Futuhat Makkiyya
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418هـ- 1998م
Publisher Location
لبنان
فأنت مفتاح الهدى للنهي . . . وخص من عاداك بالفرقتين لما أردنا أن نفتتح معرفة الوجود وابتداء العالم الذي هو عندنا المصحف الكبير الذي تلاه الحق علينا تلاوة حال كما أن القرآن تلاوة قول عندنا فالعالم حروف مخطوطة مرقومة في رق الوجود المنشور ولا تزال الكآبة فيه دائمة أبدا لا تنتهي ولما افتتح الله تعالى كتابه العزيز بفاتحة الكتاب وهذا كتاب أعنى العالم الذي تتكلم عليه أردنا أن نفتتح بالكلام على أسرار الفاتحة وبسم الله فاتحة الفاتحة وهي آية أولى منها أو ملازمة لها كالعلاوة على الخلاف المعلوم بين العلماء فلا بد من الكلام على البسملة وربما يقع الكلام على بعض آية من سورة البقرة آيتين أو ثلاث خاصة تبركا بكلام الحق سبحانه ثم نسوق الأبواب إن شاء الله تعالى فأقول إنه لما قدمنا أن الأسماء الإلهية سبب وجود العالم وأنها المسلطة عليه والمؤثرة لذلك كان بسم الله الرحمن الرحيم عندنا خبر ابتداء مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم أي باسم الله الرحمن الرحيم ظهر العالم واختص الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة فهو رحمن الدنيا والآخرة بها رحم كل شيء من العالم في الدنيا ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة فإنها تنفرد عن أختها وكانت في الدنيا ممتزجة يولد كافرا أويموت مؤمنا أي ينشأ كافرا في عالم الشهادة وبالعكس وتارة وتارة وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بإخبار صادق فجاء الاسم الرحيم مختصا بالدار الآخرة لكل من آمن وتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله وتفصيلا في الأسمين الرحمن الرحيم فتحقق ما ذكرناه فإني أريد أن أدخل إلى ما في طي البسملة والفاتحة من بعض الأسرار كما شرطناه فلنبين ونقول بسم بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد من المعبود قيل للشبلي رضي الله عنه أنت الشبلي فقال أنا النقطة التي تحت الباء وهو قولنا النقطة للتمييز وهو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله يقول ما رأيت شيأ إلا رأيت الباءعليه مكتوبة فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام الجمع والوجود أي بي قام كل شيء وظهر وهي من عالم الشهادة هذه الباء بدل من همزة الوصل التي كانت في الاسم قبل دخول الباء واحتيج إليها إذ لا ينطق بساكن فجلبت الهمزة المعبر عنها بالقدرة محركة عبارة عن الوجود ليتوصل بها إلى النطق الذي هو الإيجاد من إبداع وخلق بالساكن الذي هو العدم وهو أوان وجود المحدث بعد أن لم يكن وهو السين فدخل في الملك بالميم ألست بربكم قالوا بلى فصارت الباء بدلا من همزة الوصل أعني القدرة الأزلية وصارت حركة الباء لحركة الهمزة الذي هو الإيجاد ووقع الفرق بين الباء والألف الواصلة فإن الألف تعطي الذات والباء تعطي الصفة ولذلك كانت لعين الإيجاد أحق من الألف بالنقطة التي تحتها وهي الموجودات فصار في الباء الأنواع الثلاثة شكل الباء والنقطة والحركة العوالم الثلاثة فكما في العالم الوسط توهم ما كذلك في نقطة الباء فلباء ملكوتية والنقطة جبروتية والحركة شهادة ملكية والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقة القائم بالكل تعالى واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء وعلى هذا الحد تأخذ كل مسئلة في هذا الباب مستوفاة بطريق الإيجاز فبسم والم واحد ثم وجدنا الألف من بسم قد ظهرت في اقرأ باسم ربك وباسم الله مجراها بين الباء والسين ولم تظهر بين السين والميم فلو لم تظهر في باسم السفينة ما جرت السفينة ولو لم تظهر في اقرأ باسم ربك ما علم المثل حقيقته ولا رأى صورته فتيقظ من سنة الغفلة وانتبه فلما كثر استعمالها في أوائل السور حذفت لوجود المثل مقامه في الخطاب وهو الباء فصار المثل مرآة للسين فصار السين مثالا وعلى هذا الترتيب نظام التركيب وإنما لم تظهر بين السين والميم وهو محل التغيير وصفات الأفعال إن لو ظهرت لزال السين والميم إذ ليسوا بصفة لازمة للقديم مثل الباء فكان خفاؤه عنهم رحمة بهم إذ كان سبب بقاء وجودهم وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا وهو الرسول فهذه الباء والسين والميم العالم كله ثم عمل الباء في الميم الخفض من طريق الشبه بالحدوث إذ الميم مقام الملك وهو العبودية وخفضتها الباء عرفتها بنفسها وأوقفتها على حقيقتها فمهما وجدت الباء وجدت الميم في مقام الإسلام فإن زالت الباء يوما ما لسبب طارئ وهو ترقي الميم إلى مقام الإيمان فتح في عالم الجبروت بسبح واشباهه فأمر بتنزيه المحل