Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Genres
والواقع الذي لا شك فيه هو هو الذي قررت، مهما يهرف الفارغون الذين لا يميزون بين تقرير الواقع وبين إرادة شيء مما لهذا التقرير من المفهومات.
ثالثا:
قلت: «إن أهل العربية مستكرهون على تعرف فصحاها؛ كيما تصح كتابتهم وقراءتهم.» وهذا الاستكراه صحيح مطابق للواقع المحسوس، وهو كما قلت وأقول: «ظلم وبغي؛ لأنه تكليف للناس بما لا يطيقون.»
ومن أظرف الأشياء أن أستاذا كبيرا من أساتذة العربية، ممن يبتغون الإعلان عن أنفسهم أنهم من حماة العربية - كما أعلن موسوليني وغير موسوليني أنهم حماة الإسلام - هذا الأستاذ العظيم قابلني مصادفة فسألني: «كيف تقول إننا مستكرهون على تعرف الفصحى؟» سألني متصورا أني كبعض من يعرفهم ممن يكتمون الحق وهم يعلمون. فقلت لغبطته ببساطة تفك قطوب تزمته: «يا سيدي، إنها ليست لغة الحارة، وإنك لو لم تكن أكرهت عليها وتعلمتها بعرك أذنيك وبالنبوت لما وصلت إلى مركزك. ولو أن تلاميذك لا يتعلمونها طوعا أو كرها فإنهم لا يظفرون بالشهادات ولا يجدون لهم مرتزقا في الحياة، بل يقضونها أذلاء متعطلين.»
رابعا:
قلت: «إن اللغة العربية ليست لغة واحدة لقوم بعينهم، بل هي مجموع لهجات أهل جزيرة العرب، أودعت المعاجم لتكون كلها هي العربية، ويكون مجموعها حجة على من ينتسب للعربية. وإن هذه اللهجات قد ماج بعضها في بعض فانعجنت واختلطت، وإن أية منها لو أمكن فصلها لكانت دراستها أشق على دارسها من تعلم جملة لغات حية تيسر عليه سبيل الحياة. وإن من الظلم إلزام المصريين وغير المصريين بتعرف كل تلك اللهجات كيما تصح كتابتهم وقراءتهم.»
قلت هذا وهو الحق الواقع؛ فإن العربية - كما يدرك كل خبير بها - خضم يحتشد في عبابه جملة بحور، وراكبه لا يأمن فيه الغرق. وإذا ادعى العكس أحد من القصار المتطاولين فليتقدم للامتحان، وعنده يكرم أو يهان. وواضح أن من تلزمه ركوب هذا الخضم الطامي فقد ظلمته ظلما مبينا. •••
بهذه الصراحة الواجبة على المتصدي للبحث وللوصف الواقعي الصحيح، ممن تقتضيه مهمته نبذ الشعر والخيال، وأن يسمي الوردة وردة والشوكة المدمية المؤلمة شوكة، بهذه الصراحة وتلك القسوة التي لا محاباة فيها لعاطفة ولا مجاملة لآصرة ولا لولاء مكسوب أو موروث، نقدت العربية وبينت أن الطرق إليها متشعبة وكلها أشواك وعقبات، وأن تعلم أية لغة من اللغات الحية، بل تعلم عدة منها، أيسر وأهون من تعلم أية لهجة من تلك اللهجات العربية الأولى.
9
على أني إذ رأيت مما يلائم طبعي ويعلي نفسي أمام نفسي، ويرضي نفسي عن نفسي أن أجهر بالحق في مواطن الحق غير هياب ولا وكل، وقد صدعت به فعلا عريان مكشوفا لاشية عليه ولا قترة تغشيه دون متوسميه ؛ إذ رأيت وصدعت، فإنه لم يغب عني أن كثيرا من قومنا خياليون سطحيون لا يفرقون - عند التقدير - بين ما في الواقع وما في الخيال، بل يخلطون بينهما ويقيسون ما يسمعون وما يشهدون من الأقوال والأفعال بقياس عقليتهم هم وما في أدمغتهم هم من ألوان التوهمات والتخيلات. ولقد خفت فعلا من ضلالات هذه العقلية على الحق وعلى أربابها، خشيت أن بعضهم إذ يرون هذه الصراحة في الوصف والقسوة فيه، والتنويه بسهولة اللغات الأجنبية، بالإضافة إلى ما في العربية من الصعوبات الجسام - والصراحة واد لم يسيموا من قبل فيه حتى يألفوه - ربما تحكمت فيهم تلك العقلية المختلطة المخلطة وطوحت بهم - خطأ وجهلا - إلى مهاوي التظنن وسوء التأويل، فتوهموا في غباوتهم أني أكره العربية وأبتغي حذفها من الوجود والاستعاضة عنها بغيرها من تلك اللغات.
Unknown page