222

Ḥaḍārat al-ʿArab

حضارة العرب

Genres

وتعامل المرأة المسلمة باحترام عظيم فضلا عن تلك الامتيازات، وتنال بذلك حالا أجمع الباحثون المنصفون، ومنهم من ناصب بعاطفته مبدأ تعدد الزوجات العداء، على الاعتراف بحسنها، ومن هؤلاء مسيو دو أمسيس الذي قال في معرض الحديث عن المرأة في الشرق، وذلك أن أنحى باللائمة على تعدد الزوجات وفق وجهة نظره الأوربية: «إن المرأة في الشرق تحترم بنبل وكرم على العموم، فلا أحد يستطيع أن يرفع يده عليها في الطريق، ولا يجرؤ جندي أن يسيء إلى أوقح نساء الشعب حتى في أثناء الشغب، وفي الشرق يشمل البعل زوجته بعين رعايته، وفي الشرق يبلغ الاعتناء بالأم درجة العبادة، وفي الشرق لا تجد رجلا يقدم على إلزام زوجته بالعمل ليستفيد من كسبها، وفي الشرق يدفع الزوج مهرا إلى زوجته فلا تجيء الزوجة إلى بيت زوجها مصحوبة بأكثر من جهازها ومن بضع إماء لها، وإذا طلقت الزوجة في الشرق أو هجرت أعطاها الرجل نفقة لتعيش عن سعة، وحمل الزوج بعد الفراق على القيام بهذا الإنفاق يمنعه من إساءة معاملتها حذر مطالبته بالفراق.»

شكل 4-8: امرأة تركية بالزي البلدي (من صورة فوتوغرافية).

والاعتراض الوحيد الظاهر الذي يوجه إلى مبدأ تعدد الزوجات هو أنه يجعل المرأة تعسة، وقد أجمع على فساد هذا الزعم الذي طال أمده جميع الأوربيين الذين درسوا أمره في الشرق عن كثب، فبعد أن ذكر مسيو إيبر، الذي بدا خصما لمبدأ تعدد الزوجات مع تردد، أن المسلمات لا يتظلمن منه قال: «قد يظهر لأخواتهن الأوربيات أنهن من الذليلات، ولكنهن لا يشعرن بأنهن أسيرات مطلقا، وهن يقلن - في الغالب - لنسائنا اللاتي يزرنهن: إنهن لا يقبلن استبدال حالنا بحالهن.»

ولم يكن مدير مدرسة اللغات في القاهرة، مسيو دوڨوجاني، أقل صراحة من ذلك: فقد قال: «تعد المسلمات أنفسهن غير تعسات من حياة العزلة التي يفرضها عليهن نظام الحريم، فهن إذ يولدن في دوائر الحريم غالبا يترعرعن فيها جاهلات وجود حياة لبنات جنسهن أفضل من تلك الحياة معرضات عن الحرية التي تتمتع بها الأوربيات، ولا غرو، فدوائر الحريم كانت مسرح طفولتهن ومسراتهن الأولى وهواجسهن الأولى. «ويقال إن العادة طبيعة ثانية، فإذا صح هذا القول كانت حياة الحريم طبيعة ثانية لبنات الشرق، فهن إذ يتعودن السير في دائرة يعرفن حدودها لا يفكرن حتى في التحرر منها، وهن حين يتزوجن ينتقلن من دوائر آبائهن إلى دوائر أزواجهن حيث يتمتعن بأنعم جديدة ويفتحن قلوبهن، الخالية من ترح تورثه تربية دقيقة، لمعاني السعادة، وما يلاقينه من رعاية أزواجهن يجعل هذه السعادة أمرا ميسورا، والمسلم يحبو بكل جميل وبكل ثمين، والمسلم يحب أن يعرض في دوائر حريمه كل ما ينم على الترف والزخرف مع أنه يرضى لنفسه برقعة متضعة إذا ما قيست بتلك.»

ونقض ذلك العالم الرأي القائل: «إن نساء الشرق جاهلات جهلا عميقا»، وذكر أنهن أعظم تعليما من أكثر نساء أوربة، وأن منهن من ينتسبن إلى أرقى الطبقات، وقال: «إن التعليم كثير الانتشار في دوائر الحريم، وليس من القليل أن تجد نساء متزوجات وغير متزوجات تجيد كل واحدة منهن العربية والفرنسية والإنكليزية والتركية تكلما وكتابة، فإذا ما اجتمع عدد كبير من المسلمات الراقيات في دوائر الحريم تحادثن باللغة الفرنسية غالبا»، وأما أنا فلم أشاهد عددا كبيرا من الباريسيات اللاتي يتكلمن بأربع لغات تكلما صحيحا أو غير صحيح.

ولا تقل: إن طرق حياة النساء في الشرق مانعة من تعليمهن في كل وقت، فقد رأيت مما تقدم أن عدد النساء اللاتي اشتهرن أيام ازدهار حضارة العرب بعلومهن كان كثيرا إلى الغاية، ولم يستند الكتاب الذين تحدثوا عن جهل المرأة الشرقية إلا إلى حال الإماء اللاتي يجلبن من أقاصي الأقطار، ويشترين من أسواق النخاسة ويشاهدن في بعض دوائر الحريم، وما هؤلاء الكتاب إلا كمن يستنبط رقي السيدة الباريسية الفاضلة من حال خادمة غرفتها. (4) الحريم في الشرق

كلمة «الحريم» لفظ عام يدل عند العرب على كل ما هو مقدس، فإذا ما طبقت هذه الكلمة على منزل دلت على أمنع قسم منه وأشده حرمة لدى المسلم، أي على المكان الذي تسكنه نساؤه.

وينسج الأوربيون، على العموم، أفسد الآراء حول دوائر الحريم في الشرق، ويعدون دوائر الحريم دور فسق يسكنها نساء سجينات تعسات يقضين أوقاتهن في البطالة ويلعن حظهن.

وقد بينا درجة بعد هذه الأحكام من الصحة، ويقضي جميع الأوربيين الذين يدخلون دوائر الحريم كل العجب من حب النساء فيها لأزواجهن، ومن تربيتهن لأولادهن، وتدبيرهن لأمور منازلهن، ورضاهن بما قدر لهن، واعتقادهن تقهقرهن إذا ما حملن على تبديل حال الأوربيات بحالهن، وهن يتوجعن بإخلاص من إلزام الأوربيات بالأشغال وبالأعمال اليدوية مع أنهن لا يعتنين إلا بأسرهن وأزواجهن ذاهبات إلى أن المرأة خلقت لهذا.

وينظر الشرقيون إلى الأوربيين الذين يكرهون نساءهم على التجارة والصناعة والأشغال ... إلخ، كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جر عربة أو إدارة حجر رحى، فيجب ألا يكون على المرأة، عند الشرقيين، غير إدخال السرور إلى قلب الرجل وتربية الأسرة، ولا يرى الشرقيون أن المرأة التي تزاول أعمالا أخرى تستطيع أن تقوم بدورها هذا على الوجه اللائق.

Unknown page