Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Genres
ثالثا:
بتقرير أن الرسم العربي منتشر في بلاد واسعة من قارتي أفريقية وآسية، وأن العرب والفرس والترك حسنوه وزينوه حتى صار فنا من أروع الفنون الجميلة. وهذا التقرير معروف الموضوع عند الجميع، وقد ردده كثيرون من قبل، فهو هنا مجرد حشو وتزيد لا غناء فيه.
انتقل المحاضر بعد هذا إلى فكرة أخرى قريبة من وادي ما نحن فيه، فقال ما حاصله: «إن الكتابة المثلى هي التي لا تدل بالحرف منها على أكثر من صوت، ولا تضع للصوت الواحد أكثر من حرف.» ثم نقل عن دوائر المعارف البريطانية أن أستاذا كتب فيها يقول: «إن الكتابة المثلى هي التي يكون فيها الحرف الواحد مؤديا صوتا واحدا، والصوت الواحد متأديا بحرف واحد، وإنه لا كتابة تبلغ المثل الذي نطمح إليه، وإن كانت فلا تستمر طويلا؛ لأن أصوات معظم اللغات في تغير مستمر، ولا سيما الحركات، وإنه لهذا لم يستطع ضبط ألفاظ اللغات الميتة ولا الصيغ المهجورة من اللغات الحية.»
ينقل المحاضر تلك العبارة ثم يقول إنها إذا صدقت فيما يتعلق باللغات الأوروبية ونحوها، فإنها تقابل بالريبة فيما يتعلق بالعربية. ثم يترك استدراكه هذا المتعلق بالعربية مجملا صامتا، مع أن هذه النقطة هي لب لباب الموضوع الدائر فيه الكلام.
إن حضرة المحاضر إن كان يعني الكتابة العربية مشكولة بالدقة بالشكل المعروف كتشكيل القرآن، فكلامه حق لا جدال فيه. أما إن كان يعني الكتابة العربية مرسلة من غير شكل أو بشكل ناقص، فكلامه هو الذي يقابل بكل ارتياب؛ ذلك بأن تلك العبارة المروية عن دائرة المعارف البريطانية قد قيدها واضعها بقوله: «ولا سيما الحركات»، فمراده - إذا صدق ظني - أن كل نغمة صوتية يجب أن تكون محركة في الاتجاهات المختلفة من ضم وفتح وكسر وإمالات متنوعة؛ أي إن الكتابة المثلى ما تكون رسومها دالة في آن واحد على نغماتها وعلى اتجاهات نغماتها؛ أي على حركاتها.
والظاهر أن المحاضر إذ وجد استدراكه لا يتمشى على إطلاقه، بل هو استدراك غير صحيح فيما يتعلق بالرسم العربي الخالي عن الشكل أو المشكول شكلا ناقصا؛ لفقدان دليل الحركات فقدانا كليا في الحالة الأولى، ولقصوره في الثانية؛ إذ وجد استدراكه مختلا هذا الاختلال؛ فقد أتى به دعوى مجملة ممسكا عن البيان في هذا الموقف المقتضي للبيان، ومكتفيا في معرض الاعتذار عن التهرب من البيان، بقوله عقب ذلك الاستدراك: «وليس هذا من صميم موضوعنا»! كأن للموضوع صميما آخر غير هذا الصميم. أخشى أن يقال إن حضرته إذ أمسك عن الكلام في هذا الموضوع وطفر إلى الكلام عن اللغات الأجنبية، فإنما يكون أراد الاعتماد في تسويغ عباراته لا على التأثير المنطقي، بل على التأثير الخطابي ليس غير. والأدلة الخطابية ليست هي التي تنتظر من العلماء.
ترك المحاضر البيان - كما ترى، مع شدة الحاجة إلى البيان - ثم طفر في أقل من لمح البصر - كالذي عنده علم من الكتاب - طفر من مصر إلى أوروبة فأخذ يذكر - تهوينا لسوء رسم العربية - أن اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية فيها كثير من حروف جوهرية تترك غير منطوق بها، وفيها حروف حركات كثيرة توجه الكلمات توجيهات مختلفة، بل فيها حروف جوهرية ينطق بالحرف منها على نغمتين مختلفتين، وضرب لهذا بعض الأمثال. ثم قال إن أولادنا الذين يتعلمون الإنجليزية مضطرون لحفظ الكلمات الشاذة التي لا يجري فيها النطق على أصل القياس.
وكل هذا الذي يقوله حضرة المحاضر قد سبقه غيره من الفضلاء به وبأمثاله من قبل، وقد بينت وجه الخطأ فيه.
7
وهنا أوضح أنا بالإجمال ما لم يرد حضرة المحاضر الإقرار به وإيضاحه لا بالتفصيل ولا بالإجمال. ألفت نظره ونظر غيره:
Unknown page