Page 0

[مقدمة الكتاب]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنفرد بوضع الشرائع والأحكام المستبد برفع معالم الحلال والحرام الذي ذلل لجمهور العلماء جموح الدراية وشموسها فأناروا أقمار الرواية من شموسها وقاية عن الزلل في عموم البلوى وهداية إلى الصواب لدى الفتوى

والصلاة والسلام على مصلى مضمار الرسالة بعثة وزمانا، ومجلي ميدان الدلالة رتبة ومكانا، فاتح رتاج السبل ولاقح نتاج الرسل الذي بعثه الله حجة على الجاحدين وختم به باب النبوة على المرسلين وعلى آله الكرام وأصحابه العظام كلهم أجمعين.

(وبعد) فإن الفقه حد حاجز بين الهداية والضلال وقسطاس مستقيم لمعرفة مقادير الأعمال وعيالمه الزاخرة لا يوجد لها قرار وأطواده الشامخة لا يدرك فنونها بالأبصار.

إلا أن الكتب المصنفة المتداولة والصحف المؤلفة المتناولة في هذا الفن لا تشفي العليل ولا يفأم منها الغليل إذ بعضها طارح لشطر المسائل وأكثرها منطو على الروايات المختلفة المتعارضة الدلائل فيشجر المبتغي للتمسك بالأليق والأقوى كمن هام في الهيماء في الليل الأهيم ويضجر المستهتر بأخذ ما هو أقرب للتقوى كفاقد العيهم في الغيهم حتى عشا أكثرهم عن أضواء السنة إلى نيران الأهواء وركنوا إلى طرمساء البدع وأباطيل الآراء فلا يميز الصدوق عن الطبرس ولا يفصل المحق والطمرس وذهبوا في واد تيه بعد تيه.

ولم يجدوا دليلا على مرامهم إلا سفيها غب سفيه فمن الله عليهم باستنارة صديع سلطنة الملك السميدع الصلهام وانفلاق صبح دولة السلطان الهميسع القمقام القرم المقرم والقذم القلهذم رزم آجام الوغى وقفصل غياض المزدحم المطيم على العدل والشجاعة والندى والمفطور تقنه من الزهد والورع والتقوى أمير المؤمنين ورئيس المسلمين إمام الغزاة ورأس المجاهدين أبو المظفر محيي الدين محمد أورنك زيب بهادر عالم كيربادشاه غازي أبد الله تعالى سلطانه

Page 2

وعم على البرية كافة إحسانه وجعله يوم يحاسب ممن ينقلب إلى أهله مسرورا وأبعده عمن ينقلب على عقبيه مذموما مدحورا.

وقد ألهم تأليف كتاب يفرغ من التهذيب الأنيق في قالب الكمال ويلبس من حسن الترتيب حلة الجمال عاريا عن الإطناب والإملال حاويا لمعظم الروايات الصحيحة مشتملا على جل الدرايات النجيحة، يبين الغث من السمين ويميز الضعيف من المتين لا يشتبه فيه اللجين باللجين والهجان بالهجين غير أن هذا الخطب العظيم والأمر الجسيم لا يملكه إلا من عرف الحي من اللي وتبين عنده الرشد من الغي فحشد الحذاق في هذا الفن من العلماء الغائصين على فرائده وكلد الكتب المدونة الجامعة لفوائده فأوعز إليهم بالكدش في مخايل هذا الفن ودلائله واللمش عن تفاصيله وتنقير وجوه مسائله.

وأن يؤلفوا كتابا حامشا لظاهر الروايات التي اتفق عليها وأفتى بها الفحول ويجمعوا فيه من النوادر ما تلقتها العلماء بالقبول كي لا يفوت الاحتياط في العمل والاجتناب عن الخطل والزلل فطفقوا في استخراج جواهر من معادنه وإبراز لطائفه من مكامنه والتقاط جمانه وفرائده واقتناص شوارده وأوابده، وميزوا ثجيره وعصيره وفصلوا قبيله ودبيره ونظموا تومه المنثورة ورتبوا فوائده المأثورة.