لتجلي المثل فقيل له سبح اسم ربك الأعلى الذي هو مغذيك بالمواد الإلهية فهو ربك بفتح الميم وجاءت الألف ظاهرة وزالت الباء لأن الأمر توجه عليها بالتسبيح ولا طاقة لها على ذلك والباء محدثة مثلها والمحدث من باب الحقائق لا فعل له ولابد لها من امتثال الأمر فلا بد من ظهور الألف الذي هو الفاعل القديم فلما ظهر فعلت القدرة في الميم التسبيح فسبح كما أمر وقيل له الأعلى لأنه مع الباء في الأسفل وفي هذا المقام في الوسط ولا يسبح المسبح مثله ولا من هو دونه فلابد أن يكون المسبح أعلى ولو كنا في تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى لأظهرنا أسرارها فلا يزال في هذا المقام حتى يتنزه في نفسه فإن من ينزهه منزه فإنه منزه عن تنزيهه فلابد من هذا التنزيه أن يعود على المنزه ويكون هو الأعلى فإن الحق من باب الحقيقة لا يصح عليه الأعلى فإنه من أسماء الإضافة وضرب من وجوه المناسبة فليس بأعلى ولا أسفل ولا أوسط تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا بل نسبة الأعلى والأوسط والأسفل إليه نسبة واحدة فإذا تنزه خرج عن حد الأمر وخرق حجاب السمع وحصل المقام الأعلى فارتفع الميم بمشاهدة القديم فحصل له الثناء التام بتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام فكمان الاسم عين المسمى كذلك العبد عين المولى من تواضع لله رفعه الله وفي الصحيح من الأخبار أن الحق يد العبد ورجله ولسانه وسمعه وبصره لو لم يقبل الخفض من الباء في باسم ما حصل له الرفع في النهاية في تبارك اسم ثم اعلم أن كل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة واسم السين سين وياء ونون واسم الميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض لا عين له ثم أنه سكن السين من بسم تحت ذل الافتقار والفاقة كسكوننا تحت طاعة الرسول لما قال من يطع الرسول فقد أطاع الله فسكنت السين من بسم لتتلقى من الباء الحق اليقين فلو تحركت قبل أن تسكن لاستبدت بنفسها وخيف عليها من الدعوى وهي سين مقدسة فسكنت فلما تلقت من الباء الحقيقة المطلوبة أعطيت الحركة فلم تتحرك في بعض المواطن إلا بعد ذهاب الياء إذ كان كلام التلميذ بحضور الشيخ في أمر ما سوء أدب إلا أن يأمره فامتثال الأمر هو الأدب فقال عند مفارقة الباء يخاطب أهل الدعوى تائها بما حصل له في المقام الأعلى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ثم تحرك لمن أطاعه بالرحمة واللين فقال ' سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ' يريد حضرة الباء فإن الجنة حضرة الرسول عليه السلام وكثيب الرؤية حضرة الحق فاصدق وسلم تكشف وتلحق فهذه الحضرة هي التي تنقله إلى الألف المرادة فكما أنه ينقلك الرسول إلى الله كذلك تنقلك حضرته التي هي الجنة إلى الكثيب الذي هو حضرة الحق ثم اعلم أن التنوين في بسم لتحقيق العبودة وإشارات التبعيض فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله فحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي ولما كان تنوين تخلق لهذا صح له هذا التحقق وإلا فالسكون أولى به فاعلم انتهى الجزء التاسع . ها بنفسها وأوقفتها على حقيقتها فمهما وجدت الباء وجدت الميم في مقام الإسلام فإن زالت الباء يوما ما لسبب طارئ وهو ترقي الميم إلى مقام الإيمان فتح في عالم الجبروت بسبح واشباهه فأمر بتنزيه المحل لتجلي المثل فقيل له سبح اسم ربك الأعلى الذي هو مغذيك بالمواد الإلهية فهو ربك بفتح الميم وجاءت الألف ظاهرة وزالت الباء لأن الأمر توجه عليها بالتسبيح ولا طاقة لها على ذلك والباء محدثة مثلها والمحدث من باب الحقائق لا فعل له ولابد لها من امتثال الأمر فلا بد من ظهور الألف الذي هو الفاعل القديم فلما ظهر فعلت القدرة في الميم التسبيح فسبح كما أمر وقيل له الأعلى لأنه مع الباء في الأسفل وفي هذا المقام في الوسط ولا يسبح المسبح مثله ولا من هو دونه فلابد أن يكون المسبح أعلى ولو كنا في تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى لأظهرنا أسرارها فلا يزال في هذا المقام حتى يتنزه في نفسه فإن من ينزهه منزه فإنه منزه عن تنزيهه فلابد من هذا التنزيه أن يعود على المنزه ويكون هو الأعلى فإن الحق من باب الحقيقة لا يصح عليه الأعلى فإنه من أسماء الإضافة وضرب من وجوه المناسبة فليس بأعلى ولا أسفل ولا أوسط تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا بل نسبة الأعلى والأوسط والأسفل إليه نسبة واحدة فإذا تنزه خرج عن حد الأمر وخرق حجاب السمع وحصل المقام الأعلى فارتفع الميم بمشاهدة القديم فحصل له الثناء التام بتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام فكمان الاسم عين المسمى كذلك