214

Faṣl al-khiṭāb fī al-zuhd waʾl-raqāʾiq waʾl-ādāb

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

Genres

أولًا: لا تقصدوا بذلك المرتبة الدنيوية، بل اتخذوا هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق، لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس لا يستطعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة، وبذلك تكون النية سليمة فيكونوا قدموا المصالح الدينية على الدنيوية.
ثانيًا: أن من أراد العلم لذاته قد لا يجده إلا في الكليات، فيدخل الكلية أو نحوها لهذا الغرض، وأما بالنسبة للمرتبة، فإنها لا تهمه.
ثالثًا: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين - حسني الدنيا وحسني الأخرة، فلا شيء عليه لأن الله يقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: ٢،٣] فرغبه في التقوي بذكر المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب.
وقد ذم النبي من قدم المصالح الدنيوية على المصالح الدينية في سنته الصحيحة منها الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي ﷺ قال: تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة،، إن أُعطِيَ؛ رضي، وإن لم يُعط، سخط، تعس وأنتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٌ رأسُه، مغبَّرةٌ قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة، إن أستأذن، لم يؤذن له، وأن شفع، لم يشفع "
قوله: " تَعِس ". بفتح العين أو كسرها، أي: خاب وهلك.
قوله: " عبد الدينار" الدينار: هو النقد من الذهب، وسماه عبد الدينار، لأنه تعلق به تعلق العبد بالرب فكان أكبر همه، وقدمه على طاعة ربه، ويقال في عبد الدرهم ما قيل في عبد الدينار، والدرهم هو النقد من الفضة.
ويتضح من الحديث أن يتبين أن من الناس من يعبد الدنيا، أي: يتذلل لها ويخضع لها، وتكون مناه وغايته، فيغضب إذا فقدت ويرضي إذا وجدت، ولهذا سمي النبي ﷺ من هذا شأنه عبدًا لها، وهذا من يُعنى بجمع المال من الذهب والفضة، فيكون مريدًا بعمله الدنيا.
قوله: " [وعبد الخميصة]، وهذا من يعنى بمظهره، لأن الخميصة كساء جميل، ليس له هم إلا هذا الأمر، فإذا كان عابدًا لهذه الأمور لأنه صرف لها جهوده وهمته، فكيف بمن أراد بالعمل الصالح شيئًا من الدنيا فجعل الدين وسيلة للدنيا؟! فهذا أعظم.

1 / 213