واختاروا في ترتيب كتبها ترتيب الهداية وسلكوا في توضيحها أو تنقيحها أقصى النهاية تاركين لما تكرر في الكتب من الروايات والزوائد معرضين عن الدلائل والشواهد إلا دليل مسألة يوضحها أو يتضمن مسألة أخرى واقتصروا في الأكثر على ظاهر الروايات ولم يلتفتوا إلا نادرا إلى النوادر والدرايات وذلك فيما لم يجدوا جواب المسألة في ظاهر الروايات أو وجدوا جواب النوادر موسوما بعلامة الفتوى ونقلوا كل رواية من المعتبرات بعبارتها مع انتماء الحوالة إليها ولم يغيروا العبارة إلا لداعي ضرورة عن وجهها ولإشعار الفرق بينهما أشاروا إلى الأول بكذا وإلى الثاني بهكذا وإذا وجدوا في المسألة جوابين مختلفين كل منهما موسوم بعلامة الفتوى وسمة الرجحان أو لم يكن واحد منهما معلما بما يعلم به قوة الدليل والبرهان أثبتوهما في هذا الكتاب والله تعالى هو الموفق للسداد والصواب

[كتاب الطهارة وفيه سبعة أبواب]
[الباب الأول في الوضوء وفيه خمسة فصول]
[الفصل الأول في فرائض الوضوء]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(كتاب الطهارة)

وفيه سبعة أبواب: الباب الأول: في الوضوء وفيه خمسة فصول

(الفصل الأول: في فرائض الوضوء) قال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] (وهي أربع) . الأول: غسل الوجه الغسل: هو الإسالة والمسح هو الإصابة. كذا في الهداية.

وفي شرح الطحاوي أن تسييل الماء شرط في الوضوء في ظاهر الرواية فلا يجوز الوضوء ما لم يتقاطر الماء، وعن أبي يوسف - رحمه الله - أن التقاطر ليس بشرط ففي مسألة الثلج إذا توضأ به إن قطر قطرتان فصاعدا يجوز إجماعا وإن كان بخلافه فهو على قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا يجوز، وعلى قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يجوز كذا في الذخيرة

والصحيح قولهما. كذا في المضمرات ولم يذكر حد الوجه في ظاهر الرواية. كذا في البدائع في المغني الوجه من منابت شعر الرأس

Page 3

إلى ما انحدر من اللحيين والذقن إلى أصول الأذنين. كذا في العيني شرح الهداية.

إن زال شعر مقدم الرأس بالصلع الأصح أنه لا يجب إيصال الماء إليه. كذا في في الخلاصة وهو الصحيح هكذا في الزاهدي.

والأقرع الذي ينزل شعره إلى الوجه يجب عليه غسل الشعر الذي ينزل عن الحد الغالب. كذا في العيني شرح الهداية.

وإيصال الماء إلى داخل العينين ليس بواجب ولا سنة ولا يتكلف في الإغماض والفتح حتى يصل الماء إلى الأشفار وجوانب العينين. كذا في الظهيرية.

وعن الفقيه أحمد بن إبراهيم إن غسل وجهه وغمض عينيه تغميضا شديدا لا يجوز. كذا في المحيط.

ويجب إيصال الماء إلى المآقي. كذا في الخلاصة.

ولو رمدت عينه فرمصت يجب إيصال الماء تحت الرمص إن بقي خارجا بتغميض العين وإلا فلا. كذا في الزاهدي.

وأما الشفة فما يظهر منها عند الانضمام فهو من الوجه وما ينكتم عند الانضمام فهو تبع الفم هو الصحيح. كذا في الخلاصة.

والبياض الذي بين العذار وبين شحمتي الأذن يجب غسله عند الوضوء. هكذا ذكر الطحاوي في كتابه قال هو الصحيح وعليه أكثر مشايخنا. كذا في الذخيرة.

ويغسل شعر الشارب والحاجبين وما كان من شعر اللحية على أصل الذقن ولا يجب إيصال الماء إلى منابت الشعر إلا أن يكون الشعر قليلا تبدو منه المنابت. كذا في فتاوى قاضي خان.

