فخرج بلال وسار في مهمته. وخرج عبد الله إلى المعسكر فوجد القوم يتأهبون للقتال في صباح الغد، ورأى زميله واقفا بباب الخيمة ينظر إليهم متحسرا على حرمانه من الذهاب معهم ليصيب بعض الغنيمة. فقال له: «إذا شئت اللحاق بالجند فافعل وأنا أبقى هنا لحراسة السجين.» فسر الرجل وشكره وانصرف.
ولما غابت الشمس دخل عبد الله على حسن فألبسه ثيابه وسلمه الحربة، ثم لبس هو ثياب حسن وجلس مكانه. فخرج حسن قاصدا إلى مكة، ولم يشك فيه أحد لظنهم أنه من الحراس ولانشغالهم بالتأهب للهجوم على مكة.
الفصل الخامس عشر
أم ابن الزبير
دخل حسن مكة دون أن يعترضه أحد، ولاحظ أن أسواقها خالية من الناس، غير أنه ما كاد يشرف على المسجد حتى وجد الناس قد ازدحموا فيه وفيما جاوره من المنازل، فعلم أنهم يتوقعون شرا ولم يفتهم ما نواه الحجاج. فسار توا إلى منزل عبد الله بن الزبير فرأى الناس يتدافعون عند بابه، وسأل عن ابن صفوان فعلم أنه في خلوة مع ابن الزبير، فوقف مع الواقفين حتى مضى معظم الليل، فمل الانتظار وشق طريقه بين الناس ملتمسا الحجرة التي فيها عبد الله، فلما بلغها سأله الخدم عما يريد، فذكر أنه يريد مقابلة أمير المؤمنين لأمر ذي بال، فأبلغوا أمره إلى ابن صفوان، فخرج إليه وما كاد يراه حتى رحب به، فسأله حسن: «أين أمير المؤمنين؟»
قال: «تركته يصلي الفجر.»
قال: «لقد جئت لمقابلته إجابة لطلبه.»
فقال: «نعم لقد طلب أن يراك لأمر يريد أن يسره إليك. وسوف أدخلك عليه.» قال ذلك وعاد إلى الحجرة ومكث حسن في انتظار عودته في فناء البيت وهو يتوقع أن يطول غيابه لعلمه بطول صلاة ابن الزبير مذ رآه يصلي في المسجد من عهد قريب.
على أن انتظاره لم يطل، وسرعان ما عاد ابن صفوان وأشار إليه أن يتبعه، فمضى وراءه حتى دخل الحجرة فوجد عبد الله واقفا وسطها وقد تقلد الحسام ولبس الدرع تحت جبة خز، وتحتها سراويل ومنطقة، وقد فاحت منه رائحة المسك. فهم حسن بتقبيل يده، فلم يمكنه من ذلك ورحب به، ثم أشار إلى ابن صفوان فخرج، وأقفل عبد الله الباب نفسه، فاستغرب حسن ذلك ولبث واقفا ينتظر ما يبدو منه، فرآه يتجه إلى وسادة على طنفسة هناك فجلس وقد وضع سيفه مستعرضا على ركبتيه وأسند ذراعيه عليهما فوقه، وأشار إليه أن يجلس بجانبه، فجلس صامتا.
وظل عبد الله مطرقا وهو يلاعب لحيته بين أنامله، ثم التفت إلى حسن وقال له: «ما أظنك حصلت على كتاب من خالد.»
Unknown page