتوقف لصح رؤية المعدوم والموجود كما صح أن يعلما ولما تخصص محلها ولم يعم دل على افتقارها الى المصحح قوله فى السؤال الرابع لانسلم أن صحة الرؤية حكم عام مشترك بل الصحة تختلف بحسب ما يضاف اليه قلنا لا نعنى بكون الحكم عاما بالنسبة الى شيئين فصاعدا الا أن المعقول من كل واحد منهما من ذلك كالمعقول من الاخر بحيث لو سبق أيهما كان الى الذهن لم يدرك العقل تفرقه بينه وبين الاخر كالعلم من حيث هو علم بالاشياء المختلفة ولو اقتضى اختلاف المتعلق اختلاف نوع المتعلق لما عقل عموم بين شيئين البتة كذلك صحة الرؤية لا تختلف بكون المرئى جوهرا ولا عرضا ومن الدليل على انها مشتركة صحة انقسامها الى رؤيه كذا ورؤيه كذا ومورد التقسيم لابد أن يكون مشتركا قوله فى السؤال الخامس لا نسلم امتناع تعليل الاحكام المتساوية بعلل مختلفة قلنا لان الاحكام العقلية كالعالمية والقادرية لا تتميز باعتبار ذاتها اذ لا حقيقة لها من نحو ذاتها وانما تتميز باعتبار المعانى الموجبة لها فلو عللنا العالمية بغير العلم لكان ذلك قلبا لجنسها وقلب الاجناس محال لا يقال لا يمتنع اشتراك المختلفات فى لازم واحد وذلك يوجب تعليل الواحد بالنوع بالعلل المختلفة كما تقدم من أن الحصة من اللونية الموجودة معللة بخصوصيات الالوان لانا نقول لا نمنع اشتراك المختلفات فى لازم واحد كما مثلتم وانما نمنع كون الاخص علة للحصة النوعية ولان الفصل قد يكون صفة كالباقى والصفة تفتقر فى وجودها الى وجود ذلك الاعم فكيف يكون علة فى وجوده قوله فى السؤال السادس لا نسلم أن الوجود مشترك بمعنى انه مقول بالتواطؤ فلما الدليل عليه انا نعلم بالضرورة انقسام الوجود الى واجب لذاته وممكن لذاته ومورد التقسيم لابد أن يكون مشتركا ومن زعم انه مقول بالاشتراك وان وجود كل شئ حقيقته والحقائق مختلفة فيكون مختلفا لا يصح لان وجود البارى معلوم لنا وماهيته غير معلومة لنا والمعلوم غير ماليس بمعلوم وأما من زعم انه بالتشكيك على الممكن والواجب وانه لواجب الوجود أولى وأولى فنقول كون الوجود لواجب الوجود أوليا وأولو يالا بخلو اما أن يتوقف معقول الوجود على هذا القيد أولا فان توقف وجوده عليه لزم التركيب فى وجود واجب الوجود وهو محال وان لم يتوقف على تلك الزيادة لزم التواطئ قوله لو كان متواطئا لكان جنسا قلنا لا نسلم لانه لو كان جنسا لتوقف فهم ماهية ما يقال عليه على فهمه لان الجنس ذاتى ولما أمكننا أن نعقل ماهية الجة واللار وان نطلب الدليل على انهما هل هما موجودتان معدتان أم لا علم أن وجودهما غير ماهيتمهما قوله فى السؤال السابع لم قلتم انه لا مشترك الا الوجود والحدوث ليلزم من ابطال التعليل بالحدوث التعليل بالوجود قلنا اذا تقرر أن الرؤية تعلقت بالمختلفات فنقول مابه الاشتراك من هذه المختلفات لا يخلو اما أن يكون نفيا أو اثباتا والنفى لا يصلح أن يكون مصححا للرؤية والا لصحت رؤية المعدوم ولامتنعت رؤية الموجود والاثبات اما أن يتقيد بالوجد أولا فان لم يتقيد كان حالا ويلزم أن لا يرى الموجود وان تقيد بالوجود فلا يخلو اما أن يتقيد بكونه صفة أو موصوفا لا جائز أن يتقيد @ بكونه صفة والا لما رؤى الموصوف ولا بكونه موصوفا والا لما رؤيت الصفة فتعين أن يكون موجودا معالقاثم لا يخلو اما أن يكون وجود المرئى أو غيره لا جائز أن يكون غيره لوجوب اختصاص العلم بمحل فتعين أن يكون انما رؤى لوجوده قوله فى السؤال الثامن وهو خرم الحصر بالامكان فانه أيضا مشترك وبالمركب والجوهر والعرض فنقول ماذكرناه من التقسيم جائز فان الامكان لا يخلوا ما أن يكون عدما أو ثبوتا لا يتقيد بالوجود أو يتقيد بالوجود فان كان عدما أو ثبوتا لا يتقيد بالوجود لزم ان لا يرى الموجود وان تقيدا بالوجود لزم التركيب فيها لزم نقض العلة العقلية وتخلف الحكم عن العلة وهو محال بيان اللزوم انه لو كان المجموه علة للثبوت لكان عدم كل واحدة من ذلك المجموع علة لعدم تلك العلية فان المجموع يكفى فى عدمه بعض اجزائه فان انعدمت بعدم أحد جزأيها ثم انعدم بعد ذلك الجزء الاخر فلا يخلو اما أن يوجب عدم ذلك الجزئ الثانى عدم العلية أولا فان لم يوجب عدمها لزم أن لا يكون عدم أحد الجزأين علة لعدم المركب وقد فرضناه علة هذا خلف واذا وجب عدمه كان تحصيلا للحاص وانه محال وبهذا يندفع ما ذكره من احتمال التعليل بالمركب من الجوهر والعرض ويبطل التعليل بموجودين بوجه اخر وهو أن العلة يقتضى خكمها لنفسها وجهة الاقتضاء وصف لها ويمتنع حصول الصفة الواحدة بموجودين قوله فى السؤال التاسع لا نسلم سقوط الحدوث عن درجة الاعتبار وان الحدوث هو الوجود المقيد بمسبوقية العدم والمسبوقية أمر يقارب الوجود وان ذلك كيفية وصفه للموجود قلنا الحدوث صفة اعتبارية لا حقيقية لانها لو كانت صفة حقيقية ثبوتية لامتنع القول بقدمها ولو كانت حادثة وحدوثها صفة ثابتة قائمة بها لزم قيام المعنى بالمعنى والتسلسل فتعين أن الحدوث لا يعقل الا بشركة من العدم والعدم لا يصح أن يكون علة ولا جزأ من العلة قوله فى السؤال العاشر انه كما يعتبر فى ثبوت الحكم ثبوت العلة ولابد أن تكون موجودة بشرطها وانتفاء مانعها فلم قلتم ان الامر ههنا كذلك بالنسبة الى القديم قلنا العلة يقتضى حكمها لنفسها أينما وجدت وما يقتضى لنفسه وذاته لا يتأخر مقتضاء عن تحقق ذاته فلو توقف اقتضاؤه على شرط وانتفاء مانع لكان ذلك الشرط والانتفاء جزأ من علة اقتضائه ويعود المحذور من تركيب العلة لا يقال فالعلم بقتضى كون محله عالما وهو مشروط بالحياة لان مقول الحياة شرط فى وجود العلم فى اقتضائه قوله فى السؤال الحادى عشر لم قلتم انه اذا كان مصححا فى الحكم يلزم أن يكون مصححا بالنسبة الى كل أحد حتى يلزم أن يصحح رؤيته لنا قلنا حكم العلة العقلية يجب طرده وقد حققنا انه مصحح بالنسبة أيضا فيما تعلقت به رؤيتنا وانه مشترك وقوله ان صحة خلق الجواهر معللة بامكانها ولا يصح بالنسبة الينا قلنا لا نسلم ثبوت حكم الخالقية لنا فى صورة ما ليلزم من تعين علتها أن يطرد فى صحة خلق الجواهر لنا فان قبل فيلزم منكم ذلك فى الكسب الذى أثبتموه فانكم وان نفيتم عن العبد الخالقية لم تنفوا عنه الكسب قلنا لانسلم ان تعلق أكسابنا ببعض الافعال كان بمعنى يوجد بالنسبة الى حدوث الجواهر ولا يتم النقض مالم تعينوا مشتركا وهو علة الكسب لنا وتحققوه فيما سلم امتناع تحقق الكسب فيه قوله فى السؤال الثانى عشر ماذكرتموه ينتقض ببقية الادراكات كالشم والذوق واللمس فان دليلكم مطرد فيه ولا يصح تعلقها به تعالى قلنا من مقدمات دليلنا ان الابصار تتعلق بالمختلفات بالجواهر والاعراض بالضرورة وهذة قضية مدركة بالحس ولا نسلم تعلق بقية الادراكات بالمختلفات فان كل ادراك منها يتعلق بنوع من الاعراض فلم يطرد الدليل وأجاب بعض الاصحاب بان هذه لا تنفك عن اتصالات جسمانية فيمتنع تعلقها به تعالى بخلاف الرؤية ولقائل أن يقول على هذا ان صح اثبات الرؤية بدون اشتراط بنية مخصوصة وانبعاث أشعة واتصالها بالمرئى وان المرئى فى غير جهة من الرائى وان جميع ذلك شروط @ فى العادة لا فى العقل فما المانع من تعلق هذة الادراكات بدون الاتصالات وان تلك الاتصالات شرط فى العادة لا فى العقل قوله فى السؤال الثالث عشر لو كان المصحح هو الوجود لم ندرك اختلاف الاشياء قلنا اذا شاهدنا وجود شئ أدركنا ذلك منه شيئا لادراك وجوده كما قالت البهشمية ان الرؤية تتعلق بأخص وصف الشئ ويتبعها العلم بوجوده مع حكمهم بان الحال لا يوصف بانها معلومة وان لم تكن معلومة فكيف يقضى بانها مدركة بالحس فان قالوا ما صرنا اليه أدخل فى العقول فان العلم بالاخص يستلزم العلم بالاعم والوجود أعم وما صرتم اليه غير لازم فى العقل وهو ان ادراك الاعم وهو الوجود يتبعه ادراك الاخص قلنا العلم بالاخص انما يستلزم العلم بالاعم الذاتى أما الاعم العارض فغير مستلزم له والوجود عندكم عارض على الماهيات فاتكم أثبتموها فى العدم عربه عن الوجود ثم زعمتم أن الوجود يعرض لها من الفاعل المختار فاذا لم يلزم من ادراك ماهية ما وتميزها على أصولكم ادراك كونها موجودة اما نحن فنعتقد أن وجود الماهية لا يفارقها بل متى ثبتا ثبتا معا ومتى انتفيا انتفيا معا واذا كان كذلك فلا مانع انه متى أدرك أحدهما ادرك الاخر ونحن لا ندعى ذلك لزوما عقليا بل بمجرد العادة وأقدح هذة الاسئلة منع أصل التعليل والنقض ببقية الادراكات فمن ثم اعتمد بعض الاصخاب فى الجواز على السمع وأنا أقول ان هذه الطريقة مبنية على مغالطة وهى انهم بنوا الامر فيها على أن الرؤية لابد لها من مصحح والمصحح هو مالا يثبت الشئ الا مع ثبوته كالحياة بالنسبة الى العلم والعلم بالنسبة الى الارادة ولا يلزم من وجود مصحح وجود ماهو مصحح له فاذا المصحح من قبيل الشروط لا من قبيل العلل وقد اعتمدوا فى تعيين الوجود على الزام العلل من امتناع التعليل بالعدم ووجوب تعليل المشترك بعلة مشتركة ووجوب الاطراد ومنع التركيب والشروط ليست كذلك فان الشئ الواحد يصح أن يكون مشروطا بأشياء ويصح أن يكون شرطا فى أشياء والشرط لا يؤثر فى المشروط فيصح أن يكون وجودا وعدما ثم قرر احتجاج أبى الحسن على جواز الرؤية بالسمع بقول الكليم عليه السلام بما تقدم ذكره وزاد قالوا انما سأل لقومه لا لنفسه لانه عالم بامتناعه عليه قلنا لو كان كذلك لكان ذلك تأخير اللبيان عن وقت الحاجة وانه لا يجوز ألا ترى انهم لما قالوا له اجعل لنا الها كما لهم ألهة عجل الجواب فقال انكم قوم تجهلون قالو سأل خلق علم ضرورى لما علمه بالنظر قلنا العلوم بعد حصولها كلها ضرورية فلا معنى لطلب تحصيل الحاصل ثم قرر هذا الدليل من وجه ثان ونسبه للفخر بانه علق رؤيته على استقرار الجبل على ما سبق بيانه وزاد ولا يرد عليه انه لا يلزم من كونه ممكنا فى نفس الامر أن يكون ممكنا مع تقدير التجلى فان الممكن فى نفسه قد يمتنع لغيره كيف وسياق الاية يدل على خلاف ماذكره فان المفهوم منه التنبيه على غاية البعد وهو كقوله حتى يلج الجمل فى سم الخياط ثم قال وأقرب من هذا كله ان الله تعالى أخبر أن الرؤية ستكون للمؤمنين فى الدار الاخرة وقولها حق ووعده صدق ولا يقع الا جائزا قكل ما يدل من السمع على انه سيقع يدل على جوازه صم قال وزعموا فى جواب موسى الكليم عليه السلام لن ترانى ان لن تقتضى النفى على التأيدد قلنا لن لا تدل الا على مجرد النفى فى الاستقبال ولا اشعار لها بالتأييد بدليل قوله تعالى فى عدم تمنى اليهود الموت ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيدهم وهو يتمنونه فى النار ولو سلم اشعارها بالتأييد فهو بحسب ما سأله الكليم وهو انما يسأل رؤية فى الدنيا فلا ينفى ذلك وقوع الرؤية فى الاخرة* (فصل) * قال النسفى فى شرح العمدة زعمت طائفة من مثبتى الرؤية باستحالة رؤيته تعالى فى المنام لان مايرى فى المنام خيال ومثال والله يتعالى عن ذلك ولان النوم حدث فلا يليق حالة الحدث بهذه الكرامة وجوزها بعض أصحابنا بلا كيفية وجهة ومقابلة وخيال ومثال كما عرفنا فى اليقظة تمسكا بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم رأيت ربى فى المنام البارحة وتشبثا بالمحكى عن السلف فانه روى @ عن أبى يزيد انه قال رأيت ربى فى المنام فقلت كيف الطريق اليك فقال اترك نفسك وتعال ورأى أحمد بن خضرويه ربه فى المنام فقال يا أحمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطالبنى وروى عن أحمد الزيات وأبى الفوارس شاه بن شجاع الكرمانى ومحمد بن على الترمذى والعلامة شمس الائمة الكردرى رحمهم الله انهم رأوه وقد حكى لى متعلم زاهد كان يختلف الى ببخارى انه رأه وقد رأيت فيها شاب متعبدا لا يختلط بالناس وكان يرى فى الليالى فسألت عن حاله فقالوا انه رأى ربه ولان ما جاز رؤيته فى ذات لا يختلف بين النوم واليقظة وذلك لان الرائى فى النوم هو الروح لا العين وذلك نوع مشاهدة يحصل فى النوم واذا جاز هذا فى اليقظة لقوله عليه الصلاة والسلام أعبد الله كأنك تراه فلان يجوز فى النوم والروح فى حالة النوم أصفى أولى والرائى فى النوم الروح وهو لا يوصف بالحدث قولهم ما يرى فى النوم خيال ومثال لا نسلم بانه منحصر فى ذلك وهذا الكلام منكم نظير قول المعتزلة ان ما يرى فى الشاهد جسم أو عرض أو جوهر والبارى منزه عن ذلك فلا يرى فكل ما أجبنا لهم ثم فهو جواب لكم * (فصل) * قال النسفى العدوم ليس بمرئى كما انه ليس بشئ وهاتان مسئلتان أما الاولى فقد جرت المناظرة فيها بين الامام الزاهد نور الدين الصابونى والشيخ رشيد الدين فقال الامام الطريق فيه النقل والعقل أما النقل فقد أفتى أئمة سمرقند وبخارى على انه غير مرئى وقد ذكر الامام الزاهد الصفار فى اخر كتاب التلخيص على أن المعدوم مستحيل الرؤية كذا المفسرون ذكروا فى التفاسير أن المعدوم لا يصلح أن يكون مرئى الله تعالى وكذا قول السلف من الاشعرية والماتريدية ان الوجود علة جواز الرؤية ناطق بهذا اذ العلة العقلية شرطها أن تكون مطردة معكسة وأما العقل فلان الشعر الاسود بياضه معدوم فى الحال لا يخلو اما أن يراه فى هذا الشعر أو فى شعر اخرأولا فى محل فان رأه فى هذا الشعر فقد راه أسود وأبيض فى حالة واحدة وهو محال وان راه لا فى محل فهو محال والمحال ليس بمرئى اجماعا وكذا فى الشخص الحى ان رأى موته فيه فقد راه حيا وميتا فى زمان واحد وان راه فى شخص اخر فيكون الموت صفة ذلك الشخص وان لافى محل فكما مر قال الشيخ فان كانت موجودة فى الازل على هذه الهيأت وكان الله رائيا لها فى الازل كما هو راء لها فى الحال قال الامام هذا قول بقدم العالم لانك صرحت بانها موجودة فى الازل وان قيدت بقولك فى علم الله وفيه تناقض لان المحدث لايكون موجودا فى الازل فانها لو كانت موجودة فى الازل لكان ايجاد البارى اياها ايجاد الموجود ولان المحدثات لو كانت موجودة فى علم الله تعالى لكان الله تعالى رائيا للموجود لا للمعدوم وهذا بمعزل عن الخلاف والخلاف انما وقع فى رؤية المعدوم قال الشيخ الرؤية صفة الله تعالى وهى كاملة غير قاصرة كسائر صفاته ولو لم يكن المعدون مرئيا له لتطرق القصور فى صفته وهو منزه عنه قال الامام نعمن لا قصور فى صفته لكن الواحد 7 تحت صفاته مالا يستحيل اضافته اليه لا مالا تسحتحيل فالقدرة صفة الله تعالى ثم ما يستحسل أن يكون مقدور الا يستقيم اضافة القدرة اليه كذات الله تعالى وصفاته والمستحيلات كالولد والصاحبة والجمع بين الضدين فكذا هنا رؤية كاملة ولكن المعدوم لما لم يصلح أن يكون مرئيا لا تستقيم اضافة رؤيته اليه قال الشيخ لما كان البارى قديما بصفاته كانت رؤيته قديمة فلو لم تكن المحدثات مرئية له فى الازل والخلق صفة قديمة له والمخلوق لم يكن فى الازل وحين أوجده صار مخلوقا له بعد ان لم يكن مخلوقا له فى حال العدم ولم يقع التغير فى صفة الخلق هكذا هنا المحدثات حين كانت معدومة لم تكن مرئية له لاستحالة رؤيته وحين وجدت صارت مرئية له ولا يقع التغير فى صنعته واعلم انا لانقول انه تعالى راء للعالم فى الازل ولا كنا نقول انه رأى فى الازل لانا لو قلنا بانه راء للعالم فى الازل لاقتضى وجود العالم فى الازل وهو محال وحين وجد العالم نقول بأنه خالق للعالم وهذا التغير وقع فى المضاف اليه لا فى المضاف قال الشيخ اذا جاز أن يكون العالم معلوما له فى الازل وان @ لم يكن موجودا فلم لا يجوز أن يكون مرئيا له فى الازل وان لم يكن موجودا قال الامام قياس الرؤية على العلم لا يستقيم لان العلم يتعلق بالمعدوم والموجود وأما الرؤية فلا تتعلق الا بالموجود فلما ال البحث الى هذا رجع الشيخ وقال ان المعدوم ليس بمرئى وهذة الاسئلة والاجوبة كانت بالفارسية فنقلتها بالعربية قلت وقد نقلت هذا السياق من الكتاب من نسخة سقيمة فليتأمل الناظر فيه ثم قال وأما المسئلة الثالثة فنقول ان المعدوم اذا كان ممتنع الوجود فقد اتفقوا على انه نفى محض وليس بشئ ولا بذات واما المعدوم الذى يجوز وجوده ويجوز عدمه فقال أصحابنا انه قبل الوجود نفى محض وليس بشئ ولا بذات وقول قول أبى الحسن البصرى من المعتزلة وقال جمهور المعتزلة انها ماهيات وحقائق وذوات حالتى وجودها وعدمها والحاصل انه لايمكن تقرر الماهيات منفكة عن صفة الوجود عندنا لان الماهيات لو كانت متقررة حال عدمها لكانت موجودة حال عدمها فيلزم كونها موجودة حال كونها معدومة وهو محال وهذا لان الماهيات لو كانت متحققة فى الخارج حال عرائها عن الوجود لكانت متشاركة فى كونها متحققة خارج الذهن أمرا مشتركا زائدا على خصوصياتها ولا معنى للوجود الا هذا التحقق فيلزم ان يكون حال عرائها عن الوجود كانت موصوفة بالوجود واحتجوا بأن المعدومات متميزة فى أنفسها وكل ما يتميز بعضه عن البعض فهى حقائق متعينة فى أنفسها ولا معنى لقولنا المعدوم شئ الا هذا وهذا لانا نعلم ان غدا تطلع الشمس من مشرقها لا من مغربها وهو ان الطلوعين معدومان فى الحال ونحن نعلم الأن امتياز كل واحد منهما عن الأخر وهذا يدل على وقوع الامتياز فى المعدومات والدليل على ان كل متميز ثابت متحقق لان المتميز هو الموصوف بصفة لاجلها امتاز عن الأخر ومالم تكن حقيقته متقررة امتنع كونها موصوفة وبالصفة الموجبة للامتياز والجواب ان ماذكرتم منقوض بالممتنعات فانا نقول شرك الاله محال والجمع بين الوجود والعدم ممتنع وحصول الجسم الواحد فى ان واحد فى مكانين محال وتميز بين كل واحد منهما مع ان هذه الممتنعات نفى محض وليست ذوات ولا حقائق وماهيات بالاتفاق ولان الوجود والثبوت مترادفان عند العقلاء فلو كانت ثابتة فى الازل لكانت موجودة فيه وهو محال وقوله تعالى ان زلزلة الساعة شئ عظيم عند وجودها وتمسكهم بقوله تعالى انما قولنا لشئ اذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقوله ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله حيث سمى ما سيكون أو سيفعله غدا شيئأ ليس بشئ لان هذا من قبيل اطلاق اسم الشئ باسم ما يؤل اليه على ان هذا يقتضى اطلاق الشئ على المعدوم ولا يقتضى كون المعدوم ذاتا وماهية وحقيقة وعرضا وحركة وأنتم قائلون بذلك كله وكأن ماذكرتم من النقوض مختلا والله اعلم (الاصل العاشر العلم بأن الله عز وجل واحد) ان قلت لما أخر المصنف لتوحيد مع انه المقصود الاهم الذى دعا اليه الانبياء عليهم الصلاة والسلام قلت لما كان التوحيد وهو اعتقاد الوحدانية فى الذات والصفات والافعال وكان ماتقدم من الوجود والقدم وسنر
Page 124
ما عقد عليه الاصول السابقة أوصاف للبارى سبحانه كل منها مت متعلقات التوحيد اقتضى ذلك تقديمها ليعلم ماتوحدت به ذاته تعالى من سائر الذوات من الازلية والابدية والتعالى عن الجسمية والجوهرية والعرضية فان قلت فلم لم يقدم التوحيد على الكلام فى الاستواء والرؤية قلت لان الكلام فى ذلك تتمة للكلام على نفى الجسمية ونحوها واعلم ان الوحدة تكلف بمعنى انتفاء قبول الانقسام وبمعنى انتفاء الشبيه والبارى تعالى واحد بكل من المعنيين أيضا أما الاول فلتعاليه عن الوصف بالكمية والتركب من الاجزاء والحد والمقدار وأما الثانى فحاصله انتفاء المشابه له تعالى بسائر الوجوه حتى يستحيل أن يوجد واجبات فأكثر وهذه الاستحالة هى التى اعتمد عليها هذا الاصل لاثباتها بالدليل وقوله (لا شريك له) الشريك فعيل من الشركة وهو كون الشئ بحيث يتحد مع غيره فى شئ موضوعا كان أو محمولا صفة أو موصوفا متعلقا أو اثرا ثم أكده بقوله (فرد) أى منفرد بصفات الجلال وصفات الاكرام (لا تدله) أى لا شبيه له ثم ان الوحدانية هى الصفة الخامسة من الصفات السلبية كما أشرنا اليه @ أولا وهى عبارة عن سلب التعدد فى الذات والصفات والافعال فوحدانية الذات تنفى التعدد المتصل بأن يكون ذاتا مركبة من جواهر واعراض والتعدد المنفصل بأن تكون ذات تماثل ذاته ووحدانية الصفات تنفى التعدد المتصل بأن تكون له قدرتان وارادتان وعلمان فأكثر الى أخرها والتعدد المنفصل بأن تكون صفة فى ذات تماثل صفاته الازلية ووحدانية الافعال تنفى أن يكون فعل أو اختراع أو ايجاد لغيره تعالى من الممكان واليه اشار بقوله (انفرد بالخلق والابداع واستبد) أى استقل (بالايجاد والاختراع) وقد تقدم ان الاختراه خاص بالله عز وجل والفعل يطلق على القديم والحادث الا أنه فى حق الله تعالى حقيقة لانه هو الذى اخترعه وأما فى حق الحادث فمجاز وانما هو عبارة عن مباشرتهم للاشياء وتحريكهم لها والايجاد والخلق أيضا خاصات بالله تعالى (لا مثل له يشابهه ويساويه) المثل هو ما يسد مسد الشئ وقد يقال للذى يشاركه فى الصفات النفسية وقد يقال هو الذى يشارك الشئ فيما يجب ويجوز ويستحيل (ولا ضدله) فى ملكه (فينازعه ويناويه) أى يعارضه والمناواة والمنازعة يكونان على سبيل المعاندة والمعاندة هى كون 7 الشئ بحيث يستلزم كل منهما نقيض لازم الاخر وقد يقال انه يفهم منه سياق المصنف ان الوحدانية عبارة عن مجموع أمورثلاثة نفى الكثرة فى ذاته ونفى النظير فى ذاته وصفاته وانفراده بالخلق والاختراع وفى عبارة بعض المتأخرين الوحدانية عدم الاثنينية فى الذات العلية والصفات والافعال وان شئت قلت هو نفى الكمية المتصلة والمنفصلة ونفى الشريك فى الافعال عموما فجعل الافعال مندرجة تحت العدم وجعل نفى الشريك فى الافعال عموما معطوفا على نفى الكمية المتصلة والمنفصلة فاقتضى انه ليس منهما فليتأمل واذا جعلنا الوحدانية مجموع تلك الامور لا أن كل واحد منهما تتحقق به الوحدانية فيقال ان اشتمال الوحدانية على تلك الثلاثة لا يصح أن يكون من اشتمال الكل على أجزائه ولا الكلى على جزئياته أما الاول فهو مناف لقول بعض المتأخرين بأن الوحدانية عدم الاثنينية فجعلها شيئا واحدا وهو العدم المضاف الى تلك الامور فتلك الامور ليست بأجزاء لها وأما الثانى فظاهر لعدم وجود ضابط تقسيم الكلى الى جزئياته من صدق اسم المقسم على كل من الاقسام فلا يصح هنا أن يقال نفى الكثرة عن الذات وحدانية الخ أشار لذلك الشهاب الغنيمى فى حاشية أم البراهين * (فصل) * قال السنوسى فى شرح الكبرى ما حاصله ان عقود التوحيد على ثلاثة أقسام الاول مالا يثبت الا بالدليل العقلى وهو كل مايتوقف ثبوت المعجزة عليه كوجوده تعالى وقدمه وبقائه وعمله وقدرته واراداته وحياته اذ لو استدل بالسمع على هذه العقود لزم الدور الثانى مالا يثبت الا بالسمع وهو كل ما يرجع الى وقوع جائز كالبعث وسؤال الملكين والصراط والميزان والثواب والعقاب ورؤيته سبحانه وغير ذلك لان غاية ما يدرك العقل من هذه الامور جوازها أما وقوعها فلا طريق له الا السمع الثالث ما يثبت بالامرين بحيث يستقل كل منهما بالدلالة وهو ما ليس بوقوع جائز لا يتوقع ثبوت المعجزة عليه كالسمع والبصر والكلام وكجواز الامور التى اخبر الشرع بوقوعها وكحدوث العالم وقد اختلف فى معرفة الوحدانية واختلف فى صحة الاستناد فيها الى السمع وحده فقيل نعم وقيل لا والاول رأى امام الحرمين والفخر الرازى والثانى رأى بعض المحققين واليه مال شرف الدين ابن التلمسانى وهو الذى اخترت فى هذة العقيدة اه قال الغنيمى فأنت ترى الشيخ قد مال الى عدم صحة الاستناد الى السمع وحده فى معرفة الوحدانية ليكن ينبغى ان يتيقظ ان هذا الخلاف هل هو جا فى وحدة الذات وفى وحدة الصفات وفى وحدة الافعال أو هو خاص ببعضها يحتاج الى تأمل وقال الجلال الدوانى اعلم أن التوحيد أما بحصر وجوب الوجود أو بحصر الخالقية أو بحصر المعبودية قال ولقد مرت الاشارة الى دليلة فى نفى المثل وقد يستدل عليه بأنه لو تعدد @ الواجب لكان مجموعهما ممكنا لاحتياجه الى كل واحد منهما فلابد له من علة فاعلية مستقلة وتلك العلقة لاتكون نفس المجموع ولا أحدهما ولا غيرهما أما الاول فلاستحالة كون الشئ فاعلا لنفسه وأما الثانى والثالث فلامتناع كون الواجب معلولا لغيره فتأمل والثانى اشير اليه فى الاية وقد قيل انه دليل اقناعى لجواز أن يتفقا فلا يلزم الفساد والثالث وهو حصر المعبودية وهو أن لا يشرك بعبادة ربه أحدا فقد دل عليه الدلائل السمعية وانعقد عليه اجماع الانبياء عليهم السلام وكلهم دعوا المكلفين أولا الى هذا التوحيد ونهوهم عن الاشراك بالله فى العبادة قال الله تعالى أتعبدون ما تنحتوت والله خلقكم وما تعلمون اه وبه تعلم تفصيل ما أجمل فى كلام الشيخ السنوسى انفا فى اعتماده على ما مال اليه ابن التلمسانى * (فصل) * وقعت لهم عبارات فى تفسير التوحيد ففى شرح الكبرى للسنوسى نقلا عن ابن التلمسانى التوحيد اعتقاد الوحدة لله تعالى والاقرار بها وفى شرح الوسطى حقيقة التوحيد اعتقاد عدم الشركة فى الالوهية وخواصها وفى بعض حواشى شرح العقائد النسفية مثل ذلك زاد وأراد بالالوهية وجوب الوجود والقدم الذى أوتى بمعنى عدم المسبوقية