في النصاب وإذا كان شارب المتوضئ طويلا ولا يصل الماء تحته عند الوضوء جاز وعليه الفتوى بخلاف الغسل كذا في المضمرات.

أما اللحية فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - مسح ربعها فرض. كذا في شرح الوقاية وروي عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - أنه يجب إمرار الماء على ظاهر اللحية هو الأصح. كذا في التبيين وهو الصحيح. هكذا في الزاهدي.

والشعر المسترسل من الذقن لا يجب غسله. كذا في المحيطين.

وإن أمر الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب عليه غسل الذقن وكذا لو حلق الحاجب والشارب أو مسح رأسه ثم حلق أو قلم أظافيره لا تلزمه الإعادة كذا في فتاوى قاضي خان.

(والثاني غسل اليدين) والمرفقان يدخلان في الغسل عند علمائنا الثلاثة. كذا في المحيط.

ويجب غسل كل ما كان مركبا على أعضاء الوضوء من الأصبع الزائدة والكف الزائدة. كذا في السراج الوهاج.

ولو خلق له يدان على المنكب فالتامة هي الأصلية يجب غسلها والأخرى زائدة فما حاذى منها محل الفرض يجب غسله وإلا فلا. كذا في فتح القدير بل يندب غسله. كذا في البحر الرائق.

في فتاوى ما وراء النهر إن بقي من موضع الوضوء قدر رأس إبرة أو لزق بأصل ظفره طين يابس أو رطب لم يجز وإن تلطخ يده بخمير أو حناء جاز

وسئل الدبوسي عمن عجن فأصاب يده عجين فيبس وتوضأ قال: يجزيه إذا كان قليلا. كذا في الزاهدي وما تحت الأظافير من أعضاء الوضوء حتى لو كان فيه عجين يجب إيصال الماء إلى ما تحته. كذا في الخلاصة وأكثر المعتبرات.

ذكر الشيخ الإمام الزاهد أبو نصر الصفار في شرحه أن الظفر إذا كان طويلا بحيث يستر رأس الأنملة يجب إيصال الماء إلى ما تحته وإن كان قصيرا لا يجب. كذا في المحيط.

ولو طالت أظفاره حتى خرجت عن رءوس الأصابع وجب غسلها قولا واحدا. كذا في فتح القدير.

وفي الجامع الصغير سئل أبو القاسم عن وافر الظفر الذي يبقى في أظفاره الدرن أو الذي يعمل عمل الطين أو المرأة التي صبغت أصبعها بالحناء، أو الصرام، أو الصباغ قال كل ذلك سواء يجزيهم وضوءهم إذ لا يستطاع الامتناع عنه إلا بحرج والفتوى على الجواز من غير فصل بين المدني والقروي. كذا في الذخيرة وكذا الخباز إذا كان وافر الأظفار. كذا في الزاهدي ناقلا عن الجامع الأصغر.

والخضاب إذا تجسد ويبس يمنع تمام الوضوء والغسل. كذا في السراج الوهاج ناقلا عن الوجيز.

Page 4

وفي مجموع النوازل تحريك الخاتم سنة إن كان واسعا وفرض إن كان ضيقا بحيث لم يصل الماء تحته. كذا في الخلاصة وهو ظاهر الرواية هكذا في المحيط.

(والثالث غسل الرجلين) ويدخل الكعبان في الغسل عند علمائنا الثلاثة والكعب هو العظم الناتئ في الساق الذي يكون فوق القدم كذا في المحيط.

ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء سقط الغسل ولو بقي وجب. كذا في البحر الرائق وكذا غسل موضع القطع. هكذا في المحيط.

وفي اليتيمة سئل الخجندي عن رجل زمن رجله بحيث لو قطع لا يعرف هل يجب عليه غسل الرجلين في الوضوء؟ قال: نعم. كذا في التتارخانية.

وإذا دهن رجليه ثم توضأ وأمر الماء على رجليه فلم يقبل الماء لمكان الدسومة جاز الوضوء. كذا في الذخيرة.

