Imbaraturiyya Islamiyya
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
والنظام النيابي القائم في أمريكا، لا يعرف المسئولية الوزارية على الصور المقررة في النظم البرلمانية، فإذا كان العرب لم يعرفوا المسئولية البرلمانية هم الآخرون، فقد كان الحاكم مسئولا أمام الرأي العام كمسئولية رئيس الولايات المتحدة. ونتيجة هذه المسئولية أن لا يجدد الرأي العام انتخاب هذا الرئيس متى تمت مدته، أو يضطره للتخلي عن منصبه بإظهار عدم الرضا عن تصرفاته أو بعصيان سياسته، على حد تعبير أبي بكر.
مدة الحاكم الإسلامي
لماذا لم تحدد مدة الحاكم الإسلامي في الصدر الأول، كما تحدد مدة الرئاسة لرؤساء الجمهوريات في عصرنا الحاضر؟ وهلا ينهض ذلك حجة على أن الفكرة الديمقراطية كانت ناقصة عند العرب، وبقيت ناقصة حين نفذها المسلمون؟
الواقع أن التفكير في هذا الأمر لم يدر بخاطر المسلمين الأولين لاعتبارات جوهرية؛ أولها: أن أبا بكر لم تطل خلافته أكثر من سنتين وأشهر، وأن عهده وعهد عمر كانا جميعا عهد فتح متصل انفسحت به أطراف الإمبراطورية الإسلامية شرقا وغربا، فلم يكن العرب ليقيموا أثناء ذلك في شبه الجزيرة، بل كانوا مشتغلين خارجها بالغزو ومغانمه والنصر وأعياده.
وقد ألفت الأمم في كل العصور ألا تفكر في انتخابات أو ما يشبهها في أوقات الحروب، حين يكون الاستقرار الداخلي جوهريا لحياة الدولة، ثم إن أبا بكر وعمر كانا حاكمين من طراز لم يعرف التاريخ له نظيرا، لم تغير الخلافة ولا غيرت الإمارة على المسلمين من حياة أي منهما، ولم تنتقل به من داره إلى دار أخرى، بل لقد كانت نظريتهما في تولي أمور الدولة قائمة على أساس من إنكار الذات، بلغ حدا يحسبه أهل جيلنا ممعنا في المبالغة.
نسي كل واحد منهما، منذ تولى أمور المسلمين، نفسه، ونسي أهله وأبناءه، وتجرد لله تجردا مطلقا، وأوجب على نفسه أن يشعر بضعف الضعيف وحاجة المحتاج تحقيقا لمعنى الإخاء في أسمى صوره، وإيذانا بأنه ليس له في الحياة هوى، وأنه لذلك يقدر على أن يقيم بين الناس عدلا منزها لا يعرف محاباة، ولا يعرف إلا حق الله في أن يعيش الناس جميعا في ظل عدله - جل شأنه - آمنين مطمئنين.
فلما انقضى عهد أبي بكر وعمر كانت رقعة الإمبراطورية الإسلامية قد انفسحت، ومع ذلك بقي الحكم عربي الأساس، ديمقراطي المبدأ، حتى قامت الثورات والفتن بين علي ومعاوية.
وقد تأثر الحكم الأموي بهذه الثورات لا ريب، لكنه بقي مع ذلك قريبا من المبدأ العربي الذي يقدس الحرية، ويتفق وما نفهمه اليوم من الديمقراطية.
وقد لبث الحكم كذلك طيلة عهد الملوك الأولين من الأمويين، فلما استعرت الثورات ثانية بين الأمويين والعباسيين، ولما دخل الفرس ثم دخل الروم في البلاط الإسلامي، بدأت هذه المبادئ العربية التي تتفق والروح الإسلامي الصحيح تتأثر بالبيئة الجديدة، ثم طغت هذه البيئة عليها، ثم آمن ملوك المسلمين بحقهم المقدس في الملك، كما كان يؤمن به ملوك أوروبا، ثم كان من أثر ذلك أن تدهورت الإمبراطورية الإسلامية، وأن بدأ عصر الانحلال الذي استمر أجيالا وقرونا.
ليس من الإنصاف أن يحاسب الإسلام عما استحدث في هذه الأجيال مما يخالف مبادئه ولا يتفق وتعاليمه، وقد بينا بوضوح ما تنطوي عليه هذه التعاليم، وما تقرره هذه المبادئ، على ما صورت في أول عهد الناس بهذا الدين.
Unknown page