فقال الخليفة: «ما خبرك؟ من أين أتيت؟»
فقصت عليه ما جرى لها من أوله إلى آخره وهو يسمع ويستغرب، وينظر في أثناء الحديث إلى قائده كأنه يستطلع رأيه في ما يسمعانه من الغرائب.
الفصل التاسع والثلاثون
نص الرسالة
فلما أتت على آخر الحديث أصبحت في شوق للاطلاع على فحوى تلك الرسالة لكنها لم تجسر على طلب ذلك، أما الخليفة فإنه كان يسمع كلامها ويتأمل ما يبدو في عينيها من صدق اللهجة والبسالة، فلما وصلت إلى ملاقاة ذلك الهجان وكيف أنها قتلت قاتله وحملت الرسالة لإيصالها سريعا وهي مصابة بالجروح والرضوض لم يتمالك أن قال لها: «لله أنت من فتاة باسلة وصديقة صادقة، أتحبين أن تسمعي نص هذا الكتاب فإني أعدك ابنة لي، بل أنا لا أتوقع من ابنتي أو ابني أن يكون غيورا علي مثل هذه الغيرة ... اقعدي.» وأشار إلى مقعد بجانبه فجلست عليه وأمر جوهرا أن يقرأ الرسالة فأخذ يقرؤها وهذا نصها:
إلى أمير المؤمنين المعز لدين الله من عبده يعقوب بن كلس
أما بعد فإنني ما برحت أذكر نعم المولى وفضله علي وعلى آبائي وأنا أترقب الفرص للقيام بما فرض علي في سبيل نصرته؛ لأني وإن كنت ذميا لم أتشرف بالإسلام فإني قادر على أن أرى وجه الحق بالنظر إلى تنازع المسلمين على الخلافة - وهي حق صريح لآل علي أبناء عم النبي وأبناء بنته.
وإنما اختلسها سواهم طمعا بالدنيا، لكن الحق عاد إلى نصابه بفضل أجدادك الكرام وسيتأيد على يد الإمام المعز لدين الله؛ ولذلك رأيتني لا أدخر وسعا في نصرة الحق وأراقب الفرص في تأدية خدمة تعود على الإمام بالنصر وقد علمت بدسيسة أعدها المبغضون لإيقاع الأذى بالإمام وقائده - أعزهما الله - علمت ذلك بطريقة غريبة في ليلة من ليالي القدر، فلم أنم قبل أن كتبت هذا وبعثت به على جناح السرعة مع رسول غيور، أوصيته بجد السير حتى يصل قبل فوات الفرصة. فأرجو أن يكون قد فاز بذلك وسلم كتابي هذا إلى المولى - أعزه الله ونصره على أعدائه.
وجلية الخبر يا سيدي أني علمت من قرائن مختلفة أن بين أمرائك العائشين تحت جناحك أناسا يسعون في الكيد لك ولقائدك ويخابرون صاحب مصر لفتح القيروان وإلحاقها بخلافة العباسيين، وكنت إذا سمعت ذلك استبعدته؛ إذ لا يعقل أن يسعى أحد في إبدال دولة بالية خربة من دولة جديدة زاهية، وحدثتني نفسي أن أكتب إليكم بذلك وترددت حينا حتى وقفت بالصدفة على أمر أطار صوابي وأقلقني، وهو ما بعثني على كتابة هذا بوجه السرعة وقلبي يخفق خوفا من تأخره عن الوقت اللازم.
علمت يا سيدي من مصدر وثيق - وقد سمعت بأذني - أن صاحب سجلماسة المقيم في جوارك ورجلا من خاصته اسمه أبو حامد اتفقا على الكيد بك وبقائدك الباسل على أن ينفذ الحيلة في عيد الفطر المبارك وبعثا إلى مصر شابا من رجالهما اسمه سالم يزعم أنه ابن أبي حامد أو ابن أخيه، فهذا الشاب سمعته بأذني يقص خبر المكيدة وهو في حال سكر على امرأة تعشقها. ولكي تتأكد صدق قولي فأنا أذكر من أسماء الأشخاص الذين استعان بهم في هذه المكيدة فتاة أظنها ابنة صاحب سجلماسة اسمها لمياء أظهر لها سالم أنه يحبها ليستخدمها في إتمام هذه المكيدة؛ لأنها من المقربين في قصر مولاي أمير المؤمنين. ولا يطيعني قلمي على التصريح بما دبر أولئك الملاعين - وقى الله مولانا الخليفة من كيد الكائدين - وإذا بلغ كتابي هذا إلى سيدي الخليفة قبل عيد الفطر فهو ناج بإذن الله.
Unknown page