بالغير وبخواصها مثل تدبير العالم وخلق الاجسام واستحقاق العبادة والقدم الزمانى والقيام بنفسه وقال بعض المحققين حقيقته اثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات فليس كذاته ذات ولا كصفته صفة وقال ذوالنون حقيقة التوحيد أن تعلم ان قدرة الله تعالى فى الاشياء بلا علاج وصنعه بلا مزاج وعلة كل شئ صنعه ولا علة لصنعه وقال بعضهم من ترك أربعا كمل توحيده وهى كيف ومتى وأين وكم فالأول سؤال عن الكينية وجوابه ليس كمثله شئ والثانى سؤال عن الزمان وجوابه ليس يتقيد بزمان والثالث سؤال عن المكان وجوابه ليس يتقيد بمكان والرابع سؤال عن العدد وجوابه هو الوحد الاحد ثم شرع المصنف فى الاستدلال على الوحدانية فقال (وبرهانه قوله تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا) وهل هذا البرهان اقناعى أو قطعى يأتى الخلاف فيه (وبيانه) أى البرهان وهو الاية أى بيان وجه دلالتهما (انه لو كانا اثنين) أى لو فرض وجود اثنين كل منهما متصف بصفات الالوهية التى منها الارادة وتمام القدرة (وأراد أحدهما أمرا فالثانى ان كان مضطرا الى مساعدته كان هذا الثانى مقصورا) قد قصرت قدرته (مقهورا عاجزا ولم يكن الها قادرا وان كان قادرا على مخالفته ومدافعته كان الثانى قويا قاهرا وكان الاول ضعيفا قاصرا ولم يكن الها قادرا) وفى بعض النسخ قاهرا ويسمى هذا البرهان عند القوم برهان التمانع وبقال له أيضا برهان التطارد وقد اختلفت عبارات القوم فى تقرير هذا البرهان بعبارات مختلفة فقال شيخ مشايخنا فى املائه على البخارى مانصه انه قد قام البرهان القاطع على وجوب عموم قدرته وارادته لجميع الممكان فلو قدر موجود له من القدرة على ايجاد ممكن ما مثل ماله تعالى لزم عند تعلق تينك القدرتين أن لا يوجد شئ من العالم بهما لما يلزم عليه من تحصيل الحاصل أو كون الاثر الواحد أثرين لان المسئلة مفروضة فيما لا ينقسم كالجوهر الفرد فلابد من عجزهما ان لم يوجد بهما ومن عجز أحدهما ان وجد بأحدهما دون الاخر ويلزم من عجز أحدهما عجز الاخر لانه مثله واذا لزم عجزهما فى هذا المكان لزم عجزهما فى سائر الممكنات اذ لا فرق وذلك يستلزم استحالة وجود الحوادث وهو محال لانه خلاف الحس والعيان واذا استبان وجوب عجزهما مع الاتفاق فمع الاختلاف أبين واليه الاشارة بالاية وقال ابن القشيرى فى التذكرة الشرقية الدليل على وحدانيته تعالى انه لو كان للعالم صانعات فصاعدا لم يخل اما أن يكونا قادرين فلو كانا قادرين على الكمال لجاز فى العقول تمانعهما بان يرد أحدهما بقاء الجسم فى حالة معينة ويريد الاخر فناءه فى تلك الحالة فاذا قدرا على تنفيذ ارادتيهما أدى ذلك الى المحال وهو أن يكون الجسم الواحد موجودا معدوما فى حالة واحدة وما أدى الى المحال فهو محال وان كانا عاجزين أو كان أحدهما عاجزا فالعاجز لا يصلح للالهية لان بينا ان الصانع قديم وعجز قديم محال لان العجز لا يكون الا عن فعل يعجز عنه ومالم يتصور الفعل لم يتصور @ العجز وتقديرالفعل فى الازل محال وان لم يكونا قادرين على الكمال فلنفرض الدليل فى أن يريد الاخر ضده ويذكر الدليل بأسره اه وقال امام الحرمين فى لمع الادلة الدليل على وحدانية الاله انا لو قدرنا الهين وفرضنا عرضين فان جوزنا ارداة أحدهما لاحد الضدين وارادة الثانى للثانى استحال نفوذ ارادتيهما واستحال أن لا تنفذ ارادتاهما جميعا لامتناع وجود الضدين والخلو منهما وان نفذت ارادة أحدهما كان الثانى مغلوبا مستمكرها وان لم يجز اختلافهما فى الارادة كان محالا اذ وجود أحدهما ووجود صفاته يستحيل أن يمنع الثانى من أن يريد ما يصح ارادته عند تقدير الانفراد والعاجز منحط عن رتبة الالهية وذلك مضمون الاية والمعنى لتناقضت أحكامهما من تقدير قادرين على الكمال وقال شارحه ابن التلمسانى ما نصه الوحدة عبارة عن سلب الكمية والكثرة والبارى تعالى واحد فى ذاته لا انقسام له وواحد فى صفاته لا نظير له وواحد فى الهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره والغرض من هذا الفصل اقامة الدليل على استحالة موجودين يوصف كل واحد منهما بالالهية والاله هو العام القدرة العام الارادة العام العلم وسائر الصفات الذى ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن فلو فرضنا الهين بهذا النعت وقدرنا فعلين متقابلين لا يمكن الجمع بينهما ولا الخلو عنهما كفرض جسم أراد أحدهما تحريكه والاخر تسكينه أو أراد أحدهما احياءه وأرادا الاخر اماتنه فلا يخلو اما أن ينفذ مرادهما معا أولا أو مراد أحدهما دون الاخر ولا مزيد فى العقل على هذه القسمة فان نفذ مرادهما لزم أن يكون الجسم ساكنا متحركا حيا ميتا فى حالة واحدة وذلك محال لانه جمع بين الضدين وان لم ينفذ مرادهما لزم الخلو عن المتقابلين ويلزم قصورهما معا ونقصهما لعدم نفوذ ارادتهما وان نفذ مراد أحدهما دون الاخر كان النافذ الارادة هو الاله الحق والثانى عاجز ناقص منحط عن رتبة الالهية ثم قال وهذه الدلالة هى التى أرشد اليها الكتاب العزيز بقوله لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا اه وقال النسفى فى شرح العمدة تقرير دلالة التمانع التى عول عليها جمهور المتكلمين هو انه ان فرض الهان قادران متماثلان فى صفات الالوهية يؤدى الى اجتماع الضدين أو عجز القادرين التماثلين أو عجز أحدهما والكل محال وما يؤدى الى المحال مخال وهذا لانا ان فرضنا الهين قادرين على جميع المقدورات فان أراد أحدهما أن يخلق فى شخص حياة والاخر أراد أن بخلق فيه موتا فان حصل مرادهما لزم الجمع بين الضدين وان تعطلت ارادتهما لم يحصل فى المحل لا هذا ولا ذاك ثبت عجز كل واحد عنهما لتعطل اردته وامتناع ما يريد اثباته بمنع صاحبه اياه اذ لولا ارادة صاحبه ضد مراده لحصل مراده ونفذت مشيئته وان نفذت ارادة أحدهما دون الاخر كان الذى تعطلت ارادته عاجزا والعاجز مستحيل أن يكون الها لان العجز من مراتب الحدوث وقال البكى فى شرح الحاجبية عدة الاشاعرة فى اثبات الواحدية من جهة العلق الدليل الموسوم بدلالة التمانع وحاصله أن يقال صانع العالم واحد بمعنى انه لا ثانى له فيلزم نفى الكم المنفصل عنه اما الواحد بالمعنى الاول فقد تقدم وأما الثانى فلان لو كان صانع العالم أكثر من واحد لزم أن لا يوجد شئ من العالم والتالى باطل بالضرورة فالمقدم مثله اما الملازمة فلانه على ذلك التقدير لو أراد أحد الالهة وجود شئ من العالم فاما أن يريد الاخر وجوده أم لا وعلى ذلك فاما أن يريد العدم أم لا يريد لا عدما ولا وجودا والتالى باطل بأقسامه فالمقدم مثله اما الملازمة فلضرورة الحصر وأما بطلان التالى فالقسم الاول وهو أن يريد الاخر الوجود فهو محال لما يؤدى اليه من اجتماع مؤثرين على أثر واحد ومقدور واحد بين قادرين ان نفذت ارادتهما والعجز والترجيح من غير مرجح ان نفذتارارادة أحدهما والعجز ومخالفة الواقع أو وقوع الممكن بنفسه ان لم تنفذ ارادة واحد منهما وأما القسم الثانى وهو أن يريد الاخر عدمه فهو محال أيضا لما يؤدى اليه @ من اجتماع النقيضين ان نفذتا معا أو ارتفاعهما ان لم تنفذا مع العجز والترجيح من غير مرجح ان نذت ارادة أحدهما وأما القسم الثالث وهو أن لا يريد الاخر وجودا ولا عدما فعدم اراداته لا يخلو اما أن يكون لاجل ارادة الاخر وهو محال لما يلزم من العجز وترجح أحد المثلين أولا لاجلها فارادته للوجود أو للعدم ممكنة الوقوع على ذلك التقدير وكل ممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال فيفرض وقوع ارادته لاحدهما لكن ارادته محال على ذلك التقدير فيكون محالا وما استلزم المحال فهو محال فالاله الزائد على الاله الواحد محال وهو المطلوب اه قلت وهذا السياق الذى أورده فيه خلط برهان التمانع مع برهان التوارد والاية محمولة على كل منهما ولكن لم يشر الى برهان التوارد أحد الا الكستلى فى شرح العقائد النسفية ونص تحريره انه لو وجد الهان يلزم أن لا يوجد شئ من الممكان وبطلان التالى ظاهر اما الملازمة فلانه لو وجد ممكن فاما أن لا يستند اليهما معا فلا يكون واحد منهما الها أو الى كل منهما فيلزم مقدور بين قادرين أو الى أحدهما فيلزم الترجح بلا مرجح اذ صلاحته المبدئية مشتركة بين الممكان فاحتياج بعضها فى وجودها الى أحدهما دون الاخر ترجح بلا مرجح فان قلت هو محتاج الى مطلق المبدا وتأثير أحدهما بمجرد اختياره دون الاخر قلت حاجة خصوصية المعلول الى خصوصية العلة ضرورية وهذا البرهان يتمسك به فى شمول قدرته تعالى وفى كون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى اه وقد ذكر الشيخ ابو اسحق الشيرازى فى عقيدته وابو الخير القزوينى فى مجمعه الحق والامام نورالدين الصابونىفى عمدته وابن فورك فى المدخل الاوسط بنحو مما تقدم من السياقات بأدنى مخالفة فى التعبير ولم أتقيد بايراد تلك النصوص اذ كان مالها الى ما سقت من عبارات المذكورين أولا* (فصل) * قال السعد فى شرح القاصد ان أريد بالفساد فى الاية عدم التكون فتقريره أن يقال لو تعدد الاله لم تتكون السماء والارض لان تكونهما اما بمجموع القدرتين أو بكل منهما أو بأحدهما والكل باطل أما الاول فلان من شأن الاله كمال القدرة وأما الثانى فلامتناع توارد العلتين المستقلتين وأما الثالث فلانه يلزم ترجح بلا مرجح وان أريد به الخروج عما هو عليه من النظام فتقريره انه لو تعدد الاله لكان بينهما التمانع والتغالب وتميز صنع كل منهما عن صنع الاخر بحكم اللزوم العادى فلم يحصل بين أجزاء العالم هذا الالتئام الذى باعتباره صار الكل بمنزلة شخص واحد ويختل الانتظام الذى بع بقاء الانواع وترتيب الاثار اه وقد اقتصر الخيالى فى حاشيته على العقائد على الجملة الاولى منها الى قوله بلا مرجح وقال ويرد عليه ان الترديد على تقدير التمانع الفرضى فحينئذ يرد منع اللازمة لان وجودهما لا يستلزم وقوع ذلك التقدير عقلا وأما على الاطلاق فحينئذ يمكن اختيار الاول وكمال القدرة فى نفسها لا ينافى تعلقها بحسب الارادة على وجه يكون للقدرة الاخرى مدخل كما فى أفعال العباد عند الاستاذ وكذا يمكن اختيار الثاث بان يريد أحدهما الوجود بقدرة الاخر أو يفوض بارادته تكوين الامور الى الاخر فلا استحالة فيه اه* (فصل) * قد أوسع الكلام فى أدلة التوحيد فيما رأيت الامام أبو منصور التميمى فى الاسماء والصفات فأورد فيه خمسة أدلة وشرط فى برهان التمانع شروطا لم أر من تعرض لها من المتكلمين ونحن نورد لك كلامه بتمامه ليكون تبصرة للناظر يستفيد منه ولغرابة هذا الكتاب ربما لايوجد فى أكثر البلاد فنقول قال فى بيان أدلة الموحدين على توحيد الصانع ومما يدل على ذلك انه اذا ثبت لنا حدوث العالم وثبت انه لابد له من محدث لاستحالة وجود فعل بلا فاعل كاستحالة وجود ضرب بلا ضارب ووجود نسخ وكتابة بلا ناسخ وكاتب كان اثبات محدث واحد لجميع الحوادث صحيحا وكانت الاعداد مازاد عليه متعارضة فلو جاز أن يكون للعالم صانعان لجاز أن يكون له ثلاثة صانعين ولجاز أربعة وأكثر منها لاالى نهاية ولا يلزمنا على هذا الدليل اذا أوجبنا صانعا واحدا ان نجيز أكثر منه @ لان الواحد أوجبه الدليل بوجود الصنع وظهور الحوادث والزيادة على الواحد لا يوجبها دليل لان الصنع لا يقتضى أكثر من صانع واحد ودليل اخر هو انه لو جاز أن يكون للعقلاء والجمادات وسائر الحوادث صانعات أو أكثر من صانع واحد لم يصل الواحد من العقلاء الى معرفة صانعه بعينه ليعبده بعينه ويشكره على انعامه عليه ولم يكن صانعه قادرا على تعريفه اياه وانه هو الذى صنعه دون غيره لان غيره قد يصنع مثل صنعه وفى هذا تعجيز الصانع عن تعريف مصنوعه العاقل ما يدل عليه والعاجز لا يكون الها صانعا ودليل ثالث لو كان للاجسام صانعان أو أكثر لم يخل أن يكون كل جزء من العالم فعلهما جميعا أو يكون بعض العالم فعل أحدهما وبعضه فعل الاخ ويستحيل حدوث كل واحد من فاعلين محدثين له لانه باختراع الشئ الا مع قدرة الاخر استحال صلاحهما مجموعتين لاختراعه لان ما يصلح للاختراع مع مالا يصلح للاختراع لا يقع بهما الاختراع لان ما استحال فى الاحاد لم يتغير بالاجتماع وما وجب فى الاحاد لم يتغير بالاجتماع وليس كالحجر يحمله الجماعة ولا يحمله كل واحد منهما ولا كجواز الكذب على الاحاد وانتفائه عن أهل التواتر لان هذا من باب الجواز فى الاحاد وما كان فى الاحاد على طرفى جواز جاز أن يتغير حكمه فى الاجتماه وما لزم فى الاحاد طريقة واحدة لم يتغير بالاجتماع والكثرة وان كان كل واحد من الصانعين فاعلا لبعض العالم دون بعض لم يخل من أن يكون فعل كل واحد منهما من جنس فعل الاخر أو خلافه فان اختلف فعلا هما مثل أن يكون أحدهما فاعلا للاجسام والاخر فاعلا للاعراض لم يجز اختصاص قدرة أحدهما بالاجسام دون الاعراض الا بمخصص يخصصها بها وهذا يقتضى حدوث قدرتهما والقدرة المحدثة لا تحدث فى ذات الاله القديم لان القديم لايجوز أن يكون محلا للحوادث وان كان فعل كل واحد منهما من جنس فعل الاخر وقدر كل واحد منهما على مثل قدر الاخر من الاجسام والاعراض لم يخل من أن يكون مقدور كل واحد منهما مقدور الاخر أو غيره وان كان من جنسه فان كان مقدورات كل واخد منهما هى بعينها مقدورات الاخر وهما مع ذلك يجوز أن يتفقا فى ارادة ايقاع مقدور واحد لوجب حدوثه منهما ويستحيل وقوع حدث من محدثين كما يستحيل وقوع حركة واحدة من متحركين فان كان مقدورات كل واحد منهما غير مقدورات الاخر مع كونهما من جنسها فهو محال لان كل شيئين من جنس واحد متماثلان يصح على كل واحد منهما مايصح على الاخر وهذا يقتضى اذا كان مقدر أحدهما بقدرته أن تتعلق قدرة الاخر أيضا به وان تتعلق قدرته بمقدور الاخر لانه ليس من جنس مقدوره المتعلق بقدرته واذا وجب هذا وال الامر الى اشتراكهما فى المقدورات كلها أدى الى ما أفسدناه من حدوث مقدورا واحد بقدرتين وليس ذلك كما نجيز وقوع كسب المكتسب بقدرته وحدوثه بقدرة الاله سبحانه لانا لم نقل انها مكتسبة بقدرتين بل قلنا ان حدوثه كان بقدرة واحدة وهى قدرة الاله واكتسابه بقدرة واحدة وهى قدرة المكتسب له وكان يصح حدوثه بقدرة اله غيره مكتسب لمكتسبه فبان الفرق بينهما ودليل رابع وهو انه لو كان للعالم صانعان وكان كل واحد منهما قادرا على احداث كل ما يحدثه الاخر فلا يخلو اذا أحدث أحدهما جسما أو عرضا أن يكون الاخر قادرا على احداثه كما قدر عليه قبل حدوث ذلك الحادث أو لا يكون قادرا عليه فان قدر عليه قدر على احداث ماهو موجود حادث وهذا محال وان خرج عن كونه قادرا عليه فصاحبه هو الذى منعه من ايجاد مقدوره وأخرجه عن القدرة عليه وهذا يوجب أن يكون ممنوعا والممنوع العاجز لا يكون الها صانعا ولا يلزم على هذا وجود المقدور الواحد لان الواحد لا يكون ممنوع نفسه وقد يكون ممنوع غيره كما لا يصح أن يريد خلاف مراد نفسه ويجوز أن يريد خلاف مراد غيره والتمانع انما يصح مع الاختلاف فى المراد ودليل خامس وهو انه لابد للصانع من أن يكون @ حيا قادرا عالما مريدا مختارا ومن نازع فى هذه الصفات للصانع بيننا الكلام معه عليها فاذا ثبت وصف الصانع بما ذكرناه قلنا لو كان للعالم صانعان وجب أن يكون كل واحد منهما حيا قادرا عالما مريدا مختارا والمختار ان يجوز اختلافهما فى الاختيار لان كل واحد منهما غير مجبر على موافقة الاخر فى اختياره فاذا صح هذا فلو أراد أحدهما خلاف مراد الاخر فى شئ لم يخل من أن يتم مرادهما أو لا يتم مرادهما أو يتم مراد أحدهما ولا يتم مراد الاخر ومحال تمام مراديهما لتضادهما وان لم يتم مرادهما فهما عاجزان وان تم مراد أحدهما ولم يتم مراد الاخر فان الذى لم يتم مراده عاجز ولا يكون العاجز الها ولا قديما وهذه الدلالة معروفة عند الموحدين بدلالة التمانع ولها شروط منها تفسير معنى التمانع وهو تفاعل من المنع وذلك أن يقصد كل واحد منهما أن يمنع صاحبه والشرط الثانى هو العلم بأن التمانع بين القادرين انما يقع فى مخالفة أحدهما صاحبه فى المراد بان يريد ما يكرهه صاحبه فيكون حينئذ من لم يتم مراده منهما ممنوعا عن ايقاع مراده وزعم بعض القدرية أن التمانع يقع فى الفعلين المقدورين لقادرين بان يفعل أحدهما مقدوره فى محل يمتنع به القادر الاخر عن ايقاع مقدوره فيه ويلزمهم على هذا الاصل أن يكون البارى سبحانه ممنوعا من فعل الكون فى محل قدرة غيره عندهم فيه حركة وهذا فاسد فما يؤدى اليه مثله والشرط الثالث أن الحيين القادرين المتصرفين بارادتين لا يستحيل منهما أن يريد أحدهما ما يكرهه الاخر لان الذى ينفى ارادة أحدهما ليس هو النافى لارادة الاخر لان الشيئين لا يتضادان فى محلين ولولا جواز اختلاف المريدين فى المراد لما صح التمانع بينهما والشرط الرابع ان التمانع بين القادرين لا يصح الا بعد أن يكون محل فعلهما واحدا فلولا ذلك لصح من أحدهما أن يوقع فى محل فعلا ويوقع الاخر خلافه فى محل اخر لان المتضادان لا يتضادان فى محلين كالسواد والبياض فى محلين والشرط الخامس العلم بان ارادة أحدهما يجب أن تكون بحيث لا يصح وجود ارادة الاخر منه اذ لو كان محل ارادتهما واحدا لوجب أن يصيرا معا مريدين بارادة واحدة ولما يختلفا حينئذ فى المراد لوجوب كون كل واحد مريدا لما يريده الاخر بارادته والشرط السادس العلم بان ارادة كل واحد منهما يجب أن تكون غير مراده لانه لو كانت الارادة من المراد لكان كلما أراد أحدهما شيأ حصل مراده فى حال كونه مريدا ولم يصر ممنوعا عن مراده بحال والشرط السابع العلم بان المتمانعين يجب أن يكون ارادة كل واحد منهما قبل مراده لان ارادته لو حصلت مع مراده لما صح منعه عن مراده لان الحى لا يكون ممنوعا من فعل ما قد وجد ولا يقع التمانع بين المتمانعين فى المراد ممنوعا عن اتمام مراده عاجزا عنه والعاجز لا يجوز أن يكون قديما والدليل على استحالة وجود قديم عاجز ان الفاعل القديم القادر قد وجب حصوله بدلالة الحوادث عليه فلو صح كون قديم عاجز معه وقد صح من أصلنا أن القادر يكون قادرا بقدرة والعاجز يكون عاجزا بعحز لوجب أن يكون اختصاص أحدهما بالقدرة والاخر بالعجز بعد استوائهما فى الوجود والقدم والحياة والقيام بالنفس وسائر الاوصاف التى استحقها لانفسها بمخصص خصهما أو خص أحدهما باحدى الصفتين وذلك يقتضى قيام معنى حادث بأحدهما وأن يكون محدث الحوادث محدثا عير قديم فهذا وجه بيان دلالة التمانع على التوحيد اه سياق الشيخ أبى المنصور التميمى وقال الشيخ نورالدين الصابونى البخارى فان قيل اذا علم أحدهما أن الاخر يريد الحياة فى جسم يوافقه فى ذلك ولا يخالفه بارادة الموت فيه خصوصا على أصلكم أن الارادة تلازم العلم قلنا هذه الموافقة بينهما لا يخلو اما أن تقع ضرورة أو اختياراان قلت ضرورة كان كل واحد منهما مضطرا الى موافقة صاحبه فيكونان عاجزين وان قلت اختيارا يمكن تقدير الاختلاف بينهما فيتوجه التقسيم وأما أن الارادة تلازم العلم فعندنا الارادة تلازم الفعل دون العلم بدليل ان ذات الله تعالى وصفاته معلوم له وليست بمراد له وكذا المعدوم الذى ليس بموجود @ تعلم اذا وجد كيف يوجد معلوم له وليس بمراد له اه قال النسفى فى شرح العمدة فان قيل هذه الاقسام انما تتفرع على وقوع المخالفة فى الالهين فلم لا يجوز فرض الهين متوافقين فى الارادة بحيث يمتنع وقوع المخالفة بينهما على انا نفرضهما حكميين عالمين بجميع المعلومات فلا يختلفان سلمنا انه يصح وقوع الموافقة بينهما لكن المحالات التى التزمتموها انما تلزم من وقوع المخالفة لا من صحة المخالفة فما لم تثبتوا ان هذه المخالفة تدخل فى الوجود ولا محالة لا يتم دليلكم قلت الموافقة بينهما ان كانت عن ضرورة فقد ثبت عجزهما واضطرارهما الى الموافقة وان كانت عن اختيار فيمكن تقدير الخلاف بينهما فيتوجه التقسيم ولانه لو انفرد هذا لصحت منه ارادة الحياة ولو انفرد ذلك لصحت منه ارادة الموت فعند اجتماعهما تنفى الصحتان لان كل واحد من الصحتين أزلى والازلى يمتنع زواله وقوله هذه المحالات انما تلزم من وقوع المخالفة لا من صحة المخالفة قلنا هنا مقدمة يقينية وهى ان كل ما كان ممكنا لا يلزم من فرض وقوعه محال ولو كانت المخالفة ممكنة لا يلزم من فرض وقوعها محال لكن المحال قد لزم من فرض وقوعها وعند هذا نقول لو فرضنا الهين لكانت المخالفة بينهما اما ان كانت ممكنة أو لم تكن والقسمان باطلان فبطل القول بوجود الهين واذا لم يتصور اثبات الصانعين للعالم كان الصانع واحدا ضرورة اه* (فصل) * رجع الى تحقيق سياق المصنف وبيان لهذه الحجة هل هى قطعية تفيد القطع أو اقناعية تفيد الاقناع للمسترشد وان لم يفد افاما للجاحد وصريح كلام السعد فى شرح العقائد النسفية انها اقناعية وفى اخره ما ينافيه كما سيأتى بيانه قال الكمال بن الهمام فى المسايرة وتلميذه ابن أبى شريف فى شرحه وقد جمعت بين عبارتهما بما حاصله وهذا الذى ذكره حجة الاسلام ابتداء لتقرير برهان التوحيد لا للزوم الفساد المذكور فى الاية وليس بيانا للاية وانما بيانها بيان لزوم الفساد على تقدير التعدد ولك أن تقول بل ماذكره الحجة بيان للاية وتقرير لدلالتها ببرهان التوحيد المعروف ببرهان التمانع بنائ على مافى الاية من الاشارة اليه وانما يكون ابتداء التقرير بالنظر الى عبارة الاية فان معناها لزوم الفساد بتقدير التعدد وتحقيق هذا المحل أن الكلام فى اثبات التوحيد اما أن يكون الملى أو مع غيره والملى هنا هو الذى اعتقد حقية ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاما الملى فيلزمه القطع بوقوع فساد هذا النظام على تقدير تعدد الالهة اذ هو قاطع بان الله تعالى أخبر بوقوعه مع التعدد وما أخبر بوقوعه فهو واقع لا محالة لاستحالة الخلف فى خبره تعالى وأما غير الملى فيلزمه ذلك أيضا جبرا أى من جهة الجبر أى القهر له أو علما بتوجيه العادة والعلوم العادية يحصل بها القطع داخلة فى مسمى العلم المأخوذ فيه عدم احتمال النقيض ومثال العلوم العادية التى يحصل بها القطع كالعلم حال الغيبة عن جبل عهدناه حجر ابانه حجر الان لم ينقلب ذهبا مثلا ولدخول العلم العادى فى مسمى العلم أجيب عن اراد خروجه عن تعريف العلم بانه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل متعلقه نقيض ذلك التميز فانه قد أورد على تعريفهم العلم بذلك انه غير منعكس لانه يخرج عنه العلوم العادية لاحتمالها النقيض لجواز خرق العادة مع ان العلم العادى داخل فى مسمى العلم ومعدود من أقسامه وتحريرالجواب ان احتمال النقيض فى العلم العادى بمعنى انه لو فرض العقل خلافه لم يكن ذلك فرض محال لان تلك الامور العادية ممكنة فى ذواتها والممكن لا يستلزم فى شئ من طرفيه محالا وذلك الاحتمال لهذا المعنى لا يوجب عدم الجزم المطابق للواقع بأن الواقع الان خلاف ذلك الممكن فرضه لان احتمال المنافى لهذا الجزم هو أن يكون متعلق التمييز محتملا لان يحكم فيه المميز بنقيضه فى الحال كما فى الظن أو فى المأل كما فى الجهل المركب والتقليد ومنشؤه ضعف ذلك التمييز اما لعدم الجزم أو المطابقة أو لعدم استناده الى موجب وهذا الاحتمال هو المراد فى التعريف لا الاحتمال بالمعنى الاول فاثبتوا فى العلم العادى ثبوت الجزم والمطابقة للواقع والموجب وأعنى بالموجب @ العادة القاضية التى لم يوجد قط خر مها وهى أحد أقسام الموجب فى قولهم فى تعريف العلم انه حكم الذهن الجازم المطابق للواقع لموجب اذ الموجب الذى يستند اليه الجزم اما حس أو عقل أو عادة وما ثبت فيه الجزم والمطابقة والموجب هو معنى العلم القطعى بأن الواقع كذا فيحصل الفساد على تقدير عدد الالهة لان العادة المستمرة التى لم يعهد قط اختلالها فى ملكين مقتدرين فى مدينة واحدة عدم الاقامة على موافقة كل الاخر فى كل جليل وحقير من الامور بل تأبى نفس كل منهما دوام الموافقة وطلب الانفراد بالمملكة والقهر للاخر فكيف بالالهين والحال ان الاله يوصف بأقصى غايات الكبر فكيف لا تطلب نفسه الانفراد بالملك والعلو على الاخر كما أخبر الله سبحانه بقوله ولعلا بعضهم على بعض هذا أمر اذا تؤمل لا يكاد لنفس يخطر نقيضه أصلا فضلا عن اخطار فرض النقيض مع الجزم بأن الواقع هو الطرف الاخر وعلى هذا التقدير هو علم قطعى لا تردد فيه بوجه من الوجوه وانما غلط من قال ان الاية حجة اقناعية من قبل انه اذا خطر بباله النقيض أعنى دوام اتفاقهما لم يجده مستحيلا فى العقل وينسى ماذكرناه من انه لم يؤخذ فى مفهوم العلم القطعى استحالة النقيض بل المأخوذ فيه مجرد الجزم الكائن عن موجب بأن الطرف الاخرالمقابل للنقيض هو الواقع وان كان نقيضه لم يستحل وقوعه وبهذا يظهر ان الاية حجة برهانية تحقيقية لا اقناعية قال ابن أبى شريف وقد صدر من الشيخ عبد اللطيف الكرمانى وهو