لكن كان يجب أن يتغير ما خططا له؛ فلم تكن تشعر بأنها على ما يرام. في البداية اعتقدا أنه قد يكون مجرد شعور بالتوتر. الاضطراب الداخلي. الانفعال الشديد.
ثم بدأ الشعور بالألم. كانت تشعر بالألم كلما تنفست بعمق؛ ألم أسفل عظام الصدر وفي كتفها الأيسر. لكنها تجاهلته، وكانت تمزح قائلة إن الرب يعاقبها بسبب تلك المغامرة الغرامية، وقالت إنه كان يهدر وقته لأنها حتى لم تكن تؤمن به.
كانت مصابة بمرض يسمى التهاب غشاء القلب. كان الأمر خطيرا، لكنها تجاهلته بالرغم من تحذيرات الأطباء؛ فهو مرض لا شفاء منه، لكن بمقدورها أن تتعايش معه ببعض الصعوبة. ولم يعد بمقدورها التدريس مطلقا مرة أخرى؛ فأي عدوى تصاب بها ستكون لها عواقب خطيرة، وأي مكان تكون العدوى فيه أكثر انتشارا من الفصل الدراسي؟ ولم يكن هناك أحد الآن لمساندتها سوى راي، وقد حصل على وظيفة شرطي في تلك البلدة الصغيرة التي تسمى مافرلي التي تقع على الحدود بين مقاطعتي جراي وبروس، ولم يمانع في شغل تلك الوظيفة، وبعد فترة لم تعد تبالي هي الأخرى بشبه العزلة التي كانت تحيا فيها.
كان هناك شيء واحد لم يتحدثا بشأنه؛ فطالما تساءل كل منهما إذا ما كان الآخر يبالي بعدم مقدرته على إنجاب الأطفال. وقد خطر ببال راي أن خيبة الأمل هذه قد تكون لها علاقة برغبة إيزابيل في سماع كل شيء عن الفتاة التي كان يجب عليه اصطحابها إلى منزلها في ليالي السبت. «هذا شيء يبعث على الأسى.» قالت ذلك عندما علمت بأنه محظور على الفتاة أن تشاهد الأفلام، بل شعرت أيضا بمزيد من الاستياء عندما أخبرها بأن الفتاة أجبرت على ترك مدرستها الثانوية كي تساعد في أعمال المنزل. «وتقول إنها تتسم بالذكاء؟»
لم يتذكر راي أنه قال ذلك؛ فكل ما قاله إنها خجولة بدرجة غريبة؛ لذا كان عليه خلال سيرهما معا أن يقدح زناد فكره حتى يعثر على موضوع يصلح للحوار، ووجد أن بعض الأسئلة التي فكر فيها لن تكون مجدية؛ أسئلة مثل: ما المادة المفضلة لديك في المدرسة؟ فقد رأى أن الإجابة على مثل هذا السؤال كان سيعود بهما إلى الماضي، وأنه لم يعد يجدي الآن إن كانت تفضل أيها أم لا. أو ما المهنة التي تريدين أن تعملي بها حين تكبرين؟ إنها عمليا الآن كبيرة بدرجة كافية، وعليها الآن أن تقوم بأعمال شاقة، سواء أرادت ذلك أم لم ترد. أما سؤالها عما إذا كانت تروق لها تلك البلدة، وما إذا كانت تفتقد المكان الذي كانت تعيش فيه، فكان سؤالا بلا جدوى. وتطرقا في حديثهما بالفعل، دون إسهاب، إلى أسماء الأطفال الأصغر سنا في عائلتها وأعمارهم ، وعندما تساءل إن كان لديها كلب أو قطة، أخبرته بأنها لا تربي أيا منهما.
وأخيرا طرحت هي سؤالا على مسامعه، فسألته عما كان يثير ضحك الحاضرين في الفيلم الذي كانوا يشاهدونه في تلك الليلة.
لم يكن يعتقد أنه يجب أن يذكرها بأنها ليس من المفترض أن تسمع شيئا، لكنه لم يستطع تذكر ما هو ذلك الشيء الطريف الذي من الممكن أن يكون قد أثار الضحكات؛ لذا قال لها لا بد أنها لقطة سخيفة؛ فالمرء لا يمكنه معرفة السبب الذي يثير ضحك الجمهور. وقال إنه لا يولي كامل تركيزه للأفلام المعروضة؛ فهو لا يرى سوى لقطات متفرقة فقط منها، ونادرا ما يتابع حبكاتها.
قالت: «الحبكات.»
اضطر أن يخبرها بمعنى تلك الكلمة؛ وهو أن كل الأفلام لها قصص تحاول سردها. ومنذ ذلك الوقت لم تكن ثمة مشكلة في فتح باب الحوار بينهما، ولم يكن بحاجة أيضا إلى أن يحذرها من أنه قد لا يكون من الحكمة أن تردد في المنزل أيا مما يقصه على مسامعها. وقد أدركت ذلك. لم يكن لزاما عليه أن يقص على مسامعها أي قصة بعينها، وهو أمر يستطيع بالكاد أن يفعله على أية حال، بل مجرد أن يشرح لها أن القصص كانت تدور في العادة حول مجموعة من المحتالين والأبرياء، وأن هؤلاء المحتالين ينجحون بوجه عام في البداية في ارتكاب جرائمهم ويخدعون بمظهرهم الكاذب الأشخاص الذين يغنون في الملاهي الليلية (والتي تشبه صالات الرقص)، أو يخدعون أحيانا - لسبب لا يعلمه إلا الرب - الذين يغنون فوق قمم الجبال، أو في أي أماكن خارجية أخرى بعيدة الاحتمال، ويحتالون عليهم. أحيانا، تكون الأفلام بالألوان. ويرتدي الممثلون ملابس فاخرة إن كانت القصة تدور في الماضي، ويبالغ هؤلاء الممثلون في أداء المشاهد التي يقتل فيها كل منهم الآخر، وتنسال الدموع على وجنات السيدات، التي هي في حقيقة الأمر قطرات جليسرين. وربما يحضر القائمون على الأفلام حيوانات من حدائق الحيوان لتكون بمنزلة حيوانات الغابة، ويثيرون غضبها في أغلب الأحوال حتى تكون ردود أفعالها أكثر ضراوة. وينهض الأشخاص الذين قتلوا بأساليب متنوعة في اللحظة التي تبتعد عنهم فيها الكاميرات، ويكونون أحياء وبصحة جيدة بالرغم من رؤيتهم لتوهم وهم يتلقون طلقات رصاص، أو فوق مقصلة الإعدام حيث تتدحرج رءوسهم بعدها إلى إحدى السلال.
قالت إيزابيل: «كان عليك ألا تعقد لها الأمور هكذا؛ فأنت هكذا قد تجعل الكوابيس تهاجمها.»
Unknown page