66

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

ولذلك أقام ليرشد الناس ويبين لهم حقيقة دينهم، ويناظر الخاصة في مدارسهم ومجالس الأمراء.

المحنة الثانية

٧٠- قامت إقامته مهما تطل على نية العودة إلى أهله، ولكن الله سبحانه وتعالى اختار له إقامة بالديار المصرية أطول مما كان في حسبانه؛ وامتحانًا آخر قارب الأول زمانًا، وإن كان لم يقطعه عن الدراسة والفحص، ولا عن التدريس والوعظ.

والسبب في هذا الامتحان الجديد، وإن لم يكن الأخير أن ابن تيمية استمر في دروسه للعامة، وإن لم تكن في مواقيت منتظمة وفي مكان واحد؛ واتخذ له من شباب مصر تلاميذ يلقنهم آراءه، وقد وجد في مصر سلطان الصوفية قويًا؛ وقد أخذوا بمذهب الوحدة؛ وهو المذهب الذي يوحد بين الموجود والوجود، بين الخالق والمخلوق، كما هو روح الفلسفة الهندية أو التصوف الهندي، وقد نادى به محي الدين بن عربي المتوفى سنة ٦٣٨ في مثل قوله:

يا خالق الأشياء في نفسه أنت لما تخلقه جامع

تخلق ما ينتهي كونه فيك فأنت فيه الضيق الواسع

رأى ابن تيمية الصوفية في مصر يتنادون بهذا المذهب، وقد كان ممن تأثر بهذا الرأي ابن الفارض الشاعر المصري المتوفى في سنة ٦٣٢، رأى ذلك العالم السلفي ذلك المذهب موضع الحديث؛ وقد كان يقول بعض الصوفية إنهم إذا وصلوا إلى حال من التربية النفسية التي يتصلون فيها بالذات الإلهية يعلون عن التكليف، رأى ابن تيمية كل ذلك فانبرى لإبطاله بقوة حجته، وسلامة منطقه، وحمل على المذهب وقائليه.

وكان للصوفية سلطان عند الحكام، وقد بنى لهم من قبل صلاح الدين خانقاه، وهو مكان يتعبدون فيه وينصرفون عن الناس فيه، وبنى لهم من بعد ذلك الناصر

65