فنهضوا وخرجوا إلى الأسواق وإذا بأهل المدينة قد غمرهم الفرح؛ إذ سمعوا مناديا ينادي بالأمان وعودة الناس إلى أعمالهم؛ لأن جند المماليك عائدون من دمشق.
فتحقق عبد الرحمن صحة رواية صديقه، فقال له: «أرى أن نذهب خارج المدينة حيث يجتمع الناس لمشاهدة عودة الجنود المصريين، فلعلي أجد ولدي بينهم»، فوافقه على ذلك، وسارا حتى خرجا إلى حيث معسكر أبي الذهب، فإذا بالمماليك والمغاربة يقوضون الخيام ويحملون الأثقال، وأهل دمشق ينظرون إليهم ويعجبون لهذا الانسحاب السريع. ولم يأت الغروب حتى سارت الحملة عائدة من حيث أتت.
أما عبد الرحمن فكانت عيناه شائعتين في الجماهير لعله يشاهد ولده حسنا، ولكنه لم يقف له على أثر.
ولبث بضعة أيام في المدينة يواصل البحث عنه حتى يئس من لقائه، فودع صديقه الدمشقي وأخبره بأنه اعتزم السفر، فتأثر هذا وحزن لحبوط مسعاه، ثم قال له: «إني والله لن يهدأ لي بال حتى أعلم بوجود ولدك، وقد عرفت شكله وملامحه وسأراقب من أراهم من الغرباء، فلعلي أقف على خبره فأبلغك ذلك، ولكن أين تكون؟»
فقال عبد الرحمن: «إني ذاهب إلى عكا الآن، ولا أعلم أين تسوقني المقادير.»
قال: «ألا ترجو أن تعود إلى مصر بعد ذلك؟» قال: «لا أدري.»
قال: «إن الله يدبر الأمر كيف شاء، وهو لطيف بعباده رحيم خبير.»
وعلى أثر ذلك سار عبد الرحمن مع خادمه على جملين في قافلة كانت سائرة إلى صيدا على أن يسيرا من هناك إلى عكا. •••
ما زالت القافلة تواصل سيرها وعبد الرحمن وخادمه فيها، وبعد أن قطعت القافلة بضع مراحل قال خادم عبد الرحمن له: «أتأذن لي في كلمة؟» قال: «قل ما بدا لك يا علي.»
فقال: «إننا أينما نتوجه نجد عدونا أمامنا، وقد تركنا مصر فرارا من ظلم علي بك، فإذا جئنا عكا كنا في خوف من الشيخ ضاهر العمر؛ لأنه حليفه، وعلى هذا لا نستطيع الظهور هناك، ثم إن العثور على سيدي حسن أمر لا نقوى عليه إلا بمساعدة الحكومة، فهلا فكرنا في وسيلة نتقرب بها إلى الشيخ ضاهر هذا.»
Unknown page