من معاصرى السعد تشنيع بليغ على قول السعد فى شرحه على العقائد ان الاية حجة اقناعية والملازمة عادية أى لاعقلية والمعتبر فى البرهان الملازمة العقلية واستند هذا المعاصر فى تشنيعه الى أن صاحب التبصرة كفر أبا هاشم بقدحه فى دلالة الاية وما تقدم فى كلام شيخنا ابن الهمام يفيد منع كون الملازمة العادية غير معتبرة فى البرهان ووجهه ان المقصود من البرهان حصول العلم بالمدلول والملازمة العادية تحصله اه قلت وقال الخيالى فى حاشيته على السعد والتحقيق فى هذا المقام انه ان حمل الاية على نفى التعدد للصانع مطلقا فهى حجة اقناعية لكن الظاهر من الاية نفى تعدد الصانع المؤثر فى السماء والارض اذ ليس المراد التمكن فيهما فالحق حينئذ ان الملازمة قطعية اذ التوارد باطل فتأثيرهما اما على سبيل الاجماع أو التوزيع فيلزم انعدام الكل أو البعض عند عدم كون أحدهما صانعا لانه جزء علة أو علة تامة فيفسد العالم أى لا يوجد هذا المحسوس كلا ولا بعضا ويمكن أن توجه الملازمة بحيث تكون قطعية على الاطلاق وهو أن يقال لو تعدد الواجب لم يكن العالم ممكنا فضلا عن الوجود والا لأمكن التمانع المستلزم للمحال لان امكان التمانع لازم لمجموع الامرين من التعدد وامكان شئ من الاشياء فاذا فرض التعدد يلزم أن لا يمكن شئ من الاشياء حتى لا يمكن التمانع المستلزم للمحال اه * رجع لعبارة ابن أبى شريف قال واعلم ان العلامة المحقق الزاهد علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخارى الحنفى تلميذ المولى سعد الدين قد أجاب عن الاعتراض والتكفير بما رأيت أن أسوقه بلفظه لاشتماله على فوائد قال رحمه الله الافاضه فى الجواب على وجه يرشد الى الصواب تتوقف على ما أورده الامام حجة الاسلام رضى الله عنه بما حاصله ان الادلة على وجود الصانع وتوحيده تجرى مجرى الادوية التى يعالج بها مرضى القلب والطبيب ان لم يكن حاذقا مستعملا للادوية على قدر قوة الطبيعة وضعفها كان افساده أكثر من اصلاحه كذلك الارشاد بالادلة الى الهداية اذا لم يكن على قدر ادراك العقول كان الافساد للعقائد بالادلة أكثر من اصلاحها وحينئذ يجب أن لا يكون الارشاد لكل أحد على وتيرة واحدة فالمؤمن المصدق سماعا أو تقليدا لا ينبغى أن تحرك عقيدته بتحرير الادلة فان النبى صلى الله عليه وسلم لم يطالب العرب فى مخاطبته اياهم بأكثر من التصديق ولم يفرق بين أن يكون ذلك ايمان عقد تقليدى أو يقين برهانى والجافى الغليظ الضعيف العقل الجامد على التقليد المصر على الباطل لا ينفع معه الحجة والبرهان وانما ينفع معه السيف والسنان والشاكون الذين فيهم نوع ذكاء ولا تصل عقولهم الى فهم البرهان العقلى المفيد للقطع واليقين ينبغى أن يتكلف فى معالجتهم بما أمكن من @ الكلام المقنع المقبول عندهم لا بالدلالة اليقينية البرهانية لقصور عقولهم عن ادراكها لان الاهتداء بنور العقل المجرد عن الامور العادية لا يخص الله تعالى به الا الاحاد من عباده والغالب على الخلق القصور والجهل فهم لقصورهم لا يدركون براهين العقول كما لا تدرك نور الشمس أبصار الخفافيش بل تضرهم الادلهة القطعية البرهانية كما تضر رياح الورد بالجهل وأما الفطن الذى لا يقنعه الكلام الخطابى فتجب المحاجة معه بالدليل القطعى البرهانى اذا تمهد هذا فنقول لا يخفى أن التكليف بالتصديق بوجود الصانع وبتوحيده يشمل الكافة من العامة والخاصة وان النبى صلى الله عليه وسلم مأمور بالدعوة للناس أجمعين وبالمحاجة مع المشركين الذين عامتهم عن ادراك الادلة القطعية البرهانية قاصرون ولا يجدى معهم الا الادلة الخطابية على الامور العادية والمقبولة التى ألفوها وحسبوا انها قطعية وان القرأن العظيم مشتمل على الادلة العقلية القطعية البرهانية التى لا يعقلها الا العالمون وقليل ماهم بطريق الاشارة مابينه الامام الرازى فى عدة ايات القرأن وعلى الادلة الخطابية النافعة مع العامة لوصول عقولهم الى ادراكها بطريق العبارة تكميلا للحجة على الخاصة والعامة على ما يشير لذلك قوله ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين وقد اشتمل عليهما واشارة قوله تعالى لو كان فيهما الهة الاية اما الدليل الخطابى المدلول عليه بطريق العبارة فهو لزوم فساد السموات والارض لخروجهما عن النظام المحسوس عند تعدد الالهة ولا يخفى ان لزوم فسادهما انما يكون على تقدير لزوم الاختلاف ومن البين ان الاختلاف ليس بلازم قطعا لا مكان الاتفاق فلزوم الفساد لزوم عادى وقد أشار اليه الامام الرازى حيث قال أجرى الله تعالى الممكن مجرى الواقع بناء على الظاهر ولا يخفى على ذوى العقول السليمة ان مالا يكون فى نفس الامر لازما وقطعيا لا يصير بجعل الجاعل وتسميته اياه برهانا زعما ان تسميته قطعيا وبرهانا صلابة فى الدين ونصرة للاسلام والمسلمين هيهات هيهات فان ذلك مدرجة لطعن الطاعنين ونصرة الدين لا تحتاج الى ادعاء ماليس بقطعى قطعيا لاشتمال القرأن على الادلة القطعية التى لا يعقلها الا العالمون بطريق الاشارة النافعة للخاصة وعلى الادلة الخطابية النافعة للعامة بطريق العبارة وأما البرهان القطعى المدلول عليه بطريق الاشارة فهو برهان التمانع القطعى باجماع المتكلمين المستلزم لكون مقدور بين قادين ولعجزهما أو عجز أحدهما على مابين فى علم الكلام وكلاهما محالان لان عقلا كما بين فيه أيضا لا التمانع الذى تدل عليه الاية بطريق العبارة بل التمانع قد يكون برهانيا وقد يكون خطابيا ولا ينبغى أن يتوهم ان كل تمانع عند المتكلمين برهان وقطعية لزوم الفساد المدلول عليه بالاشارة تنافى خطابية لزوم الفساد المدلول عليه بالعبارة لان الفساد المدلول عليه بالاشارة هو كون مقدور بين قادرين وعجز الالهين المفروضين أو عجز أحدهما والفساد المدلول عليه بالعبارة هو خروج السموات والارض عن النظام المحسوس فأين أحدهما من الاخر وحينئذ لا ينبغى أن يتوهم انه يلزم من انتفاء جواز الاتفاق على تقدير الفساد المدلول عليه بطريق الاشارة بناء على انه يستلزم امتناع تعدد الالهة عقلا فيلزم منه انتفاء جواز الاتفاق لانه فرع امكان التعدد 7 انتفاء جواز الاتفاق على طريق الفساد المدلول عليه بطريق العبارة لعدم استلزامه امتناع التعدد عقلا وانما يستلزمه عادة والاستلزام العادى لا ينافى عدم الاستلزام العقلى فليتامل ثم ذكر بقية الجواب وضمنه التعجب من تكفير صاحب التبصرة لمن قال ان دلالة الاية ظنية ونحو ذلك قال ابن أبى شريف ولا يخفى بعد معرفة ما قررناه من كلام شيخنا وجه رد قول هذا المجيب انت الاية دليل خطابى أى ظنى ثم قال واعلم أنه قد وقع للسعد أواخر شرح العقائد ما ينافى بظاهره كلامه فى أوائله ويوافق كلام شيخنا فانه قال فى الكلام على المعجزة ما نصه وعند ظهور المعجزة يحصل الجزم بصدقه بطريق جرى العادى بأن الله تعالى يخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة الى اخر كلامه وهو مبسوط واضح والله ولى الهداية والتوفيق* (فصل) * قد تقدم أنفا ان هذا المطلب مما يصح فيه التمسك بالسمع وأدلته من السمع كثيرة منها @ الاية التى سبقت ومنها قوله تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وقوله تعالى قل هو الله أحد ولاعتناء الحق به أكده خبرا بقوله والهكم اله واحد وشهادة بقوله يقول شهد الله أنه لا اله الا هو وقسما عليه بقوله والصفات صفا الى قوله ان الهكم لواحد وتكررت أى التهليل فى القرأن فى ست وثلاثين موضعا منه وهى متمسك المحدث ويزيد بأن الانبياء والرسل عليهم السلام انما بعثوا من أجل التوحيد ويستدل على ذلك بأحاديث وأما الصوفى فيقول بما تقدم ويزيد اشارة بأن الكمال المطلق واحد اذ لو كان متعددا لما كان مطلقا بل كان مقيدا ولو بنفى ما يدخل تحت العدد معه عنه والاله لا يكون الا كاملا بالكمال المطلق والكمال المطلق لا يتعدد فالاله لا يتعدد ويقول أيضا الاله لو كان متعددا لكان العدد ذاتيا له اذ لو لم يكن ذاتيا لكان لغيره ولو كان لغيره لاحتاج فى تعدده الى الغير ولاشئ من المحتاج باله وباطل أن يكون التعدد ذاتيا له والا كان موقوفا على مايتعدد معه من ذاته وما يتعدد معه غيره فيكون موقوفا على غيره من ذاته وكل ماهو موقوف على غيره من ذاته فهو ناقص لذاته وأيضا كمال كل موجود فى العالم بحصول حقيقة نوعه على التمام كالانسان مثلا وحقيقة كل نوع على التمام واحدة وانما التعدد فى الاشخاص ثم كل شخص وجوده بحصول شخصه وشخصه واحد فاذا لكل شئ وحدة بشخصه دائما أو وقتا ماهو بها اما نوعا أو شخصا وكل مازاد على وحدته التى هو بها واحد فهو وحدة لغيره فاذا جميع الموجودات كلها وحدات وهى كلها اثر للالع فالاله واحد ومن هنا قيل وفى كل شئ له اية تدل على انه واحد فقد ثبت ان صانع العالم واحد واذا كان واحدا فهو لا مثل له يماثله فى حقيقة ذاته ولا فى حقائق صفاته لا من عير الممكان والا لما كان واحدا ولا واجب الوجود لما يلزم من التركيب على ذلك التقدير ولا من الممكان والا لكان ممكنا ضرورة ان يماثل الممكن ممكن لان المثلين هما المشتركات فى صفات وذلك كله محال وهو أحد المطالب الاعتقادية وهو متحصل ما تقدم فى الصفات التنزيهية فاعرف ذلك والله أعلم * (تنبيه) * ثبت مما تقدم ان الاله هو الذى لا يمانعه شئ وان نسبة الاشياء اليه على السوية وبهذا يبطل قول المجوس وكل من أثبت مؤثرا غير الله من علة أوطبع أوملك أوانس أوجن اذ دلالة التمانع تجرى فى الجميع ولذلك لم يتوقف علماء ماوراء النهر فى تكفير المعتزلة حيث جعلوا التأثير للانسان ولم يتوقف علماء ماوراء النهر فى تكفير من اعتقد تأثير النجوم أوطبيعة أوملك أوغير ذلك والله أعلم * (تكميل) * قال فى مقاصد الرحمة صفات الله تعالى على أربعة أقسام اما سلوية محضة أواضافة محضة أو حقيقة عارية عن الاضافة 7 فمثال السلوب كونه لبس بجوهر ولا عرض ولا جسم ولا متحيزونحو ذلك ومثال الاضافة كونه أولا واخرا وظاهرا وباطنا ومثال الحقيقة العارية من الاضافة الوجود والحياة ومثال الحقيقة التى تلزمها الاضافة العلم والقدرة والارادة ثم هذة الصفات السلبية قد عدها الشيخ السنوسى وغيره خمسة القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث وقيامه بنفسه والوحدانية وحقيقة السلب نفى أمر لا يليق بالبارى تعالى وهذا هو الصحيح المعقول المنقول وقال بعضهم السلبية منسوبة الى السلب على معنى ان السلب داخل فى مفهوهما من غير أن يكون هناك اداة سلب ويشهدل له قول السنوسى يعنى ان مدلول كل واحد منها عدم أمر لا يليق بمولانا تعالى وهذا هو المفهوم من كلام السعد وغيره وفى حاشية سيدى عبد القادر بن خدة الراشدى مانصه قوله سلبية أى مدلول كل واحدة سلبت أمرا لا يليق بالبارى تعالى ولم يقل سالة لان السالب أعم من السلبى فكل سلبى سالب وليس كل سالب سلبا فبعض السالب سلبى كالمسلوب وبعض السالب ليس بسلبى كالمعانى مثلا والفرق بينهما ان السلبى هو الامر الذى يدل على سلب ما ينافيه مطابقة كالقدم مثلا فانه يدل على نفى العدم السابق الذى هو معنى الحدوث مطابقة فكذا سائر المسلوبات وان دل على سلب منا فيه بالالتزام فهو السالب وليس كلفظ القدرة يدل على صفة يتأتى بها ايجاد @ كل ممكن واعدامه بالمطابقة ويدل على سلب العجز عنه بالالتزام الحاصل هو الذى يفسر بالسلب اه قال الشهاب الغنيمى بعد ان نقل هذة العبارة ولم أر هذا التفصيل والتفرقة بين السلبى والسالب على هذا الوجه الا فى كلام هذا الامام قلت وهو غريب ولا يخلو عن تكلف والاحسن ماتقدم تفسيره فى كلام السنوسى وغيره اذ لا محيد عنه وهذا ماوقع الاختيار عليه فى شرح المباحث المتعلقة بالركن الاول ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى فى بيان الركن الثانى فقال * (الركن الثانى) * أى من الاركان الاربعة (العلم بصفات الله تعالى) اعلم أن صفات الله تعالى منها ما هو جار على الذات بحيث يحمل عليها كالحى والقادر والعالم والمريد والمتكلم والسميع والبصير وغير ذلك وبعضهم يسميها أحكاما ومنها ماهو ليس بجار ولا محمول على الذات بل هو قائم به قيام الاختصاص كالحياة والعلم والقدرة والارادة والكلام وغير ذلك واختلفت الاشاعرة فى اثبات الحال فمن نفاها منهم وهم الاكثر فمعنى القادر مثلا عندهم هو الذات من حيث قيام القدرة به فهو اسم للذات باعتبار المعنى القائم بها فليس عند هؤلاء الا الذات والقدرة القائمة به فتارة يعبر عن الذات بما لا يشعر بالصفة كما يعبر بأسماء الذات كالله وتارة يعبرعن تلك المعانى بما يشعر بها فقط لا بالذات كما يقال القدرة مثلا معبرا عن الصفة الخاصة وتارة يعبر بما يشعر بهما معا وان المدلول من ذلك هو الذات باعتبار قيام المعنى به وهذا المتبادر من التعبير ونقل عن الشيخ ان المدلول من قولنا القادر والعالم مثلا هو نفس الصفة التى هى القدرة والعلم من حيث قيامهما بالذات وعلى هذا جرى فى أسماء الصفات حيث قال لاهى عين المسمى ولا هى غيره وأما من أثبت الحال فيقول ان هتاك ثلاثة أمور الذات والمعنى القائم به والحال وهو كون الذات قادرة والاولان موجودان والحال ثابتة وليس بموجودة ولا معدومة وبالجملة فمن نفى الاحوال ينظر فى الصفات الجارية على الذات وفى الصفات القائمة فى تعلقها ومن أثبت ينظر فى ذلك ويزيد بالنظر فى اثبات الحال وفى تعبير المتأخرين بعد ذكر الصفات السلبية ذكر صفات المعانى وهى سبعة القدرة والارادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام ويقال لها أيضا صفات الذات وصفات الاكرام وصفات الثبوت وتقديم صفات السلب عليها من تقديم التخلية على التخلية كما فى تقديم النفى على الاثبات فى لااله الا الله وتقديم المعانى على المعنوية لتوقفها عليها اشتقاقا وتحققا اذ العالم مثلا المأخوذ من كونه عالما مشتق من العلم وثبوته للذات فرع ثبوته لها وقيامه بها وبعضهم قدم المعنوية للاتفاق عليها ولانها دلائل على صفات المعانى وانما سميت فى الاصطلاح صفات المعانى لانها صفات موجودة فى نفسها سواء كانت حادثة كبياض الجرم مثلا وسواده أو قديمة كعلمه تعالى وقدرته فكل صفة موجودة فى نفسها تسمى صفة معنى لانها معان زائدة على معنى الذات العلية وهذا فى اصطلاح المتأخرين وأما المتقدمون كالمصنف وغيره فلا فرق عندهم بين المعانى والمعنوية ويطلقون ثفات المعانى عليهما معا لا مايسميه غيرهم صفات معنوية هو عندهم عبارة عن قيام المعانى بالذات فمعنى كونه عالما قيام العلم بالذات وان كانت الصفة غير موجودة فى نفسها فان كانت واجبة للذات مادامت علتها قائمة بالذات سميت صفة معنوية أو حالا معنوية ومثالها كون الذات عالمة أو قادرة مثلا
Page 135
(ومداره على عشرة أصول الاصل الاول العلم بان الله صانع العالم قادر) أى ذو قدرة وهى عبارة عن المعنى الذى به يوجد الشئ مقدرا بتقدير الارادة والعلم واقعا على وفقهما فالقادر هو الذى ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل وليس من شرطه ان يشاء لا محالة فان الله تعالى قادر على اقامة القيامة الان فانه لو شاء أقامها وان كان لا يقيمها فانه لم يشاءها ولا يشاؤها لما جرى فى سابق عمله من تقدير أجلها ووقتها وذلك لا يقدح فى القدرة والقادر@ المطلق هو الذى يخترع كل موجود اختراعا ينفرد به ويستغنى فيه عن معاونة غيره هو الله سبحانه وتعالى قال المصنف فى القصد الاسنى (وانه تعالى فى قوله) الكريم فى كتابه العزيز (وهو على كل شئ قدير صادق) قال أبو منصور التميمى قد وردت السنة بذكر القادر والمقتدر فى أسماء الله تعالى وجاء القران بهذين الاسمين وبالقدير أيضا والقدير أبلغ من القادر والمقتدر أبلغ من القادر وللقادر معنيان يكون بمعنى القدير من القدرة على كل شئ وذلك صفة لله عز وجل وحده من دون غيره وانما يوصف القادر منا بالقدرةعلى بعض المقدورات دون بعض الوجه الثانى ان يكون بمعنى المقدور ويقال قدر بالتخفيف وقدر بالتشديد وجائز فى كلام العرب ان يقال قدر واقتدر بمعنى واحد مثل جذب واجتذب ثم أقام المصنف الدليل على ذلك فقال (لان العالم محكم فى صنعته احكاما عجيبا مرتب فى خلقته) ترتيبا غريبا (ومن رأى ثوبا من ديباج) قال صاحب المصباح هو ثوب سداء ولحمته ابريسم ويقال هو معرب (حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف) يقال طرز الثوب تطريزا اذا جعل له طرازا وهو العلم فى الثوب والتطريف بمعناه يقال ثوب مطرف اذا كان من خزله أعلام وقد طرفه وأطرفه بمعنى (ثم توهم) أى ظن (صدور نسجه) وتأليفه (عن ميت لا استطاعة له أو عن انسان لا قدرة له) قال الراغب الاستطاعة وجود مايصير به الفعل ممكنا وعند المحققين اسم للمعانى التى يتمكن المرء بها مما يريده من احداث فعل والاستطاعة أخص من القدرة (كان منخلعا عن غريزة العقل) كانه عدمها (ومنخرطا فى سلك أهل الغباوة والجهل) فىة كتاب محجة الحق لابى الخير القزوينى مانصه أما الاصل الاول فى معرفة كون البارى تعالى عالما قادرا والدليل عليه صدور الافعال المحكمة المتقنة عنه مثل خلق السموات والارض وغيرها من الصنائع والبدائع فى عجائب التركيب والترتيب ويدل ذلك قطعا على كون صانعها عالما بها قادرا عليها فان من يرى خطا منظوما أو ديباجا منسوجا وبجوز صدوره من جاهل به عاجز عنه يكون عن حيز العقل والقدرة معا فى أصل واحد قال البكى فى شرح الحاجبية اعلم ان القادر عند أهل السنة هو المتمكن من الفعل والترك بحسب الداعى الذى هو الارادة وان شئت تقول هو الذى ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وتقول هو الفاعل على مقتضى العلم والارادة وأهل النظر العقلى من أهل السنة يقولون ان كل ماتتوقف دلالة السمع عليه لايكفى فيه السمع فأقوى دليل لهم على انه تعالى قادر بذلك التفسير ان يقال قد ثبت حدوث العالم كما مر فصانعه لو لم يكن قادرا للزم تخلف المعلوم عن علته وهو محال أما الملازمة فلان صانع العالم قديم فلو لم يكن على ذلك التقدير قادرا فكان موجبا بالذات لزم التخلف المذكور وأيضا لو كان موجبا لزم من ارتفاع العالم ارتفاعه لان ارتفاع الملزوم من لوازم ارتفاع اللازم لكن ارتفاع الواجب محال
Page 136
* (فصل) * والمحدث يقول قال الله تعالى قل هو القادر وهو على كل شئ قدير وأما الصوفى فيقول كيف لايكون قادرا وهو قد أقدر العباد على طاعته وجعل ذلك صفة كمال فيهم وهو أولى بالكمال بل هو منفرد به فلا قادر فى التحقيق الا هو اذ لا فاعل الا هو وأيضا فانا اذا نظرنا فى أنفسنا واستقرينا من أحوالنا وجدناما يبدو فى ذواتنا من الافعال على قسمين منهما مايكون مصحوبا باعتبارنا كزيادة مقدار أجسامنا طولا وعرضا وما كان من هذا القبيل فهو يقف عند امر خاص ولا يمرالى غير نهاية فنسبة وقوفه عند ذلك الحد كنسبة وقوفنا فى المتحرك فيه ووقوفنا فيما يتحرك فيه فعل اختيارى ووقوف أجسامنا عند حدها فعل اختيارى وكل اختيارى لايكون عن موجب ولا عن طبع ومالا يكون عن موجب ولا عن طبع فهو عن قادر فالفاعل لذواتنيا قادر ولا يكون ذلك الفاعل الا الله اذ ماسواه مثلنا والكلام فيه كالكلام فينا (الاصل الثانى العلم بانه تعالى عالم بجميع الموجودات) وعلمه محيط بجميع المعلومات على التفصيل @ (فلا يعزب) أى لا يغيب (عن عمله) الازلى الواجب (مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء صادق فى قوله) جل وعلا (وهو بكل شئ عليم) ظاهره وباطنه دقيقه وجليله أوله واخره عاقبته وخاتمته وهذا من حيث الكشف على أتم ما يمكن فيه بحيث لا يتصورمشاهدة وكشف أظهر منه ولايكون مستفادا من المعلومات بل تكون المعلومات مستفادة منه (ومرشد الى صدقه بقوله تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) قال المصنف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها ومادق منها ومالطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف والادراك تم معنى اللطف ولا يتصور وكمال ذلك فى العلم والفاعل الا لله تعالى فأما احاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك بل الخفى عنده كالجلى من غير فرق وأما رفقه فى الافعال ولطفه فيها فلا يدخل أيضا تحت الحصر اذ لا يعرف اللطف فى فعله الا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق اللطف فيها وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع بمعنى اسم اللطيف وأما الخبير فهو الذى لا تعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولاتتحرك ذرة ولاتسكن ولاتضطرب نفس ولاتطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم الا ان العلم اذا أضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبها خبيرا (أرشدك على الاستدلال بالخلق) الذى هو الايجاد على وفق التقدير (على العلم) الذى هو الاحاطة بكل شئ على ماهو علمه دون سبق خفاء محصول الاشياء عنده بلا انتزاع صورة ولا انفعال ولا انصاف بكيفية (لانك لا تستريب) أى لا تشك (فى دلالة الخلق اللطيف) والايجاد المنيف (والصنع المزين) بالترتيب الغريب (واوفى الشئ الحقير اللطيف على علم الصانع) جل وعلا (بكيفية الترتيب والترصيف) ولما كان برهانه عين برهان الاصل الاول ذكرهما أبو الخير القزوينى فى محجة الحق وغيره من الائمة فى أصل واحد كما أشرنا اليه (فما ذكره الله سبحانه هو المنتهى فى الهداية و) عليه المعول فى (التعريف) قال المصنف فى المقصد الاسنى للعبد حظ من وصف العلم ولكن يفارق علمه علم الله عز وجل فى خواص ثلاث احداها المعلومات فى كثرتها فان معلومات العبد وان اتسعت فهى محصورة فى قلبه فانى تناسب مالا نهاية له والثانية ان كشفت أو ان المفتح فلا يبلغ الغاية التى لا ممكن وراءها بل كالبصر الظاهر وفرق بين مايتضح وقت الاسفار وبين مايتضح أول صحوة النهار والثالثة أن علم الله تعالى بالاشياء غير مستفاد من الاشياء بل الاشياء مستفادة منه وعلم العبد بالاشياء تابع الاشياء وحاصل بها وشرف العبد من سبب العلم من حيث انه من صفات الله تعالى ولكن اعلم الاشرف مامعلومه اشرف وأشرف المعلومات هو الله تعالى فلذلك كانت معرفته أفضل المعارف بل معرفة سائر الاشياء انما تشرف لانها معرفة لافعال الله تعالى أو معرفة للطريق الذى يقرب العبد من الله تعالى فلا نظر اذا الا فى الله تعالى اه وأما المحدث فيستدل بقوله تعالى قل اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة وبحديث الاستخارة وفيه فانك تعلم ولا أعلم وأما الصوفى فيقول العلم حقيقته من كانت الاشياء حاضرة لديه وليس تكون الاشياء حاضرة لديه الا من أفادها الشيئية ولا مفيد الاشياء شيئية الا الله تعالى فلا عالم الا الله تعالى اذ هو المفيد لكل حقيقة عين تلك الجقيقة حتى المحال ان كانت له حقيقة عقلية أو وهمية فهو المفيد لها وهو المجلى لها فى الاذهان وبالضرورة من أجلى الحقائق لعبده فكيف لا تكون منجلية له بل لم تنجل مطلقا وهو الذى تندرج جميع المدركات تحت ادراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى لا يشد عن عمله مدرك ولا عن فعله مفعول وذلك هو الله تعالى فهو الحى الكامل المطلق وكل حى سواه فحياته بقدر ادراكه وفعلع وكل ذلك محصور فى قلة ثم أشار المصنف الى برهانه فقال (فان من ثبت عمله وقدرته ثبت بالضرورة حياته) أى ان الدليل عليه مادلنا على كون البارئ تعالى عالما قادرا ومن شرط العالم القادر@ ان يكون حيا وأيضا دلنا على ان العالم فعله ويستحيل صدور الفعل عن الميت والجماد اذ (لو تصور قادر عالم فاعل مدبر) للكائنات (دون ان يكون حيا لجاز ان يشك فى حياة الحيوانات عند ترددها فى الحركات والسكات بل فى حياة أرباب الحرف والصناعات) اذ لا يتصور قيام هذه الاوصاف المذكورة من القدرة والعلم والعقل والتدبير بغير حى (وذلك) أى تصور قيامها بغير حى جحود وعناد بل (انغماس فى غمرة الجهالات) أعاذنا الله منها * (تنبيه) * ظاهر سياق المصنف يشعر ان تأخير صفة الحى بعد ذكر القادر والعالم لتوقفهما فقط على هذه وان الحياة شرط فى كل منهما ولزم ان يكون المشروط مفتقرا الى الشرط ويتأخر عنه فى العقل وهل الحياة شرط فى كل منها ابتداء أو بعضها شرط فى بعض فتكون الحياة شرطا فى بعض ابتداء وفى بعض بالواسطة يحتاج الى تأمل فيه قال الشيخ السنوسى فى شرح صغرى الصغرى بعد قوله فى المتن ويجب له تعالى الحياة لاستحالة وجود الصفات السابقة بدونها مانصه مراده بالصفات السابقة القدرة وماذكر بعدها الى الكلام فان كل واحدة من هذة الصفات يستحيل وجودها بغير الحى ولهذا أخر ذكر الحياة الى هذا الموضع وهو من باب تأخير المدلول عن الدليل والا فهى من جهة انها شرط فى تلك الصفات مقدمة بالذات عليها لتوقف وجود المشروط على وجود شرطه الا ان التوقف هنا توقف معية