118

Hadit ʿIsa b. Hisam

حديث عيسى بن هشام

Genres

قال عيسى بن هشام: فطاوعنا القدر، وعزمنا السفر، التماسا لبرء الداء، بتبديل الهواء، ونزلنا من ضواحي الإسكندرية قصرا ذا روضة غناء في بقعة فيحاء، لا تسمع فيها إلا هديل الورقاء، إيقاعا على هدير الماء، فإذا بلل الموج جناح النسيم، فرفرف على ذلك الروض البسيم، نثر الماء درا على تيجان الزهر، ورقرقه دموعا في أحداق العبهر،

1

هناك يتمنى العاشق لو استعار هذي الدموع لمحاجره، فيستلين بها قلب شاجيه وهاجره، وتود الغانية لو نظمت من ذلك الدر عقدا لنحرها، أو نطاقا لخصرها:

إن هذا المكان شيء عجيب

تضحك الأرض من بكاء السماء

ذهب حيث ما ذهبنا ودر

حيث درنا وفضة في الفضاء

أو قل: إنه المجرة قامت فيه زواهر الزهر، مقام الكواكب الزهر، وعناقيد الكروم، مقام ثريا النجوم، وأنوار الأثمار، مقام الشموس والأقمار، فأقمنا في ذلك الظل الوريف، مدة من أيام الخريف، ومكثنا نقطف القطوف الدانية، بين تلك الأعين الجارية، في عيشة راضية، لا تسمع فيها لاغية، آخذين بمستن النحيزة،

2

ومجتن الغريزة، فيما يوافق صحة البدن من طعام شهي، وغذاء مري، ورياضة للأعضاء، دون تعب أو شقاء، وتطهير للنفس من أدران الكدر، بلطف البحث وحسن النظر، وتجريد للصدر من عوامل الهواجس، وغوائل الوساوس، بالتبصر في حقائق الوجود، والتمعن في صنعة الخالق المعبود، وأفضت بصاحبي طيب هذه الإقامة، إلى المقصود من تمام العافية والسلامة، لولا أن راعنا شيطان من الإنس بخبر الطاعون، فقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، وسبحان الله والحمد لله ما زلنا نعلل النفس، بزوال النحس والنكس، وما زالت تناوبنا النوائب والأحزان، وتراوحنا النوازل في كل منزل ومكان، وانبرى الباشا يسألني عن هذا الطاعون وأخباره، وما يتوقعه من هول أفعاله وآثاره، فأجبته بأنه لا يلبث أن يصبح أثرا بعد عين، وما أصاب إلى اليوم إلا عدد أصابع اليدين، وقريبا يفر من أمامنا هذا العدو المناجز، ونردد في أثره قول الراجز:

Unknown page