استكملت حديثها لهما، فحكت عن أعمدة البوابات والذكريات المفاجئة والحارة المظلمة والحظيرة المتهدمة والماكينات الصدئة ومنزل الخرائب.
قالت إيف: «كان مالك البيت في الغرفة أيضا يلعب الورق مع أصدقائه، ولم يكن يعرف أي شيء عما أسأل. لم يعرف أو لم يبال. وكلما تذكرت أقول لنفسي: يا إلهي، مرت قرابة الستين عاما على وجودي في المكان الذي أستفسر عنه!»
قالت صوفي: «كم هو أمر محرج يا أمي!» وبدت في غاية الارتياح للتفاهم الذي استشعرته بين إيان وإيف.
وأضافت: «هل أنت متأكدة أنه المكان الذي قصدته؟»
قالت إيف وكررت: «ربما لا.»
لم تذكر لهما الأجزاء التي رأتها من السور خلف الشجيرات؛ وما الجدوى؟ فقد تراءى لها أنه من الأفضل ألا تأتي على ذكر كثير من الأشياء: مثلا اللعبة التي جعلت فيليب يلعبها، وجعلته يتحمس بشكل مبالغ فيه. وكذلك كل شيء تقريبا يتعلق بهارولد ورفاقه، وكل شيء مهما صغر عن تلك الفتاة التي قفزت داخل السيارة.
هناك أناس يتحلون دوما بالتهذيب والتفاؤل، ويلطفون أي أجواء يوجدون فيها، ولا يمكنك أن تقول مثل هذه الأشياء لأناس مثل هؤلاء؛ لأنها قد تفسد تلك الأجواء اللطيفة. اندهشت إيف لاكتشاف أن إيان من أولئك الناس - بالرغم من دماثته اللحظية معها - وأن صوفي هي التي تشكر أقدارها السعيدة التي جمعتها به. في الماضي، كان من المعتاد أن يطلب كبار السن منك الحماية، لكن بدأ الآن أناس أصغر سنا يطلبونها، وكان على شخص مثل إيف كبت شعورها وعدم إظهار كم هي عالقة بين هذا وذاك؛ فحياتها بأكملها عرضة لأن توصم بالتخبط والخطأ الجسيم.
كان بإمكانها ذكر أن رائحة المنزل كانت نتنة أو أن مالكه ورفاقه بدوا في قمة السكر والعربدة، لكنها ما كانت لتقول إن هارولد كان عاريا، وبالطبع ما كانت لتذكر خوفها، وقطعا ما أثار خوفها.
تولى فيليب مسئولية جمع قشور الذرة وحملها لإلقائها بطول حدود الحقل. وبين الحين والآخر، كانت ديزي تلتقط قليلا منها لتوزعها حول المنزل. لم يضف فيليب شيئا لرواية إيف، ولم يبد مهتما بالرواية من الأساس، لكن ما إن أنهت إيف رواية قصتها، وسألها إيان (الذي اهتم بربط هذه النوادر المحلية بمجال دراسته المهنية) عن معلوماتها حول انهيار الأنماط القديمة للحياة القروية والريفية، وانتشار ما يسمى بالأعمال التجارية الزراعية، حتى نظر فيليب لأعلى متوقفا عن جمع القشور منحنيا وزاحفا حول أقدام الكبار ورفع عينيه إلى إيف. نظر إليها نظرة خاوية في لحظة تآمر أجوف، وابتسم ابتسامة دفينة تلاشت قبل أن يلاحظها أحد.
ماذا يعني هذا؟ لا يعني سوى أنه بدأ تخزين الأحداث وكتمان الأسرار، وقرر من تلقاء نفسه ما يجب حفظه في طي النسيان وكيفية حفظه، وماذا ستعني له هذه الأمور فيما بعد، في مستقبله المجهول. •••
Unknown page