لا توقف تقدم اذ صفات البارى تعالى كلها ازلية يستحيل تقدم بعضها بالوجود اه وقوله وما ذكر بعدها الى الكلام وهو القدرة والارادة والعلم والسمع والبصر والكلام مترتبة على الحياة قال الغنيمى وظاهره ان ذلك الترتيب من غيرواسطة بعض لبعض كان يقال مثلا ان الارادة مترتبة على العلم والعلم مترتب على الحياة ونحو ذلك وربما يرد على القول السابق فيلزم ان يكون المشروط مفتقرا الى الشرط ان الافتقار مناف للوجوب اذ الواجب مستغن على الاطلاق وذلك ينافى الافتقار والجواب ان المراد بالافتقار الملازمة وعدم انفكاك أحد الموجودين عن الاخر ولم يكن الافتقاربهذا المعنى ينافى الوجوب واليه الاشارة فى قول السنوسى الا ان التوقف هنا توقف معية فتأمل وكون ان الحياة شرط فى تلك الصفات المذكورة قد ذكره شيخ الاسلام فى حاشيته على شرح جمع الجوامع حيث قال وظاهر انها أى الحياة فشرط لغير العلم ايضا من الصفات المذكورة فاذا عرفت ذلك ظهر لك ان المصنف لو أخر هذه الصفة عقيب الصفات المذكورة لكان أوجه وأما ترتب واما ترتب تعلق القدرة على تعلق الارادة على تعلق العلم فسيأتى ذلك فى سياق عبارة ابن الهمام وتلميذه ان شاء الله تعالى (الاصل الرابع العلم بكونه تعالا مريدا لافعاله فلا موجود الاوهو مستند الى مشيئته وصادر عن ارادته) اعلم ان المريد لم يرد به السمع على هذة الصفة وانما ورد بصيغة الفعل ولكن اطلاق مريد مما ثبت بالاجماع وبالجملة فالمريد أو الذى يريد أو أراد هو الذى يخصص فعله بحالة دون حالة لصفة قائمة به اقتضت ذلك وتلك الصفة هى الارادة وهى كما قال السنوسى صفة ازلية تؤثر فى اختصاص أحد طرفى الممكن من وجود وعدم أو طول أو قصر ونحوها بالوقوع بدلا عن مقابله اه وقال النسفى فى شرح العمدة حدها عند المتكلمين معنى يوجب تخصيص المعقولات بوجه دون وجه وقيل صفة تنفى عمن قامت به الجبر والاضطرار وفائدتها على هذا الحد ان يكون الموصوف بها مختارا فيما فعله غير مضطر اليه ثم صانع العالم أوجده باختياه اذ من لااختيار له فى فعله فهو مضطر والمضطر عاجز فيكون حادثا ولا اختيار بدون الارادة فكان مريدا اه وفى المقدمات للسنوسى هى صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن ببعض مايجوز عليه وقال فى شرح الصغرى صفة يتأتى بها تخصيص كل ممكن بالجائز المخصوص بدلا عن مقابله وقال فى شرح الوسطى صفة يتأتى بها ترجيح وقوع أحد طرفى الممكن وان شئت قلت هى القصد لوقوع أحد طرفى الممكن وقال فى شرح الكبرى هى قصد للفاعل الى فعل ذلك الجائز وان شئت قلت اختياره له اه وقال أبو المنصور التميمى الارادة والمشيئة عندنا @ بمعنى القصد والاختيار وزعمت الكرامية ان المشيئة الازلية صفة واحدة يتناول ماشاء الله عز وجل بها من حدث يحدث وارادة الله غيرها وارادته حادثة فى ذاته قبل حدوث مراداته على عدد مراداته وقلنا مشيئته ارادته وهى متعلقة بحدوث جميع الحوادث على حسب تعلق عمله بها فى معنى انه أراد حدوث كل ماعلم منها على ماعلم من حدوثه عليه اه (فهو المبدئ المعيد والفعال لما يريد) قد تقدم تفسير هذه الالفاظ فى أول هذا الكتاب ثم أشار الى برهانها فقال (فكيف لا يكون مريدا وكل فعل صدرمنه أمكن ان يصدر منه ضده) أى كل صادر عنه تعالى من الممكنات فى وقت من الاوقات كان من الممكن صدور ضده فيه أى ضد ذلك الصادر بعينه فى وقت اخر (قبله) أى قبل ذلك الوقت الذى صدر فيه (أو بعده والقدرة تناسب الضدين والوقتين مناسبة واحدة فلابد من ارادة صارفة للقدرة الى أحد المقدورين) أى فتخصيصه بصدوره فى ذلك الوقت دون ذلك الممكن الاخر ودون ماقبل ذلك الوقت وما بعده لابد من كونه يصرف القدرة المناسبة للضدين والوقتين على السواء عن ايجاد ذلك الممكن فى غير ذلك الوقت أوايجاد غيره بدله فى ذلك الوقت الى تخصيص ذلك الممكن دون غيره بذلك الوقت المخصوص ولا نعنى بالارادة الا ذلك المعنى المخصص وهو صفة حقيقية قائمة بذاته توجب تخصيص المقدور دون غيره بخصوص وقت ايجاده دون ماقبله وما بعده من الاوقات هكذا عبر به ابن الهمام فى المسايرة وقال السعد فى شرحه على العقائد وهما أى الارادة والمشيئة عبارتان عن صفة فى الحى توجب تخصيص أحد المقدورين فى احد الاوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة الى الكل وكون تعلق العلم تابعا للوقوع اه قال ابن قاسم فى نسخته على هامشها تحت قوله المقدورين مانصه وهما الوجود والعدم وعبارة شيخ الاسلام فى حاشيته على السعد عند قوله أحد المقدورين أى من الفعل والترك بمعنى انهما صفة واحدة تتعلق بالفعل تارة وبالترك أخرى ومثله فى حاشية الكمال بن أبى شريف وفى ظاهر سياقهم نوع تخالف لايخفى قال الغنيمى ويحتمل ان يكون مراد السعد بقوله أحد المقدورين مايصح اتصافه بالوجود لاما يشمل الترك فانه ليس بمقدور مثلا السواد مع البياض مقدوران فالارادة تخصص السواد وهو أحد المقدورين بوقوعه فى هذا المحل المخصوص فى هذا الوقت دون ماقبله ومابعده ثم قال وينبغى ان لاتفهم مما هو مصرح به فى كلامهم من قولهم ان نسبة القدرة الى الضدين أو الاضداد متساوية بخلاف الارادة ان المراد بالضدين ما يشمل العدم والوجود فان الوجود كما هو مصرح به عند أئمة الاصول لا ضدله ولامثل له وقد استدلوا على ذلك بأدلة ساطعة فلا عليك بمكن نقل خلاف ذلك بمجرد نقل عبارات الائمة مع عدم فهمها على وجهها ثم واياك أن تفهم أيضا من قولهم ان نسبة القدرة الى الضدين على السواء أن المراد خصوص الضدين بل المراد ان نسبتها الى جميع الممكنات على السواء لا فرق فى ذلك بين الضدين كالسواد والبياض والمتخالفين والمتماثلين وانما فرض الكلام من فرض فى الضدين فى مقام الاستدلال فان بينهما غاية الخلاف فاذا ثبت أن نسبة القدرة اليهما على السواء ثبت نسبتها الى بقية الممكنات بالطريق الاولى اه وقال الكستلى فى شرح النسفية اعلم أن للقدرة عند المحققين بالمقدور تعلقين تعلق معنوى لا يترتب عليه وجود المقدور بل يمكن القادر من ايجاده وتركه وهذا التعلق لازم للقدرة قديم بقدمها ونسبته الى الضدين على السواء وتعلق اخر يترتب عليه وجود المقدور أو عدمه عند القائلين بان العدم مقدور وهو المعبر عنه بالتأثير أو التكوين والايجاد ونحو ذلك والاظهر انه حادث عند حدوث المقدور وفى كلامهم مايشعر بأنه قديم لكنه متعلق بوجود المقدور لافى الازل بل بوقت وجوده فيما لا يزال اه وبما أوردنا@ لك من نقول ظهر لك ماساقه المصنف فى هذا البرهان ثم قال (ولو أغنى العلم عن الإرادة فى تخصيص المعلوم حتى يقال انما يوجد فى الوقت إلذى سبق العلم بوجودة لجاز ان يغنى عن القدرة حتى يقال وجد بغير قدرة لأنه سبق العلم بوجودة) وهذه الجملة أوردها امام الحرمين فى سياق الرد على الكعبى من المعتزلة ونصه وزعم الكعبى ان كون الاله عالما بوقوع الحوادث فى اوقاتها على خصائص صفاتها يغنى عن تعلق الارادة بها وهذا باطلا لو اغنى كونه عالما عن كونه مريدا لاغنى كونه عالما عن كونه قادرا وقد ايقنا على افتقار افعال المحدثين على اراداتهم وقد اختلفت عباراتهم فى برهان الارادة ففى التذكرة الشرقية لابن القشيرى ما نصه لان فعله مرتب مختص باوقات واوصاف وترتيب الفعل دال على كون فاعله مريدا له قاصدا اليه وفى المدخل الأوسط لابن فورك ظهور فعله دليل على قدرته لان الفعل لا يظهر ممن لا قدرة له كما لا يظهر ممن به عجز أو موت وكونه محكما متقنا دليل على علمه لأنه على احكامه واتقانه لا يتاتى ممن لا علم له وكونه متقنا دليل على ارادة فاعله اذ لايصح ظهوره من غير ذى علم كذلك لايصح ظهوره من غير ذى قصد اليه لولاه لم يكن وقوعه على وجه أولى من وقوعه على وجه اخر وقال أبو قاسم الاسكاف فى الكافى وهو مريدا لان قدرته تساوى بالاضافه اليها جميع المقدورات وليس يقع منها إلا البعض على وجوه خاصة فلابد من اراده تخصص بالوجود ما تخصص على الوجه الذى تخصص وقال والد امام الحرمين فى كفاية المعتقد والدليل على أرادته تعالى وانه مريدا ان تخصيص حدوث المحدث بزمان دون زمان فى مكان دون مكان على صفة دون صفة لا يصير معقولا الا بإرادة مريد وقال أبو القاسم القشيرى فى كتاب الاعتقاد الدليل على ان أفعاله مرتبة ترتيب الأفعال واختصاصها ببعض المجوزات يوجب ان يكون فاعلها قاصدا الى ترتيبه وقال أبو الخير القزوينى فى معجمه الحق والدليل على كونه تعالى مريدا ان اختصاص الفعل شاهد يدل على كون فاعله مريدا ونحن نرى افعال البارى تعالى مخصوصة بأوقاتها وموصوفة بصفات مخصوصة جاز فى العقل وقوعها على اختلافها فتدل على ان فاعلها مريدا لها وقال شيخ مشايخنا فى املائه والدليل على أرادته تعالى انه لو لم يكن مريدا لكان كارها لان الارادة هى القصد الى تخصيص الجائز ببعض ما يجوز عليه وقد تقرر ان ارادة الله تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات فيستحيل وقوع شئ منها بدون اراده منه تعالى لوقوع ذلك الشئ وقال البكر فى شرح الحاجبية قد ثبت ان صانع العالم فاعل بالاختيار وكل فاعل بالاختيار مريدا فصانع العالم مريدا أما الصغرى فلما مر من حدوث العالم الدال على انه قادر مختار وهو الذى إذا شاء فعل واذا لم يشاء لم يفعل واما الكبرى فلان تخصيص الحوادث بحالة دين حالة هو الارادة او تعلقها والتخصيص حاصل فالإرادة ثابتة وهو المطلوب اه ونقل الغنيمى عن السنوسى فى شرح النظم الارادة صفة يترجح بها وقوع احد طرفى الممكن على مقابلة وبرهان وجوبها له تعالى ان الحوادث قد اختصت من كل نوع من أنواع ستة وهى الوجود والعدم والمقادير والصفات والأزمنة والأمكنة والجهات بأحد أمرين جائزين متساويين فى قبول كل ذات حادثة لهما واختصاص احد الأمرين المتساويين بدلا عن مقابلة بغير مرجح مستحيل واذا وجب الافتقار الى المرجح فلا يصح ان يكون الرجح ذات الممكن لأنه يلزم عليه اجتماع أمرين متساويين وهما الاستواء بالذات والرجحان بالذات وذلك مستحيل لا يعقل وأيضا لو ترجح المكن من ذاته الوجود بدلا عن العدم لوجب استمرار عدمه فلا يوجد أبدا لان المرجح الذاتي يستحيل زواله وكلا القسمين باطل فتعين ان يكون المرجح لاختصاص كل ممكن بأخذ الطرفين الجائزين عليه خارجا عن ذاته والسر التام يقضى لأمر حج لاختصاص الممكن بأحد الجائزات علية بدلا عن مقابلة الاراده وهى قصد الفاعل الى وقوع ذلك الجائز دون مقابله اه المراد منه @ (فصل) واما المحدث فيقول قد ثبت سمعا ان الله تعالى أراد الأشياء ويريدها وقد خاطبنا بذلك من جهة معهود اللسان العربي والمعهود فى اللسان العربى ان الذى يريد الشئ هو الذى يخصصه على الحقيقة ومن يخصص الشئ على الحقيقة فهو مريد وصانع العالم مريد على الحقيقة وأما الصوفى فيقول لابد من تخصيص على الحقيقة والمخصص على الحقيقة هو الذى لا يدافع تخصيصة الا العالم على الحقيقة ولا عالم على الحقيقة الا الله تعالى (تنبيه) هذه الاصول الاربعه التى ذ كرها المصنف ولاء وذكر فى كل صفة من الصفات وقد ضم اليها ابن الهمام فى مسايرته الثامن والتاسع وهما فى بيان قدم العلم والارادة واورد الكل فى فصل واحد وقال حاصل سته ومنها العلم بانه تعالى قادر عالم حى مريد ثم قرر ماتضمنه الاصلان الاولان بما اورده هنا ممزوجا بشرح تلميذه ابن ابى شريف قال لما ثبت وحدانيته فى الالوهيه ثبت اسناد كل الحوادث اليه تعالى والالوهيه الاتصاف بالصفات التى لأجلها استحق ان يكون معبودا وهى صفاته التى نوحد بها سبحانه فلا شريك له فى شئ منها وتسمى خواص الالوهيه ومنها الإيجاد من العدم وتدبير العالم والغنى المطلق عن الموجوب والموجود فى الذات وفى كل من الصفات فثبت افتقار الحوادث فى وجودها اليه فكل حادث من السموات وحركاتها بكواكبها الثابته وحركات كواكبها السيارة على النظام الذى لا اختلاف فيه والارضين وما فيها وما عليها من نبات وحيوان وجماد ومابينهما من السحاب المسخر ونحو ذلك كل مستند فى وجوده الى البارى سبحانه وهو مشاهد لنا منها كمال الاحسان فى ايجادها من اتقان صنعها وترتيب خلقها وما هديت اليه الحيوانات من مصالحها وما اعطيته من الآلات على مقتضى الحكمه البالغة البارعة التى يطلع على طرف منها علم التشريح ومنافع خلقة الإنسان واعضائة ويستلزم ذلك قدرته اى ثبوت صفة القدرة له وعلمه بما يفعله ويوجده والعلم بهذا الاستلزام فيهما ضرورى ولكن ينبه عليه بان من رأى خطا حسنا يتضمن ألفاظا عذبه رشيقه تدل على معانى دقيقة علم بالضرورة ان كاتبه المنشئ له عالم بتأليف الكلام والكتابه قادر عليهما وينضم اى هذا اى الى ثبوت العلم له تعالى انه هو الموجد لأفعال المخلوقات فيلزمه اى يلزم ما ذكر من المنضم والمنضم اليه علمه بكل جزئى خلافا للفلاسفه فى قولهم انه تعالى يعلم الكليات وانه انما يعلم الجزئيات على وجه كلى لاعلى الوجه الجزئى وهو باطل اذ كيف يوجد ما لا يعلم وقد ارشد الى هذا الطريق قوله تعالى "الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"هذا ما تضمنه الاصل الثالث فقد قرره بقوله والعلم والقدرة اى الاتصاف بهما بلا اتصاف بحياة محال وليس معنى الحياة فى حقة تعالى ما يقوله الطبيعى من قوة الحس ولا قوة التغذية ولا القوة التابعة للاعتدال النوعى التى يفيض عنها سائر القوى الحيوانية ولا ما يقوله الحكماء وأبو الحسن البصري من المعتزلة من ان معنى حياته تعالى كونه يصح ان يعلم ويقدر بل هى صفه حقيقية قائمه بالذات تقتضى صحة العلم والقدرة والإرادة ثم قرر ما تضمنه الاصل الرابع بما قد ذكرن فى أثناء الكلام المصنف قريبا وأما ما تضمنه الاصل الثامن والتاسع فسياتى بيانه فى موضعه ان شاء الله تعالى (الأصل الخامس انه تعالى سميع بصير) بلا جارحة وحدقة ولا اذن كما انه تعالى عليم بلا دماغ ولا قلب فليس سمعه كسمع المخلوق الذى هو قوة موضوعه فى مقعر الصماخ يتوقف ادراكها للأصوات على حصول الهواء الموصل الى الحاسة وتأسر الحاسة ولا كبصر المخلوق الذى هو قوة مودعة فى العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ بل المراد بالسمع صفه وجوديه قائمه بالذات شانها ادراك كل مسموع وان خفى والمراد بالبصر صفة وجوديه قائمة بالذات شانها ادراك كل مبصر وان لطف وقد أشار المصنف الى ذلك فقال على طريق اللف والنشر غير مرتب (لايعزب) اى لا يغيب (عن رؤيته هواجس الضمير وخفايا الوهم) والهاجس ما يخطر بالبال والوهم بمعناه (والتفكير) اى ما خفى عنه وهو مصدر فكره مشددا @ اذا أوردة فى فكر وقال المصنف فى المقصد الابنى البصير هو الذى يشاهد ويرى حتى لايعزب عنه ما تحت الثرى مع التنزية عن ان يكون بحدقة واجفان والتقديس عن ان يرجع الى انطباع الصور والألوان فى ذاته كما ينطبع فى حدقة الإنسان فان ذلك من التغير والتأثر والمقتضى المحدثان واذا نزه عن ذلك كان البصر فى حقة عبارة عن الصفة التى ينكشف بها كمال نعوت المبصران وذلك أوضح وأجلى مما تفهمه من ادراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات (ولا يشذ) اى لا ينفرد ولا يبعد (عن سمعه) مسموع وان خفى فسيسمع السر والنجوى بل ما هو ارق من ذلك وأخفى يسمع (صوت دبيب) اى حركة أرجل (النملة) الصغيرة المسماة بالذرة ثم وصفها وقال (السوداء) لأنها اذا كانت كذلك كانت اشد فى الخفاء (فى الليلة الظلماء) الشديدة السواد (على الصخرة الصماء) الملساء اصمنحتوا ذات منزه سمعه من ان يتطرق اليه الحدثان ومهما نزهت السميع عن تغير يعتريه عند حدوث المسموعات وقدسته عن ان يسمع بأذان او الة علمت ان السمع فى حقه عبارة عن صفة ينكشف بها أكمل صفات المسموعات ومن لم يدقق نظرة فية وقع بالضرورة فى محض التشبيه فخذ منه حذرك ودقق فيه نظرك قال المصنف فى المقصد الابنى ثم اعلم ان ثبوت صفتى السمع والبصر بالسمع فقد ورد صفه تعالى بهما فيما لا يكاد يحصى من الكتاب والسنه وهو مما علم ضرورة من دينه صلى الله علية وسلم فلا حاجه بنا الى الاستدلال عليه كسائر ضروريات الدين ومع ذلك فقد استدل علية المصنف وقال (وكيف لا يكون سميعا بصيرا والسمع والبصر صفتا الكمال) وقد اتصف بهما مخلوق (وليس بنقص) فهو تعالى احق بالاتصاف بهما من المخلوق وقد أشار الى ذلك بقوله (فكيف يكون المخلوق اكمل من الخالق والمصنوع اسنى) اى ارفع (واتم من الصانع وكيف تعتدل القسمه مهما وقع النقص فى جهته والكمال فى خلقه وصنعته) هذا لا يتصوره عقل وفى هذا الاستدلال الذى ذكره المصنف اختلفت عباراتهم ولكن المآل الى ما ذكره قال أبو القاسم القشيرى فى كتابه الاعتقاد والدليل عليه أنهما صفتا مدح فى ثبوتهما نفى نقص لا ينتفى ذلك النقص الا بهما والاله سبحانه وتعالى مستحق لأوصاف الكمال وقال ابن فورك فى المدخل الأوسط الدليل عليه تعالى موجود حى لا تليق به الآفات التى تضاد السمع والبصر وكل حى ليس به افه تضاد السمع والبصر والكلام واصدادها وامتداد هذه الصفات نقائص والرب يتقدس عن سمات النقص وقال ابن القشيرى فى التذكرة الشرقية اذ لو لم يتصف بهما لاتصف بضدهما وقد وجدنا الحى فيما بيننا يجوز ان يكون سميعا بصيرا ولم نجد لقول السمع والبصر عله الا كونه حيا فعلمنا ان كل حى قابل للسمع والبصر والبارى تعالى حى فهو اذا قابل للسمع والبصر فلو لم يتصف بهما لاتصف بضدهما لان كل ذات قبلت معنى ولذلك المعنى ضد استحال خلوه عن ذلك المعنى وعن ضده وفيه احتراز عن الحركه والسكون وبيان مراعاة العال دون اعتبار مجرد الشاهد فى محكم الغائب وقال شيخ مشايخنا فى املائه لو لم يكن سميعا بصيرا لكان أصم أعمى وذلك نقص والنقص عليه تعالى محال لاحتياجه لمن يكمله وذلك يستلزم حدوثه وقال البكى فى شرح الحاجبية اما قوله سميعا بصيرا فقد اتفق عليه أهل السنة اما الاشعرى فيقول قد ثبت ان البارى تعالى عالم مريد حى وكل حى سميع او قابل لذلك والواجب لا يتصف بالقبول بل كل ما يجوز له فهو واجب له وايضا فانهما صفتا كمال والخلو عنهما نقص او قصور فى الكمال وأيضا قد أجمعت عليه الكتب السماوية وخصوصا القران وهذا دليل المحدث واما الصوفى فيقول حديث التقرب بالنوافل بين لكل من هو الى عبوديته واصل ان السميع البصير هو الله فقط أشار المصنف رحمه الله تعالى الى ان عدم السمع والبصر نقص فى المعبود وأيده بقوله (او كيف تستقيم حجة) سيدنا (إبراهيم) الخليل (صلى الله عليه) وعلى @ نبينا (وسلم على ابيه) ازر كما هو نص القران او هو تارخ كما هو قول النسابه وازر عمه واستعمال الأب على العم شائع فى الاستعمال (اذ كان) اى ازر (يعبد الأصنام) والتماثيل (جهلا) منه (وغبا) عن طريق الرشد (فقال له) ابراهيم عليه السلام كما حكى عنه فى الكتاب العزيز (يابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) فافاد انهذه صفات لا يليق بالمعبود ان يسلبها (ولو انقلب ذلك عليه فى معبوده) بحيث سلبت عنه تلك الصفات (لاضحت حجته) التى احتج بها على خصمه (ودلالته) التى استدل بها فى تحقيق مقصوده (ساقطه) فى حد ذاتها ولم تكن ملزمه له اصلا واذا (لم يصدق قوله تعالى) فى قصته (وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه) ترفع درجات من تشاء الاية والفرق بين الحجه والبينه قد تقدم فى أول الكتاب ثم أشار بالرد على من زعم ان اثبات صفتى السمع والبصر يستدعى حدقة واذانا فقال (وكما عقل كونه) عز وجل (فاعلا) مختارا (بلا جارحه) من الجوارح (وعالما بلا قلب او دماغ) وإنما ذكرهما جميعا لما ان علم المخلوق قد اختلف فى محله اهو الدماغ او القلب فجمع بين القولين (فليعقل كونه) تعالى (بصيرا بلا حدقة) وهى محركة التى فيها انسان العين ويجمع على احداق (وسميعا بلا اذان) بضمتين وجمعه اذان (اذ لا فرق بينهما) اذا تأملت حق التأمل (الاصل السادس) فى بيان احد صفات المعانى التى هى الكلام فقال (انه سبحانه وتعالى متكلم بكلام) اعلم ان مسألة الكلام ذات تشعب كثير وبحث المبتدعه منتشر شهير حتى قيل انما سمى فن أصول الدين بعلم الكلام لاجله فلا كبير جدوى فى تطوير مباحثه وقال بعض المحققين الحق ان التطويل فى مسألة الكلام بل وفى جميع صفاته بعد ما يستبين الحق فى ذلك قليل الجدوى لان كنه ذاته وصفاته محجوب عن العقل وعلى تقدير التوصل الى شئ من معرفة الذات فهو ذوق لا يمكن التعبير عنه ولذلك لا اذكر فى هذا المبحث الا ما يقتضيه المقام من التكلم على عبارة المصنف رحمه الله تعالى فما قال وكفى خيرا مما كثر والهى فاقول اعلم ان البحث فى هذا المقام يرجع الى امرين الأول انه تعالى متكلم والثانى انه تعالى متكلم بكلام نفسى قائم بذاته وفى اثناء ذلك بيان صحبة اطلاق الكلام عليه لغة وان اطلاقه عليه هل يكون مجازا او حقيقة وقد أشار المصنف الى كل ذلك بقوله انه سبحانه وتعالى متكلم بكلام (وهو وصف قائم بذاته) اما قيامه بذاته فلانه تعالى وصف نفسه بالكلام فى قوله تعالى "قلنا اهبطوا منها جميعا " وقوله "وقلنا يا ادم" ومواضع أخرى كثيره والمتكلم الموصوف بالكلام لغة من قام الكلام بنفسه لا من أوجد الحروف فى غيره (ليس بصوت ولا بحروف) اما الصوت فهو كيفيه قائمه بالهواء تحمله الى الصماخ وقال الراغب الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربات مجرد عن انتفاء شئ كالصوت ومنتقش بصورة والمنتقش ضربان ضرورى كما يكون من الحيوان والجماد واختيارى كما من الانسان وذلك ضربا نضرب باليد كصوت العود وضرب بالفم وما بالفم ضربان نطق وغيره كصوت النائى والنطق اما مفرد من الكلام او مركب واما الحروف فهى كيفيه عارضة للصوت ولذا قيل لو قدم الحرف على الصوت فى التعبير كان أولى لان الصوت بمنزلة العام والحرف بمنزلة الخاص وليلزم من نفى الخاص نفى العام اذ قد يوجد صوت بدون حرف ولا ينعكس فكان تأثيره أتم فى الفائده ولكن قد وجه بعض المحققين فقال قدمه على الحروف لكونه معروض له متقدما عليه بالطبع فتأمل (بل لا يشبه كلامه كلام غيره) لأنه صفه من صفات الربوبية ولا مشابه بين صفات البارى وصفات الادميين فان صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتكثر وحدتهم فتقوم أنفسهم بتلك الصفات وتتعين حدودهم ورسومهم بها وصفة البارى تعالى لاتحد ذاته ولا ترسم فليست اذا شئ زائد على البارى تعالى (كما لا يشبه وجوده وجود غيره) ومن ظن ان صفاته تشبه صفات غيره فقد أشرك لان الخالق لا يشبه المخلوق ثم اعلم ان الكلام عند أهل الحق يقال على المعنيين يقال على النظم المركب من @ الاصوات والحروف وهو الكلام اللسانى وعلى المعنى القائم بالنفس وهو المسمى بالكلام النفسانى وهذا الاطلاق بالاشتراك اللفظى والحقيقة والمجاز والمختار عند الاشاعرة الاول اى انه مشترك بين الالفاظ المسموعة وبين الكلام النفسى وذلك لانه قد استعمل لغة وعف فيهما والاصل فى الاطلاق الحقيقة فيكون مشتركا اما استعماله فى العبارة فكثيرا كقوله تعالى "وهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" فاجر من يسمع كلام الله ثم ابلغ مامنه ويقال سمعت كلام فلان وفصاحته يعنى الفاظه الفصيحة واما استعماله فى المعنى وهو مدلول العبارة فكقوله سبحانه "ويقولون فى انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول واسروا قولهم او اجهروا به" وقول عمر رضى الله عنه يوم السقيفه زورت فى نفسى قولا والقول يقال على ما يقال علية الكلام اما يترادف او يتباين الخاص والعام وقيل حقيقة فى اللسانى مجاز فى النفسانى وقيل بالعكس واليه اشار المصنف بقوله (والكلام بالحقيقة كلام النفس وانما الاصوات قطعت حروفا للدلالات كما يدل عليها تاره بالحركات والاشارات) وهذا منه تصريح ان الكلام النفسى هو الحقيقة وان المعنى القائم بالنفس هو الكلام حقيقة والحروف والاصوات دلالات عليه ومعرفات له وانه حقيقة واحدة هى الامر والنهى والخبر والاستخبار وانها صفات لها أنواع عبر عنها بالعربية كان عربيا او بالسريانية كان سريانيا وكذلك فى سائر اللغات وانه لايتعبض ولا يتجزأ هذا قول الاشاعرة ثم اختلفو فقال امام الحرمين وغيره الكلام المطلق حقيقه هو ما فى النفس شاهدا وغائبا واطلاق الكلام على الحروف والاصوات مجاز واليه مال المصنف كما ترى وقال الجمهور منهم يطلق على كلا منهما بالاشتراك اللفظى واليه اشرنا أولا بقولنا والمختار ثم أنهم استدلو على ثبوت الكلام النفسى بان قالو لاشك فى وجود معنى قائم بنا نجده من أنفسنا عند التعبير او الإشارة والكتابة كما يجده الطالب مع الاستدعاء لحصول المطلوب وتطلبه إياه وليس ذلك هو الارادة لوجوده بدونها فيمن امر عبده معتذرا للسلطان من عدم امتثاله عند توعده فان السيد يأمره ولا يريد وليس هو العلم لانه قد يخبر عن غير معلومه ولا غير ذلك من المعانى النفسانيه لنفى لوازمها عنه فثبت ان هناك امرا قائما بأنفسنا هو المسمى بالكلام والاقرب فى تعريفه انه نسبه بين مفردين قائمه بالمتكلم وقيل هو حديث النفس عن معلومها حصولا واستدعاء ويعنى بالنسبه بين المفردين اى بين المعنيين المفردين ... تعلق احدهما بالاخر واضافته اليه على جهة الإسناد الافادى اى بحيث اذا عبر عن تلك النسبة بلفظ يطابقها ويؤدى معناها كان ذلك اللفظ اسنادا افاديا وقال النفسى فى الاعتماد صانع العلم متكلم بكلام واحد ازلى وهو صفة قائمه بذاته وليست من جنس الحروف والاصوات غير متحيز مناف السكوت والافه وهو به أمرناه مخبر قلت ودليل الاشاعرة والمناريدية فى اثبات صفت الكلام واحد فقالوا لو لم يكن صانع العالم متكلما للزم النقص وهو محال اما اللازمة فان صانع العالم حى وكل حى فهو اما متكلم او مؤف والافه نقص فتعين ان يكون متكلما وهو المطلوب واما دليل السمع فقوله عز وجل "وكلم الله موسى تكليما" الا ان عند الاشاعرة كلامه تعالى مسموع لما ان كل موجود كما يجوز ان يرى يجوز ان يسمع عنه وعند ابن فورك المسموع عند قراءة القارئ شيان صوت القارئ وكلام الله تعالى وعند الشيخ ابى منصور والمانريدى كلامه غير مسموع لاستحالة سماع ما ليس بصوت اذ السماع فى الشاهد ى يتعلق بالصوت ويدور معه وجودا وعدما وذكر فى التاويلات ان موسى عليه السلام سمع صوتا الأعلى كلام الله تعالى وخص بانه كليم الله لأنه سمع من غير وساطه الكتاب والملك لأنه ليس فيه وساطة الحروف والصوت اه وقد يستدل المحدث أيضا على اثبات صفة الكلام له تعالى بما تقدم واما الصوفى فيقول الكلام صفه كمالية اذ مر جميع ذلك الى الأنباء فلابد من حصول تلك الصفة على كمالها وحصولها على الكمال لا يكون الا بحيث لا موقع لنقيضها وذلك لا يكون فى واجب الوجود فاواجب الوجود له تلك الصفه الكمالية وهو الذى له الكمال المطلق وهو المطلوب ثم استشعر المصنف كلام @ المخالفين لمعتقد الاشاعرة وهم الحنابلة والمعتزلة فإنهم أنكروا الكلام النفسي وقالوا ليس الكلام مشتركا بين العبارة ومدلولها بل الكلام هو الحروف المسموعة فهو حقيقة فيها مجاز في مدلولها فقال رادا عليهم متعجبا منهم بقوله (وكيف التبس هذا) أى كيف خفي أمره (على طائفة من الاغبياء) جمع غبى وهو الفدم الذى لا يدرى شيأ وأصل الغباوة الغفلة والجهل وتركيبها يؤذن بالخفاء ومنه قوله الشاعر