العبد عين المولى من تواضع لله رفعه الله وفي الصحيح من الأخبار أن الحق يد العبد ورجله ولسانه وسمعه وبصره لو لم يقبل الخفض من الباء في باسم ما حصل له الرفع في النهاية في تبارك اسم ثم اعلم أن كل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة واسم السين سين وياء ونون واسم الميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض لا عين له ثم أنه سكن السين من بسم تحت ذل الافتقار والفاقة كسكوننا تحت طاعة الرسول لما قال من يطع الرسول فقد أطاع الله فسكنت السين من بسم لتتلقى من الباء الحق اليقين فلو تحركت قبل أن تسكن لاستبدت بنفسها وخيف عليها من الدعوى وهي سين مقدسة فسكنت فلما تلقت من الباء الحقيقة المطلوبة أعطيت الحركة فلم تتحرك في بعض المواطن إلا بعد ذهاب الياء إذ كان كلام التلميذ بحضور الشيخ في أمر ما سوء أدب إلا أن يأمره فامتثال الأمر هو الأدب فقال عند مفارقة الباء يخاطب أهل الدعوى تائها بما حصل له في المقام الأعلى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ثم تحرك لمن أطاعه بالرحمة واللين فقال ' سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ' يريد حضرة الباء فإن الجنة حضرة الرسول عليه السلام وكثيب الرؤية حضرة الحق فاصدق وسلم تكشف وتلحق فهذه الحضرة هي التي تنقله إلى الألف المرادة فكما أنه ينقلك الرسول إلى الله كذلك تنقلك حضرته التي هي الجنة إلى الكثيب الذي هو حضرة الحق ثم اعلم أن التنوين في بسم لتحقيق العبودة وإشارات التبعيض فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله فحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي ولما كان تنوين تخلق لهذا صح له هذا التحقق وإلا فالسكون أولى به فاعلم انتهى الجزء التاسع . بسم الله الرحمن الرحيم
وصل قوله الله من بسم الله ينبغي لك أيها المسترشد أن تعرف أولا ما تحصل في هذه الكلمة الكريمة من الحروف وحينئذ يقع الكلام عليها إن شاء الله وحروفها ا ل ل ا الله و فأول ما أقول كلاما مجملا مرموزا ثم نأخذ في تبيينه ليسهل قبوله على عالم التركيب وذلك أن العبد تعلق بالألف تعلق من اضطروا لتجا ظهرته اللام الأولى ظهورا ورثه الفوز من العدم والنجاة فلما صح ظهوره وانتشر في الوجود نوره وصح تعلقه بالسمي وبطل تخلقه بالأسماء أفنته اللام الثانية بشهود الألف التي بعدها فناء لم تبق منه باقية وذلك عسى ينكشف له المعمي ثم جاءت الواو بعد الهاء لتمكن المراد وبقيت الهاء لوجوده آخرا عند محو العباد من أجل العناد فذلك أوان الأجل المسمى وهذا هو المقام الذي تضمحل فيه أحوال السائرين وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل لا غير يثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره فإن لم تكن تره أعرف حقيقة إن لم تكن تكن أنت إذ كانت التاء من الحروف الزوائد في الأفعال المضارعة للذوات وهي العبودية يقول بعض السادة وقد سمع عاطسا يقول الحمد لله فقال له ذلبك السيد أتمها كما قال الله رب العالمين فقال العاطس يا سيدنا وومن العالم حتى يذكر مع الله فقال له الآن قله يا أخي فإن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا هو مقام الوصلة وحال وله أهل الفناء عن أنفسهم وأما لو فني عن فنائه لما قال الحمد لله لأن في قوله الحمد أثبت العبد الذي هو المعبر عنه بالرداء عند بعضهم وبالثوب عند آخرين ولو قال رب العالمين لكان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين ولا مقام أعلى منه لأنه مشهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان أهل هذا المقام في أحوالهم فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسول الصفات هم عرائس الله المخبأون عنده المحجوبون لديه الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون سواه توجهم بتاج البهاء وأكليل السناء وأقعدهم على منابر الفناء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القيومية أورثم ذلك قوله على صلاتهم دائمون وبشهادتهم قائمون فلم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فيبرزون بالصفات في موضع القدمين فلا وله إلا من حيث الاقتداء ولا ذكر إلا إقامة سنة أو فرض لا يحيدون عن سواء السبيل فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال الله فهم يشاهدون الصنعة والصانع مقاما عمريا كما يقعد أحدكم مع نجار يصنع تابوتا فيشاهد الصنعة والصانع ولا تحجبه الصنعة عن الصانع إلا أن شغل قلبه حسن الصنعة فإن الدنيا كما قال عليه السلام حلوة خضرة وهي من خضراء الدمن جارية حسناء في منبت سوء من أحسن إليها وأحبها أساءت إليه وحرمت عليه أخراه ولقد أحسن القائل :
Page 151