Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
على الرغم من ذلك، فالمبدعون كانوا هم المسجلين الأوائل لتاريخ الفيلم الوثائقي، وكانوا متحيزين كما هو متوقع. وعلى مدى عقود كان أكثر الكتاب غزارة في الإنتاج وأوسعهم انتشارا مؤيدين للأسلوب الجريرسوني، فقد ذهب الكاتب والمعلم والمخرج بول روثا إلى أن الفيلم الوثائقي كان «درسا موجها لإيقاظ الوعي المدني بين العامة»، وكانت كتابات روثا جزءا من العمل التبشيري الذي قام به لرفع ذلك الوعي، وقد ترجم بحثه المعنون «الفيلم الوثائقي: استخدام الفيلم لتفسير حياة الناس بإبداع وبمصطلحات اجتماعية كما هي قائمة في الواقع» إلى عدة لغات، واستخدم على نطاق واسع في الدورات التدريبية. وقد كان يروي التاريخ - مركزا فقط على أوروبا - كخلفية لتعاليمه بشأن إنتاج الأفلام، وكان ينصح بالتعلم من الملاحظة الواعية لفلاهرتي برومانسيته، ومن التجارب الجمالية للأوروبيين مثل كافالكانتي وروتمان وإيفينز، ومن حماس فيرتوف لأسلوب الريبورتاج، والأساليب الدعائية لأيزنشتاين وجريرسون، لكي تصنع عملك المؤثر اجتماعيا.
السرد التاريخي
أرسيت أسس التأريخ الدقيق والموثوق لتاريخ الفيلم الوثائقي في عام 1971 على يد إريك بارنو، فقد أخذ الباحث والمخرج الأمريكي، الهولندي المولد، على عاتقه مهمة كتابة سجل تاريخي عالمي بحق للفيلم الوثائقي تحت عنوان بسيط هو «الفيلم الوثائقي»، أخذته مهمته التي تولاها وهو يعمل بالتدريس في جامعة كولومبيا إلى أكثر من عشرين دولة في العالم، من ضمنها اليابان، والهند، ومصر، والاتحاد السوفييتي، ودول في أوروبا الشرقية، وكذلك دول أوروبا الغربية المنتجة للأفلام، وبرؤية إنسانية عريضة وفضول صحي، سأل نفسه عن الظروف التي تصنع الإمكانيات لأنواع معينة من الأعمال (مثل أفلام الدعاية وأفلام الفن الطليعي)، وركز على الأعلام الرائدة والمؤثرة.
في التاريخ الاجتماعي البسيط والموثوق الذي نتج عن بحث بارنو، لم يعد فلاهرتي وجريرسون وفيرتوف فصائل متحاربة تنتظر الحكم عليها، ولكن أصبحوا مبدعين تاريخيين نفخوا الحياة في التاريخ على نحو مختلف. لقد استخدم المبدعين الكاريزميين كمرشدين عبر التاريخ، ليضرب بهم أمثلة على العصور والمناهج. يبدأ الكتاب بالتجارب الأولى في الأفلام الواقعية في بدايات السينما. ومن ضمن الآباء المؤسسين لدى بارنو (وكانت البداية التأسيسية يسيطر عليها الرجال، على الرغم من الدعم المهم للغاية الذي قدمته النساء في مجال الإنتاج، والمونتاج، والتسويق) فلاهرتي المستكشف، ودزيجا فيرتوف المراسل الصحفي، والشاب جوريس إيفينز الرسام، وجريرسون المدافع.
يتعقب الكتاب نمو النزعة الدفاعية القوية في باكورة أعمال مخرجة الأفلام الوثائقية الفاشية الألمانية ليني ريفينشتال، وأعمال بير لورنتز في الولايات المتحدة المؤيدة لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وحركة صناعة الأفلام اليسارية خلال الثلاثينيات، وأعمال الحركة الوثائقية البريطانية التي وصلت لأوجها في دعاية الحرب العالمية الثانية خلال فترة الحرب. يصف الكتاب استخدام الفيلم الوثائقي في فترة ما بعد الحرب، كالشعر، والتاريخ، والإثنوجرافيا، ومناصرة القضايا، ويتعرض لصعود الأفلام الوثائقية المدعومة، والفيلم الوثائقي التليفزيوني. ساهم ظهور حركة معارضة دولية أيضا في تطوير أساليب تعبيرية جديدة. وتعقد مقارنة بين منهج الرصد التسجيلي الذي يمثله فنانون مثل ريتشارد ليكوك وألبرت وديفيد مايسلز وفريديريك وايزمان وآلان كينج، وبين منهج سينما الواقع الأكثر إثارة واستفزازا الذي طبقه فنانون في جميع أنحاء العالم، وينتهي الكتاب بمجموعة من الحركات السينمائية المنشقة، مثل: الأفلام المستقلة في الإمبراطورية السوفييتية الجديدة، والأفلام المعارضة للحرب الأمريكية في فيتنام، والأفلام المعارضة للنمو الصناعي في اليابان، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وبأسلوب يخلو من العاطفة وثر بالتفاصيل، صور بارنو صناع الأفلام الوثائقية عموما