Page 145
وإذا خفيت على الغبى فعاذر * أن لا ترانى مقلة عمياء (ولم يلتبس) ذلك (علي جهلة الشعراء) جمع جاهل والمراد به الاخطل كما وقع التصريح بذلك في أكثر كتب الاشاعرة والماتريدية وأوله لا يعجبنك من أمير خطبة * حتي يكون مع الكلام أصيلا (إن الكلام لفي الفؤاد وانما * جعل اللسان علي الفؤاد دليلا) وقد أنكره العلاء المرداوى من الحنابلة في شرح تحرير الاصول وقال هو موضوع علي الاخطل وليس متوفى نسخ ديوانه وإنما هو لابن صمصام ولفظه ان البيان اه وقد استرسل بعض علمائنا من الذين له تقدم ووجاهة وهو علي بن علي بن محمد بن الغزى الحنفى فقال في شرح عقيدة لامام أبي جعفر الطحاوى ما نصه وامامن قال انه معنى واحد واستدل بقول الاخطل المذكور فاستدلال فاسدولوا استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا هذا خبر واحد ويكون ممااتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به فكيف وهذا البيت قد قيل انه مصنوع منسوب الى الاخطل وليس هو في ديوانه وقيل انما قال ان البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب الى الصحة وعلي تقدير صحته عنه فلا يجوز الاستدلال به فان النصارى قد ضلوا في معنى الكلام وزعموا ان عيسى عليه السلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت أى شئ من الاله بشئ من الناس فيستدل بقول نصرانى قد ضل فى معنى الكلام عن معنى الكلام ويترك ما يعلم من معني الكلام في لغة العرب وأيضا فمعناه غير صحيح إذلازمه ان الاخرس يسمى متكلما لقيام الكلام بقلبه وان لم ينطق به ولم يسمع وهذا معنى عجيب وهو ان هذا القول له شبه قوى بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت ا ه الخ ولما تأملته حق التأمل وجدته كلاما مخالفا لاصول مذهب امامه وهو فى الحقيقة كالرد علي أئمة السنة كأنه تكلم بلسان المخالفين وجازف وتجاوز عن الحدود حتى شبه قول أهل السنة بقول النصارى فليتنبه لذلك ثم تحامل المصنف عليهم بقوله (ومن لم يعظه عقله) أى الكامل (ولانهاه نهاء) بالضم جمع نهية وهي العقل لكونه ينهي عن القبيح ومن ذلك قوله تعالى ان في ذلك لآيات لأولى النهى وبين نهاه ونهاء جناس تام مع الاشتقاق (عن أن يقول لسانى) الذى أنطق به (حادث ولكن) العرض القائم به وهو (ما يحدث فيه) أى ينشأ فيه (بقدرتي الحادثة) هو (قديم) قائم بالذات ولم يفهم ان الاجسام التي لها أول اذا جعلت علي كيفية مخصوصة صارت قديمة (فاقطع عن عقله) أى عن رجوعه الى عقله والتدبر فى الحق الصريح وفى بعض النسخ عن فهمه (طمعك) أى رجاءك في رجوعه الى ما تقرره بل (وكف) أى امنع (عن خطابه) ومذاكرته (لسانك) فقد رسخ فى ذهنه ما تخيله فلا ينفك عنه اذ صار له ذلك كالطبع والجبلة فازالة ذلك عسر جدا ثم لما كان من مذهب المخالفين القول بقدوم الحروف والاصوات وانها قائمة بذات الحق سبحانه أشار بالرد عليهم بقوله (ومن لم يفهم أن القديم عبارة عماليس قبل كل شئ) والمحدث مالم يكن فكان (وان الباء) الموحدة (قبل) حرف (السين) المهملة (في قولك بسم الله) الرحمن الرحيم ونحوه من الالفاظ المنتظمة الحروف يحس فيها بعدم الحرف الثاني من الكلمة قبل تمام التلفظ بالاول (فلا يكون السين المتأخر عن الباء قديما) لكونه مسبوقا بالباء وهذا مكابرة للحس وخروج عن مقتضيات العقول المحيلة (فنزه عن الالتفات اليه قلبك) أى ابعده عنه ولا تخالط به فان شيطانه المريد لا يسمع التفنيد وبمعاشرته يكثر اللجاج والمراء ويترتب عليهما فساد النظام @ وضياع الوقت فيما لا يجدى الى المرام وهذا حال أغبيائهم فانهم لا يفهمون معنى القديم ولا يميزون بينه وبين الحادث ولا يتحاشون من رفض بداهة العقول والمتغافلون منهم لم يرضوا بركوب متن الجهل واللجاج فقالوا الحروف قديمة بالنوع ورجعوا كرامية عند التحقيق (فلله سبحانه) وتعالى (سر) عظيم (في ابعاد بعض العباد) عن منصة لتقريب والارشاد (ومن يضلل الله) إياه (فماله من هاد) يرشده الى سلوك سبيل السداد ثم لما كان من قول المخالفين كيف يعقل كلام ليس بحرف ولاصوت أجاب عنه رادا عليهم بقوله (ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام) وعلي نبينا (فى الدنيا كلاما ليس بصوت) ولا حرف (فليستنكر أن يرى فى الآخرة موجودا) متكلما حيا (ليس بجسم) أى ليس بذى جسم ملموس ومحسوس غير متحيز (ولا) بذى (لون) ولا قابل للحوادث والمقصود نفى الكيفية على كل حال وكذلك اذا استبعدوا كيف سمع جبريل عليه السلام والمؤمنون غدا كيف يسمعون فالجواب سمع كلاما ليس بحرف ولاصوت من متكلم حتى ليس له لسان وشفة وهذه الجملة من كلام المصنف قد ردها الطوخى من الحنابلة فقال هو تكلف وخروج عن الظاهر بل عن القاطع من غير ضرورة وما ذكره معارض بأن المعانى لا تقوم شاهدا الابالاجسام فان أجازوا معنى قام بالذات القديمة وليست جسما فليجيزوا خروج صوت من الذات القديمة وليست جسما اذ كلا الامرين خلاف للشاهد ومن أحال كلا مالفظيا من غير جسم فليحل ذاتا مرئية غير جسم ولا فوق اه من شرح التحرير للمرداوى وهذا الذي ذكره المصنف من ان الكلام النفسى مما يسمع هو قول الاشعري قاسه على رؤية ماليس بلون ولا جسم قياسا ألزم به من خالفه من أهل السنة لاتفاقهم على جواز الرؤية ووقوعها فى الآخرة ثم قال (وإن عقل أن يرى ما ليس بلون) محسوس (ولا جسم) متحيز (ولا قدر) معلوم (ولا كمية) متصلة أو منفصلة (وهوالى الآن لم ير غيره فليعقل فى حاسة السمع ما عقله فى حاسة البصر) أى فليعقل سماع ماليس بصوت وهو لايكون إلابطريق خرق العادة كما نبه عليه الباقلانى وفى لباب الحكمة الالهية للمصنف كلام الله تعالى ليس سوى افاضة مكنونات علمه على من يريد اكرامه كما قال تعالي ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه شرفه الله بعزه وقربه بقدسه وأجلسه على بساط انسه وشافهه بأجل صفاته وكلمه بعلم ذاته كما شاء كلمه وكما أراد سمع لا يندرج كلامه تحت الكيفية ولا يحتاج الى سؤال العلمية ولا يوصف بالماهية والكمية بل كلامه كعلمه وعلمه كارادته وارادته كصفته وصفته كذاته وذاته أجل من التنزيه والتكبر وصفاته أجلى من التفسير والتفصيل خالق كل شئ وهو على كل شئ قدير قلت وقد تقدم ان الماتريدى استحال سماع ما ليس بصوت ووافقه الاستاذ الاسفراينى واختاره ابن الهمام وقال وهو الاوجه عندى لان المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون ادراك صوت وادراك ماليس صوتا قد يخص باسم الرؤية وقد يكون له الاسم الاعم أعنى العلم مطلقا عن التقييد بمتعلق قال ابن أبى شريف ولمن انتصر للاشعرى أن يقول بل المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون ادراكا بالقوة المودعة في مقعر الصماخ وقد يخلق لها ادراك ما ليس بصوت خرقا للعادة فيسمى سمعا ولامانع من ذلك بل فى كلام الماتريدى فى كتاب التوحيد له مايشهد لذك علي ما نقله عن صاحب التبصرة وهو جواز سماع ماليس بصوت والخلاف إنما هو فى الواقع للسيد موسى عليه السلام فانكر الماتريدى سماعه الكلام النفسى وقال انما سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى كما تقدم فتأمل ثم قال (وان عقل أن يكون علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه بالعبارات) من أمر ونهى واخبار وقد جاز فى الشاهد أن يكون الشئ الواحد أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا فكذلك يجوز فى الغائب ولم يكن مستحيلا وهذه العبارات مخلوقة لأنها أصوات وهى أعراض سميت تلك العبارات كلام الله لدلالتها عليه وتأديه بها والاختلاف فى العبارات المؤدية لا الكلام وقال ابن التلمسانى كل آمر وناه يجد فى نفسه اقتضاء وطلبا يعبر عنه بالعبارات المختلفة @ والكتابة والاشارة وما فى النفس لايختلف لاختلاف الدلالات فكذلك المخبر يجد فى نفسه حديثا يعبر عنه بالالفاظ المختلفة وهذا الوجدان ضرورى لانزاع فيه ثم قال ومن أنكر كلام النفس فقد أنكر أخص وصف الانسانية فان الآدمى يشاركه البهائم فى ادراك المحسوسات والوجدانيات ويختص الآدمى عنها بالقدرة على استحضار العلوم فى الذهن وتركيبها وترتيبها ترتيبا يتوصل به الى ادارك الغائبات وكل ذلك يعتمد الكلام النفسى اه ثم قال (وان عقل كون السموات السبع) والعرش والكرسى (والارض وكون الجنة والنار مكتوبة فى ورقة صغيرة ومحفوظة فى تعداد ذرة من القلب و) عقل (ان ذلك مرئى فى مقدار عدسة من الحدقة) التى فيها إنسان العين (من غير أن تحل ذات السموات والارض) والعرش والكرسى (والجنة والنار فى الحدقة والورقة فليعقل كون الكلام مقروأ بالالسنة) الظاهرة (محفوظا فى القلوب) الباطنة (مكتوبا فى المصاحف بالاحبار المتنوعة من غير حلول ذات الكلام فيها) أى فى تلك المصاحف قطعا (إذ لوحلت بكتاب ذات الكلام) فرضا وتقديرا (لحل ذات الله تعالى بكتابة اسمه فى الورق ولحلت ذات النار بكتابة اسمها فى الاوراق ولاحترقت) ولكان من نطق بالنار احترق فمه والجنة والنار مكتوبتان فى المصاحف ثم أحد لايتخيل انهما مدرجتان فيها بالذات وكذا النبى صلى الله عليه وسلم مكتوب فى التوراة والانجيل لاعلى معنى انه حل فيهما ولكن فيهما دلالة عليه وهو المكتوب صلى الله عليه وسلم بتلك الكتابة وقدأوضحه المصنف فى الجام العوام بوجه آخر فقال اعلم ان لكل شئ فى الوجود أربع مراتب وجود فى الاعيان ووجود فى الاذهان ووجود فى اللسان ووجود فى البياض المكتوب عليه كالنار مثلا فان لها وجودا فى التنور ووجودا فى الخيال والذهن وأعنى بهذا الوجود العلم بصورة النار وحقيقتها ولها وجود فى اللسان وهى كلمة دالة عليها أعنى لفظ النار ولها وجود فى البياض المكتوب عليه بالرقوم والاحراق صفة خاصة للنار والمحرق من هذه الجملة هى التى فى التنور دون التى فى الاذهان وفى اللسان وعلى البياض إذلو كان المحرق هو الذى فى البياض أواللسان لاحترق ثم قال وكذلك القدم وصف كلام الله تعالى ومايطلق عليه القرآن له وجود على أربع مراتب أولاها وهى الاصل وجود قائم بذات الله تعالى والثانية وجود العلم فى أذهاننا عند التعلم قبل أن ننطق بلساننا ثم وجوده فى لساننا بتقطع أصواتنا ثم وجوده فى الأوراق بالكتابة فاذا سئلنا عما فى أذهاننا من علم القرآن قبل النطق به قلنا علمنا صفتنا وهى مخلوقة لكن المعلوم به قديم فاذا سئلنا عن صوتنا وحركة لساننا قلنا ذلك صفة لساننا ولساننا حادث وصفته توجد بعده وماهو بعد الحادث حادث بالضرورة ولكن منطوقنا ومذكورنا ومقروءنا ومتلونا بهذه الاصوات الحادثة قديم ثم قال فهذه أربع درجات فى الوجود تشكل على العوام ولايمكنهم ادراك تفاصيلها ثم قال فكماان ما يرى فى المرآة يسمى إنسانا بالحقيقة لكن على معنى انه صورة محكية له فكذا مافى اللسان من الكلمة يسمى باسمه بمعنى انه دلالة على مافى الذهن ومهما فهم اشتراك لفظ القرآن وكل شئ بين هذه الامور الاربعة فاذا ورد فى الخبر ان القرآن فى قلب العبد وانه فى المصحف وانه فى لسان القارئ وانه صفة فى ذات الله تعالى صدق بالجميع مع الاحاطة بحقيقة المراد اه المقصود منه وذكر ابن التلمسانى في شرح لمع الادلة عند قول الماتن فصل كلام الله مقروء بالسنة القراء محفوظ فى صدور الحفظة مكتوب فى المصاحف على الحقيقة والقراءة أصوات القارئين ونغماتهم وكلام الله تعالى هو المعلوم والمفهوم فيها الخ قال فى الايضاح ان القراءة غير المقروء والحفظ غير المحفوظ والكتابة غير المكتوب وان المفهوم من هذه المصادر غير المفهوم من أسماء المعقولات وذهبت الحشوية الى أن القراءة التى هى حروف وأصوات وهى فعل العبد وكسبه وهى أعراض لاتبقى باتفاق من زعم ان الاعراض لاتبقى هى عين كلام الله تعالى وهى قديمة وقالوا ان الحروف المكتوبة فى المصاحف التى ينسب حصولها للكاتبين قديمة وبالغوا فقالوا لوأخذت زفر من حديد وقطع من نحاس أوشئ من الكأس وجعلت حروفا تقرأ كمالو جعلت صورة صارت تلك الاجسام @ قديمة اه وقال أبو نصر القشيرى والعجب كل العجب من تجاهل أقوام فى المصير الى ان كلام الله تعالى اذا كتب على الآجر أوشئ من الاصباغ ينقلب عين الآجر والصبغ قديما فاذا صار الجهل الى هذا القدر والحكم بان المحدث يصير قديما والقديم يفارق ذات البارى تعالى ويحل فى المحدثات فالاولى السكوت ثم قال ابن التلمسانى ومما يدانى هذا المذهب فى جحد الضرورات ان الجبائى من المعتزلة لمالم يعتقد كلاما سوى الحروف والاصوات ونفي كلام النفس وكان مايقرؤه العبد فعله يثاب عليه وينفرد باختراعه عنده وكذلك ما يكتبه فى المصحف وقد أجمع المسلمون على ان لله كلاما مسموعا عند التلاوة وكلاما مكتوبا فى المصاحف تحير فى ذلك فقال اذاقرأ القارئ القرآن قارن خروج كل حرف يفعله العبد حرف يخلقه الله تعالى معه يسمع وهذا افتراء على الحس وخروج عن المعقول فان المحل الواحد لايقوم به مثلان ثم قال اذاتراسل جماعة فى القراءة صحب كلام جميعهم كلام واحد لله تعالى وهو حروف مخلوقة فى لهواتهم وكيف يتصور وجود حرف واحد فى محال متعددة ثم قال اذاسكت بعضهم عدم كلام الله تعالى بالنسبة الى الساكت وبقى بالنسبة الى القارئ وكيف يتصور فى الشئ الواحد ان يكون موجودا معدوما فى آن واحد وقال اذا كتبت الحروف فى المصاحف كان مع كل حرف حرف يخلقه الله تعالى هو كلام ولايرى ونقل هذه المذاهب كاف فى ردها ومن يضلل الله فماله من هاد * (تنبيه) * قال ابن الهمام فى المسايرة وبعد اتفاق أهل السنة أى من الفريقين على انه تعالى متكلم أى بكلام نفسى هو صفة له قائمة به لم يزل متكلما به اختلفوا فى أنه تعالى هل هو مكلم لم يزل مكلما فعن الاشعرى نعم هو تعالى كذلك وعن بعض متكلمى الحنفية لاقال وهو عندى حسن فان معنى المكلمية لايراد به هنا نفس الخطاب الذى يتضمنه الامر والذى يتضمنه النهى كاقتلوا المشركين لاتقربوا الزنا لان معنى الطلب يتضمنه أى يتناول ذلك الخطاب وهو قسمان الطلب الذى يتضمنه الامر والخطاب الذي يتضمنه النهى فلايختلف فى ان ذلك الخطاب ليس تكليما بل هو تكلم إذهو أى ذلك الخطاب داخل فى الكلام القديم الذى به البارى تعالى متكلم والايراد بمعنى المكلمية لسماع لمعنى اخلع نعليك مثلا ولمعنى وما تلك بيمينك يا موسى وحاصل هذا عروض اضافة خاصة للكلام القديم باسماعه لمخصوص بلاواسطة كما قال الاشعرى وبلاواسطة معتادة كما قاله الماتريدى ولاشك فى انقضاء هذه الاضافة بانقضاء الاسماع فان أريد به غير هذين الامرين فليبين حتى ينظر فيه والله أعلم قال ابن أبى شريف والتحقيق ان الذى يثبته الاشعرى المكلمية بمعنى آخر غير الامرين المذكورين وهو مبنى على أصل له خالفه فيه غيره وبيان ذلك ان المتكلمية والمكلمية مأخوذان من الكلام لكن باعتبارين مختلفين عند الاشعرى فالمتكلمية مأخوذة من الكلام باعتبار قيام الكلام بذات البارى تعالى وكونه صفة له وهذا محل وفاق وأما المكلمية فمأخوذة عند الاشعرى من الكلام القائم بذات الله تعالى لكن باعتبار تعلقه أزلا بالمكلف بناء على ما ذهب إليه هو واتباعه من تعلق الخطاب أزلا بالمعدوم الذى سيوجد وشدد سائر الطوائف النكير عليهم فى ذلك فالاشعرى قائل بالمكلمية بمعنى تعلق الخطاب فى الازل بالمعدوم والمنكرون لهذا الاصل ينفونها بهذا المعنى ويفسرونها بالاسماع المذكور فقد ظهر أن المكلمية عند الاشعرى بمعنى سوى الامرين المذكورين وبالله التوفيق فان قيل اعتراضا على الاشعرى التعلق ينقطع بخروج المكلف عن أهلية التكليف بموت ونحوه ولو كان قديما لما انقطع قلنا المنقطع التعلق التنجيزى وهو حادث أما الازلى فلا ينقطع ولا يتغير لماقلنا فى الكلام على الاخبار القائم بالذات من أن التغير فى اللفظ الدال عليه لافيه نفسه وان التغير فى المعلوم لافى العلم فانه يؤخذ من ذلك ان التغير فى متعلق الكلام وتعلقه التنجيزى لافى التعليق المعنوى الازلى اه * استطراد * خلف كلام ابن الهمام السابق وهو قوله وهذا عروض اضافة خاصة للكلام القديم باسماعه لمخصوص بلاواسطة ولا شك فى انقضاء هذه الاضافة بانقضاء الاسماع وهو أن الشيخ السنوسى قال في شرح الكبرى ما حاصله ان من المحال أن يطرأ علي كلامه @ سكوت وقد استدل على ذلك ثم قال وماورد فى الحديث ممايخالف ذلك الذى قررناه فمؤول وذكر حديثا وتكلم على تأويله ثم قال ولهذا تعرف ان ليس معنى كلم الله موسى تكليما انه ابتدأ الكلام له بعد ان كان ساكتا ولاانه بعدما كلمه انقطع كلامه وسكت تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وانما المعنى انه تعالى أزال بفضله المانع عن موسى عليه السلام وخلق له سمعا وقواه حتى أدرك به كلامه القديم ثم منعه بعد ورده الى ما كان قبل سماع كلامه اه فانظره مع الكلام السابق هل بينهما مخالفة أو موافقة * (مهمة) * قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى قال البيهقى الكلام ماينطق به المتكلم وهو مستقر فى نفسه كما جاء فى حديث عمر فى السقيفة كنت زورت فى نفسى مقالة وفى رواية كلاما قال فسماه كلاما قبل التكلم به قال فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وان كان غير ذى مخارج فهو بخلاف ذلك والبارى عز وجل ليس بذى مخارج فلايكون كلامه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبدالله بن أنس وقال اختلف الحفاظ فى الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت فى حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم غير حديثه فان كان ثابتا فانه يرجع الى غيره كما فى حديث ابن مسعود يعنى الذى يليه وفى حديث أبى هريرة يعنى الذى بعده ان الملائكة يسمعون عند حضور الوحى صوتا فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أوللملك الآتى بالوحى أولاجنحة الملائكة واذا احتمل ذلك لم يكن نصا فى المسئلة وأشار فى موضع آخران الراوى أراد فينادى نداء فعبر عنه بصوت اه قال الحافظ وهذا حاصل كلام من نفي الصوت من الائمة ويلزم منه ان الله تعالى لم يسمع أحدا من ملائكته ولارسله كلامه بل آلهمهم اياه وحاصل الاحتجاج للنفى الرجوع الى القياس على أصوات المخلوقين لانها التى عهد انها ذات مخارج ولايخفى مافيه اذالصوت قد يكون من غير مخارج كما ان الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كماسبق سلمنا لكن يمنع القياس المذكور وصفة الخالق لاتقاس على صفة المخلوق واذا ثبت ذكر الصوت بهذه الاحاديث الصحيحة وجب الايمان به ثم اماالتفويض واما التأويل وبالله التوفيق اه ولقد أجاد رحمه الله تعالى وانصف واتبع الحق الذى لامحيد عنه ويفهم من هذ ان من قال بالصوت نظرا للاحاديث الواردة فيه لاينسب الى الجهل والتبديع والعناد كمافعله السعد وغيره فتأمل ذلك * (الأصل السابع) * فى بيان قدم الكلام النفسى فقال (اعلم ان الكلام القائم بذاته) المختص بنفسه أزلى (قديم) لاابتداء لوجوده فلا يجوز ان يكون متكلما بكلام فى غيره إذ المتكلم انما كان متكلما لقيام الكلام به لالكونه فعلا له لانا متكلمون والبارى تعالى خالق لكلامنا وليس هو المتكلم بكلامنا ولو جاز ان يقال بانه تعالى متكلم بكلام فى الغير لجاز ان يقال انه متحرك بحركة تخلق فى الغير وهو محال ولولا اختصاص كلامه به لكان محدثا واذا ثبت ان كلامه مختص به ليس مفارقا له ثبت انه قديم (وكذا) نعتقد فى (جميع صفاته) فانها قائمة به ومختصة به لاانفكاك لها عنه وهى قديمة على معنى انه ليس لوجودها ابتداء ثم اعلم ان القرآن يقال على ما يقال عليه الكلام فيقال على المعنى القائم بذاته جل وعز المعبر عنه باللسان العربى المبين ومعنى الاضافة فى قولنا كلام الله اضافة الصفة الى الموصوف كلعم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا ويقال على الكلام العربى المبين الدال على هذا المعنى القديم ومعنى الاضافة على هذا التقدير هو معنى اضافة الفعل الى الفاعل كخلق الله ورزقه وكلا الا طلاقين حقيقة على المختار خلافا لمن رغم انه حقيقة فى أحدهما مجاز فى الآخر ثم استدل المصنف على قدم الكلام بامتناع قيام الحوادث بذاته تعالي فقال (اذ يستحيل ان يكون) البارى تعالى (محلا للحوادث دخلا تحت التغير) وما كان محلا للحوادث يعتريه التغير والمراد بالحوادث التى امتنع البارى تعالى ان تحل هى به ماله وجود حقيقى مسبوق بالعدم لاالمتجدد من الصفات الاضافية التى لاوجود لها ككونه تعالى قبل العالم وبعده ومعه أو السلبية ككونه مثلا غير رازق لزيد الميت ولا ما يتبع تعلق صفاته كالخالق والرازق فان هذا كله ليس @ محل النزاع وبالجملة ففرق بين الحادث والمتجدد فيجوزاتصافه بالمتجدد اذالصفات المتجددة محض اعتبار واضافة فلم يلزم من ذلك محال وبهذا يعلم محل النزاع (بل يجب للصفات) المقدسة (من نعوت القدم مايجب للذات فلاتعتريه التغيرات ولاتحله الحادثات) ولايتصف بقبولها ولايقال انها اغيار له لان حقيقة الغيرين مايجوز مفارقة أحدهما لصاحبه بزمان أومكان ولايجوزان تفارق صفات البارى تعالى ذاته فاطلاق لفظ الغيرية بعيد (بل لم يزل) جل وعز (فى قدمه موصوفا بمحامد الصفات) أى بالصفات المحمودة (ولايزال) تعالى (فى أبده كذلك) موصوفا بها (منزها عن تغير الحالات) وذهبت المعتزلة والنجارية والزيدية والامامية والخوارج الى ان كلام الله حادث وامتنع طائفة من هؤلاء من اطلاق القول بكونه مخلوقا وسموه حادثا وأطلق المتأخرون من المعتزلة كونه مخلوقا ونحن نقول لوكان كلام الله حادثا لم يخل من أمور ثلاثة اماان يقوم بذات البارى أوبجسم من الاجسام أولابمحل وباطل قيامه به فان الحوادث يستحيل قيامها بذات الباري تعالي (لأن ما كان محل الحوادث لا يخلو عنها) أى عن الحوادث (وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث) لانه لاتقوم الحوادث الابحادث ولوقام بجسم لكان المتكلم ذلك الجسم ويبطل وجود الكلام لافى محل لانه عرض من الاعراض ويستحيل قيام الاعراض بأنفسها اذلو جاز لك فى ضرب منها لجاز فى سائرها (وانما ثبت نعت الحدث للاجسام من حيث تعرضها للتغير) وقبولها له وحلوله فيها (وتقلب الاوصاف فكيف يكون خالقها) أى تلك الاجسام (مشاركالها) أى تلك الاجسام (فى) أوصافها اللازمة لها (قبول التغير) وتقلب الوصف (وينبغى على هذا) الذى ذكر آنفا من الاستدلال (ان كلامه قديم قائم بذاته وانما الحادث هى الاصوات الدالة عليه) ولتعلم ان القرآن بالمعنى الازلى لايدخل تحت الزمان ولابوصف بماض ولامستقبل ولاحال ضرورة ان الازلى