فضحك ضحك الاستهزاء وقال بتهكم: «لا. لا يقبضون علي. فأنت لا تعرف من أنا سر بطريقك ودعني ...» قال ذلك ومشى وهو يقود الجواد وراءه وأومأ إلى لمياء أن تتبعه فأغضبها عناد سالم ولم تعرف كيف تتخلص من هذه الورطة وهي تتوقع أن يغضب الحسين ويفتضح أمرها.
فرأته ظل ساكنا فعلمت أنه سكت إكراما لها وصيانة لشرفها؛ لئلا يقال إنهم رأوه معها في ذلك الظلام. فتراجعت وقالت لسالم: «لا حاجة بي إلى من يحرسني وخصوصا أني صرت على مقربة من السور بالله إلا رجعت وخليتني أسير وحدي.»
فلم يجبها بل ظل ماشيا، وظل الحسين واقفا مكانه لا يبدي حراكا.
ولم يمشيا يسيرا حتى سمعا دبدبة وقرقعة وإذا بكوكبة من الفرسان خارجين من السور مسرعين نحوهما فقالت: «لماذا فعلت بنا هذا يا سالم؟ إنني أخاف عليك ... لأن الأوامر شديدة في القبض على من كان يرونه خارج السور وأنت تعلم أن القوم يطلبونك فلا أحب أن نفتح بابا للقيل والقال. عزمت عليك ألا رجعت من هنا ... اركب جوادك إلى معسكر والدي ...»
فعظم عليه قولها واستخف بإنذارها وقال: «إنهم لن يدركوا مني وطرا.»
قالت: «ولكنهم ربما آذوني بسببك ... بالله ارجع ... ارجع ... رباه ما هذا العناد!»
الفصل العشرون
الشهامة
والتفتت نحو الحسين فلم تره فظنت الظلام حجبه لبعده فوقفت وأعادت التوسل إلى سالم أن يرجع فأبى خجلا من نفسه أن يفر. فازدادت حيرتها وقد دهمها الوقت؛ لأن الفرسان - وهم عشرة - أصبحوا على مقربة منها. وتقدم واحد منهم وصوب سنان رمحه نحوهما، وقال: «من أنتم .»
فتصدت لمياء لهم وقالت: «إني رسول أمير المؤمنين - كما تعلمون.»
Unknown page