Fi Calam Ruya
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
Genres
إن كنت الأول فأنت بثور وقروح، وإن كنت الثاني فدواء وبلسم.
أحاكم يتصاغر أمام من ولاه ويستصغر من تولى عليهم، فلا يحرك يدا إلا ليضعها في جيوبهم، ولا يخطو خطوة إلا لمطمع له فيهم؟
أم خادم أمين يدير شئون الشعب ويسهر على مصالحه ويسعى إلى تحقيق أمانيه؟
إن كنت الأول فأنت زوان في بيادر الأمة، وإن كنت الثاني فأنت بركة في أهرائها.
أزوج يستبيح لنفسه ما يحرمه على زوجته، ويسرح ويمرح وفي حزامه مفتاح سجنها، ويلتهم ما يشتهيه حتى التخمة وهي جالسة في وحدتها أمام صحفة فارغة؟
أم رفيق لا يسير إلى أمر إلا ويده بيد رفيقته، ولا يفعل أمرا إلا ولها فيه فكرة ورأي، ولا يفوز بأمر إلا لتساهمه أفراحه وأمجاده؟
إن كنت الأول فأنت ممن بقي حيا من قبائل انقرضت وهي تسكن الكهوف وتلبس الجلود. وإن كنت الثاني فأنت في طليعة أمة تسير مع الفجر نحو ظهيرة العدالة والحصافة.
أكاتب بحاثة يشمخ برأسه إلى ما فوق رءوسنا ما بقي في داخل رأسه، فيدب في هوتة الماضي الغابر حيث ألقت الأجيال ما رث من أثوابها، ورمت ما لم يعد صالحا لها؟ أم فكرة صافية تتفحص محيطها لتعلم ما ينفعه وما يضره، فتصرف العمر في بناء النافع وهدم المضر؟
إن كنت الأول فأنت سخافة مطرسة وبلادة مزركشة. وإن كنت الثاني فأنت خبز للجائعين وماء للظامئين.
أشاعر أنت يضرب الطنبور أبواب الأمراء، وينثر الأزهار في الأعراس، ويسير وراء الجثث الهامدة وبين فكيه إسفنجة مثقلة بالماء الفاتر، حتى إذا ما بلغ المقبرة ضغط عليها بلسانه وشفتيه؟ أم موهوب وضع الله في يده قيثارة يستولدها أنغاما علوية، تجذب قلوبنا وتوقفنا متهيبين أمام الحياة وما في الحياة من الجمال والهول؟
Unknown page