مناف للزمان لان الزمان من لواحق الحادث ولاشئ من الحوادث بأزلى وامابمعنى الفعل الدال على ذلك أوبعض ماهو متعلق ذلك فنعم فنحو قوله تعالى وقال موسى وعصى فرعون فالداخل تحت الزمان من ذلك هوالدال لاالمدلول القديم والمتعلق به اسم مفعول والتعلق التنجيزى لاالمتعلق اسم فاعل الذى هوصفة واحدة لاتعداد فيها ولاالتعلق الصلاحى ونحو قوله تعالى وهوالعلى العظيم فالدال وحده حادث وأماالمدلول الذى هوالصفة والمتعلق الذى هوالذات المسند اليه والصفة التى هى المسند والنسبة التى هى الوقوع والتعلق بجميع ذلك قديم ونحو قوله تعالى اناأرسلنا نوحا الله الذى يرسل الرياح فالدال حادث والمدلول الذى هوالصفة قديمة والمتعلق بعضه قديم وهوالذات المسند اليه والحاصل ان المتعلق قديكون كله قديما وقديكون كله حادثا وقديكون بعضه وبعضه فاعلم ذلك ودليل آخر على قدم الكلام هو انه لو كان كلامه تعالى مخلوقا لكان قبل ان يخلق لنفسه الكلام بضد الكلام موصوفا وهوباطل أوكان ذلك الضد قديما والقديم لايعدم فيجب فى سياق ذلك ان لايكون البارى تعالى قط متكلما وهو كفر فقدثبت أن كلام البارى تعالى قديم وأورد ابن الهمام فى المسايرة مااستدل به المصنف على طريق التنزل فقال لولم يمتنع قيام الحوادث به وقام بذاته معنى فترددنا فى قدمه معه وحدوثه فيه ولامعنى لاحدهما وجب اثبات قدم ذلك المعنى لان الانسب بالقديم من حيث هو قديم قدم صفاته إذالقديم بالقدم أنسب من الحادث بالقديم لاتحادهما فى وصف القدم ولان الاصل من صفات القديم من حيث هوقديم عدم الحدوث فكيف لا يجب اثبات قدم المعنى القائم بذاته اذا بطل قيام الحوادث به بادلته المبينة فى محالها فقدوجد المقتضى لثبوت قدم المعنى القائم بذاته تعالى مع انه لامانع من قدم كلامه النفسى واذا ثبت وجود المقتضى وانتفاء المانع ثبت المدعى وقدأشار المصنف الى انتفاء المانع بقوله (وكماعقل قيام طلب العلم وارادته بذات الوالد للولد قبل ان يخلق ولده حتى اذا) فرض انه (خلق ولده وعقل) الاشياء (وخلق الله سبحانه وتعالى له علما بما قام فى قلب أبيه من) ذلك (الطلب صار) ذلك الولد (مأمورا بذلك الطلب الذى قام بذات أبيه ودام وجوده الى وقت معرفة ابنه) @ فان قيل القائم بذات الاب العزم على الطلب وتخيله لانفس الطلب لان وجود الطلب بدون من يطلب منه شئ محال قلنا المحال طلب تنجيزى لامعنوى قائم بذات من هو عالم بوجود المطلوب منه وأهليته وكلامنا فيه والعلم بهما كاف فى اندفاع الاستحالة (فليعقل قيام الطلب الذى دل عليه قوله عز وجل اخلع نعليك بذات الله) تعالى أزلا (ومصير موسى عليه السلام مخاطبا به) أى بذلك الطلب (بعدوجوده) أى بعدوجود السيد موسى (اذ خلقت له معرفة بذلك) الطلب (وسمع لذلك الكلام القديم) وسمع يتعدى باللام تارة كما جرى عليه المصنف ومثله سمع الله لمن حمده وبلالام أخرى ومنه قد سمع الله قول التى تجادلك وهذاقول الاشعرى وأنكر الماتريدى سماعه الكلام النفسى وعنده انه سمع صوتا دالاعلى كلام الله تعالى وقد تقدم الاختلاف فيه وفى التذكرة الشرقية لابى نصر بن القشيرى فان قيل فهل تسمون كلام الله تعالى فى الازل أمرا ونهيا فلنا بلى هو أمر بشرط وجود المأمور به ونهى بشرط وجود المنهى فان قبل فكيف يؤمر من هو معدوم وكيف قال لموسى عليه السلام اخلع نعليك وهوبعد فى كتم العدم قلنا انما هوأمر بشرط الوجود أى اذا كنت وعقلت فافعل كذا فالمأمور يدخل فى الوجود بعدأن لايكون موجودا فالمتجدد عائد اليه لاالى كلام البارى سبحانه وهذا كماان الله سبحانه كان عالما بان العالم سيكون والآن فهو عالم بان العالم كائن ثم علمه لم يتغير ولم يتجدد بل تجدد المعلوم ثم من يعتقد ان كلام الله تعالى غير قديم ليس يجوز عليه البقاء فاذا أمر العبد بفعل فالفعل المأمور به غير موجود فى حالة الامر فاذا وجدنا فالامر غير موجود لانه عدم فكيف يستبعدون هنا القول بأمر والمأمور معدوم وهم يصرحون بأمر والمأمور به معدوم وقدأجمع المسلمون على ان موسى عليه السلام مخاطب الآن بقوله عز وجل اخلع نعليك وهوالآن غير مكلف فقد بان مااستبعدوا فلا طائل تحته وقدقال تعالى ونادوا يامالك ليقض علينا ربك وبعد أهل النار لم يدخلوا والمعنى سينادون ولوأخبرنا بهذا بعددخول أهل النار النار فالخبر انهم قد نادوا فكذلك لوأخبرنا عن حال موسى عليه السلام قبل وجوده فالخبر سيقول لموسي اخلع نعليك وبعد موسى فالخبر قلنا لموسى اخلع نعليك فهذاالاختلاف لايعود الى نفس كلام الله عز وجل فتفهم اه وفى شرح العمدة للنسفى فان قيل لو كان كلامه قديما لكان آمرا ناهيا فى الازل وهو سفه سواء كان عبارة عن الحروف والاصوات أوعن المعنى القائم بالنفس وهذا لانه ما كان فى الازل مأمور ولامنهى والامر والنهى بدون حضور المأمور والمنهى سفه فان الواحد منا لوجلس فى بيته وحده ويقول يا زيد قم ويا بكر اجلس لكان سفها فكيف يصح ان يقول فى الازل اخلع نعليك أوخذ الكتاب بقوة وموسى ويحيى معدومان قلنا نعم لوكان الامر ليجب وقت الامر فأماالامر ليجب وقت وجود المامور والنهى ليجب عليه الانتهاء عند وجوده فهذا حكمه ألا ترى ان المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم كان أمرا ونهيا لمن كان موجودا ولمن يوجد الى يوم القيامة وكل من وجد وبلغ وعقل وجب عليه الاقدام على المأمور به والانتهاء عن المنهى عنه بذلك الامر والنهى ولم يكن ممتنعا كذا هنا فان قيل أخبر الله تعالى عن أمور ماضية كقوله وجاء اخوة يوسف اناأرسلنا نوحا الى قومه انا أنزلناه فى ليلة القدر وهذا انما يصح ان لوكان المخبر عنه سابقا على الخبر فلوكان هذا الخبر موجودا فى الازل لكان الازلى مسبوقا بغيره وهومحال ولولم يكن المخبر عنه سابقا على الخبر لكان كاذبا فلنا اخبار الله تعالى لايتعلق بزمان لانه أزلى والمخبر عنه متعلق بالزمان والتغير على المخبر عنه لاعلى الاخبار الازلى اه (الاصل الثامن ان علمه) تعالى (قديم) أزلى لاابتداء لوجوده (فلم يزل) ولايزال (عالما بذاته) المقدسة (وصفاته) المشرفة (ومايحدثه) ويوجده (من مخلوقاته) الكائنة فى علمه وهذا ضرورى أيضا فانه تعالى لايتصف بحادث لانه لوجاز اتصافه بالحوادث لجاز النقصان عليه والنقصان عليه باطل ومحال اجماعا بيان اللزوم ان ذلك الحادث ان كان من صفات الكمال كان الخلوعنه مع جواز الاتصاف به نقصا وقدخلا عنه قبل حدوثه وان لم يكن @ من صفات الكمال امتنع اتصاف الواجب به لان كل مايتصف به الواجب يكون كمالا وأيضا لواتصف بالحادث لكان قابلا له ولوكان قابلا له لماخلا عنه أوعن ضده والالزم الترجيح من غير مرجح وضد الحادث حادث وما لايخلو عنه الحادث حادث لما مر وأيضا لواتصف بالحادث لكان محلا للانفصال وكل منفصل مفتقر الى ماانفصل عنه وكل مفتقر ليس بواجب الوجود وقدفرض واجتبا هذا خلف (ومهما حدثت المخلوقات) فى أزمنة مختلفة (لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة له بالعلم الازلى) والازلى لاابتداء لوجوده كما انه تعالى كان عالما فى الازل بانه سيخلق العالم ثم لما خلقه فيما يزال كان عالما بانه خلقه والتجدد على المعلوم لاعلى العلم و(اذ) قد علمت ذلك فاعلم أن المحوج لتجدد العلم بتجدد المعلوم هو ذهاب العلم بالغفلة عنه وعز وبه ف (لو) فرض عدم الغروب بان (خلق لنا علم بقدوم زيد عند طلوع الشمس) مثلا (ودام ذلك العلم تقديرا) ولم يعزب بل استمر بعينه (حتى طلعت الشمس لكان قدوم زيد عند طلوع الشمس معلوما لنا بذلك العلم) أى بعين ذلك العلم (من غير تجدد علم آخر) وعلم الله تعالى بالاشياء قديم فاستحال لقدمه عزوبه لانه عدمه وماثبت قدمه استحال عدمه (فهكذا ينبغي أن يفهم قدم علم الله تعالى) وهو ظاهر بأدني تأمل والله أعلم (الاصل التاسع أن ارادته) جل وعز لجميع الكائنات (قديمة) قائمة بالذات (وهى) أى الارادة (فى القدم) أى أزلا (تعلقت باحداث الحوادث فى أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الازلى) بمعنى ان كل كائن فى الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية بارادته وان كل ما تتعلق به ارادته يكون لامحالة وهو معنى ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ثم ان التعلق هو كون الصفة بحيث يكون لها منسوب يرتبط بها ارتباط المتضايفين وهو على قسمين صلاحى ان لم يكن المنسوب لها موجودا فى الخارج وتنجيزى ان كان موجودا وهل التعلق صفة اعتبارية لاوجود له فى الخارج اذهو يرجع الى معقول الاضافة واختاره المتأخرون أووجودية اذ التعلق مرجعه الى الصفات النفسية للمعانى واختاره ابن الحاجب تبعالغيره (اذلو كانت) الارادة (حادثة) لكان بضدها موصوفا وضدها نقص والنقص لايجوز فى وصفه تعالى وأيضا لوكانت حادثة (لصار) البارى تعالى (محلا للحوادث) وقابلا لها ولوكان محلا للحوادث لماخلا عنها ومالايخلو عن الحادث حادث لمامر ومن هنا بطل قول الكرامية ان ارادته تعالى حادثة قائمة بذاته وهوظاهر والعلم متعلق أزلا بذلك التخصيص الذى أوجبته الارادة أى تخصيص المقدور بخصوص وقت ايجاده كماان الارادة فى الازل متعلقة بتخصيص الحوادث بأوقاتها ولايتغير العلم ولاالارادة بوجود المعلوم والمراد ومن هنا بطل قول جهم بن صفوان وهشام بن الحكم من ان علمه تعالى بان هذا قد وجد وذاك قد عدم حادث * دليل آخر على قدم الارادة أن يقال (لوحدثت فى غير ذاته) تعالى (لم يكن) هوتعالى (مريدا بها) بل الذى قامت به وهوباطل (كما لاتكون أنت متحركا بحركة ليست فى ذاتك) وهوظاهر (وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها) أى تلك الارادة (الى ارادة أخرى) ثانية (وكذلك الارادة الاخرى تفتقر الى) ارادة (أخرى) ثالثة (ويتسلسل الامر) أى هذا الافتقار (الى غير نهاية ولوجاز أن تحدث ارادة) أى بعض الارادات (بغير ارادة) تخصصها بخصوص وقت ايجادها (لجاز أن يحدث العالم بغير ارادة) فلايمكن حدوث بعضها بلاارادة مع أن المقتضى لثبوت صفة الارادة ذلك الخصوص وهوملازم للحدوث لاينفك عنه لمامر من انه لابد لكل حادث من مخصص له بخصوص وقت ايجاده والفرض أن تلك الارادة حادثة بزعم الخصم فلابد لهامن ارادة تخصصها فيلزم التسلسل المحال فتأمل (الاصل العاشر) اعلم أن المتكلمين على قسمين منهم من يثبت الاحوال ومنهم من ينفيها فمن يثبت الاحوال كالقاضى والامام والمصنف فعبارته أن يقول (ان الله تعالى عالم بعلم حى بحياة قادر بقدرة مريد بارادة ومتكلم بكلام وسميع بسمع وبصير ببصر) أى بصفة تسمي بصرا وإنما يعبر بهذا فى @ البصر خاصا دفعا لسبق الوهم الى العين من اطلاق البصر ولذا صرح غير واحد منهم من أن المعنى بالسمع والبصر نفس الادراك لاالحاسة فيثبتون ذاتا موجودة وصفات موجودة وهى نفس العلم والقدرة والارادة وأحوالا ثابتة للذات باعتبار قيام هذه الصفات بها وهومعقول الاتصاف ويعبرون عن تلك الحال بالعالمية والقادرية ولايصفون هذه الحالة بالوجود بل بمحض الثبوت وهومعنى قول المصنف (وله هذه الاوصاف من هذه الصفات القديمة) ومن ينفى الاحوال فعبارته أن يقول عالم وله علم قادر وله قدرة وكذلك بقية الصفات ونفس كونه عالما بنفس انصافه بالعلم وليس فى المعقول موجود ولاثابت من خارج سوى نفس الذات والصفات وينفى الاحوال فان عبر عن الموصوف قال ذات وان عبر عن المعنى قال علم وقدرة وان عبر عن الذات باعتبار المعنى قال عالم قادر فالمعقول اثنان والعبارات ثلاث ونفث المعتزلة والشيعة الصفات الزائدة على الذات وأسندت ثمرات هذه الصفات الى الذات ونفوا أيضا نفس المعانى وقالوا ان البارى تعالى حى عالم قادر لنفسه فأثبتوا المشتق بدون المشتق منه وبعضهم يقول بنفسه وامتنع بعضهم من اطلاق لنفسه أوبنفسه لمافيه من إيهام التعليل المنافى للوجوب ويلزمهم أن يكون ذاته علما وقدرة وحياة لثبوت خصائص هذه الصفات لها وثبوت الاخص يستلزم ثبوت الاعم فيلزم أن يكون ذاته علما وقدرة وحياة وهذه الصفات أيضا لاتقوم بنفسها والذات قائمة بنفسها فيلزم أن تكون قائمة بنفسها لاقائمة بنفسها وهو جمع بين النقيضين ثم شرع المصنف فى الرد على المعتزلة فقال (وقول القائل عالم بلا علم كقوله غني بلامال) أى انما أثبتنا الصفات زائدة على مفهوم الذات لانه تعالى أطلق على نفسه هذه الاسماء فى كتابه على لسان نبيه خطابا لمن هومن أهل اللغة والمفهوم فى اللغة من عليم ذات لهاعلم ومن قدير ذات لهاقدرة وكذا سائر الاوصاف المشتقة تدل على ذات ووصف ثابت لتلك الذات بل يستحيل عند أهل اللغة عليم بلاعلم لاستحالة علم بلامعلوم أولاستحالة عليم بلامعلوم واليه أشار المصنف بقوله (وعالم بلاعلم وعالم بلامعلوم فان العلم والمعلوم والعالم متلازمة كالقتل والمقتول والقاتل وكمالا يتصور قاتل بلاقتل ولاقتيل ولايتصورقتيل بلاقاتل ولاقتل فكذلك لايتصور عالم بلاعلم ولا) يتصور أيضا (علم بلامعلوم ولا) أيضا (معلوم بلاعالم بل هذه الثلاثة متلازمة فى العقل لاينفك بعض منها عن البعض فمن جوز انفكاك العالم عن العلم فليجوز انفكاكه عن المعلوم وانفكاك العلم عن العالم اذلافرق بين هذه الاوصاف) أى لايجوز صرفه عن معناه لغة الالقاطع عقلى يوجب نفى معناه لغة ولم يوجد فى ايجاب نفى المعنى اللغوى مايصلح شبهة فضلا عن وجود دليل واعلم أنا معشر أهل السنة وان أثبتنا الصفات زائدة على مفهوم الذات فلانقول انها غير الذات كما لانقول انها عين الذات لان الغيرين هما المفهومان اللذان ينفك أحدهما عن الآخر فى الوجود بحيث يتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر وكل من الذات المقدسة وصفاتها لايتصور انفكاك أحدهما عن الآخر * (تنبيه) * قد تباعدت المعتزلة فى نفى صفات البارى على أن الواحد منا عالم بعلم وقادر بقدرة وحى بحياة الى آخرها ولاينبغى للبارى أن يشارك صفات المخلوقين وقد ألزمهم الاشعرية قياس الغائب على الشاهد ويعنون بالشاهد ماعلم وبالغائب ماجهل وقد يعنون بالشاهد أحكام الحوادث وبالغائب أحكام البارى جل وعز والجمع بين الغائب والشاهد لايصح الابجامع وحيث جمع الحشوية بين الشاهد والغائب بغير جامع أداهم ذلك الى التشبيه حيث قالوا ماعهدنا موجودا ولاعقلناه الافى جهة والباى موجود فيكون فى جهة وحيث قالوا ماوجدنا متكلما الابحرف وصوت والبارى تعالى متكلما بحرف وصوت فجمعوا بين الشاهد والغائب بغير جامع فشبهوا وكذلك الفلاسفة لماقاسوا مالم يشاهدوه على ماشاهدوه بغير جامع عطلوا وقالوا مارأينا زرعا الامن بذر ولابذرا الامن زرع فأداهم ذلك الى تعطيل الصنع عن الصانع واذا كان لابد من جامع @ والجوامع أربعة الجمع بالحقيقة كقولك حقيقة الانسان الحيوان الناطق وهذا حيوان ناطق فيكون انسانا الثانى الجمع بالعلة كقولك التحرك يسدعى حركة وهذا متحرك فقد قامت به حركة الثالث الجمع بالدليل كقولك وجود الحادث يدل على وجود المحدث والعالم حادث فيدل على وجود المحدث له الرابع الجمع بالشرط كفولك وجود العلم مشروط بالحياة وهذا عالم فيكون حيا ووجه حصر الجوامع فى هذه الاربعة ان كل جامع بين متفق عليه ومختلف فيه لايخلو اما أن يذكر فى جمعه أمرا واحدا أو أكثر فان ذكر فى جمعه أمرا واحدا فهو الجمع بالحقيقة وان كان أكثر فلايخلوا ما أن يكون بينهما ارتباط أولا فان لم يكن بينهما ارتباط فلا دلالة لاحدهما على الآخر وان كان بينهما ارتباط فاما أن يكون من الطرفين أو من أحدهما فان كان من الطرفين بحيث يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر ومن نفيه نفيه فهو الجمع بالعلة وان كان من أحدهما فان كان من طرف الثبوت فهو الدليل والمدلول فانه يلزم من وجود الصنع وجود الصانع ولايلزم من عدم الصنع عدم الصانع فالدليل اذا لايلزم عكسه وان كان اللازم من طرق النفى فهو الشرط والمشروط فان انتفاء الحياة يدل على انتقاء العلم ولايلزم من ثبوت الحياة ثبوت العلم فاذا تقرر هذا فقد جمع الاشعرية فى مسئلة الصفات بالطرق الاربعة فقالوا فى الجمع بالحقيقة لامعنى للعلم الامن له العلم أوذو العلم والبارى تعالى عالم فله علم وطردوا ذلك فى سائر الصفات وقالوا فى الجمع بالعلة العالمية فى الشاهد معللة بوجود العلم وقد سلمتم ثبوت العالمية للبارى فيلزم اتصافه بالعلم لما بين العلة والمعلول من التلازم ولوضح وجود المعلول بدون علة لجاز وجود العلة بدون معلولها وقد أجمعنا على أن ذلك محال وقالوا فى الجمع بالدليل ان الاحكام والاتقان فى الشاهد يدل على ثبوت العلم للفاعل وقد وجد فى أفعال البارى فدل على ثبوت العلم لله تعالى وقالوا فى الجمع بالشرط كل فاعل بالاختيار فله علم بما يقصد الى ايقاعه والبارى تعالى فاعل بالاختيار فله علم قالت المعتزلة شرط الجمع بين الشاهد والغائب مساواة الحكمين والعلم الذى تدعونه بمالانهاية له واذا اختلفا فى الحقيقة لم يصح قياس أحدهما على الآخر وأجاب الاشعرية بأن الجمع بينهما من جهة عامة وهى العلمية والعالمية قالوا ولو منع ذلك من اعتبار أحدهما بالآخر لمنع الجمع بينهما فى الشرط وقد أثبتم أن البارى تعالى حى لانه عالم قياسا على الشاهد قالوا اذا عللنا هذه الصفات فى الشاهد لجوازها والجائز مفتقر فى وجوده الى مقتض وصفات البارى تعالى واجبة والواجب يستغنى بنفسه عن المقتضى ولهذا لما كان وجود الجواهر والاعراض من الممكنات افتقرت الى المؤثر ولما كان وجوده تعالى واجبا استغنى عن المؤثر وأجاب الاشعرية يانا لاتعنى بالتعليل التأثير والاقادة ليلزم ماذكرتم وانما نعنى به ترتب أحد الامرين على الآخر وتلازمهما نفيا واثباتا فيستدل بثبوت أحدهما على ثبوت الآخر ونفيه على نفيه واذا صح منكم اثبات الشروط باللزوم على أحد الطرفين فلان يلزم الجمع باللزوم من الطرفين بطريق الاولى والله أعلم * استطراد * ذكر النسفى فى الاعتماد ان المماثلة عند الفلاسفة والباطنية تثبت بالاشتراك فى مجرد التسيمة فلايوصف البارى عندهم بكونه حيا عالما قادرا سميعا بصيرا على الحقيقة لاتصاف الخلق بها وهو باطل لانها لوثبتت به لتماثلت المتضادات اذ السواد والبياض مشتركات فى اللونية والعرضية والحدوث وعند المعتزلة تثبت المماثلة بالاشتراك فى أخص الاوصاف اذ لامماثلة بين السواد والبياض مع اشتراكهما فى اللونية والعرضية والحدوث لاانها أوصاف عامة فلما جاء الاشتراك فى السوداين ثبتت المماثلة لانه أخص الاوصاف وهذا لان المماثلة انما تقع بما تقع به المخالفة والسواد يخالف البياض لكونه سوادا لالكونه لونا وعرضا وحدثا دل انه انما يماثل السواد لكونه سوادا فلو كان البارى متصفا بالعلم لثبت التماثل اذ العلم يماثل العلم لكونه علما لالكونه كذا @ فكذا هذا وهو فاسد لان المحدث يخالف القديم بصفة الحدوث وينبغى أن تثبت المماثلة بين كل مشتركين فى صفة الحدوث فتكون المتضادات كلها متماثلة لاشتراكها فى صفة الحدوث ولان القدرة على حمل من تساوى القدرة التى يحمل بها غيره مائة من فى أخص أوصافها ولاتماثلها وعندنا هى تثبت بالاشتراك فى جميع الاوصاف حتى لو اختلفا فى وصف لاتثبت المماثلة لان المثلين اللذين يسد أحدهما مسد الآخر وينوب منابه ان كان من جميع الوجوه كانا مثلين من جميع الوجوه وان كان من بعض الوجوه فهما متماثلان من ذلك الوجه ولكن اذا استويا من ذلك الوجه اذلو كان بينهما تفاوت فى ذلك الوجه لما ناب أحدهما مناب صاحبه ولاسد مسده فالحاصل انه يجوز أن يكون الشئ مماثلا للشئ من وجه مخالفا من وجه فان أحدا من أهل اللغة لايمتنع من القول بأن زيدا مثل عمرو فى الفقه اذا كان يساويه فيه ويسد مسده وان كانت بينهما مخالفة بوجوه كثيرة ولو اشتركا فى الفقه والكلام ولكن لاينوب أحدهما مناب صاحبه ولايسد مسده يمتنع من أن يقول انه مثل له فى كذا تحقيقه ان المماثلة جنس يشتمل على أنواعه وهى المشابهة والمضاهاة والمشاكلة والمساواة واطلاق اسم الجنس على كل نوع من أنواعه جائز فان الآدمى يقال له حيوان وكذا الفرس وغيره ثم قد يختص شيآن بثبوت المساواة بينهما وهى الاشتراك فى القدر مع عدم المشاكلة والمضاهاة والمشابهة وكذا كل نوع من سائر أنواعه وعندم عدم الانواع اخر تثبت المخالفة من ذلك الوجه ومع ذلك لايمتنع أهل اللغة من اطلاق لفظ المماثلة لثبوت ماتبث من هذه الانواع مع أن علمنا عرض محدث جائز الوجود ومستحيل البقاء غير شامل على المعلومات أجمع وهو ضرورى أو استدلالى وعلمه تعالى أزلى واجب الوجود شامل على المعلومات أجمع ليس بغرض ولامستحيل البقاء ولاضرورى ولااستدلالى وكذا حياتنا وقدرتنا وسائر الصفات فاذا لامماثلة بين علمه تعالى وعلم الخلق وكذا فى سائر الصفات ولان القول بعالم لاعلم له وقادر لاقدرة له كالقول بمتحرك لاحركة له وأسود لاسواد وو تناقض ظاهر فان قيل هذه الصفات لو كانت ثابتة لكانت باقية ولو كانت باقية فاما أن تكون باقية بلا بقاء أوببقاء فقيه قيام الصفة بالصفة وقد أنكرتم علينا مسئلة بقاء الاعراض وادعيتم استحالته وان كانت باقية بلا بقاء فلم لايجوز ان تكون الذات قادرا بلا قدرة عالما بلا علم قلنا صفة من هذه الصفات باقية ببقاء هو نفس تلك الصفة فيكون عمله علم الذات بقاء لنفسه فتكون الذات بالعلم عالما والعلم بنفسه باقيا وكذلك بقاء الله تعالى بقاء له وبقاء لنفسه أيضا فيكون الله تعالى به باقيا وهو بنفسه أيضا باق ولايقال ان البقاء اذا جعل بقاء للذات يستحيل أن يكون بقاء لنفسه لانه يؤدى الى القول بحصول الباقيين ببقاء واحد وهو محال كحصول أسودين بسواد واحد لانا نقول بان حصول باقيين ببقاء واحد انما يستحيل اذا لم يكن أحد الباقيين بقاء لنفسه ثم يقوم بالباقى الآخر كان كل منهما باقيا ولم يستحل ذلك فان قيل لو كانت له هذه الصفات لكانت أزلية اذ القول بحدوث الصفات للقديم محال ولكانت أغيارا للذات والقول بوجود الاغيار فى الازل مناف للتوحيد قلنا الصفات ليست بأغيار للذات لان أحد الغيرين هما اللذان يمكن وجود أحدهما بدون الآخر فلم يوجد للمغايرة ضرورة وهذا لان ذات الله تعالى لاتتصور بدون عمله وكذا عمله لايتصور بدون ذاته لما ان ذاته أزلى وكذا صفاته والعدم على الازلى محال وهذا كالواحد الذى من العشرة لايكون عين العشرة ولاغير العشرة لاستحالة بقاء الواحد الذى من العشرة بدون العشرة أو بقائها بدونه اذ هو منها فعدمها عدمه ووجودها وجوده واعترضوا على حد الغيرين بأن التغاير بين الجواهر والاعراض ثابت ولايتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر لاستحالة خلو الجواهر من الاعراض واستحالة وجود الاعراض بدون الجواهر والجواب ان كل جوهر معين لايستحيل وجوده مع عدم عرض معين بل العرض بعدم لاستحالة بقائه ويبقى الجوهر وكان كل جوهر فى نفسه غير كل عرض لوجوده الجزء @ وما قالوا لو كانت لله صفات لكانت قديمات والقول بالقدماء محال لان القديم هو الله تعالى والقول بالقدماء قول قول بالآلهة لانا نقول بلى اذا كان قديم من القدماء قائما بذاته موصوفا بصفات الالوهية ونحن لانقول به بل نقول ان الله تعالى قديم بصفاته والقديم القائم بالذات واحد وله صفات الكمال وكل صفة قائمة بذات الله تعالى وهى قديمة بمعنى ان ليس لوجودها ابتداء فيكون وصفا قديما والله أعلم * (تكميل) * به يحسن ختم الباب اعلم أن المعانى والصفات الكمالية تارة تؤخذ من حيث اضافتها الى الحق وتارة من حيث اضافتها للمخلوق ومن المعلوم ان الشئ يتغاير بتغاير المضاف اليه لكن تغاير الاضافة ليس بتغاير حقيقى الا أنه كماثبت أن لامشاركة على الحقيقة بين الممكن والواجب فلابد أن تكون المغايرة على الحقيقة ويكون ماثبت للواجب من ذلك غير ثابت للممكن على الحقيقة وليس بالتحقيق المشاركة الافى الاسماء وليس ثم اتحاد لابالنوع ولابالجنس والالزم تركيب الواجب أواتحاد الملزمات مع تناهى اللوازم وذلك محال فاذا علم الله وقدرته وارادته وسمعه وبصره وحياته وكلامه وكذا جميع صفاته لاتشترك مع صفات الخلق الافى الاسماء فقط ولامشاركة فى الحقيقة لامن حيث الشخص ولامن حيث النوع ولامن حيث الجنس ثم ان هذه الاسماء المشتركة التى أطلقت تارة على ماللحق من الصفات وتارة على ماللمحادثات من ذلك قد تتردد النظر هل ذلك الاطلاق بالاشتراك المعنوى أواللفظى أوالتشابه أعنى الحقيقة والمجاز ثم اشتهر ذلك حتى تنوسيت العلاقة وعلى الثالث فهل الاصل الحقيقى فيها للمعنى القديم أو المعنى الحادث أما المتكلمون وخصوصا القائلون بالاحوال فقد ذهبوا الى الاشتراك المعنوى ولذالك تراهم يعترضون على من حد العلم مثلا بحد لايجمع القديم والحادث كما فى الارشاد ومسئلة وقوع الاشتراك فى أصول ابن الحاجب توضح لك ذلك ولكن ذلك عندهم انما هو فى غير صفات المعانى التى أثبتها السمع وانما الكلام الآن فى معنى الوجود على القول بزيادته