فتجاهل الشيخ برهة ثم قال: لا شك أنه علم بموته، وهو يعتقد أنك قتلت أيضا، ولا أدري أين هو، فلعله سار إلى المدينة أو إلى الكوفة، وربما كان قد انتحر يأسا وأسفا.
فلطمت وجهها وقالت: وا أسفاه عليك يا عماه، وا حسرتاه على آمالك ويا لخسارة ما قضيته من سني الشقاء في خدمتنا. إني لا ألومه إذا قتل نفسه.
فأراد الشيخ أن يشغلها عن البحث في مسألة عبد الرحمن فسألها كيف نجت، فقصت عليه الحديث من أوله إلى آخره ثم قالت: وها أنا ذا نجوت من الموت وأنا أشتهيه، إلا إذا كان في بقائي خدمة للمسلمين، فالآن إما أن تقتلني وتدفنني في هذه الخرائب أو ترشدني إلى سبيل للانتقام.
فقالت لها: أتريدين الانتقام؟
قالت: كيف لا أريد وهو وحده الذي يحبب إلي البقاء؟! وإلا فالموت أشهى لدي.
قال: إذا كنت تطلبين الانتقام فإنك تلقينه في الكوفة.
قالت: لا أبالي أين هو ولا كيف هو، وإنما أريد الحياة من أجله، فإذا قتلت يزيد وابن زياد، أو رأيتهما مقتولين، فإني أموت بعد ذلك قريرة العين.
قال: اعلمي يا بنية أن الحسين بعث بابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليدعو الناس إلى بيعته، فبايعه منهم ثمانية عشر ألفا، فإذا جاء الحسين إلى الكوفة تمت البيعة فيفشل ابن زياد ويقتل، ثم يسيرون إلى الشام فيحاربون يزيد ويقتلونه أيضا.
ولم يتم الشيخ كلامه حتى أشرق وجه سلمى وقالت: يا حبذا ذلك! هل أراه يتحقق؟ هل أقتل يزيد؟ هل أقتل ابن زياد. إني أريد أن أقتلهما بيدي، ولكن قل لي يا عماه ، أواثق أنت من ذلك؟
قال: إني أقول الصحيح الذي لا ريب فيه، فامكثي معي هنا بعضة أيام ريثما ينصرف هؤلاء القوم إلى الكوفة ثم نلحق بهم، ومتى وصلنا إلى الكوفة أنبئك بما سيكون. •••
Unknown page