Hirodot Muqaddima Qasira
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Genres
شكل 3-2: بغض النظر عن الصحة التاريخية لحكاية هيرودوت عن دارا والسهم، كان الفارسيون معروفين يقينا بأنهم رماة لا يشق لهم غبار. أما الملك الرامي الذي نراه يحمل قوسا وسهما على هذه العملة الفارسية - التي تعود إلى القرن الخامس والمعروفة باسم الدارية نسبة إلى دارا - فربما يكون خشايارشا. من ناحية أخرى، كان الأثينيون ينقشون على عملاتهم صورة البومة التي ترمز إلى ربتهم الحامية الحكيمة. هذه العملة الفضية كانت شائعة (وهي من فئة أربع دراخمات).
2
وقد تذكر دارا الأثينيين، فكانت النتيجة هي المعركة التي دارت رحاها في سهل ماراثون. كان الأثينيون - وهذا مفهوم - وجلين من الاشتباك مع جيش الملك الكبير، لكن أحد جنرالاتهم؛ وهو ملتيادس، ألقى خطابا ألهب به حماسهم وأقنعهم بخوض المعركة. كان الجنرالات منقسمين بشأن ما إذا كانوا يحاربون أم ينسحبون، لكن اقتراعا ديمقراطيا بينهم حسم المسألة، فأسفر القتال عن تحقيق قوة المشاة الثقيلة الأثينية نصرا مذهلا. ولا يخبرنا هيرودوت من هو جندي قوة المشاة الثقيلة؛ لأنه افترض أن جمهوره من الإغريق سيكون على دراية تامة بالدرع المستديرة والرمح والخنجر والخوذة التي كانت تمثل العتاد النظامي، مصحوبة في بعض الحالات بدروع لحماية الساقين. وكان أي إغريقي سيتلقى خبر انقضاض الأثينيين على الفرس ركضا، كما يدعي هيرودوت، كعمل بطولي بمعنى الكلمة؛ لأن المسافة بين الجيشين كانت نحو ميل، وقد يزن عتاد جندي قوات المشاة الثقيلة 35 رطلا أو أكثر. كان الصراع طويلا جدا، وأحدث قلب الجيش الفارسي ثغرة في الصف الإغريقي، لكن الأثينيين على أحد الجناحين وحلفاءهم البلاتيين على الجناح الآخر حققوا النصر، وبتقاربهم وتشكيلهم وحدة واحدة هجموا على الفرس الذين كانوا قد اقتحموا القلب وحصدوهم وهم متجهون نحو البحر. مات ما مجموعه 192 أثينيا (ولا يورد هيرودوت عددا لقتلى البلاتيين)، لكن خسائر الفرس كانت أعلى بكثير، حيث قتل منهم 6400 محارب، وبعد المعركة توجه الأسطول الفارسي صوب أثينا، لكنه عاد أدراجه وأبحر صوب آسيا بعدما أدرك أن الأثينيين سبقوه إلى هناك.
يقرر دارا - حانقا - شن غزو ثان، فليس على الأثينيين الآن دفع ثمن سارديس فحسب، بل ثمن ماراثون أيضا، لكن الأجل يوافيه أثناء حشده القوات وتجهيزه المؤن، فتقع مسئولية حرب الإغريق على عاتق ابنه وخليفته خشايارشا، وبتحريض من التملق السافر من جانب ابن عمه الطموح ماردونيوس، الذي يطمح في حكم إقليم جديد في اليونان، يتجاهل خشايارشا نصيحة حكيمة من عمه أرطبانس، الذي يطرح حجة إغريقية بامتياز لتلطيف الرغبات الإمبراطورية. يقول أرطبانس:
ترى كيف ينسف الرب بصاعقته المخلوقات العظيمة ولا يسمح لها بإظهار تفوقها، في حين لا تزعجه المخلوقات الصغيرة على الإطلاق. أنت ترى صواعقه تحل دائما على أكبر الأبنية وأطول الأشجار. هذا هو نهج السماء في كبح الشطط.
لا يبالي الملك، ويسمح لنفسه بالانسياق إلى مشروع معاقبة الأثينيين؛ فخشايارشا - كما يتبين - يعشق العقاب. والواقع أنه يقرر عقاب أرطبانس نفسه لنصحه بعدم غزو اليونان، ويضحك هازئا منه قائلا إنه سيبقيه في الديار مع النساء بينما يخرج هو والرجال الحقيقيون لمعاقبة الأثينيين. وليس ذلك فحسب؛ فعندما عرض الليدي الثري بايثيوس وضع كل أمواله تحت تصرف خشايارشا، يقدم الملك على تصرف ملؤه التباهي لمكافأته، فيهبه هبة تزيد ثروته زيادة هائلة ، لكن بعدئذ، عندما يلتمس بايثيوس من خشايارشا السماح لأحد أبنائه الخمسة بالبقاء في الديار لرعايته في كبره فيما يرافق الآخرون الحملة المتجهة إلى اليونان، يأمر الملك الغاضب رجاله بالعثور على أكبر أبناء باثيوس وشق جسده نصفين، ثم يأمر الجيش بالمسير بين شطري جسد الشاب.
شكل 3-3: «ثلاثية المجاديف» (سفينة ذات ثلاثة صفوف من المجاديف)، نسخة من السفينة الحربية الانسيابية الخفيفة التي استند إليها الإغريق في بناء أساطيلهم.
3
تمتد عقوبات خشايارشا إلى الجمادات؛ فعندما دمر الجسر الذي كان قد بناه عبر مضيق الهلسبونت بفعل عاصفة عاتية، أمر الملك رجاله بجلد المياه 300 جلدة، و«التحدث بكلمات متعجرفة لن تسمعها أبدا من إغريقي»:
أيتها المياه المرة، هذا عقابك على خطئك في حق سيدك الذي لم يخطئ في حقك. الملك خشايارشا سيعبرك، شئت أم أبيت. الناس محقون في عدم تقديمهم القرابين لمياه كدرة كريهة مثلك!
Unknown page