على أن السلطان كثيرا ما كان يدعو رئيس الجواسيس إليه رأسا متى شاء للنظر في شأن يهمه، كما فعل في مسألة رامز. وقد يأتيه الصدر الأعظم رأسا لأمر مهم خوفا من اشتغال الباشكاتب عن مطالبه المهمة بتلبية مطالب الجواسيس. •••
ظل رامز في الحجرة التي أفرد فيها إلى المساء، ثم جاءه الباشكاتب وسأله أهو في حاجة إلى شيء، وقال له: «إنما أتيتك بنفسي لكي تستأنس بي لأني أشفقت عليك، فهل رأيت أن تسمع نصيحتي قبل أن أسلمك إلى المحققين؟»
فقال رامز وهو رابط الجأش: «لم أفهم مرادك يا سيدي.»
فقال: «نصحت لك أن ترجع إلى رشدك وتعدل عن الغرور وأنا أضمن لك السعادة. المطلوب أن تخبرنا عن أسماء الأشخاص الذين أغروك بالدخول في تلك الجمعية، إن الاطلاع على خبرهم لا بد منه لأن الذين سيأتون إلينا منهم كثيرون، ولكنني أحببت أن يكون ذلك على يدك لتنال الجزاء الحسن.»
فهز رامز رأسه هزة الإنكار وقال: «إن مثلي لا يخاطب بمثل ذلك يا حضرة الباشكاتب!» وسكت.
فأظهر الباشكاتب الامتعاض من جفاء عبارته، وتحول عنه وهو يقول: «لقد أخطأ ظني فيك.»
وبعد قليل دخل على رامز ضابط أومأ إليه أن يتبعه، فنهض وخرج معه فوجد بضعة رجال من الجند ببنادقهم ينتظرونه خارجا، فأشار إليه الضابط أن يتبعه فمشى في أثره في طريق واسع يؤدي إلى حديقة يلدز الخارجية، ولم يكن قد دخل يلدز من قبل. فرأى السور الضخم الفاصل بين الحديقتين كأنه سور مدينة حصينة، وسار به الجند بجانب ذلك السور حتى عرجوا في بعض الطرق بين الأشجار الغضة إلى قصر على بابه الحراس بأسلحتهم، فأشار الضابط إليه أن يدخل فدخل. ودخل أحد الحراس معه في دهليز القصر، ثم أصعده في سلم مغطى بالسجاد إلى الطبقة العليا، ومشى أمامه حتى أوصله إلى غرفة وقال له: «تفضل يا سيدي امكث هنا.»
فقال رامز: «ما هذا المكان؟ أين أنا؟»
قال: «لا تخف، إنك ضيفنا، وهذا القصر قصر مالطة.»
فلما سمع رامز الاسم أجفل وتهيب، إذ تذكر أن مدحت باشا أبا الأحرار حبس فيه حينا في أثناء محاكمته التي حكم عليه بعدها بالنفي إلى الطائف حيث وافته منيته، فجمد في مكانه حينا لشدة التأثر ثم انتبه لنفسه فتجلد. وكانت الشمس قد آذنت بالمغيب وأقبلت طلائع الظلام فأسرع بعض الفراشين لإنارة غرف القصر وفي مقدمتها تلك الغرفة، وهي مفروشة بالبسط الثمينة وفيها مقاعد وكراسي ومنضدة. وآنس رامز في الخادم لطفا فقال له: «أليس في هذا القصر أحد سواي؟»
Unknown page