[خِطْبَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَفَارِقِ أَهْلِ الْغَيِّ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَسَائِقِ السَّحَابِ الثِّقَالِ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَمُنَزِّلِ الْفُرْقَانِ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْكِفَاحِ بِبِيضِ الصِّفَاحِ مُحَذِّرًا مِنْ دَارِ الْبَوَارِ وَحَاثًّا عَلَى دَارِ الْفَلَاحِ الْمُنَزَّهِ فِي عَظِيمِ عَلَائِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْأَرْوَاحِ وَمُشَاكَلَةِ الْأَشْبَاحِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً زَاكِيَةَ الْأَرْبَاحِ يَوْمَ الْقَدَّاحِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَالْحُرُمَاتُ تُسْتَبَاحُ وَحِزْبُ الْكُفْرِ قَدْ عَمَّ الْفِجَاجَ وَالْبِطَاحَ فَلَمْ يَزَلْ ﷺ يُرْشِدُ إلَى الْحَقِّ بِالْحِجَاجِ الْوِضَاحِ وَسَمْهَرِيَّةِ الرِّمَاحِ حَتَّى أَعْلَنَ مُنَادِيهِ فِي نَادِيهِ وَبَاحَ، وَظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ فَطَارَ فِي الْآفَاقِ بِقَادِمَةٍ كَقَادِمَةِ الْجَنَاحِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمُحِبِّيهِ مَا أَزَالَ الظُّلَمَ الْحَنَادِسَ ضَوْءُ الصَّبَاحِ صَلَاةً نَحُوزُ بِهَا أَعْلَى رُتَبِ النَّجَاحِ وَنَخْلُصُ بِهَا مِنْ دَرَكَاتِ الْإِثْمِ وَالْجُنَاحِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ، وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ وَنَحْوَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ عَظِيمَةُ الْمَدَدِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ ــ [حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ] قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ الْمُتَكَلِّمُ الْأُسْتَاذُ الْأَوْحَدُ أَبُو الْقَاسِمِ قَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّاطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آمِينَ. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الْأَكْفَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى مِنْ الْإِرْسَالِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَخَيْرِ آلٍ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي لَمَّا طَالَعْتُ كِتَابَ الْإِمَامِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ ــ [تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) حَمْدًا لِمَنْ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ فَارِقًا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ الْمُوجِبِ لِلرِّضْوَانِ وَالْبَاطِلِ الْمُوجِبِ لِلْخُسْرَانِ، وَلَمْ يَزَلْ يُرْشِدُ إلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ بِهِ وَبِمَا بَلَّغَهُ مِنْ وَاضِحِ الْبَرَاهِينِ حَتَّى ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ فِي تَشْيِيدِ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَمَعَالِمِ الْإِيمَانِ. أَمَّا بَعْدُ فَيَقُولُ تُرَابُ أَقْدَامِ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقَادَةِ النُّجَبَاءِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَبْدُ الْحَقِيرُ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ الْمُفْتَقِرُ إلَى عَفْوِ رَبِّهِ مُحَمَّدٌ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ الْمَالِكِيُّ إنَّ كِتَابَ أَنْوَارِ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ لِلْعَلَّامَةِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ الصِّنْهَاجِيِّ الْمَشْهُورِ بِالْقَرَافِيِّ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا امْتَازَ بِوَضْعِهِ فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ لَا فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْفُرُوعِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْفُضَلَاءِ الْأَمَاجِدِ، لِمَا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ شَرَفِ السَّمَاءِ

1 / 2

مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هُنَالِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَبَقِيَ تَفْصِيلُهُ لَمْ يَتَحَصَّلْ، وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ فِي الْفِقْهِ عَظِيمَةُ النَّفْعِ وَبِقَدْرِ الْإِحَاطَةِ بِهَا يَعْظُمُ قَدْرُ الْفَقِيهِ، وَيَشْرُفُ وَيَظْهَرُ رَوْنَقُ الْفِقْهِ وَيُعْرَفُ وَتَتَّضِحُ مَنَاهِجُ الْفَتَاوَى وَتُكْشَفُ، فِيهَا تَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ وَتَفَاضَلَ الْفُضَلَاءُ، وَبَرَزَ الْقَارِحُ عَلَى الْجَذَعِ وَحَازَ قَصَبَ السَّبْقِ مَنْ فِيهَا بَرَعَ، وَمَنْ جَعَلَ يُخْرِجُ الْفُرُوعَ بِالْمُنَاسَبَاتِ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ تَنَاقَضَتْ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ وَاخْتَلَفَتْ وَتَزَلْزَلَتْ خَوَاطِرُهُ فِيهَا وَاضْطَرَبَتْ، وَضَاقَتْ نَفْسُهُ لِذَلِكَ وَقَنَطَتْ، وَاحْتَاجَ إلَى حِفْظِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى وَانْتَهَى الْعُمْرُ وَلَمْ تَقْضِ نَفْسُهُ مِنْ طَلَبِ مُنَاهَا وَمَنْ ضَبَطَ الْفِقْهَ بِقَوَاعِدِهِ اسْتَغْنَى عَنْ حِفْظِ أَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ لِانْدِرَاجِهَا فِي الْكُلِّيَّاتِ، وَاتَّحَدَ عِنْدَهُ مَا تَنَاقَضَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَتَنَاسَبَ. وَأَجَابَ الشَّاسِعَ الْبَعِيدَ وَتَقَارَبَ وَحَصَّلَ طِلْبَتَهُ فِي أَقْرَبِ الْأَزْمَانِ وَانْشَرَحَ صَدْرُهُ لِمَا أَشْرَقَ فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ فَبَيْنَ الْمَقَامَيْنِ شَأْوٌ بَعِيدٌ وَبَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ تَفَاوُتٌ شَدِيدٌ، وَقَدْ أَلْهَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ أَنْ وَضَعْتُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الذَّخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ شَيْئًا كَثِيرًا مُفَرَّقًا فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ كُلُّ قَاعِدَةٍ فِي بَابِهَا وَحَيْثُ تُبْنَى عَلَيْهَا فُرُوعُهَا. ثُمَّ أَوْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَفْسِي أَنَّ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي كِتَابٍ وَزِيدَ فِي تَلْخِيصِهَا وَبَيَانِهَا وَالْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِهَا وَحُكْمِهَا لَكَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ لِبَهْجَتِهَا وَرَوْنَقِهَا، وَتَكَيَّفَتْ نَفْسُ الْوَاقِفِ عَلَيْهَا بِهَا مُجْتَمِعَةً أَكْثَرَ مِمَّا إذَا رَآهَا مُفَرَّقَةً، وَرُبَّمَا لَمْ يَقِفْ إلَّا عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهَا هُنَالِكَ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ لِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَأَيْنَمَا يَقِفُ عَلَى قَاعِدَةٍ ذَهَبَ عَنْ خَاطِرِهِ مَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ اجْتِمَاعِهَا وَتَظَافُرِهَا، فَوَضَعْتُ هَذَا الْكِتَابَ لِلْقَوَاعِدِ خَاصَّةً وَزِدْتُ قَوَاعِدَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ فِي الذَّخِيرَةِ وَزِدْتُ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي الذَّخِيرَةِ بَسْطًا وَإِيضَاحًا فَإِنِّي فِي الذَّخِيرَةِ رَغِبْتُ فِي كَثْرَةِ النَّقْلِ لِلْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِكُتُبِ الْفُرُوعِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَثْرَةِ الْبَسْطِ فِي الْمَبَاحِثِ وَالْقَوَاعِدِ فَيَخْرُجُ الْكِتَابُ إلَى حَدٍّ يَعْسَرُ عَلَى الطَّلَبَةِ تَحْصِيلُهُ أَمَّا هُنَا فَالْعُذْرُ زَائِلٌ وَالْمَانِعُ ذَاهِبٌ فَأَسْتَوْعِبُ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلْتُ مَبَادِئَ الْمَبَاحِثِ فِي الْقَوَاعِدِ بِذِكْرِ الْفُرُوقِ وَالسُّؤَالِ عَنْهَا بَيْنَ فَرَعَيْنَ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ فَإِنْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ فَبَيَانُهُ بِذِكْرِ قَاعِدَةٍ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ يَحْصُلُ بِهِمَا الْفَرْقُ. وَهُمَا الْمَقْصُودَتَانِ، وَذِكْرُ الْفَرْقِ وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِهِمَا وَإِنْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَالْمَقْصُودُ تَحْقِيقُهُمَا، وَيَكُونُ تَحْقِيقُهُمَا بِالسُّؤَالِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَحْقِيقِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ضَمَّ الْقَاعِدَةِ إلَى مَا يُشَاكِلُهَا فِي الظَّاهِرِ وَيُضَادُّهَا فِي الْبَاطِنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حَسَنَةَ الضِّدِّ وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ وَتَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا كِتَابٌ لِي سَمَّيْتُهُ كِتَابَ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْن الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ ذَكَرْتُ فِي هَذَا الْفَرْقِ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً جَامِعَةً ــ [حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ] - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسَمَّى بِأَنْوَارِ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ أَلْفَيْتُهُ قَدْ حَشَدَ فِيهِ وَحَشَرَ وَطَوَى وَنَشَرَ، وَسَلَكَ السُّهُولَ وَالنُّجُودَ وَوَرَدَ الْبُحُورَ وَالثَّمُودَ، خَلَا أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ التَّصْوِيبَ وَالتَّنْقِيبَ، وَلَا اسْتَعْمَلَ التَّهْذِيبَ وَالتَّرْتِيبَ فَانْتَسَبَ بِسَبَبِ ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْإِخْلَالِ ــ [تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ] مَا لِلْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ مِنْ شَرَفِ الِارْتِقَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلْ التَّصْوِيبَ وَالتَّنْقِيبَ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ التَّهْذِيبَ وَالتَّرْتِيبَ فَوَفَّقَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْعَلَّامَةَ أَبَا الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الشَّاطِّ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الْحَقِيقَ بِالِاغْتِبَاطِ لِتَنْقِيحِ مَا عَدَلَ بِهِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ وَتَصْحِيحِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ صَوَابٍ فِي حَاشِيَةِ إدْرَارِ الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ عَنَّ لِي وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا مِنْ رِجَالِ هَذِهِ الْمَهَامِهِ وَالْمَسَالِكِ أَنْ أُلَخِّصَهُ مَعَ التَّهْذِيبِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّوْضِيحِ مُرَاعِيًا مَا حَرَّرَهُ ذَلِكَ الْمِفْضَالُ مِنْ التَّصْحِيحِ وَالتَّنْقِيحِ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ: عَلَيْكَ بِفُرُوقِ الْقَرَافِيِّ، وَلَا تَقْبَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مَعَ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ الْإِفَادَةُ مِنْ جَوَابِ إشْكَالٍ تَرَكَ جَوَابَهُ أَوْ زِيَادَةِ رَجَاءٍ مِنْ مَفِيضِ الْإِحْسَانِ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ وَسَمَّيْتُهَا بِتَهْذِيبِ الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السّنِيَّةِ فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ وَرَتَّبْتُهُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَعَلَى فُرُوقٍ تَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً مُوَضَّحَةً بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْفُرُوعِ لِيَزْدَادَ انْشِرَاحُ الْقَلْبِ لِغَيْرِهَا فَتَتِمُّ الْفَائِدَةُ، وَتِلْكَ الْفُرُوقُ مِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ بَيْنَ فَرْعَيْنِ يَحْصُلُ بَيَانُهُ بِذِكْرِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَاعِدَةٍ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ بَيْنَ قَاعِدَتَيْنِ مَقْصُودِ تَحْقِيقِهِمَا بِالسُّؤَالِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا نَظَرًا لِكَوْنِ تَحْقِيقِهِمَا بِذَلِكَ أَوْلَى بِلَا إبَاءٍ مِنْ تَحْقِيقِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَدَى النُّبَلَاءِ لِأَنَّ لِضِدِّهِ الثَّنَاءَ وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ. (مُقَدِّمَةٌ) فِي فَائِدَتَيْنِ: (الْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ

1 / 3

لِأَسْرَارِ هَذِهِ الْفُرُوقِ وَهُوَ كِتَابٌ مُسْتَقِلٌّ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْإِعَادَةِ هُنَا فَمَنْ شَاءَ طَالَعَ ذَلِكَ الْكِتَابَ فَهُوَ حَسَنٌ فِي بَابِهِ وَعَوَائِدُ الْفُضَلَاءِ وَضْعُ كُتُبِ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْفُرُوعِ، وَهَذَا فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ وَتَلْخِيصِهَا فَلَهُ مِنْ الشَّرَفِ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ شَرَفُ الْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ وَسَمَّيْتُهُ لِذَلِكَ أَنْوَارَ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ وَلَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ كِتَابَ الْأَنْوَارِ وَالْأَنْوَاءِ أَوْ كِتَابَ الْأَنْوَارِ وَالْقَوَاعِدِ السَّنِيَّةِ فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ ذَلِكَ لَكَ وَجَمَعْتُ فِيهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ خَمْسَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً أَوْضَحْتُ كُلَّ قَاعِدَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْفُرُوعِ حَتَّى يَزْدَادَ انْشِرَاحُ الْقَلْبِ لِغَيْرِهَا. (فَائِدَةٌ) سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِي الْفُضَلَاءَ يَقُولُ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَ فَرَقَ بِالتَّخْفِيفِ وَفَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ فِي الْمَعَانِي وَالثَّانِي فِي الْأَجْسَامِ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ أَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ عِنْدَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ قُوَّتَهُ، وَالْمَعَانِي لَطِيفَةٌ وَالْأَجْسَامُ كَثِيفَةٌ فَنَاسَبَهَا التَّشْدِيدُ وَنَاسَبَ الْمَعَانِيَ التَّخْفِيفُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ [البقرة: ٥٠] فَخَفَّفَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ جِسْمٌ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] وَجَاءَ عَلَى الْقَاعِدَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] وقَوْله تَعَالَى ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] وَ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: ١] وَلَا نَكَادُ نَسْمَعُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَوْلَهُمْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَمُقْتَضِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ اُفْرُقْ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا