Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
فروا أما ابن تيمية فقد كان في هذا طرازا وحده، رأى أن العلم والجندية ليسا متباينين، ولا متضاربين، فالعالم جندي عندما تشتد الشديدة، وسياسي عندما تدبر المكيدة؛ والجندي عالم عندما تقرر الأمور، ولعل ذلك كان من اقتدائه بالسلف الصالح وفنا. فكره في المأثور عنهم؛ فقد وجد علي بن أبي طالب الذي كان باب مدينة العلم؛ وأقضى المسلمين هو أيضًا فارسهم، وهو الذي ما بارزه أحد إلا قتله، فهو العالم العابد الزاهد الناسك، وهو الذي كان يخرج من ميدان القتال وسيفه يقطر دما.
لهذه القدرة الحسنة عندما أغار التتار لبث ابن تيمية في المدينة يرتب أمورها ويسوسها؛ بعد أن فر ساستها ومديروها، وذهب إلى قازان قائد التتار يناقشه ويجادله؛ ثم مكث يثبت روح الأهلين، حتى انجلى التتار عنهم، ثم لما عادوا ذهب واستحث جند مصر الذي هم بالتراجع وما زال بقادته حتى أتوا الشام ليلقوا التتار وما كادوا يفعلون؛ ولما وقعت الواقعة، كان في موقف الموت الفارس المعلم الذي يتقدم شجاعًا، فلا يدري أيقع على الموت أم يقع الموت عليه، حتى إذا تحطمت صخرة التتار فعادوا مدحورين، قاد هو وحده كتيبة وذهب إلى الشيعة في الجبل حتى أخضعها، وحملهم على دفع الزكاة والعشور صاغرين؛ بعد أن تاب من تاب منهم.
هذه شجاعة ابن تيمية في الميدان، وقد علت على شجاعة القواد الذين قضوا حياتهم في الفروسية والسيف، لأن شجاعتهم كانت من القتال والنصر، وشجاعته كانت من قلبه ودينه.
أما شجاعته الأدبية، فقد كانت سبب بلائه وقد أحسن البلاء، قال مقالة الحق الذي يعتقده وما وهن ولا استضعف وخاصمه العلماء والكبراء فما تردد ولا أحجم وحرضوا العامة عليه فما امتنع عن قول الحق في نظره، وإن حياته كلها جهاد في هذا السبيل، ولما انضم الأمراء والسلطان إلى المخالفين له تحمل البلاد من الجميع، ولا نقيض في القول في شجاعته الأدبية فإن كل صفحة من حياته تنطق بها، وتكشف عن قوة
105