والحياة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام وما أشبه ذلك فهذه الالفاظ اذا أطلقت على القديم والحادث فهى عندهم مشتركة بالاشتراك المعنوى وليس أحد المعنيين أصلا للآخر بل كل منهما أصل واستعمال اللفظ حقيقة على طريقة استعمال المتواطئ فى آحاد مصدوقاته ولكن دعوى الاشتراك المعنوى قد بان بماذكرناه بطلانه فلم يتبق الا الاشتراك اللفظى وهو احتمال راجح كما قرر فى الاصول فاطلاق لفظ العلم وكذا غيرهمن بقية الصفات على المعنى القديم حقيقة وحيث أطلقت على المعانى الحادثة انما هو بالشبه لكن يحصل الاعتبار فهذا أصل عظيم يشرف بك على كيفية استعمال الالفاظ فى المعانى القديمة والحادثة حتى لايقف بك الوهم مع المعانى الحادثة عندما تسمع استعمال اللفظ فى معنى قديم وقد اشتهر عندك استعماله فى الحادثة حتى تعتقد فى الواجب مالا يليق بجلاله أويثبت له لازم ذهنى لذلك المعنى الحادث أصلا وذلك المعنى اللازم الثابت فى القديم فرعا فيكون اطلاق اللفظ فى الحادث حقيقة وفى ذلك الفرع اللازم مجازا وهذا وان كان صحيحا فى الجملة لكن فيه عكس الحقائق بل اذا سمعته وقد ثبت عندك تنزيه الواجب عن النقائص والحوادث ولابد ان يثبت عندك اذهو أصل دينك وعرفت ان ذلك اللفظ حيث أطلق على المعنى الالهى واستعمل فيه فقد استعمل فى معناه الاصلى فخذ ذلك المعنى مجردا عن جميع اللواحق المادية والاحوال الخلقية بحيث يكون ذلك المعنى الهيا فان ظفرت بعبارة محصلة يمكنك الافصاح بها عن ذلك المعنى المجرد الالهى فذلك والا فسلم الامر للعالم به واعتقد ان ذلك المعنى الذى لايمكنك التعبير عنه هو الاصل للموضوع له ذلك اللفظ فاعرف ذلك والله أعلم ... * (الركن الثالث) * (العلم بأفعال الله تعالى ومداره على عشرة أصول) اعلم أن الصفات ضربات صفات الذات وصفات الفعل والفرق بينهما ان كل ماوصف الله به تعالى ولايجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الذات كالقدرة والعلم والعزة والعظمة وكل مايجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الفعل كالرأفة والرحمة والسخط @ والغضب والفرق بين الصفة والاسم ان الصفة عبارة عن مجرد العلم والقدرة بدون الذات والاسم عبارة عن الذات وقد اختلف فيها فقال الاشعرى صفات الذات كالحياة والقدرة والسمع والبصر والكلام والارادة قديمة قائمة بذاته وصفات الفعل حادثة غير قائمة بذاته وفرقوا بين صفات الذات وصفات الفعل بجواز السلب وعدمه الا أنه لايستلزم سلبه نقيضه ووافقه الماتريدى الافى صفات الافعال فانها عنده قديمة قائمة بالذات وعليه تتفرع مسئلة التكوين والخلف بينهما لفظى كما سبق فى الخطبة فلنقدم قبل الخوض فى هذا الركن فى تحقيق هذه المسئلة فانها من أعظم المسائل المختلف فيها وان كان المصنف لايرى ذلك ولنورد سياق ابن الهمام فى مسايرته ممزوجا بشرحه لابن أبى شريف على وجه الاختصار ثم نورد كلام امامنا الاعظم فى الفقه الاكبر بالاجمال ثم نشرحه ونذكر مايتعلق به تفصيلا قال ابن الهمام مانصه والاشارة فى صفات الافعال التى تدل عليها نحو قوله تعالى الخالق البارئ المصور ونحو الرازق والمحبى والمميت والمراد بها صفات تدل على تأثير ولها أسماء غير اسم القدرة باعتبار أسماء اشارتها والكل يجمعها اسم التكوين أى رجوع الكل الى صفة واحدة هى التكوين وهو ماعليه المحققون من الحنفية خلافا لماجرى عليه بعض علماء ماوراء النهر منهم من ان كل صفة حقيقة أزلية فان فى هذا تكثيرا للقدماء جدا فادعى المتأخرون منهم من عهد الامام أبى منصور الماتريدى انها أى تلك الصفات الراجعة الى صفة التكوين صفات زائدة على الصفات المتقدمة أى المعقود لها الاصول السابقة وليس فى كلام أبى حنيفة وأصحابه المتقدمين تصريح بذلك سوى ماأخذه المتأخرون من قول الامام كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكر واله وجوها فى الاستدلال منها وهو عمدتهم فى اثبات هذا المدعى ان المبارى تعالى مكون الاشياء أى موجدها ومنشئها اجماعا وهو أى كونه تعالى مكون الاشياء بدون صفة التكوين التى المكونات آثاره يحصل عن تعلقها بها محال ضرورة استحالة وجود الاثر بدون الصفة التى بها الاثر ولابد أن تكون صفة التكوين أزلية لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى والاشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على تفاصيلها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق والترزيق صفة القدرة باعتبار تعلقها بايصال الرزق وماذكروه فى معناه لاينفى هذا ولايوجب كونها صفات أخرى لاترجع الى القدرة المتعلقة ولايلزم فى دليل لهم ذلك بل فى كلام أبى حنيفة نفسه مايفيد ان ذلك على مافهم الاشاعرة من هذه الصفات على مانقله عنه الطحاوى فى عقيدته مانصه وكما كان تعالى لصفاته أزليا كذلك لايزال عليها أبديا ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولاباحداثه البرية استفاد اسم البارى له معنى الربوبية ولامربوب ومعنى الخالق ولامخلوق وكما انه يحيى الموتى استحق هذا الاسم قبل احيائهم استحق اسم الخالق قبل انشائهم ذلك بأنه على كل شئ قدير اه فقوله ذلك بانه على كل شئ قدير تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق فأفادات معنى الخالق قبل الخلق استحقاق اسمه بسبب قيام قدرته فاسم الخالق ولامخلوق فى الازل لمن له قدرة الخلق فى الازل وهذا مايقوله الاشاعرة والله الموفق قال ابن أبى شريف اطلاق الخالق بمعنى القادر على الخلق مجاز من قبيل اطلاق مابالقوة على مابالفعل وكذا الرازق ونحوه وأما فى قول أبى حنيفة كان خالقا قبل أن يخلق ورارقا قبل أن يرزق فمن قبيل اطلاق المشتق قبل وجود المعنى المشتق منه كماهو مقرر فى مبادئ أصول الفقه ووقع فى البحر المزر كثى اطلاق الخالق والرزق ونحوهما حادثة وفيه بحث لان قوله وان قلنا الخ ممنوع عند الاشعرية القائلين بحدوث صفات الافعال انما يلائم كلام الماتريدية القائلين بقدمها فان قيل لو كان مجاز الصح نفيه وقولنا ليس خالقا فى الازل أمر مستهجن قلنا استهجانه والكف عن اطلاقه ليس من جهة اللغة بل هو من جهة الشرع أدبا وكلا منافى الاطلاق لغة ولايخفى انه لايقال انه تعالى اوجد @ المخلوق فى الازل حقيقة لانه يؤدى الى قدم المخلوق وهو باطل هذا آخر كلامه ولنورد ماوعدناه من سياق عبارة الامام الاعظم فى الفقه الاكبر من املاء أبى مطيع البلخى مانصه فالفعلية التخليق والانشاء والابداع والصنع وغير ذلك والله تعالى لم يزل خالقا بتخليقه والتخليق صفة فى الازل وفاعلا بفعله والفعل صفة فى الازل فكان الله خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وفعله صفته فى الازل والفاعل هو الله وفعل الله غير مخلوق والمفعول مخلوق اه اعلم ان الصفات الفعلية هى التى تنشئ الافعال كالتخليق أى التكوين المخصوص بايجاد الاشياء على تقدير واستواء وبابداعها من غير أصل ولااحتذاء فبالمعنى الاول قوله تعالى انا كل شئ خلقناه بقدر وبالمعنى الثانى قوله خلق السموات والارض وايثاره على الخلق لاظهريته فى ذلك وشيوع استعمال الخلق بمعنى المخلوق والانشاء أى التكوين المخصوص بايجاد الشئ وترتيبه وعليه قوله تعالى هو الذى انشأكم والابداع اى التكوين المخصوص بايجاد الشئ بغير آلة ولامادة ولازمان ولامكان وعليه قوله تعالى بديع السموات والارض أى مبدعهما والصنع أى التكوين المخصوص بايجاد الشئ على الاجادة والاتقان وعليه قوله تعالى صنع الله الذى أتقن كل شئ وغير ذلك من الاحياء والاماتة والترزيق والتصوير والاعاجة ونحوها مما ورد فى النصوص وفيه اشارات * الاولى ان صفة الفعل حقيقة وليست عبارة عن تعلق القدرة والارادة واليه أشار بقوله فيما بعد والفعل صفة فى الازل * الثانية ان صفات الافعال من التخليق والانشاء والابداع وغير ذلك راجعة الى صفة أزلية قائمة بالذات هى الفعل والتكوين العام بمعنى مبدا الافاضة التى هى اخراج المعدوم من العدم الى الوجود لاصفات متعددة كماذهب اليه البعض ولاعين الافاضة كما ظن واليه أشار فيما بعد بقوله والفعل صفته فى الازل فان عدم كون الاخراج صفة أزلية حقيقة من مسلمات العقول ولذا قال الامام الماتريدى اذا أطلق الوصف له تعالى بما يوصف به من الفعل والعلم ونحوه يلزم الوصف به فى الازل فيوصف بمعنى قائم بذاته قبل وجود الخلق كمافى البرهان الساطع وقال الرستغفنى فى الارشاد طريق التكوين وطريق الصفات والافعال الواقعة بالصفات تتراخى عن الصفات كالقدرة والكلام وفى التعديل لصدر الشريعة صفات الافعال ليست نفس الافعال بل منشؤها فالصفات قديمة والافعال حادثة وهو مختار عبد الله بن سعيد القطان فى الرحمة والكرم والرضا فبعض مشايخنا كصاحب التبصرة والتلخيص والارشاد وان تسامحوافى تعريف التكوين باخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما هود أبهم من عدم الالتفات الى جوانب التعريفات فقد نبهوا على المراد فى المقام من مبدا الاخراج المذكور بيان القيام بذاته تعالى كسائر صفاته سيما الكلام * الثالة الرد على المعتزلة النافين لمغايرة التخليق للمخلوق ومتمسكين بأن التخليق لو كان غير المخلوق فان كان قديما لزم قديم العالم وان كان حادثا افتقر الى خلق آخر وتسلسل * الرابعة الرد على من أرجع الصفات الفعلية الى الاعتبارية كالاشاعرة الذاهبين الة أن التكوين وسائر صفات الافعال ليست صفات حقيقية بل هو اعتبارى يحصل فى العقل من نسبة الفاعل الى المفعول وليس مغايرا للمفعول فى الخارج فالتكوين بمعنى المكون متمسكين بان مبدا الاخراج من العدم الى الوجود ليس غير القدرة المتعلقة بأحد طرفى الفعل والترك المقترنة بارادته فان القدرة صفة تؤثر على وفق الارادة أى انما تؤثر فى الفعل ويجب صدور الاثر عند انضمام الارادة وما بالنظر الى نفسها وعدم اقترانها بالارادة المرجحة لاحد طرفى الفعل والترك فلا يكون الا جائز التاثير فلهذا لايلزم وجود جميع المقدورات وأشار الامام الى الجواب عما تمسك به الخالفون بوجهين * الاول ماأشار اليه بقوله والله تعالى لم يزل خالقا أى متصفا بمدلول هذا الاسم المتعلق على وجه التأثير بتخليقه أى بسبب قيام التخليق الذى هو مبدؤه بذاته تعالى فى الازل لان الوصف بذلك المشتق يدل على قيام مايلزم لمبدئه من الامور الثابتة بالاتفاق وهو غير القدرة فان التخليق يتوقف على القدرة والقدرة غير متوقفة على التخليق فيتغايران واليه أشار @ بقوله والتخليق أى مبدا الايجاد فى الخارج صفة فى الازل اى صفة مستقلة مغايرة للقدرة كما هو المتبادر فاشار الى أنه لو لميكن متصفا به فى الازل لمعنى قائم بذاته تعالى قبل وجود الخلق كما دل الوصف به واتصف بوجود المخلوق صارت الصفة حادثة له بالمخلوق فكان القول بتعريه عنها فى الازل وحدوثهابحدوث المخلوق قولا بقيام النقص والحاجة الى مايتحقق بذلك والقديم يتعالى عن ذلك وفيه اشارات * الاولى ان ذلك المبدا المدلول هو المعنى الذى نجده فى الفاعل وبه يمتاز عن غيره ويرتبط المفعول ويؤثر فى ايجاده بالفعل فى الوقت المراد واليه أشار بقوله والتخليق صفة فى الازل بل هذا المعنى الموجب أيضا لاصلاحية التأثير الراجعة الى القدرة كما ظن لان تعلقها على وجه صحة التأثير فى الايجاد والترك دون التأثير بالفعل * الثانية ان ذلك المدلول بالمشتقات يرجع الى مطلق الفعل المعبر عنه بالتكوين واليه أشار بقوله وفاعلا أى متصفا بفعله أى بسبب قيام الفعل بمعنى مبدا الايجاد بذاته كما دل عليه قوله وتعالى فعال لما يريد فان اطلاق الفعل على نفس الصفة شائع بينهم فالفعل حقيقة عرفية فيما به الفعل كما ان التكوين حقيقة فيما به التكون وقد بينه بقوله والفعل صفة فى الازل فأشار الى اختلاف أسمائه باختلاف التعلقات فمن حيث التعلق بحصول المخلوقات تخليق وبحصول الارزاق ترزيق الى غير ذلك من الصفات واختاره جمهور الماتريدية لدلالة المشتقات فيهما على أصل الفعل العام للمتعلقات دون سائر الصفات * الثالثة الجواب بمنع ارجاعه الى تعلق القدرة المقارنة للارادة اذ لاتعلق بالفعل فى الازل وقد وصف به فيه وغير القدرة لان تعلقها بصحة التأثير والترك دون التأثير بالايجاد البتة فى الوقت المراد وانما عبر عنه بالتكوين أخذا من قوله تعالى انما أمره اذا أراد شيأ أن يقول له كن فيكون واليه أشار بقوله وفاعلا بفعله والفعل صفة فى الازل وبيانه انه تعالى وصف ذاته بأنه فعال لما يريد وعبر عن تكوينه الاشياء بأن يقول له كن وهو مجاز عن سرعة الايجاد عند الجمهور منادال على ايجاده تعالى الاشياء وتكوينه عند تعلق ارادته بلا تراخ ولاتعذر وليس بمعنى تعلق القدرة المقارنة بالارادة لانه علق على الارادة أى تعلقها المدلول بقوله تعالى لما يريد وقوله اذا أراد شيأ فدل على انه غيره لان المعلق غير المعلق عليه بالضرورة ودل على الوجود والتأثير فى الاول ورتب عليه الوجود المدلول عليه بقوله فيكون فى الثانى فدل على انه غير تعلق القدرة لان تعلقها بصحة وجود المقدور دون الوجود ودل الوصف بالمشتق على قيام أمر حقيقى بالموصوف فثبت قيام أمر لازم لمبدئه وكونه صفة له أزلية والامر يرجع لمتعلق القدرة المقارنة بالارادة اذ لاتعلق بالفعل فى الازل ولانه ابطال لدلالة تلك المشتقات بالكلية وفى المعارف شرح الصحائف فان قامت لم لايكفى القدرة والارادة فى وجود الاشياء فما الحاجة الى صفة اخرى قلت لاخفاء ان القدرة والارادة بدون التأثير لايكفيان فى وجود الاثر والتأثير بصفة التكوين واعترض الفخر الرازى بأن صفة القدرة مؤثرة على سبيل الجواز أى جاز أن تتعلق بالتأثير وجاز أن لاتتعلق وصفة التخليق ان كانت مؤثرة على سبيل الوجوب على معنى انه متى خلق الله تعالى وجب وجود المخلوق والايلزم العجز وأما تعلقها باختياره وهو المراد بالحصول فعلى سبيل الجواز لانه متى شاء خلق ومتى شاء لم يخلق والقدرة بعكس ذلك اذ تأثيرها على سبيل الجواز وحصولها لله تعالى على سبيل الوجوب فلخلق جهتان جهة الايجاب وجهة الجواز ولايلزم من ايجابه كون الله تعالى موجبا لما علمت ولان جهة جوازه غير جهة جوازها فظهر لك ان ارجاع التكوين الى تعلق القدرة والارادة تحكم وتناقض والثانى ماأشار اليه بقوله فكان الله خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق أى فخلق المخلوقات ورزقها فى الوقت الذى تعلق به تلك الصفة وليست هى القدرة لانه كان قادرا على خلق الشموس والاقمار فى هذا العالم لكنه ماخلقها @ فالقدرة حاصلة دون التخليق فهما متغايران واليه أشار بقوله وفعله أى مبدؤه صفة أى القائمة به تعالى فى الازل أى ان صفة الفعل لو لم تكن مستقلة بل راجعة الى تعلق القدرة والارادة وعين المكون فى التحقق لزم اخلاء المشتق عن الدلالة على ثبوت المبدا والخلو عن صفة كمال ثم قال والفاعل أى المكون للموجودات هو الله الواجب المتعال المتصف بصفات الكمال فو لم يكن الفعل والتكوين صفة حقيقية له لزم خلوه عن صفة كمال واخلاء المشتق الدال عليه واستغناء الحوادث المحال فالمراد بالفاعل من شأنه أن يوجد الشئ البتة فى وقت أراد أن يوجده فيه دون من صدر منه الفعل لعدم استقامة الحصر عليه لان الالكاسب أيضا يوصف بالفاعل على الحقيقة عند أهل السنة ثم أشار الى مغايرته للمكون بقوله وفعل الله أى مبدا فعله المدلول بالمشتقات غير مخلوق لما يلزمه ماذكر من المحاولات دون نفس الفعل والتأثير لانه ليس متعلق الخلق والايجاد فى الخارج فلايقيد نفيه بل لايصح نفيه أيضا اشارة الى أن التكوين القائم به تعالى ليس نفس التأثير والاخراج من العدم الى الوجود بل مبدا التأثير فى ذلك وليس نفس المكون فى التحقق والتعقل والى ان صفة التخليق غير المخلوق لانا نقول وجه هذا المخلوق لان الله تعالى خلقه فيعلل وجوده بتخليقه اياه فلو كان التخليق غير المخلوق لكان قولنا وجد لان الله تعالى خلقه جاريا مجرى قولنا وجد ذلك المخلوق انفسه وذلك باطل كما فى شرح الصحائف والى ان ايجاده المكونات بتكوينه ليس على الايجاب بالذات لقدرته على الترك كمامر ففى التعديل أن المراد بايجاده الشئ البتة انه لايتردد فى ان الفاعل يفعل مع قدرته على الترك متميز عن القدرة اذهى لاتوجب الجزم تميزا لايلزم منه الايجاب بالذات لتوسط الفعل الاختيارى وهو الايجاد وقت كذا واليه أشار بقوله والمفعول مخلوق أى محدث مسبوق بالعدم فهو مغاير لفعله وتكوينه فى التعقل والتحقق وصادر عنه تعالى بالاختيار كما هو المتبادر من الخلق واذا احطت بجميع ماذكرناه وتأملت حق التأمل عرفت اندفاع وجوه من الاشكالات الواردة على القائلين بقدم صفة التكوين من ذلك ماقيل نقول لهم ان عنيتم مؤثرية المقدور فهى صفة نسبية والنسبية لاتوجد الا مع المنتسبين فيلزم من حدوث المكون حدوث التكوين وان عنيتم به صفة مؤثرة فى صحة وجود الاثر فهى عين القدرة وان عنيتم به أمرا ثالثا فبينوه الثانى ماقيل انه لايعقل من التكوين الا الاحداث واخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما فسره القائلون بالتكوين الازلى ولاخفاء فى انه اضافة يعتبرها العقل من نسبة المؤثر الى الاثر فلايكون موجودا عينيا ثابتا فى الازل وانه لوكان أزليا لزم أزلية المكونات ضرورة امتناع التأثير بالفعل بدون الاثر وانهم أطبقوا على اثبات أزليته ومغايرته للقدرة وكونه غير المكون وسكتوا عماهو أصل الباب أعنى مغايرته للقدرة من حيث تعلقها باحد طرفى الفعل والترك واقترانها بارادته واغتر بذلك شيخنا ابن الهمام فقال فى مسايرته ماقال مماتقدم ذكره آنفا فى أول الكلام مع ان تعليله بقول أبى جعفر الطحاوى فى عقيدته من قوله ذلك بانه على كل شئ قدير وانه بيان لتمام قدرته فيرجع صفة التكوين الى القدرة مفهوم وهو لايعارض المنطوق المعلوم كماأشار اليه ملاعلى فى شرح الفقه الاكبر وسبقه الامام أبو شجاع الناصرى الثالث ماقيل ان الاستدلال بالآية لايطابق المرام لانه حينئذ يعود الى صفة الكلام ويثبت صفة أخرى وان دلالة الاشتقاق فى الصفات الحقيقية كالعلم والقدرة ولانسلم ان التأثير والاستيجاد كذلك بل هو معنى من اضافة المؤثر الى الاثر فلايكون الا فيما لايزال ولايفتقر الاالى صفة القدرة والارادة الرابع ماقبل ان القدرة لاتأثير لها فى كون المقدور فى نفسه ممكن الوجود لان الامكان للممكن بالذات ومايكون بالذات لايكون بالغير بل القدرة صفة مؤثرة فى وجود المقدور والتكوين هو تعلق القدرة بالمقدور حال ارادة ايجاده الخامس ماقيل ان التمدح بذلك كالتمدح بقوله تعالى يسبح له مافى السموات والارض وقوله وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله @ أى معبود ولاشك أن ذلك الفعل انما يكون فيما لايزال لافى الازل والاخبار عن الشئ فى الازل لايقتضى ثبوته فيه كذلك الارض والسماء نعم هو فى الازل بحيث يحصل له هذه التعلقات والاضافات فيما لايزال لماله من صفات الكمال وان التقص انماهو فيما يصح اتصافه به فى الازل ولانعلم أن التكوين والايجاد بالفعل كذلك نعم هو فى الازل قادو عليه الساجس ماقيل انما ثبت بالدليل ان مبدأ التأثير بالنسبة الى مقدور الواجب نفس القدرة والارادة بالنسبة الى صفات ذاته الممتازة بذاتها عن سائر الدوات فلا يكون التكوين صفة أخرى السابع ماقيل ان أريد بمبدا الاشتقاق المعنى المصدرى فمسلم أن ثبوت المشتق للشئ لايتصور بدون المبدا لكنه ليس بحقيقى وان أريد به الصفة الحقيقية فممنوع وكون المعنى المصدرى مستلزما لذلك انما هو فى الشاهد وليس الامر كذلك فى الغائب وانه منقوض بمثل الواجب والموجود وان أريد الثبوت بمعنى الانصاف به فغير مفيد وقد عرفت أن القول بانه تعلق القدرة على وفق الارادة بوجود المقدور لوقت وجوده اذا نسب الى القدرة يسمى ايجابا له واذا نسب الى القادر يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك فهو أمر اعتبارى يحصل فى العقل من نسبة الفاعل الى المفعول وليس أمرا محققا مغايرا للمفعول فى الخارج ليس تحقيقا فى المقام بل غايته تصحيح للقول بنسبة التكوين للمكون وتقريب له الى الافهام كذا صرح به شارح التعديل فى شرحه ولله أعلم (الاصل الاول العلم بان) الله تعالى لاخالق سواه وان (كل حادث فى العالم) جوهر او عرض على اختلاف أنواعه كحركة الشعرة وان دقت ودخل فيها كل قدرة لكل حيوان عاقل أو غيره وكل فعل اضطرارى كحركة المرتعش وحركة العروق الضوارب بالبدن أو اختيارى كافعال الحيوانات المقصودة لهم (فعله وخلقه واختراعه) وابداعه وانشاؤه (لاخالق له سواه ولامحدث له الا اياه خلق الخلق وصنعهم) بضم الصاد المهملة وسكون النون وفتح العين معطوف على ماقبله أى وخلق صنعهم وفى نسخة وصنعتهم وفيه الاشارة الى الحديث الذى أخرجه الحاكم والبيهقى من حديث حذيفة رضى الله عنه رفعه ان الله صانع كل صانع وصنعته أوانه بفتح الصاد والنون على انه فعل ماض معطوف على خلق وهو أيضا صحيح ولكن الاولى أوفق والخلق والصنع والانشاء والابداع والاختراع والفعل قيل مترادفات والحق انها متغايرات وقد سبقت الاشارة اليه (وأوجد قدرتهم وحركتهم) والمراد بها ماء يعم الحركة الاتية وغيرها (فجميع أفعال عبيده) اذا (مخخلوقة له ومتعلقة بقدرته) وهذا مااتفق عليه السلف قبل ظهور البدع وقال المعتزلة المحدثون مخترعون أفعالهم بقدرهم وخالقوها والله تعالى غير موصوف بالاقتدار على أفعال العباد وقد ألزمهم المصنف بدلائل نقلية وعقلية وقدم النقلية لشرفها واليها أشار بقوله (تصديقا له) أى للمطلوب السابق الذى هو الخالق الله ولاخالق سواه وان الحوادث كلها بقدرته (فى قوله تعالى) ذلكم الله ربكم لااله الا هو (خالق كل شئ) ووجه الدلالة أن الآية خرجت مخرج المد فلايصح أن يكون المخلوق بعض الاشياء اذلو كان المخلوق بعض الاشياء كما يزعم الخصم لما كانت مدحا اذعندهكثير من الحيوانات يخلق البعض فلايكون ثم اختصاص فلامدح فيتعين الجميع واذا تعين الجميع بطل أن يكون خلق لغير الله تعالى وذلك هو المطلوب ومثل ذلك قوله تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار ووجه الدلالة كما قبلها مع مافيها من زيادة الانكار من مطايقتها على عين دعو المخالف اذ هو يقول يخلق كخلقه على تقدير أن العبد يخلق أفعاله ولو عنيا فى قول المنصف هذه الآية لم يبعد ومثل ذلك أيضا قوله تعالى أفمن يخلق كمن لايخلق تمدح بالخلق فلو شاركه غيره فى الخلق لماتم التمدح وقال على وجه الانكار من خالق غير الله وقال فى الثناء على نفسه الاله الخلق وامر وقال تعالى خلق كل شئ فقدره تقديرت فهذه الآيات كلها شاهدة لمااستدل به المصنف على تحقيق المطلوب (وفى قوله) تعالى (والله خلقكم وماتعلمون) حكاية عن قول ابراهيم عليه السلام لهم @ حين كانوا ينحتون الاحجار بأيديهم ثم يعبدونها ووجه الدلالة فيها اما على أن مامصدرية أى موصولا حرفيا لايحتاج الى عائد فيستغنى عن تقدير الضمير المحذوف فلو جعلت موصولا اسميا فظاهر للتصريح بان العمل وهو الفعل مخلوق والمعنى والله خلقكم وخلق عملكم واليه ذهب سببويه واعترضت المعتزلة بان معنى الآية انكار السيد ابراهيم عليهم عبادة مخلوق ينحتونه بأيديهم والحال أن الله تعالى خلقهم وخلق ذلك المنحوت والمصدرية تنافى هذا الانكار اذلاطباق بين انكار عبادة ماينحتون وبين خلق عملهم وحاصل الجواب المعارضة ببيان حصول الطباق مع المصدرية اذالمعنى عليها أتعبدون منحوتا تصيرونه بعملكم صنما والحال أن الله خلقكم وخلق عملكم الذى بصير به المنحوت صنما فقد ظهر الطباق وكذا على أن تكون ماموصولة والتقدير أى معمولكم فان نزاع الخصم انماهو فى الآثار التى هى الحركات والسكنات والمعمولات لافى التأثير المتعلق بها اذهو نسبة اعتبارية وقال السعد فى شرح العقائد قوله تعالى والله خلقكم وماتعملون أى عملكم على أن مامصدرية لئلا يحتاج الى حذف الضمير أومعمولكم على أن ماموصولة ويشمل الافعال لانا اذا قلنا أفعال لعباد مخلوقة لله تعالى أو للعبد لم نرد بالفعل المعنى المصدرى الذى هو الايجاد والايقاع بل الحاصل بالمصدر الذى هو متعلق الايجاد والايقاع أعنى مايشاهد من الحركات والسكنات مثلا وللذهول عن هذه النكتة قد يتوهم أن الاستدلال بالآية موقوف على كون مامصدرية اه وقال ابن الهمام أولفظ ماموصول اسمى يحتاج الى عائد ويكون التقدير وخلق الذى تعلمونه فحذف العائد المنصوب بالفعل والموصول الاسمى من أدوات العموم فيشمل مافى الآية نفس الاحجار المنحوتة والافعال وأعنى بالفعل هنا الحاصل بالمصدر وأهل العربية يقولون للمصدرالمفعول المطلق لانه هو الفعل بالحقيقة لانه الذى يوجده الفاعل ويفعله وهو بناء على ارادة الحاصل بالمصدر لان الامر الاعتبارى لاوجود له فلايتعلق به الخلق فوجب اجراء الآية على عمومها للاحجار المنحوتة والافعال قال ابن