يَقُولُ فَرِّقْ لِي وَلَا بِأَيِّ شَيْءٍ تُفَرِّقُ مَعَ أَنَّ كَثِيرًا يَقُولُونَهُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى خُلُوصِ النِّيَّةِ وَحُصُولِ الْبُغْيَةِ وَأَسْأَلُهُ بِعَظِيمِ جَلَالِهِ وَكَمَالِ عَلَائِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ نَافِعًا لِي وَلِعِبَادِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) ابْتَدَأْتُ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ لِأَنِّي أَقَمْتُ أَطْلُبُهُ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ فَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ، وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَبَرٌ فَيَقُولُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ بِخِلَافِ ــ [حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ] بِوَاجِبَيْنِ، وَاحْتَجَبَ لَا مَعَ بُرُوقِهِ مِنْهَا بِحَاجِبَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي مَرْتَبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَالثَّانِي فِي دَرَجَةِ الْحَاجِيَّاتِ، وَضَعْتُ كِتَابِي هَذَا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوَابِ مُصَحِّحًا، وَلِمَا عَدَلَ بِهِ عَنْ صَوْبِهِ مُنَقِّحًا، وَأَضْرَبْتُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مُؤْثِرًا لِلضَّرُورِيِّ عَلَى الْحَاجِيِّ وَمُرَجِّحًا، وَلَمَّا شَرُفَتْ أَنْوَارُ هَذَا الْمَجْمُوعِ وَأَشْرَقَتْ، فَلَاحَتْ كَالشَّمْسِ الْمُضْحِيَةِ فِي الْوُضُوحِ، وَوَقَفَتْ أَمَامَهَا لَوَامِعُ الْخُلَّبِ مِنْ تِلْكَ الْبُرُوقِ، لِمَا ضَمِنَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ وَالْمُرُوقِ مَوْقِفَ الْمَفْضُوحِ سَمَّيْتُهُ بِكِتَابِ إدْرَارِ الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ لِيُوَافِقَ اللَّفْظُ الْمَعْنَى، وَيُطَابِقَ الِاسْمُ الْمُسَمَّى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ أَلِيمِ الْعِتَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ آمِنًا وَلِجَسِيمِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْمَآبِ ضَامِنًا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. . قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) ــ [تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ] قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ غَالِبُ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً، وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ وَنَحْوِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرًا لِوَاحِدٍ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا فِي الْأَصْلِ. قُلْت وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي مِنْهَا تُلُقِّيَتْ الْأَحْكَامُ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً لَفْظًا وَفِعْلًا وَإِقْرَارًا إلَّا أَنَّ غَالِبَ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُتَلَقَّى مِنْهَا الْأَحْكَامُ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ لَفْظٌ عَامٌّ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ، أَوْ خَاصٌّ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِهِ، وَالثَّانِي لَفْظٌ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالثَّالِثُ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَفِي هَذَا يَدْخُلُ التَّنْبِيهُ بِالْمُسَاوِي عَلَى الْمُسَاوِي وَبِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَبِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] فَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ إمَّا أَنْ تَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ فَتَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَفِي حَمْلِ هَذَا الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْجَزْمُ وَتَعَلُّقُ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَانْتِفَاءُ الْعِقَابِ مَعَ التَّرْكِ أَوْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا أَنْ تَأْتِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ أَوْ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ فَتَسْتَدْعِي التَّرْكَ وَفِي حَمْلِ هَذَا الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى التَّحْرِيمِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْجَزْمُ وَتَعَلُّقُ الْعِقَابِ بِالْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِقَابِ بِفِعْلِهِ أَوْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خِلَافٌ كَذَلِكَ. وَالْأَعْيَانُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحُكْمُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالنَّصِّ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا إمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي بِالسَّوَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالْمُجْمَلِ وَلَا خِلَافَ

1 / 4

الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيهَا فَرْعُ تَصَوُّرِهَا وَتَمْيِيزِهَا عَنْ الرِّوَايَةِ فَلَوْ عَرَفْتَ بِأَحْكَامِهَا وَآثَارِهَا الَّتِي لَا تُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا لَزِمَ الدَّوْرُ وَإِذَا وَقَعَتْ لَنَا حَادِثَةٌ غَيْرَ مَنْصُوصَةٍ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهَا ذَلِكَ فَلَعَلَّهَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ لِتَمْيِيزِهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَيْنَا الْخِلَافَ فِي إثْبَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي تَصَانِيفِهِمْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدِ مَا صَلَّى قَالُوا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَأَجْرَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا لَمْ تُتَصَوَّرْ حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَتَمَيُّزُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى لَا يُعْلَمُ اجْتِمَاعُ الشَّائِبَتَيْنِ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّ الشَّائِبَتَيْنِ أَقْوَى حَتَّى يُرَجَّحَ مَذْهَبُ الْقَائِلِ بِتَرْجِيحِهَا، وَلَعَلَّ أَحَدَ الْقَائِلِينَ لَيْسَ مُصِيبًا وَلَيْسَ فِي الْفُرُوعِ إلَّا إحْدَى الشَّائِبَتَيْنِ أَوْ أَحَدَ الشَّبَهَيْنِ وَالْآخَرُ مَنْفِيٌّ أَوْ الشَّبَهَانِ مَعًا مَنْفِيَّانِ، وَالْقَوْلُ بِتَرَدُّدِ هَذِهِ الْفُرُوعِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ صَوَابًا بَلْ يَكُونُ الْفَرْعُ مُخْرَجًا عَلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَاتَيْنِ، وَهَذَا جَمِيعُهُ إنَّمَا يَتَلَخَّصُ إذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ فَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى الشَّبَهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ إمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِحَقِيقَتِهِمَا فَلَا يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْفُرُوعُ مُظْلِمَةً مُلْتَبِسَةً عَلَيْنَا، وَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ كَثِيرَ الْقَلَقِ وَالتَّشَوُّفِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ذَلِكَ حَتَّى طَالَعْتُ شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ ﵁ فَوَجَدْتُهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَحَقَّقَهَا وَمَيَّزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُمَا، وَاتَّجَهَ تَخْرِيجُ تِلْكَ الْفُرُوعِ اتِّجَاهًا حَسَنًا. وَظَهَرَ أَيُّ الشَّبَهَيْنِ أَقْوَى، وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ، وَأَمْكَنَنَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا إذَا وَجَدْنَا خِلَافًا مَحْكِيًّا وَلَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الْخِلَافِ فِيهِ أَنْ نُخَرِّجَهُ عَلَى وُجُودِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ إنْ وَجَدْنَاهُمَا وَنَشْتَرِطَ مَا نَشْتَرِطُهُ وَنُسْقِطَ مَا نُسْقِطُهُ، وَنَحْنُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ ﵀ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ أَمْرًا عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ ﵊ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ الْمَحْضَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَحْضَةُ ثُمَّ تَجْتَمِعُ الشَّوَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ ــ [حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ] قَالَ حَاكِيًا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ أَمْرًا عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ ﵇ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ: لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ الْمَحْضَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَحْضَةُ ثُمَّ تَجْتَمِعُ الشَّوَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ لَمْ يَقْتَصِرْ الْإِمَامُ فِي مُفْتَتَحِ كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلَ مِنْهُ الشِّهَابُ مَا نَقَلَ عَلَى الْفَرْقِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ مَعَ الْخُصُوصِ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ إمْكَانُ التَّرَافُعِ إلَى الْحُكَّامِ وَالتَّخَاصُمِ وَطَلَبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ ثُمَّ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَتَمِ كَلَامِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ــ [تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ] فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَيُسَمَّى بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ الْأَكْثَرِ ظَاهِرًا وَإِلَى الْبَعْضِ الْأَقَلِّ مُحْتَمَلًا، وَيُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ الْأَكْثَرِ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ الْأَقَلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ فَيَعْرِضُ حِينَئِذٍ خِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَاوِيلِ الشَّارِعِ مِنْ قِبَلِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ مِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْعَيْنِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ، وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمَقْرُونَةِ بِجِنْسِ ذَلِكَ الْعَيْنِ هَلْ أُرِيدَ بِهَا الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ، وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي فِي أَلْفَاظِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَصِنْفٌ رَابِعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ إيجَابِ الْحُكْمِ لِشَيْءٍ مَا نَفَى ذَلِكَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَمَنْ نَفَى الْحُكْمَ لِشَيْءٍ مَا إيجَابُهُ لِمَا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ. وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِثْلَ قَوْلِهِ ﵊ «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» فَإِنَّ قَوْمًا فَهِمُوا مِنْهُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، أَوْ نَشَأَتْ مِمَّا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ أَيْ جَوَازِهِ، وَكَوْنِهِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ كَحُكْمِ ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] بِحُكْمِ ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] لِتَأَخُّرِهَا نُزُولًا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ تِلَاوَةً، وَثَانِيهَا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَحَدِيثِ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» . وَثَالِثُهَا السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ كَحُكْمِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤]، وَرَابِعُهَا الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ آحَادًا عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ إمَّا لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ مَتْنُ الْقُرْآنِ لَا دَلَالَتُهُ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نَسْخِهِ بِالْآحَادِ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةً كَآيَةِ الِاسْتِقْبَالِ نَعَمْ الْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَجَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِحَدِيثِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ جَمِيعًا نَحْوَ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ كَانَ مِمَّا يُتْلَى فَنُسِخَتْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَمَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ نَحْوَ «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا

1 / 5

وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ حِينَئِذٍ وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ تُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ فَتَبْعَثُ الْعَدُوَّ عَلَى إلْزَامِ عَدُوِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ. فَاحْتَاطَ الشَّارِعُ لِذَلِكَ وَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، فَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَقَالِ قَرُبَ الصِّدْقُ جِدًّا بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَيُنَاسِبُ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانٌ وَغَلَبَةٌ وَقَهْرٌ وَاسْتِيلَاءٌ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ وَتَمْنَعُهُ الْحَمِيَّةُ وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً لِنُقْصَانِهِنَّ فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ النَّاقِصِ أَشَدُّ فِي ضَرَرِ الِاسْتِيلَاءِ فَخُفِّفَ ذَلِكَ عَنْ النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ الثَّانِي أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِ الشَّهَادَاتِ ــ [حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ] وَالْعُمُومِ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِتَقْسِيمِ حَاصِرٍ، وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِبْرَامُ حُكْمٍ وَإِمْضَاءٌ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ. وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَرَتُّبُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَاعْتِبَارَاتِهِمْ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو دِينَارًا غَيْرُ قَاصِدٍ بِذَلِكَ الْخَبَرَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ شَاهِدًا عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ يُسَمَّى مُخْبِرًا، وَكَذَلِكَ الْمُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ رَاوِيًا، وَإِنْ سُمِّيَ كَمَا فِي الْأَقَاصِيصِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الرُّوَاةِ مَا يَشْتَرِطُونَ فِي رُوَاةِ تَعْرِيفِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ مَا مَعْنَاهُ (إنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَاهَا إلْزَامًا لِمُعَيَّنٍ، وَهُوَ رُبَّمَا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَطَّلِعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَالْعَدَاوَةُ رُبَّمَا بَعَثَتْ عَلَى إلْزَامِ الْعَدُوِّ وَعَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ، احْتَاطَ الشَّارِعُ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ) قُلْتُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُهُ مَا قُلْتُهُ مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِالْإِخْبَارِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَلَا فَصْلُ قَضَاءٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَدُوِّ فِي عَدُوِّهِ مِنْ إلْزَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَيُنَاسِبُ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانَ قَهْرٍ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ، وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً فَخُفِّفَ ذَلِكَ عَلَى النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ) قُلْت هَذَا مُنَاسِبٌ كَمَا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِشَهَادَةِ الْأُنْثَى فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا اطِّلَاعُ الرِّجَالِ، لَكِنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مُحَالُ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ إنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الْإِطْلَاقِيِّ، وَجَعَلَهَا مِثْلَهُ بِشَرْطِ الِاسْتِظْهَارِ بِأُخْرَى فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الِاتِّفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ إذْعَانَ النُّفُوسِ لِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الْإِطْلَاقِيَّةِ أَشَدُّ مِنْ إذْعَانِهَا لِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الِاتِّفَاقِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الثَّانِي أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِ الشَّهَادَاتِ ــ [تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ] مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ كَانَ مِمَّا يُتْلَى فَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحْصَنِينَ» وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ دُونَ تِلَاوَتِهِ كَآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] الْآيَةَ نُسِخَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى النَّسْخِ إلَى بَدَلٍ كَمَا فِي آيَتَيْ الْأَنْفَالِ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] فَإِنَّ وُجُوبَ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَى مُنَاجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيُطَهِّرَهُ حَتَّى يَكُونَ أَهْلًا لِمُنَاجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنُسِخَ بِلَا بَدَلٍ لِاسْتِلْزَامِهِ قِلَّةَ الْأَسْئِلَةِ فَإِنَّ فِي السُّكُوتِ رَحْمَةً كَمَا وَرَدَ «اُتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ وَقَدْ شَدَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْبَقَرَةِ فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ بِضِيقِ صِفَاتِهَا حَتَّى غَلَتْ» . وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْبَدَلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجَوَازُ الْمُطْلَقُ الصَّادِقُ بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَمِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الَّتِي تُخِلُّ بِالْفَهْمِ الْيَقِينِيِّ الْمَنْظُومَةِ مَعَ إضَافَةِ النَّسْخِ إلَيْهَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مُرَجِّحًا التَّجَوُّزَ عَلَى الْإِضْمَارِ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا تَجَوُّزٌ ثُمَّ إضْمَارٌ، وَبَعْدَهُمَا نَقْلٌ تَلَاهُ اشْتِرَاكٌ فَهُوَ يَخْلُفُهُ، وَأَرْجَحُ الْكُلِّ تَخْصِيصٌ وَآخِرُهَا نَسْخٌ فَمَا بَعْدَهُ قِسْمٌ يَخْلُفُهُ وَلَوْ جَرَى عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ اسْتِوَاءِ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ لَقَالَ تَجُوزُ مِثْلُ إضْمَارٍ وَبَعْدَهُمَا إلَخْ، وَيَتَحَصَّلُ فِي تَعَارُضِهَا عَشْرُ صُوَرٍ هِيَ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالتَّجَوُّزِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالنَّقْلِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ فَيُقَدَّمُ التَّخْصِيصُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكِ، فَيُقَدَّمُ كُلٌّ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ وَالنَّقْلِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ، تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالنَّقْلِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالنَّقْلِ، وَالْأَصَحُّ اسْتِوَاءُ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى النَّقْلِ

1 / 6