كنت في عالم مختلف أرى فيه أشخاصا غابوا عن حياتنا، وكل من يقابلني يسألني نفس السؤال: عملتي كده ليه؟ حرام عليكي. - أنا تعبت. - ويا ترى ارتحتي؟ - مش عارفة.
هل حقا ارتحت من التعب أم ما زالت روحي متعبة؟ ترى هل سيغفر لي ربي ذنبي؟ وكيف سأواجهه؟ لماذا لم أتحمل كغيري؟ لم لم أحتمل وأنتظر الثواب من الله؟ هل أنا آثمة حقا؟ يا رب ليس لي سواك، فارحمني برحمتك.
شعرت بيد سليم تمتد إلي وهو يبتسم ويجذبني ويقول لي: تعالي، لسه قدامك فرصة.
فأمسكت بيده وذهبت معه ، فتحت عيني لأرى أني ما زلت بنفس حجرتي بالمستشفى والممرضة تبتسم لي وتقول: حمد الله على السلامة خوفتينا عليكي، دا دكتور نادر كان مراهنا إنك هتقومي واحنا نقوله لأ، فقال هي قوية وهتقاوم. - مين دكتور نادر؟ - الممارس العام اللي كان بيمر على العيانين ساعة ما أخوكي اتصل وقال إنه بيكلمك ما بترديش وإنه قلقان عليكي، قام دكتور نادر دخل لاقاكي ... قام أنقذك بسرعة، بس كنتي نزفتي كمية دم كبيرة، فطلب أخوكي وقاله محتاجين دم، فجه بسرعة واتبرع لك بدمه لأنكم نفس الفصيلة، بس كانت حالتك صعبة، لكن الحمد لله ربنا نجاكي، هابلغ أهلك ودكتور نادر.
خرجت وتركتني، وبعد عدة دقائق دخل طبيب بمعطفه الأبيض المماثل لبشرته، وقامته الطويلة الرشيقة، وعينيه العسليتين اللتين تفيضان بغضب ناري، وبعد أن انتهى من فحصي قال بحدة: أنا هاحطك تحت المراقبة اليومين الجايين؛ لأن واضح إنك بتمري بمرحلة مراهقة متأخرة مخلياكي مش عارفة تفكري وبتتصرفي بجنون. - إنت مين عشان تحاكمني وتحكم علي؟ إنت ما تعرفش عني حاجة. - كل اللي أعرفه إنك عرضتي صحة والدتك للخطر بسبب تهورك، وإن أخواتك كانوا هيتجننوا عشانك، خصوصا الأستاذ سليم اللي كان بيبكي زي الأطفال، اللي أعرفه إني لو عندي عيلة زي دول هاحارب الكون كله عشان أفضل معاهم وأسعدهم، مش أكون أناني زيك ومع أول مشكلة صعبة أفكر في الانتحار. - إنت جاي تعالجني ولا تحاسبني؟ - ولا أحاسبك ولا تحاسبيني، بس واضح إنك من الناس اللي بتنسى النعم اللي عندها وبتفضل تبكي وتدور على اللي ناقصها، عموما أنا بعت دفتر مذكراتك لوالدك مع الأستاذ سليم، ووالدك كان هنا النهارده وساب لك الرسالة دي، بس قبل أي حاجة لازم تاكلي كويس وتاخدي الدوا.
سكت للحظات ثم قلت وأنا أشعر بالخجل: شكرا يا دكتور على تعبك معايا، تسمحلي أكلم أهلي. - طبعا، الموبايل عندك، بس الانفعال ممنوع.
اتصلت بأمي وأخبرتها أني بخير، واعتذرت لها عما سببته لها، ورفضت أن تأتي لرؤيتي بسبب تأخر الوقت، وطلبت منها أن تنتظر للصباح، لكن سليم لم ينتظر إنما جاء لرؤيتي وقبل جبيني وقال: خضتيني عليكي، ينفع كده؟ - سامحني كانت لحظة ضعف، بس صحيح اتبرعت لي بدمك؟ - أه، يعني من هنا ورايح دمك هيبقى خفيف.
ابتسمت وقلت له: عايزة أخرج من هنا. - الدكتور قال هتتحطي يومين تحت الملاحظة وبعدين تخرجي. - خرجني بكرة وأوعدك مش هاعمل في نفسي حاجة، بالعكس أنا هارجع أقوى من الأول. - طيب هاتكلم مع الدكتور وأشوف رأيه، نامي شوية وارتاحي وربنا يسهل.
إلى ابنتي
في البداية أعترف بتقصيري تجاهك أنت وأخوتك، لكن أقسم بالله ما كففت عن حبكم يوما ولن أكف حتى آخر لحظة في حياتي، ولكن ربما لأني لم أتعلم البوح بمشاعري بقوة. سأحكي لك حكايتي من البداية حتى تحكمي علي بشكل صحيح؛ فقدت أمي وأنا في الرابعة من عمري حيث طلقها والدي وتزوج بأخرى وعشت معها، لم تحبني ولم تكرهني إنما كانت تتعامل معي كشخص يجب أن تتعامل معه، فكانت تخدمني ولكن بلا مشاعر، فتقوقعت على نفسي حتى أتجنبها، وكنت في المناسبات أذهب لزيارة والدتي في بيت زوجها الذي كان رجلا صالحا يعاملني بحب، فكنت أسعد بوجودي معه أكثر من أبي الذي يعاملني بقسوة لأصبح رجلا - كما يرى - لكن وجودي في بيت أمي كان مؤقتا لأن أبي يرفض أن يربيني رجلا غريبا. مضت الحياة بحلوها ومرها حتى حصلت على شهادتي من معهد تجاري - حيث كنت أكره التعليم والمذاكرة - وبدأت العمل في شركة مقاولات كبرى كموظف بسيط بواسطة زوج أمي الذي كان قريبا لأحد موظفي الشركة الكبار، حلمت أن تكون لي يوما شركة كهذه، ورغم أني لا أملك إلا راتبي لكن ذلك لم يمنعني من الحلم. تعرفت بخالك عند زوج أمي، حيث كانت بينهما أعمال تجارية، وعرفت أنه موظف في بنك، ورغم ذلك يؤجر أحد محلات والده لزوج أمي، وعندما توطدت بيننا الصلات عرضت عليه مشروعي، حيث أرغب في عمل مقاولات خاصة بي لأني صرت بالخبرة أعرف كل أسرار المهنة، وكذلك أنا على صلة جيدة بأمهر العمال، لكن ينقصني رأس المال، فوافق أن يشاركني بالنصف، هو بالمال وأنا بالجهد. بدأت العمل بالإضافة لوظيفتي، فكنت أتولى تشطيب بعض الشقق، ثم تطورت لتشطيب عمارات بأكملها. بعد عامين تحقق لنا ربح جيد وتعرفت على أسرته، وشاهدت أمك لأول مرة، فتاة جميلة من أسرة طيبة لكنها تتفوق على أسرتي ماليا واجتماعيا، ورغم ذلك لم تتزوج بعد لأنها تم عقد قرانها مرتين، ثم انفصلت قبل الزواج، فأصبح الخطاب ينفرون من الزواج منها.
Unknown page