كأصوات للحرية، والاقتناع، والتلاحم مع العالم، فقد أظهرهم يستكشفون الوسيط لرواية قصص أهملت من جانب الإعلام السائد الذي أصبح أكثر قوة ونفوذا أكثر من أي وقت مضى، التي حللها فيما سبق في سجل تاريخي من ثلاثة أجزاء عن التليفزيون. وسرعان ما استخدم كتاب «الفيلم الوثائقي» في محاضرات دراسات السينما، التي كانت شعبيتها تنمو نموا سريعا. في نفس الفترة الزمنية، أنتج آخرون نصوصا شهيرة أيضا نبعت من الاستخدام في حجرات الدراسة وتدريس الخبرة الإنتاجية، فقد أنتج لويس جاكوبس - على سبيل المثال - كتاب مقتطفات أدبية من المؤلفات عن الفيلم الوثائقي، وقد نظمه حسب التسلسل الزمني إلى حد ما، وتنوعت موضوعاته ما بين التجديد (العصر التأسيسي)، ومبدأ المحافظة (فترة ما بعد الحرب)، والتلاحم والانخراط (سينما الواقع). طور ريتشارد بارسام أيضا هيكلا مفاهيميا يبحث في الفيلم الوثائقي كفن داخل منهج جمالي أطول للواقعية، الذي أخذ في الاعتبار أيضا نطاقا واسعا من التعبير، وذلك في كتاب «الفيلم الواقعي: تاريخ نقدي». نشر جاك إليس، الذي عمل مع جريرسون، أيضا كتاب «فكرة الفيلم الوثائقي»، الذي ركز على الفيلم الوثائقي الاجتماعي باللغة الإنجليزية، وأظهر بجرأة عشقه لجريرسون، وقد حدثه فيما بعد مع بيتسي ماكلين. غير أن النطاق الجغرافي والجمالي والوضوح الشديد لبارنو لم يضاهه فيه أحد من مؤرخي التاريخ التجميعي.
المعرفة العلمية التحليلية
تطورت المعرفة العلمية عن الأفلام الوثائقية كدراسات سينمائية، ولدت من رحم أقسام دراسة الأدب، وأصبح بعض الطلاب أساتذة في هذا المجال. لقد جذبت بدايات المجال البحث العلمي نحو التركيز التحليلي على النصوص النموذجية للباحثين الأدبيين؛ مع العلم بأن النصوص في هذه الحالة هي الأفلام، ومع نمو المجال الأكاديمي للدراسات الثقافية - دراسة تكوين الثقافة، مع الانتباه خصوصا لظروف الإنتاج والاستقبال - نمت أيضا الدراسات الخاصة بكيفية نمو الحركات السينمائية وكيف كانت الأفلام تستقبل وتستخدم.
استكشف الأكاديميون على نطاق واسع ومكثف التعقيدات الكامنة وراء ادعاء الفيلم الوثائقي المصداقية بشأن العالم الواقعي، ذلك الادعاء الذي يبدو بسيطا، فقراءاتهم الدقيقة للأفلام حللت تحليلا دقيقا الكيفية التي يحقق بها صناع الأفلام وهم العرض الشفاف للحقيقة، وغالبا ما كانوا يضفون قاعدة غنية من المعرفة البيوجرافية والتاريخية على قراءاتهم الدقيقة أيضا. علاوة على ذلك، كانوا يتحدون ويعيدون تمحيص سمعة ودور الأعلام المؤسسين، خاصة جريرسون وفلاهرتي.
في هذا الشكل الفني، طور الأكاديميون تصنيفاتهم الخاصة لاستيعاب ونقد أعمال المخرجين الوثائقيين في إطارها، فالتصنيف يرسي لهم الأساس لتفسير وتحليل العمل، وتتوقف قيمة مثل هذه التصنيفات على مساعدتها في شرح الكيفية التي يعمل بها المخرجون الوثائقيون، والاستمرار في ابتكارها، وتختلف التصنيفات البحثية اختلافا حادا عن التصنيفات المستخدمة في سوق العمل، حيث الموضوعات (التاريخ، والحياة البرية، والعلوم، والأطفال) هي المهيمنة، فهي تركز على «التقنيات» التي يستخدمها صناع الأفلام لتجسيد الواقع، ومن ثم تصوغ مشكلة التجسيد بطريقة من شأنها إقناع المشاهدين بأنه ليس تجسيدا على الإطلاق، ولكنه الواقع؛ فعلى سبيل المثال، وصف بيل نيكولز أربع طرق لمخاطبة المشاهد في الفيلم الوثائقي، لكل منها تداعيات بالنسبة لادعاءات المصداقية: الإيضاحية (مثل الراوي ذي التأثير والثقل)، والمراقبة (مثل أعمال الأخوين مايسلز)، والتفاعلية (قصص التاريخ الشفهي والحوارات وما شابهها)، والانعكاسية (الأعمال التي تعلق على الشكل الذي تنتمي إليه، مثل أعمال فيرتوف أو فيلم «معركة الفئوس»). وقد تعرض نيكولز وآخرون لهذه التصنيفات بالنقد وأضافوا إليها؛ فأضاف كيث بيتي إلى القائمة الطريقة التجديدية (الدوكودراما)، والترفيه التسجيلي (تليفزيون الواقع). وصف مايكل رينوف أيضا أربعة أشكال وظيفية للأفلام الوثائقية: التسجيلية، والإقناعية، والتحليلية، والتعبيرية.
Unknown page