Fawda Muqaddima Qasira
نظرية الفوضى: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ولن تصدق هذه الشياطين المخادعة بعد الآن،
التي تراوغنا بمعان مزدوجة،
وتظل تردد عبارات واعدة على مسامعنا،
ثم لا تلبث أن تنكث وعدها عندما نعقد آمالنا عليها.
مسرحية «ماكبث» (الفصل الخامس)
كان ولا يزال من يغامرون بإجراء توقعات محل نقد حتى عندما تثبت دقة توقعاتهم، من الناحية العملية. تركز مسرحية «ماكبث» لشكسبير على التوقعات التي رغم كونها دقيقة من الناحية الفنية، فإنها لا تقدم دعما فعالا في عملية اتخاذ القرار. عندما يواجه ماكبث الساحرات سائلا إياهن عما يفعلنه، يجبن قائلات: «عملا بلا اسم». بعدها ببضع مئات من السنوات، استحدث الكابتن فيتزروي مصطلح «توقع». ثمة احتمال دوما أن يكون أي توقع متوافقا داخليا من وجهة نظر واضعي النموذج، بينما هو في الواقع يضلل توقعات مستخدميه باستمرار، وهنا تكمن جذور شكوى ماكبث من الساحرات في أنهن يقدمن أخبارا سارة بصورة متكررة حول ما يبدو طريقا إلى مستقبل مزدهر. يبرهن كل توقع على دقة لا غبار عليها، لكن لا يسفر أي منها عن ازدهار كبير. فهل يستطيع واضعو التوقعات في العصر الحديث - ممن يفسرون عدم اليقين في نماذجهم الرياضية، كما لو كانت تعكس احتمالات العالم الواقعي للأحداث المستقبلية - تفادي تهمة التحدث ب «لغة مزدوجة»؟ هل هم مدانون باتهام ماكبث لهم بأنهم يصوغون توقعاتهم الاحتمالية، مع معرفتهم معرفة كاملة بأننا سنتقبل حجة الفوضى لصرف انتباهنا عن أشياء أخرى مختلفة تماما تحدث؟
من الدقة إلى الموثوقية
لا يمكننا أن نلوم واضعي التوقعات لعجزهم عن تقديم صورة واضحة عن الموضع الذي سينتهي بنا المآل إليه إذا لم نستطع تقديم صورة واضحة لهم عن موضعنا الحالي. غير أنه يمكننا في المقابل توقع أن تدلنا نماذجنا على مدى الدقة التي يجب أن نعرف بها الشرط المبدئي، بغرض ضمان أن تظل أخطاء التوقع تحت مستوى ما هو مستهدف. نأمل ألا يرتبط السؤال حول كوننا نستطيع أو لا نستطيع خفض التشويش حتى ذلك المستوى بقدرة نموذجنا على إجراء توقع في ظل حالة أولية دقيقة بما يكفي.
في الوضع المثالي، أي نموذج يمكن أن يظلل، وستكون ثمة حالة أولية نستطيع أن نكررها بحيث تظل السلسلة الزمنية الناتجة قريبة من السلسلة الزمنية للملاحظات. علينا أن ننتظر إلى ما بعد الحصول على الملاحظات لنرى إن كان ثمة ظلال أم لا، ويجب تحديد معنى كلمة «قريبة» من خلال خواص تشويش الملاحظات. لكن في حال «عدم» وجود حالة أولية ظللت، إذن يعتبر النموذج غير ملائم بصورة أساسية. في المقابل، إذا كان ثمة مسار ظلال واحد فسيكون ثمة مسارات كثيرة، ويمكن اعتبار مجموعة الحالات الحالية التي ظللت حالاتها السابقة حتى الآن غير قابلة للتمييز بينها. إذا كانت الحالة الحقيقية موجودة، لا يمكن أن نحددها، ولا يمكن أن نعرف أي منها سيستمر في الظلال عند تكرار الخارطة في اتجاه قيم آتية لإجراء توقع، لكننا قد نشعر ببعض السلوى من معرفة أن أوقات الظلال النموذجية للتوقعات قد بدأت انطلاقا من واحدة من هذه الحالات غير القابلة للتمييز بينها.
يسهل كثيرا إدراك أننا نتجه نحو توقعات مجمعة تعتمد على مجموعة توقعات أخرى مرشحة ظلت الأرصاد حتى الحاضر. بإدراك أنه حتى أي نموذج مثالي لا يمكن أن يفضي إلى توقع مثالي في ظل شرط مبدئي غير مثالي، في ستينيات القرن العشرين، وضع الفيلسوف كارل بوبر تعريفا ل «النموذج الموثوق به» باعتباره النموذج الذي يستطيع وضع حد حول قدر عدم اليقين الأولي المطلوب بغرض ضمان وضع حد مرغوب ومحدد لأخطاء التوقع. يعتبر تحديد حد لعدم اليقين الأولي هذا أكثر صعوبة إلى حد كبير في حالة النظم اللاخطية عن النظم الخطية، بيد أننا يمكننا تعميم فكرة الموثوقية واستخدامها في تقييم ما إذا كانت توقعاتنا المجمعة تعكس على نحو معقول توزيعات الاحتمالات. ستتضمن توقعاتنا المجمعة على الدوام عددا محدودا من التوقعات؛ لذا فإن أي توقع احتمالي نبنيه سيتأثر سلبا من جراء هذه المحدودية. إذا كان لدينا 1000 توقع، إذن فربما نأمل في أن تكون معظم الأحداث ذات احتمال حدوث بنسبة 1٪، ولكننا نعلم احتمال أن يفوتنا توقع الأحداث التي يبلغ احتمال حدوثها 0,001٪. يوصف نظام التوقع المجمع بأنه «موثوق به» إذا كان يشير إلى أي مدى يجب أن يكون حجم المجموعة؛ بحيث يشمل أحداثا ذات احتمال حدوث بنسبة محددة. يجب تقييم الموثوقية إحصائيا عبر عدة توقعات، وهو شيء يعرف الإحصائيون لدينا كيف يقومون به على أكمل وجه.
Unknown page