Hujjaj Muqannaca
الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة
Genres
ووجه هذا الاستدلال أن عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين، وهو أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، عين للجمعة مواضع مخصوصة لتصلى فيها، وجعلها في زمانه في سبعة أمصار على قول (¬1) ، وفي ثمانية على قول آخر (¬2) ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة وهو إمامهم فلم يخالفه في فعله ذلك أحد منهم، فكان ذلك إجماعا منهم على أن المصر شرط لوجوب الجمعة، ولو لم يكن ذلك شرطا لردوا على عمر قوله، ولأنكروا عليه فعله، وهل يخطر ببال من له أدنى مسكة من عقل أن الصحابة كلهم يسكتون على تعطيل فرض من فرائض الله تعالى، أوجبه على عباده حتى يهمل من جميع الأماكن إلا ثمانية أمصار أو سبعة وهم أئمة الهدى ومصابيح الدجي؟ وما ظنك بمن ظن بهم ذلك إلا أنه أساء الظن فيهم، ونسب الكبيرة إليهم، والله أعلم.
فإن قال قائل: إن الرواية عن عمر في تمصير الأمصار لم تصح عندنا، ولم يروها أحد من أئمة الحديث ممن علمنا، ولو وقع ذلك من عمر لنقل، ولو نقل لاشتهر لأنه مما تعم به البلوى، وهو من أمور الدين، فمثله في العادة لا يختفي على رواة الحديث، فلا يتم لكم ما ادعيتموه من الإجماع على ذلك.
فجوابه: إن ذلك قد وقع من عمر بن الخطاب، وقد نقل واشتهر ونقله من رواة الحديث السيوطي في تاريخ الخلفاء نقلا عن النووي محرر مذهب الشافعي، فقال في أوليات عمر ما نصه: "وهو أول من مصر الأمصار؛ الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، وموصل" (¬3) ، انتهى.
¬__________
(¬1) - ... انظر مثلا؛ الإزكوي: الجامع، 02/395.
(¬2) - ... لم أهتد إليه، وربما هو إشارة إلى من عد كلا من البحرين وعمان مصرا مستقلا عن الآخر. انظر؛ الإزكوي: الجامع، 02/404.
(¬3) - ... السيوطي: تاريخ الخلقاء، 137.
Page 86