فقال حماد: «كلا يا مولاتي فقد شغل بالنا تأخره ولم ندع مكانا لم نسأل فيه عنه والفضل في هذا السعي كله لهذا الرفيق (وأشار إلى سلمان) فانه لم يأل جهدا في البحث والاستطلاع فلم نقف على خبر يقين.»
فقال سلمان: «ولكنني أرجح ذهابه إلى الحجاز لما سمعت من حكاية صاحب الخان.» وأخذ يقص عليهم ما سمعه من الخاناتى في بيت المقدس وما كان من أمر أبي سفيان وجواد حماد الخ.
فاستفهمته عن حكاية الأسد فقص عليهم ما لقوه في مسبعة الزرقاء وكانت هند في أثناء الحديث شاخصة حتى سمعت ما لاقياه عند تلك الشجرة من غائلة الأسد وما كانا فيه من الخطر فتلألأت الدموع في عينيها فلما رأى حماد منها ذلك أوشك أن يبكي لفرط ما آنس من رقة عواطفها. ثم أتم سلمان حكايته حتى انتهى إلى آخرها والجميع مصغون لا يفوه أحدهم بكلمة.
فلما فرغ من كلامه قالت سعدى: «يؤخذ من مجمل ما سمعناه أن والدكم سافر إلى الحجاز مع أبي سفيان ولو كان باقيا في البلقاء لجاء للبحث عنكم بعد أن نال العفو الإمبراطوري.» ثم تبسمت وسكتت كأن في نفسها شيئا تكتمه فبقى الجميع صامتين لعلها تقول شيئا وفيما هم في ذلك دخل بعض الخدم وسأل الأميرة سعدى إذا كانت تأذن بمد السماط لأن وقت الغداء قد أزف فقالت: «هاتوا الطعام.» وإلتفتت إلى حماد قائلة: «هلم بنا إلى الغداء وسنتم حديثنا بعده.»
فمدت الأسمطة وحملت الذبائح وجلسوا على المائدة وحماد يفكر في ماذا عسى أن يكون وراء تبسم سعدى.
فلما فرغوا من الطعام عادوا إلى الاستراحة وجلسوا ينتظرون حديث سعدى إلا هندا فإنها لم تكن معهم لأن والدتها أشارت إليها أن تتخلف هنيهة ريثما يتحادثون في شأنها.
فلما استتب بهم الجلوس قالت سعدى: «أظنكم تنتظرون مني كلاما ظهر لكم من تبسمي الآن أني أكتمه.»
فقال حماد: «هو ذلك يا مولاتي فأتحفينا به.»
قالت: «تبسمت لما اتفق من ذهاب والدكم إلى الحجاز وما نحن عازمون أن نعرضه عليكم مما يأول إلى اجتماعكم به هناك.»
فعجب حماد لكلامها ولم يفقه مرادها فقال: «وماذا عسى أن يكون اقتراحكم.»
Unknown page