في مجموع النوازل إذا كان برجله شقاق فجعل فيه الشحم وغسل الرجلين ولم يصل الماء إلى ما تحته ينظر إن كان يضره إيصال الماء إلى ما تحته يجوز وإن كان لا يضره لا يجوز. كذا في المحيط فإن خرزه جاز بكل حال. كذا في الخلاصة.

وذكر شمس الأئمة الحلواني إذا كان في أعضائه شقاق وقد عجز عن غسله سقط عنه فرض الغسل ويلزم إمرار الماء عليه فإن عجز من إمرار الماء يكفيه المسح فإن عجز عن المسح سقط عنه المسح أيضا فيغسل ما حوله ويترك ذلك الموضع. كذا في الذخيرة.

ولو كان به قرحة فارتفع جلدها وأطراف القرحة متصلة بالجلد إلا الطرف الذي كان يخرج منه القيح فغسل الجلدة ولم يصل الماء إلى ما تحت الجلدة جاز وضوءه؛ لأن ما تحت الجلدة غير ظاهر فلا يفترض غسله. كذا في فتاوى قاضي خان.

وإذا كان على بعض أعضاء وضوئه قرحة نحو الدمل وشبهه وعليه جلدة رقيقة فتوضأ وأمر الماء على الجلدة ثم نزع الجلدة هل يلزمه غسل ما تحت الجلدة؟ قال: إن نزع الجلدة بعد ما برأ بحيث لم يتألم بذلك فعليه أن يغسل ذلك الموضع وإن نزع قبل البرء بحيث يتألم بذلك إن خرج منها شيء وسال نقض الوضوء وإن لم يخرج لا يلزمه غسل ذلك الموضع، والأشبه أن لا يلزمه الغسل في الوجهين جميعا وفي فوائد القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي إذا كان على بعض أعضاء وضوئه خرء ذباب أو برغوث فتوضأ ولم يصل الماء إلى ما تحته جاز؛ لأن التحرز عنه غير ممكن ولو كان عليه جلد سمك أو خبز ممضوغ قد جف فتوضأ ولم يصل الماء إلى ما تحته لم يجز؛ لأن التحرز عنه ممكن. كذا في المحيط.

ولو بقيت على العضو لمعة لم يصبها الماء فصرف البلل الذي على ذلك العضو إلى اللمعة جاز. كذا في الخلاصة.

وإذا حول بلة عضو إلى عضو في الوضوء لا يجوز وفي الغسل يجوز إذا كانت البلة متقاطرة. كذا في الظهيرية

إذا أصاب الرجل المطر أو وقع في نهر جار جاز وضوءه وغسله أيضا إن أصاب الماء جميع بدنه وعليه المضمضة والاستنشاق. كذا في السراجية.

(والرباع مسح الرأس) والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية. كذا في الهداية والمختار في مقدار الناصية ربع الرأس. كذا في الاختيار شرح المختار.

الواجب أن يستعمل فيه ثلاث أصابع اليد على الأصح. كذا في الكفاية، فلو مسح بأصبع أو أصبعين لا يجوز في ظاهر الرواية. كذا في شرح الطحاوي.

ولو مسح بالسبابة والإبهام مفتوحتين فيضعهما مع ما بينهما من الكف على رأسه فحينئذ يجوز؛ لأنهما أصبعان وما بينهما من الكف قدر أصبع فيصير ثلاثة أصابع هكذا في المحيط وفتاوى قاضي خان.

إذا مسح رأسه برءوس أصابعه فإن كان الماء متقاطرا يجوز وإن لم يكن متقاطرا لا يجوز. كذا في الذخيرة.

وإن كان على رأسه شعر طويل فمسح بثلاث أصابع إلا أن المسح وقع على شعره إن وقع على شعر تحته رأس يجوز عن مسح الرأس وإن وقع على شعر تحته جبهة أو رقبة لا يجوز ولو كان له ذؤابتان مشدودتان حول الرأس كما تفعله النساء

Page 5