أبى شريف والتحقيق أن عملهم بمعنى الاثر الحاصل بالمصدر هو معمولهم ومعنى الموصولة وصلتها كذلك فمآل الفعل فيهما واحد لان التقدير فى الموصولة وخلق العمل الذى تعملونه أو الشئ الذى تعملونه ودعوى عموم الآية للاعيان ممنوعة لان الاعيان ليست معمولة للعباد بمعنى ايجادهم ذواتها انماهى معمول فيها النحت والتصوير وغيرهما من الاعمال واطلاق قول القائل عملت الحجر صنما مجاز والمعنى الحقيقى هو انه حوله بالنحت والتصوير الى صورة الصنم فلاينافى شكول كاللاعيانبناء على انها موصول اسمى الاعلى القول باستعمال اللفظ فى حيقته ومجازه اه وبهذا وبما تقدم للسعد تعلم ماوقع فى بعض الحواشى من أن المعتزلة أعربوا مامن قوله تعالى وماتعملون مصولة توصلا الى غرضهم من وقوعها على الاصنام المعبودة وليست من عملهم فيتوصولن الى خروج أعمالهم من خلق الله تعالى والحق انها مصدرية فلذلك كان الجهل باللسان العربى أصلا من أصول الكفر اذلولا هو من هذا الموضع لقامت الحجة علينا لهم قبحهم الله تعالى اه ذهول عن النكتة التى بينها السعد وألم عليها ابن أبى شريف ثم تأمل فى قوله فلذلك كان الجهل باللسان العربى الخ وفى مرجع الضمير فى قوله اذلولا هوفى الموضع لقامت الحجة علينا لهم فان الظاهر انه ذهول ثان كما يعلم من حواشى شرح العقائد على ان مالو كانت موصولة كما يقول به المعتزلة لم يكن فى ذلك حجة علينا فان المعمول التى هى الاعبان ليست محل النزاع بيننا وبينهم كخشب السرير بالنسبة الى النجار وحيث كان كذلك فلاحجة لهم علينا بهذه الآية اذ ليس فيها مايصرح بالحصر على أن بعضهم قال ان ذلك الجسم بدون عمل العباد لايكون معمولا والله تعالى أثبت الخلق للمعمول فدل أن العمل الذى صار به الجسم المخلوق معمولا كان مخلوقا حتى جعل المعمول مخلوقا له اه ولايخلو عن تأمل قال الغنيمى فى حواشى أم البراهين ولاحجة لنا عليهم بها أيضا بناء على أن مامصدرية اذ هى كماتحتمل المصدرية تحتمل أن تكون موصولة @ فى اللسان العربى كما ذهبت اليه الاخفش فى الآية ونحوها من كل فعل متعد اتصلت به ما والدليل اذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال وخصوصا فى مسائل الدين فان المطلوب فيها غالبا اليقين اه فدعوى أن القول بكونها موصولة جهل باللسان العربى فتأمله ثم قال المصنف (وفى قوله) تعالى (وأسروا قولكم أواجهروا به انه عليم بذات الصدور) اى بالضمائر قبل أن يعبر عنها سرا أوجهرا (ألا يعلم من خلق) ألايعلم السر والجهر من أوجد الاشياء حسبما قدرته حكمته (وهو اللطيف الخبير) المتوصل عمله الى ماظهر من خلقه ومابطن ووجه الدلالة فيها انه (أمر العباد بالتحرز فى أقوالهم وأسرارهم واضمارهم) بفتح الهمزة جمع ضمير كشريف واشراف وانما اختاره على الضمائر ليكون مع ماقبله نسقا واحدا (لعلمه بموارد أفعالهم) كلها (واستدل على العلم بالخلق) فى قوله ألايعلم من خلق فظهر انها خرجت مخرج التمدح والثناء ومن السنة الصحيحة مايصح أن يكون دليلا على هذا المطلب فى الصحيحين حديث الايمان الطويل وفيه وان تؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره وفى صحيح مسلم ولاتقل فى شئ أصابك لو كان كذا فان لوتفتح باب الشيطان ولكن قد قدر الله وماشاء فعل وفى حديث جابر ان القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء وأشار الى السبابة والوسطى يحركها وهذا هو متمسك المحدث وأما الصوفى يقول اذا قيل بماعرفت الله فيقول بنقض العزائم ويقول كيف يكون لغير الله فعل وهو معه بعموم التكوين ومايبدو فيه من التحريك والتسكين وهو معكم أينما كنتم أى تكون كونكم الشامل لذواتكم وأعراضكم وأفعالكم من حركاتكم وسكناتكم قل ان صلاتىونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وأما الدليل العقلى فهو انه لو كان فعل العبد العبد واقعا بقدرته لكان عالما به ضرورة انه مختار والاختيار فرع العلم والتالى باطل لما يجده كل عاقل من عدم علمه حالة قطعه لمافة معينة بالاجزاء والاحيان والحركات التى بين المبدا والمنتهى وكذا الاناة التى يتألف منها وكذا حالة نطقه بالحروف يجد كل عاقل من نفسه عدم العلم بالاعضاء التى هى آلتها والمحال التى فيها مواقعها وعدم العلم بهيآتها وأوضاعها وكل ذلك ظاهر وأيضا فلو كان فعل العبد بقدرته لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد وهو محال لما يلزم عليه من اجتماع النقيضين وهو الاستغناء وعدم الاستغناء أما الملازمة فلان فعل العبد ممكن وكل ممكن واقع بقدرة الله تعالى ضرورة ان الامكان هو المحوج للسبب المعين لان غير المعين لاتحقق له والامكان معقول واحد فى جميع الممكنات فيلزم افتقار جميع الممكنات الى ذلك السبب المعين والالزم الترجيح ولاجائز أن يكون ذلك السبب ممكنا والالزم التسلسل فيكون واجب الوجود هو صانع العالم فيكون جميع الممكنات واقعة بقدرته فلو كان فعل العبد واقعا بقدرته لزم المحال المذكور وهو المطلوب وأيضا لو جاز أن يكون فعل العبد واقعا بقدرته لجاز أن يكون الجواهر وسائر الاعراض بقدرته والتالى باطل بالاتفاق فالمقدم مثله اما الملازمة فلان المحوج لفعل العبد الى سببه هو الامكان والحدوث وكل منهما حقيقة واحدة فى جميع الممكنات واستدل المصنف على اثبات هذا المطلب من العقلية بدليل آخر فقال (وكيف لايكون) البارى تعالى (خالقا لفعل العبد) وموحدا له (وقدرته) تعالى (تامة) صالحة لخلق كل حادث (لاقصور فيها) ولالها عن شئ منه لان المقتضى للقادرية هو الذات لوجوب استناد صفاته تعالى الى ذاته والمصحح للمقدورية هو الاسكان لان الوجوب والامتناع الذاتيين يحيلان المقدورية ونسبة الذات الى جميع الكائنات فى اقتضاء القادرية على السواء فاذا ثبتت قدرته على بعضها ثبتت قدرته على كلها والالزم التحكم واليه أشار المصنف بقوله (وهى متعلقة بحركة أبدان العباد والحركات متماثلة وتعلق القدرة بها لذاتها فما الذى يقصر تعلقها عن بعض الحركات دون البعض مع تماثلها) فوجب اضافة الحوادث كلها اليه سبحانه بالخلق قال ابن أبى شريف وهذا الاستدلال مبنى على ماذهب اليه أهل الحق من ان المعدوم ليس @ بشئ وانما هو نفى محض لاامتياز فيه أصلا ولاتخصيص قطعا فلايتصور اختلاف فى نسبة الذات الى المعدومات بوجه من الوجوه خلافا للمعتزلة ومن ان المعدوم لامادة له ولاصورة خلافا للحكماء والالم يمتنع اختصاص بعض الممكنات دون بعض بمقدوريته تعالى كمايقوله الخصم اذالمعتزلى يقول جاز أن يكون خصوصية بعض المعدومات الثابتة المتميزة مانعا من تعلق القدرة والحكيم يقول جاز أن تستبد المادة بحدوث ممكن دون آخر وعلى هذين التقديرين لاتكون نسبة الذات الى جميع الممكنات على السواء ولما كان هذا الاستدلال لايخلو عن ضعف لابتناء دليله على أمر مختلف فيه يمنعه الخصم قواه بدليل آخر وقر به الى الافهام فى أفعال غير العقلاء وحاصل ماأشار اليه هو ان العبد لو كان خالقا لفعله لكان محيطا بتفاصيله وهو لايحيط بمعظم تفاصيل فعله ولايتصور القصد الى ايجاد الفعل مع الجهل به فقال (أو كيف يكون الحيوان مستبدا) أى مستقلا (بالاختراع) والابداع من غير مثال سابق (ويصدر من العنكبوت) الحيوان المعروف (والنحل) هو ذباب العسل (وسائر الحيوانات) أى مماعداهما (من لطائف الصناعات) وغرائب الاشكال (مايتحير فيه عقول ذوى الالباب) فمن نسج العنكبوت الذى يصل الى حد لايتبين شئ من الخطوط الواهية التى تركب منها ومن بناء النحل الشمع على شكل المسدس الذى لاخلاء فى بيوته ولاخلل فيها ثم القاء العسل به اولا فاولا الى أن تمتلئ البيوت ثم تختم بالشمع على وجه يعمها فى غابة من اللطف (فكيف انفردت هى باختراعها) على هذا الشكل الغريب (دون رب الارباب جل جلاله وهى غير عالمة بتفصيل مايصدر منها) وعنها (من الاكتساب هيهات هيهات ذلت المخلوقات وتفرد بالملك والملكوت) أى العالم السفلى والعلوى (جبار الارض والسموات) وفى بعض النسخ جبار السموات فدل ذلك على ان ذلك الصنع الغريب والفعل الواقع على غاية من الاتقان وحسن الترتيب واقع منه سبحانه وصادر عنه دون تلك الحيوانات التى لاعقول لها ولاعلم بتفاصيل مايصدر عنها وقد فرض الشيخ أبوالحسن الاشعرى الدليل عليهم فى أفعال الساهى والغافل فانها عندهم محض فعله مع سهوه وغفلته ولوجاز وقوع الفعل من الجاهل بتفاصيله لبطلت دلالة الافعال على علم الفاعل فان قالوا هذا الدليل له يدل على امتناع الفعل من العبد وغايته لوسلم لكم أن يدل على انه ليس فاعلاله وأنتم تدعون الامتناع فلوقدر ان صادقا أنبأ شخصا بتفاصيل فعله للزم على موجب قولكم أن يصح كونه خالقا له قلنا الغرض من هذا الدليل ابطال ماصرتم اليه من ان الواقع من العبد محض فعله وأنتم لاتقولون به واذا حاولنا الدليل على امتناع احداث العبد لفعل مااستدللنا بعموم قدرة الله تعالى وارادته وعمله فان نسبتها الى جميع الممكنات نسبة واحدة فان الفعل الممكن انما افتقر الى القادر من حيث امكانه وحدوثه فلو تخصصت صفاته تعالى ببعض الممكنات للزم اتصافه بنقيض تلك الصفات من الجهل والعجز وذلك نقص والنقص مستحيل عليه ولاقتضى تخصيصها مخصصا وتعلق المخصص بذات واجب الوجود وصفاته وذلك محال واذا ثبت عموم صفاته فلو أراد الله تعالى ايجاد حادث وأراد العبد خلافه ونفذ مراد العبد دون مراد الله تعالى لزم المحال المفروض فى اثبات الهين والله أعلم (الاصل الثانى ان انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد) جمع العبد والمراد به هنا كل حادث وقع فى محل قدرته فعل اختيارى من انس أوجن أوملك (لايخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب بل الله تعالى خالق القدرة والمقدور) أى من قامت به القدرة لايجاده (جميعا وخلق الاختيار والمختار) هو من قام به وصف الاختيار (فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليس بكسب له وأماالحركة فخلق للرب تعالى ووصف للعبد وكسب له) أى كما انها وصف للعبد ومخلوقة للرب تعالى لها أيضا نسبة الى قدرة العبد كسبا بمعنى انها مكسوبة له (فانها) أى تلك الحركة (خلقت مقدورة بقدرة هى وصفه) كذا فى النسخ وفى بعضها هى صفة وفى أخرى وهى صفة بزيادة الواو (وكانت الحركة نسبة) وفى بعض النسخ فكانت وفى أخرى @ فكانت للحركة (نسبة الى صفة أخرى تسمى قدرة فتسمى) وفى بعض النسخ فيسمى (باعتبار تلك النسبة كسبا) اعلم أن هذا الاصل معقود على بيان كسب العبد وقد ضرب به المثل حتى قالوا أدق من كسب الاشعرى وقد قال بعض من عاب الكلام كما نقله ابن القيم وغيره محالات الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبى هاشم وكسب الاشعرى أى يقول قدرة ولاأثر لها وذلك عين العجز وان كان هذا الكلام وأمثاله من سوء التعبير حيث عد معتقد أهل السنة والجماعة مع محالات المعتزلة ومذهب أهل الحق لاجبر ولااعتزال كما يشير اليه المصنف وقد اضطرب المحققون فى تحرير الواسطة التى عسر التعبير عنها والحنفية يسمونها الاختيار والصحيح ان الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد ولكن الاشعرى آثر لفظ الكسب لكونه منطوق القرآن والماتريدى آثر لفظ الاختيار لمافيه من اشعار قدرة العبد كماتقدم والفرق بين الكسب والخلق ان الكسب أمر لايستقل به الكاسب والخلق أمر يستقل به الخالق وقيل ماوقع بآلة فهو كسب وماوقع لابآلة فهو خلق ثم ماأوجده الله سبحانه من غير اقتران قدرة العبد وارادته يكون صفة له ولايكون فعلاله وماأوجده مقارنا لايجاد قدرته واختياره فيوصف بكونه صفة وفعلا وكسبا فالجبرية أنكروا أن يكون للعبد قدرة البتة والمثبتون لهذا المعنى الذى سموه قدرة مختلف فيه فقال الاشعرى انها تتعلق ولاتؤثر فان الفعل واقع عنده بمحض قدرة الله تاعلى ولايتصور وقوع مقدور بين قادرين فآلت التفرقة عنده بين الحركتين الى أن احداهما واقعة على وفق قصده واختياره والاخرى غير واقعة كذلك والى اعتقاد تيسير بعض الافعال عادة فسمى أحد القسمين مقدورا فهو متعلق التكليف والثانى غير مقدور والتكليف بمثله يكون من تكليف المحال وهو يقول بجوازه وتردد النقل عنه فى وقوعه والى هذا القول مال أهل الحديث والصوفية ويقولون ان للعبد قدرة تتعلق بالفعل يخلقها الله عند خلق الفعل من غيرتأثير لها فيه وانما التأثير للبارى جل وعز ويعرف هذا بالجبر المتوسط واختاره امام الحرمين فى الارشاد ومنهم من قال انها تؤثر واختلفوا فى جهة التأثير فزعم القاضى أبو بكر الباقلانى انها تؤثر فى أخص وصف الفعل فان الحركة من حيث كونها تنقسم الى صلاة وغصب وسرقة وغير ذلك وهذه الوجوه منسوبة الى العبد كسبا وأصل الفعل منسوب الى الله تعالى ايجادا وابداعا واختاره الشهر ستانى والى ذلك ذهب أبواسحق الاسفراينى الاأنه ينفى الاحوال ويقول ان أخص وصف الشئ وجه واعتبار فى الفعل ولامام الحرمين مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هوهوفانه قال فى الرسالة النظامية وهى آخر مؤلفاته ان القدرة الحادثة تؤثر فى أصل ايجاد الفعل كماقاله المعتزلة الاأنه قال ان العبد انمايوقع مايوقعه على اقدار قدرها الله تعالى وقال ان هذا المذهب هو الجامع لمحاسن المذاهب فان القدرة اذا لم تؤثر من وجه ألبتة لم يحسن التكليف ولاتخصيص فعل بثواب ولاعقاب كماذهب اليه المعتزلة وفى اثبات ذلك مايدل لهذا وحيث قال ان العبد لايوقع الاماقدره الله الخ لم يلزمه مالزم المعتزلة من مخالفة الاجماع وهو ان ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن وقد مال الى هذا المصنف وقال الامام أبومنصور الماتريدى أصل الفعل بقدرة الله تعالى والاتصاف بكونه طاعة أومعصية بقدرة العبد وهو مذهب جمهور مشايخ الماتريدية ففى التوضيح ان مشايخنا ينفون عن العبد قدرة الايجاد والتكوين فلاخالق ولامكون الا الله تعالى لكن يقولون لان للعبد قدرة ماعلى وجه لايلزم منه وجود أمر حقيقى لم يكن بل انما تختلف بقدرته النسب والاضافات فقط كتعيين أحد المتساويين وترجيحه وفى التلويح انه اختيار الباقلانى ثم ان المصنف لاحظ ان ماذهب اليه شيخه فى الرسالة النظامية وصار اليه فى آخرعمره لاينجيه من الجبر فان العبد اذا كان لايوقع الاماخصصه الله له وقدر ايقاعه فعند ذلك لايتأتى منه الفعل بدون ذلك واذا أراد الله ذلك فلايتأتى منه الترك البتة فالجبر لازم له فأشار الى الرد بقوله (وكيف يكون جبرا محضا وهو) أى العبد العاقل (يدرك التفرقة) الضرورية بطريق الوجدان (بين الحركة المقدورة) له وهى الاختيارية @ وبين (الرعدة الضرورية) التى تصدر بدون اختيار كحركة اليد من المرتعش وهذا من باب الاستدلال بالسبب على السبب قال ابن التلمسانى والحق ان الانسان كمايجد من نفسه تأتيا لبعض الافعال زائدا على سلامة البنية يجد من نفسه انه لايستقل بدون اعانة الله تعالى كماقال تعالى اياك نعبد واياك نستعين وفى صحيحة الحق لابى الخير القزوينى العاقل يفرق بين الحركة الاضطرارية والاختيارية فلايخلو ماأن ترجع التفرقة الى نفس الحركة أوالى غيرها محال أن ترجع التفرقة الى نفسها لانا نفرض الكلام فيمااذا كانت الحركات فى صوب واحد فتعين أن يكون مرجعهما معنى زائدا ثم ذلك المعنى لايخلو اماأن يكون سلامة البنية أوغيرها محال أن يكون سلامة البنية لان العاقل يفرق بين أن يحرك يده وبين ان يحرك يد غيره فتعين أن يكون معنى زائدا عليها ثم ذلك المعنى لايخلو اماأن يكون ارادة أوقدرة محال أن يكون ارادة لان حركة النائم مكتسبة وليست مرادة له فتعين أن ترجع التفرقة الى القدرة والى حدها اه وقرره ابن التلمسانى بوجه آخر فقال التفرقة لاترجع الى ذات الحركة فانها من حيث انهاتفريغ واشغال لاتختلف ولاالى ذات المتحرك فانهافى حال دخوله بنفسه وحال سجنه لاتختلف وكذلك تحريك الغير ليده السليمة فتعين أن ترجع التفرقة الى أمر زائد وذلك الزائد يمنع رده الى السلامة ونفى الآفة فانه مدرك بالحس والعدم لايحس وندرك بالضرورة وان لذلك المعنى نسبة الى الحركة وليست مقارنة للحركة كمقارنة كون اليد للحركة اه والحاصل ان ماذهب اليه أهل الحق لايلزم الجبر المحض كمازعم الخصم اذكانت الحركة المذكورة متعلق قدرة العبد داخلة فى اختياره وهذا التعلق هو المسمى عندهم بالكسب ومعنى الجبر المحض ان لاتأثير لقدرة العبد أصلا فى ايجاد الافعال ولماثبت من مذهب أهل السنة ان الله تعالى خلق للعبد قدرة على الافعال والقدرة ليس خاصيتها من بين الصفات الاايجاد المقدور لانهاصفة تؤثر على وفق الارادة ويستحيل اجتماع مؤثرين مستقلين على اثر واحد والنصوص التى تقدمت من القرآن عامة تشمل أفعال العباد فيكونون مستقلين بايجاد أفعالهم بقدرهم الحادثة بخلق الله تعالى اياها باختياره تعالى كماهو مذهب المعتزلة أوبطريق الايجاب بالذات كماهو مذهب الفلاسفة والاكان جبرا محضا فأشار المصنف الى الرد عليهم بقوله (أوكيف يكون) الفعل (خلقا للعبد) اختيارا أوايجابا (وهو) أى العبد (لايحيط علما بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة واعدادها) ومع كونه منبع النقصان وغير ذلك وماذكروا من استحالة اجتماع مؤثرين على اثر واحد فالجواب عنه ان دخول مقدور تحت قدرتين احداهما قدرة الاختراع والاخرى قدرة الاكتساب جائز وانما المحال اجتماع مؤثرين مستقلين على اثر واحد (واذا بطل الطرفان) اثبات الاضطرار واثبات الاختيار (لم يبق الا الاقتصاد) وهى الحالة الوسطى (فى الاعتقاد) لاجبر محض ولااعتزال وفى شرح الصحائف وقال قوم من العلماء ان المؤثر مجموع قدرة الله وقدرة العبد وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر وهوأقرب الى الحق اه واليه أشار الامامفى الفقه الاكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله خالقها أى بتأثير اختيارهم فى الاتصاف فانه الكسب على الحقيقة دون مجرد مقارنة الاختيار والمدخلية فى الايجاد فان الخلق أمر اضافى يجب أن يقع به المقدور فى محل القدرة ولايصبح انفراد القادر بايقاع المقدور بذلك الامر فالكسب لايوجب وجوب المقدور بل يوجب من حيث هوكسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور واختلاف الاضافات مبنى على الكسب لاعلى الخلق كمافى التوضيح وفى التلويح ان المحققين من أهل السنة على نفى الجبر والقدر واثبات أمر بين الامرين وهوان المؤثر فى فعل العبد أى أصله ووصفه مجموع خلق الله تعالى واختيار العبد لاالاول فقط ليكون جبرا ولا الثانى فقط ليكون قدرا وكان القول بتأثير القدرتين قدرة الله فى الايجاد وقدرة العبد فى الكسب والاتصاف كمادل مجموع الكلام قولا متوسطا جامعا مقتضى جميع الادلة وأشار له المصنف بقوله (وهو انها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا) وخلقا (وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنها @ بالاكتساب) عملا بظاهرالآية لها ماكسبت وعليها مااكتسبت (وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع) الذى هو خاصيتهاأى التأثير (فقط اذقدرة الله تعالى فى الازل قدكانت متعلقة بالعالم ولم يكن الاختراع حاصلا بها) أى ولم يحصل الاختراع بها اذذاك (وهى عند الاختراع متعلقة به) أى بالعالم (نوعا آخر من التعلق) فبطل ان القدرة من حيث تعلقها مختصة بايجاد المقدور واليه أشار بقوله (فبه) أى بماتقدم ذكره (يظهر ان تعلق القدرة ليس مخصوصا بحصل المقدور بها) وهذا التعلق هو المسمى بالكسب وأورد عليه ابن الهمام فقال ولقائل أن يقول قولكم ان قدرة العبد تتعلق بالحركة لاعلى وجه التأثير فيها وان التعلق لاعلى وجه التأثير هوالكسب مجرد الفاظ لم يحصلوا لها معنى ونحن مانلهم من الكسب الامعنى التحصيل وتحصيل الفعل المعدوم ليس الاادخاله فى الوجود وهوايجاده وقولكم ان القدرة الحادثة تتعلق بلاتأثير كتعلق القدرة القديمة فى الازل ممنوع وتحقيق المقام أن نقول معنى ذلك التعلق الازلى للقدرة القديمة نسبة المعلوم الوقوع من مقدوراتها اليها بأنهاستؤثر فى ايجاد ذلك المعلوم عند وقت وجوده وذلك ان القدرة انما تؤثر على وفق الارادة وتعلق الارادة بوقوع الشئ هو تخصيص ذلك الوقوع بوقته دون ماقبله ومابعده من الاوقات والقدرة الحادثة يستحيل فيهاذلك لانها مقارنة للفعل عندكم فلم يكن تعلقها بالفعل الاعلى ماذكرتم اما التأثير كماهو الظاهر أوتبينوا لتعلقها بالفعل معنى محصلا ينظر فيه ليقبل أويرد ولوسلم ماذكرتم من ان قدرة العبد تتعلق بالفعل بلاتأثير فيه فالمقتضى لوجوب تخصيص تلك النصوص باخراج أفعال العباد الاختيارية منهاهو لزوم الجبر المحض المستلزم لبطلان الامر والنهى ولزومه مبنى على أن لاأثر فى الفعل لقدرة المكلف بالامر والنهى ولايدفه هذا اللزوم تعلق بلاتأثير فيه لبناء اللزوم على نفى اثر القدرة الحادثة وأجاب عنه تلميذه ابن أبى شريف بقوله ولك أن تقول ان الكسب لايفهم منه الامعنى التحصيل معه بحسب ماوضع له لغة وكلامنا هنا فى المعنى المسمى بالكسب بوضع اصطلاحى وذلك لاينافى كوننا لانفهم بحسب اللغة من معنى الكسب الاالتحصيل ثم لك أن تقول قولكم ان لزوم الجبر يقتضى تخصيص تلك النصوص العامة باخراج أفعال العباد منهاممنوع فان لزوم الجبر يندفع بتخصيص النصوص باخراج فعل واحد قلبى لاباخراج كل فعل من أفعال العباد البدنية والقلبية ثم قال واعلم ان الاشعرية لاينفون عن القدرة الحادثة الاالتأثير بالفعل لابالقوة لان القدرة الحادثة عندهم صفة شأنها التأثير والايجاد لكن تخلف أثرها فى أفعال العباد لمانع هوتعلق قدرة الله تعالى بايجادها كمافى شرح المقاصد وغيره وقدنقل فى شرح العقائد تعريفها بانها صفة يخلقها الله تعالى فى العبد عند قصده اكتساب الفعل مع سلامة الاسباب والآلات ونقل فيه أيضا انها عند جمهور أهل السنة شرط لوجود الفعل يعنى انها شرط عادى يتوقف الفعل على تعلقها به توقف المشروط على الشرط لاتوقف المتأثر على المؤثر وبهذا يظهر ان مناط التكليف بعد خلق الاختيار للعبد هوقصده الفعل وتعليقه قدرته به بأن يقصده قصدا مصمما طاعة أومعصية وان لم تؤثر قدرته وجود الفعل لمانع هوتعلق قدرة الله التى لايقاومها شئ بايجاد ذلك الفعل فان قبل ان القدرة عندكم مقارنة للفعل لاقبله فكيف يتصور تعليق العبد اياها بالفعل قبل وجودها قلنا لما اطردت العادة الالهية بخلق الاختيار المترتب عليه صحة قصد الفعل سواء كان ذلك كفاللنفس أوغير كف كان وجودها مع المباشر متحقق الوقوع بحسب المراد العادة فصح تعليقها بالفعل المباشر بأن يقصد قصدا مصمما لتحقق وجودها مع الشروع فيه اذا تقررلك ذلك ظهر ان تعليق قدرة العبد التى تعلقها شرط هو الكسب الذى هو مناط الثواب والعقاب وبه يتضح فهم كسب الاشعرى وبالله التوفيق * (تنبيه) * قال العلامة أبوسالم العياشى فى رحلته فى ترجمة شيخه الامام العارف ملا ابراهيم الكورانى وتعديد مقروآته عليه حين مجاورته بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مانصه وقرأت عليه رسالة كتبها برسمى @ فى المسئلة التى ألف فيها شيخنا صفى الدين القشاشى وبالغ فى ايضاحها وتعددت تآليفه فيها وهى مسئلة كسب العبد ونسبة فعل العبد اليه والى قدرة الرب فقد انتصر الشيخ فى ذلك للقولة المنسوبة لامام الحرمين وتأولها على مالا ينافى مذاهب أهل الحق وتشهد له بصائر أهل الكشف وتعضده شواهد الآيات ومعانى الاخبار الصحيحة ومافعل رضى الله عنه من تأويلها وتبين معناها على حسب ماظهر وان كان فيه غموض على أفهام كثير من الناس أولى ممافعله كثير من المشايخ ببطلانها والتشنيع على الامام وعلى من نسبها اليه وأنكروا وجودها فى كتبه وذلك قصور منهم فانها قولة صحت عن الامام فى رسالته النظامية التى هى من آخر مؤلفاته ولذلك لم يتردد المتقدمون بنسبتها اليه لاحاطتهم بأخبار الامام ومطالعتهم لكتبه ولمالم تشتهر هذه المسئلة لتأخرها كاشتهار الارشاد وغيره لم تبلغ الى بعض المتأخرين فانكر وجود القولة المشهورة فى شئ من كتب الامام وظن انها مفتعلة عليه أوصدرت منه فى مجلس المناظرة على وجه المعارضة أوارخاء العنان لى غير ذلك ممالايعد مذهبا لقائله وقدبالغ شيخنا فى ايضاحها والاستشهاد فى رسائله الثلاث وكذلك تلميذه السابق ذكره بالغ فى بيانها وكشفها ومع ذلك لم تخل عن غموض ولم تتضح كل الوضوح ولاغر واذهى من معضلات المسائل التى حارت فيها أفكار المتقدمين ولم تحصل على طائل فى تحقيق معناها آراء المتأخرين فقصارى أمرهم فيها اعتقاد انفراد الرب تعالى بالخلق والاختراع واعتقادات للعبد فى أفعاله الاختيارية كسبابه صح نسبة الافعال اليه وبه ثبت التكليف وعليه ترتب الثواب والعقاب وهذا معتقد جميع أهل السنة وهو الحق الذى لامحيص عنه ولكنه اذا ضويقوا فى تحقيق معنى هذا الاكتساب وتبيينه تباينت آراؤهم بين مائل