Islam Wa Hadara Carabiyya

Kurd Cali d. 1372 AH
165

Islam Wa Hadara Carabiyya

الإسلام والحضارة العربية

Genres

17

أن اللغة العربية بقيت شائعة في الجزيرة إلى أواخر القرن التاسع للهجرة، يؤيد ذلك شواهد القبور التي عثر عليها حديثا علماء العاديات، فقد وجدت قبرية باسم القائد الأجل أبي النصر بن القائد أبي المسرور الجالخيري من سنة 873ه، وشاهدة لآخر اسمه القسنطيني القاضي من سنة 894ه، وثالثة من سنة 859، وشواهد كثيرة من القرن السابع والسادس من الهجرة، وأغربها قبرية نصرانية كتبت بالعربية بعد خروج العرب من الجزيرة بستين سنة استعمل فيها التاريخ الهجري، وهي «توفيت أنة أم القسيس أكريزنت قسيس الحضرة المالكة الملكية العالية العلية المعظمة السنية القديسية البهية المعتزة بالله الملزوزة بقدرته المنصورة بقوته مالكة ينطالية ولنكبردة وقلورية وصقلية وإفريقية معزة إمام رومية الناصرة للملة النصرانية صرمد الله مملكتها يوم الجمعة والعشر العشرين من أوسة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ودفنت بالجامع الأعظم، ثم نقلها ولدها بالمستجد إلى هذه الكنيسة صنت مخايله يوم الجمعة أول ساعة العشاء: العشرين مائة سنة - أربع وأربعين وخمسمائة وبنى على قبرها هذه الكنيسة وسماها صنت أنة على اسم أمه (مر) يم ... ودعا لها بالرحمة آمين آمين آمين.»

وهذا يدل على أن العربية استحكمت ملكتها في السكان حتى إن نصاراهم استخدموها لغة التخاطب والكتابة بعد خروج العرب بمدة طويلة، وأرخوا بالتاريخ الهجري، ولا عجب أن حاسن روجر النورماني فاتح الجزيرة وخلفاؤه جمهور المسلمين فلقوا منهم كل رعاية، ولقي الفاتحون من المسلمين كل نصح في الخدمة؛ فقد روى مؤرخونا أن رجار مات قبل التسعين والأربعمائة وملك بعده ولده رجار فسلك طريق ملوك المسلمين من الجنائب والحجاب والسلاحية والجاندارية وغير ذلك، وخالف عادة الفرنج فإنهم لا يعرفون شيئا منه وجعل له ديوان المظالم يرفع إليه شكوى المظلومين فينصفهم ولو من ولده، وأكرم المسلمين وقربهم ومنع عنهم الفرنج فأحبوه.

المسلمون والغربيون في الحروب الصليبية

اختلاق الصليبيين الأسباب لقتال المسلمين

ظن الغربيون بعد انقراض الدولة الأموية من الأندلس في 407ه أن العرب هناك يتراجع أمرهم في الحال ويصبحون لقمة سائغة؛ لما دب فيهم من الفساد السياسي المؤدي إلى الانحلال الطبيعي، ولكن عاد يوسف بن تاشفين ملك المرابطين من بر العدوة فجمع الشمل المنصدع، وضرب المرابطون ملك الإسبان ضربة شديدة في سنة 480ه في وقعة الزلاقة فأعادوا إلى الأندلس حياتها فوقرت في نفوس الإفرنج، وكان أمراء المسلمين ذلوا أمام أعدائهم وأخذوا يدفعون الإتاوات لملوك إسبانيا، وخرجت جزيرة صقلية من أحكام المسلمين في تلك الحقبة.

بيد أن رجال الدين ورجال السياسة في أوروبا ما برحوا منذ طلعت طلائع العرب في البحر المتوسط، وقوي سلطانهم في جزرها، يفكرون في مخرج يؤدي بالغرب إلى ساحل السلامة؛ لأن الإفرنج أيقنوا أن العرب أعلى منهم كعبا في الحرب، وأرقى منهم مدنية، وهم لا يخلون في كل زمان من رجل فذ ينهض بهم، كما كان من المنصور بن أبي عامر (392ه) الذي غزا الإفرنج سبعا وخمسين غزوة موفقة، ورفع من شأن الأندلس بنبوغه فوقاها من السقوط.

واتفق أن اشتد إرهاق السلجوقيين لصاحب القسطنطينية، حتى اضطروه إلى دفع جزية سنوية لهم، فاستنجد بملوك أوروبا على المسلمين، وأثار العرق الحساس في البابا، واعدا إياه أن يدخل في طاعة كنيسته، ويتخلى عن أرثوذكسيته، إذا هو ساعده على دفع صائل المسلمين، وصادف أن بعض زوار القبر المقدس من الإفرنج رأوا ما لا يروقهم من إلزام الحكومة الفاطمية حجاجهم بأداء ضريبة زعموا أنها فاحشة، فأعظم الأمر بعض رؤساء الدين عندهم، وأهاج أمثال بطرس الناسك الخواطر في الغرب على المسلمين، وبالغوا وأكثروا فيما يلقاه النصارى من العنت في حجهم، على أنه لم يحدث من الاعتداء

1

على حجاج القبر المقدس سوى حوادث فردية قليلة لا تخلو منها البلاد، وذلك قبل الحروب الصليبية. وقد قال برناردي فيس في مذكراته: إن السلام سائد فوق تلك الربوع بين النصارى والمسلمين، حتى إنني لو كنت مسافرا ونفق بعيري أو حماري الذي ينقل أمتعتي على الطريق، وتركتها كلها دون حارس ولا رقيب، وسرت إلى أقرب مدينة لأجلب لي بعيرا أو حمارا آخر لوجدت عند عودتي أنها باقية على ما هي لم يمسها أحد. ولغايات في النفس جسم بعض رجال الدين في الغرب حوادث الاعتداء على حجاجهم في الأرض المقدسة، فأثاروا ضغائن النصارى على المسلمين عند بدء ظهور الحركة الصليبية. قال منرو: كانت هذه الفظائع المنسوبة إلى المسلمين ممزوجة بكثير من الأفاويه،

Unknown page