قالت سونيه: «لقد مر وقت طويل على خروج زوجتك للتسوق. هذا سخف، ولكن لا يبدو الشباب مهمين في نظري؛ فإن اختفوا تماما من على وجه الأرض، فلن يهم.»
قال كنت: «بل على العكس، نحن من تتحدثين عنهم.»
بسبب الحبة التي تناولها، أضحت أفكاره أشبه بالآثار الطويلة التي تخلفها الطائرات في خطوط من الدخان الأبيض في السماء. فجالت بخاطره فكرة تتعلق باستمرار بقائه حيث يجلس مستمعا إلى حديث سونيه عن جاكارتا، والرياح تعصف بالكثبان الرملية.
إنها فكرة تتعلق بعدم ضرورة المواصلة، والعودة إلى الديار.
جزيرة كورتز
كنت عروسا صغيرة. حينما تزوجت كنت في العشرين من عمري، طولي خمسة أقدام وسبع بوصات، ووزني يتراوح بين المائة والخمسة والثلاثين والمائة والأربعين رطلا، لكن البعض، مثل زوجة رئيس تشيس في العمل، وسكرتيرة مكتبه الأكبر سنا، والسيدة جوري التي تسكن في الطابق العلوي، كن يطلقن علي لقب العروس الصغيرة؛ وأحيانا عروسنا الصغيرة. وكنت أنا وتشيس نتندر على هذا الموضوع، إلا أن رد فعله لهم كان يظهر في نظرة افتتان واعتزاز، أما رد فعلي فكان في ابتسامة حيية مستسلمة.
كنا نعيش في فانكوفر في قبو أحد المنازل؛ أسفل الدور الأرضي. لم يكن المنزل ملكا لآل جوري - كما ظننت في البداية - وإنما كان ملكا لراي ابن السيدة جوري، وكان يأتي أحيانا إلى القبو لتصليح بعض الأشياء. فيدخل من باب القبو تماما كما ندخل أنا وتشيس. كان نحيلا، ليس عريض الصدر، ربما في العقد الرابع من عمره، وكان دائما يحمل صندوق أدوات ويعتمر قبعات العمال. وكان منحني الظهر دوما؛ ربما بسبب الانحناء معظم أوقاته، بينما يزاول أعمال السباكة والكهرباء والنجارة. أما وجهه فكان شاحبا، وكان كثير السعال، وكانت كل سعلة تصدر منه تعبيرا مستقلا متحفظا يدل على شعوره بأن وجوده في القبو تطفل لا بد منه. غير أنه لم يعتذر عن دخوله المكان، لكنه أيضا لم يتجول في الأرجاء وكأنه صاحبه. لم أتكلم معه قط إلا حين يطرق بابي كي يبلغني أن الماء أو الكهرباء سوف تنقطع بعض الوقت. أما إيجار السكن، فكان يدفع نقدا كل شهر للسيدة جوري. ولا أدري ما إذا كانت تسلمه المبلغ كاملا أم تقتطع جزءا منه لنفسها لتستعين به على نفقاتها؛ فما كان لها والسيد جوري من مصدر دخل سوى معاش الزوج. أما هي فلم يكن لها معاش؛ لأنها - كما أخبرتني - لم تبلغ السن التي تستحق بها المعاش بعد.
كانت السيدة جوري دائما ما تنادي راي من أعلى - وهو يعمل في القبو - لتسأل عن أحواله وما إذا كان يرغب في احتساء فنجان من الشاي. وعادة يرد بأنه على ما يرام ولا وقت لديه لاحتساء الشاي، فأسمعها تقول إنه يكدح في عمله، مثلها تماما. وكانت تتلمس الحيل كي يتناول المزيد من الحلوى التي تعدها بنفسها؛ من حلوى محفوظة أو كعك صغير أو خبز زنجبيل، وهي نفس الحلوى التي كانت تلح علي أن أتناولها. وكان هو يرفض قائلا إنه قد أكل لتوه، أو إن لديه الكثير من الطعام في البيت، وكنت مثله أقاوم إلحاحها هذا، مع أنني كنت أرضخ في محاولتها السابعة أو ربما الثامنة. كنت أتحرج أن أواصل رفضي أمام تعبيرات وجهها الملحة المداهنة، وقسماتها التي تبدو عليها خيبة الأمل. وكم أعجبتني الطريقة التي يصر بها راي على رفضه؛ فهو حتى لا يقول: «لا يا أمي»، وإنما يكتفي فقط بقول «لا».
غير أنها ما كانت تستسلم؛ فتحاول أن تفتح أي مجال للحوار. «إذن ما الجديد في حياتك؟»
فيكون رده: لا جديد، لا أدري. لم يكن فظا أو سريع الغضب قط، ولكنه لم يعطها أي فرصة؛ فدائما صحته جيدة ، ونزلة البرد التي يعانيها تحسنت، والسيدة كورنش وأيرين على ما يرام.
Unknown page