وإليك، إذن، الطائفة التي هي دائرة قرابة جديدة والتي تظهر خارج الشعب الذي هو دائرة القرابة الأولى، مع اختلاف سنن الدائرتين وتناقضهما أحيانا، وكل هندوسي حقيقي ينتسب إلى طائفة وشعب معا، ولا يجوز له أن يتزوج إلا بفتاة من طائفته على أن تكون من غير شعبه، وتبصر النظام المعقد المختلط الغريب في أعين الأوربيين الذي يمكن أن تنتهي إليه الهند لو سمحت لها الأحوال بأن تسير طليقة وراء مثلها الاجتماعي الأعلى وهدفها الديني الأسمى، وهذا الهدف الديني وحده هو ما وصلت إليه الهند التي يكفي ما فيها من اختلاف الطوائف لقلب خيالاتنا الأوربية.
ولم يتفق للراجبوت، بانتظام، ذلك التبلر الذي يحول فريقا من الهمج إلى شعوب منفصلة إذا لم يكدر، ولم يحافظوا عليه إلا بسبب الفتور الديني الذي ذكرناه آنفا، وتبلر كهذا قد يشاهد في مرحلته الأولى لدى بعض همج الهند كالبهيل، ولكن الشعب عند هؤلاء ليس دائرة مقفلة تماما، وليست الأنكحة محظورة عندهم إلا ضمن دائرة القبيلة.
وكل شيء يسوغ لنا أن نرى معظم الهند الآرية في القرن العاشر من الميلاد على الصورة التي نرى بها الآن دويلات راجبوتانا المستقلة، ومن أجل ذلك اتخذناها أمثلة على نظام الهند السياسي والاجتماعي قبل الفتح الإسلامي.
ولا نستطيع أن نكمل، كما فعلنا في فصل آخر، ما ذكرناه آنفا بما رواه سياح من الأجانب، وما ورد في رحلة الرحالة العربي ابن بطوطة لا ينطوي على شيء كبير، وليس أتم منه ما جاء في رحلة ماركوبولو السائح الأوربي الوحيد الذي زار الهند في القرن الثالث عشر، وهاتان الرحلتان جديرتان بالذكر مع ذلك؛ لأنهما كل ما لدينا من الوثائق الأجنبية عن جنوب الهند في القرن الثالث عشر.
وما رواه ماركوبولو من المعارف يدور حول الحضارة الدراويدية في جنوب الهند على الخصوص، ولم نتكلم عن هذه الحضارة في هذا الفصل لنقص الوثائق، ومما قصه هذا الرحالة الشهير أنه وجد في ساحل كوروميندل أناسا سودا عراة عبادا للبقر مقسومين إلى طوائف، وأن المنبوذين وحدهم كانوا يأكلون لحم البقر، وأن هؤلاء المنبوذين كانوا يستخدمون جزارين لذبح الحيوانات الأخرى؛ لأن ذبح كل ذي حياة كان يعد جرما.
وقد أعجب ماركوبولو ببهاء الحجارة الكريمة التي كان أولئك السود يزينون بها، والتي كانت تأتيهم من مناجم غولكوندا على ما يحتمل.
وكان أولئك القوم يتكلمون بلغة التمول، وكانوا مقسومين إلى خمس ممالك تكلمنا عنها في الخلاصة التاريخية، وكانت هذه الممالك واقعة في الدكن، وكان يملكها خمسة إخوة.
وكان ملوك التمول يباهون بعدد نسائهم، فكان لديهم نحو خمسمائة امرأة، فكانت أرواح هؤلاء النسوة تفيض فوق الموقد عند وفاة أزواجهن.
وبلغ ماركوبولو ساحل ملبار الذي كان يقطن فيه قرصان مقاديم، وبلغ كوكن حيث وجد أناسا هادئين مشهورين بشرفهم وصدقهم.
وأعجب ماركوبولو بكثرة مدن كجرات وبغناها وبازدهار تجارتها وبصناعاتها الخاصة، ولا سيما صناعة جلودها المرصعة الموشاة التي كان الأهالي يصنعونها بفن عجيب، وباحترام أهاليها للحيوانات والبراهمة، ومما شاهده أناس عراة من البراهمة «اليوغويس» كانوا يعيشون من الصدقات كما في أيامنا، وأناس قباح يهملون أبدانهم ويطلقون لحاهم وشعورهم وأظفارهم ويقتلون أنفسهم جهرا ويبدون أبشع المناظر.
Unknown page