Fann Mucasir Muqaddima Qasira

Marwa Cabd Fattah Shahata d. 1450 AH
29

Fann Mucasir Muqaddima Qasira

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

Genres

زعمت مشرفة المعارض إيفونا بلازفيتش، لدى كتابتها عن معرض «طريق الغابات»، أن جيليك: «أوجد فرصا لنا للالتقاء، ولاسترداد فكرة المناقشة أو المشورة أو التجديد أو الإرجاء، ومن أجلنا كي نصير أبطالا في صياغة سيناريوهات المستقبل المحتملة.» إن كلمة «لنا» في هذه العبارة غير محددة، مما يجعلها محلا للجدال، إن عمل جيليك يبدو بالفعل أنه يقدم تلك الفرص لنخبة محدودة من المعاونين، ومشرفي المعارض، وحتى هواة الجمع، وقد استخدمت مجموعات أكبر من مرتادي المعارض المساحات التي صنعها في أشكال متنوعة من اللهو أو النقاش. مع ذلك كانت الحواجز التي تحول دون مثل تلك المشاركة عالية، وربما أن طابع الحصرية، والتميز، والهرمية في حد ذاتها تضفي على الأشياء والنصوص التي قدمها الجاذبية التي تجلب إليها المجموعة الثقافية المتجانسة معها.

إن ما يظهره عمل جيليك جليا هو بعض من التوترات بين الخطاب الاحترافي للفن ووظائفه ومبادئه المثالية الأوسع. وإذا ما تمت المغالاة في التوجه الاحترافي للفن، فهذا سيقوض مرة أخرى مزاعم الفن للعالمية (ومن ثم الأسباب الداعية لحمايته). إذا تمت المغالاة في الإتاحة والذرائعية، فسيتلاشى تميز الفن عن سائر جوانب الثقافة بالنتائج نفسها.

إلى جانب هذه التوترات العامة بين النماذج المختلفة من الاستقلالية - التي أوجدها السوق والجامعة والمتحف - هناك بعض القوى الحديثة بعينها التي تهدد بتفكيك نسيج استقلالية الفن، وهي تحديث السوق الفنية، والمطالبات المتنافسة التي تروج لها الدولة والمؤسسات التجارية بأن الفن يجب أن يقدم نفعا.

التحديث

ثمة بعض الدلائل على أن العالم الفني يتعرض لدفعة تحديثية بفعل التغير الاقتصادي والتكنولوجي. لقد مثل الابتكار التكنولوجي تهديدا مستمرا على المنطقة المعزولة المصونة للفن. لم يجر استيعاب التصوير الفوتوغرافي إلا بالتأكيد على الحرفة اليدوية لإنتاج المطبوعة، ومن خلال أساليب أخرى سحبت حافز قابلية إعادة الإنتاج، على غرار استخدام مواد مستقطبة للضوء (وهي مطبوعات فريدة وفردية)، ومؤخرا - كما شاهدنا - تضخيم المطبوعات إلى حجم يناسب المتاحف. استوعب فن الفيديو من خلال التقليل من شأن النقد الاجتماعي اليوتوبي له والتطلعات إلى مشاركة وتوزيع واسعي النطاق لصالح ربطه بالتجهيز في الفراغ لصنع أشياء تبعث على الراحة ومرتكزة في المتاحف، تذكرنا بالرسم أو النحت.

ثمة تحد أكثر حداثة وجوهرية، وهو فنون الإنترنت. فمنذ منتصف التسعينيات فصاعدا، بدأ الفنانون في استخدام شبكة الإنترنت لصنع أعمال ليست قابلة لإعادة الإنتاج فحسب، بل والتوزيع مجانا أيضا. يتسنى نسخ مثل تلك الأعمال على نحو مثالي من جهاز إلى آخر، وجزء كبير من الرموز التي تشغلها متاح للمشاهدة والنسخ وإعادة الصياغة. إذا كانت ثقافة الإنترنت الخاصة بمشاركة البيانات تهدد حتى تلك المجالات التي تبنت مناهج الإنتاج الصناعي، فما مدى السوء الذي يبدو عليه الأمر مع الفن الذي لم يفعل ذلك؟ إن الملكية في مثل هذه الظروف ليست ذات أهمية كبيرة، لا سيما نتيجة لأن منظومة المعتقدات الخاصة بفنون الإنترنت تجنح إلى التركيز على الحوار أكثر من إنتاج أعمال مكتملة، ناهيك عن الغايات. إن فنون الإنترنت لا تتحدى الإنتاج والملكية وبيع الأعمال الفنية نفسها، بل تفتح مجالا جديدا ينتج فيه الفنانون أعمالا غير مادية يمكن اعتبارها فنا، ويمكن أن تكون بعيدة عن تدخل التجار وبرامج المؤسسات الحكومية والمؤسسات التجارية. لقد كان لهذا الفن تأثير استثنائي، وسنعود إليه في الفصل الأخير.

من الدلائل الأخرى على التحديث دخول دور المزادات الكبرى - التي أصبحت شركات مطروحة أسهمها للتداول العام بالبورصات، ومن ثم صارت ملزمة قانونا بتحقيق أعلى الأرباح - إلى مجال الفن المعاصر. قدمت تلك الدور معارض أشرفت عليها شخصيات مرموقة وصاحبتها كتالوجات لها ثقلها، كسبيل لمساندة أعمال الفن المعاصر التي تأتي لاحقا لعرضها للبيع، كما أنها حاكت الأماكن «البديلة» التي يديرها الفنانون عن طريق تقديم معارض في مبان صناعية مهجورة، بل إنها اشترت وكالات بيع. كانت هذه الخطوات ناجحة في جزء منها نتيجة لأن الفنانين ارتئوا فائدة في كسر احتكار التجار. ومنذ الثمانينيات على الأقل، بيعت أعمال الفن المعاصر بالمزادات بصورة مربحة، وإن وجود مثل هذه السوق «الثانوية» في حد ذاته يوهن من احتكار التجار.

جاء هذا استجابة لظهور نوع من التجار وهواة الجمع في نفس الوقت، كما ساهم في ظهور هذا النوع أيضا، وهم أشخاص يشترون بغرض الاستثمار القائم على المضاربة، غالبا ما يكون خارج الدائرة العادية للمعارض، عبر المزادات أو هواة جمع آخرين. وفي المملكة المتحدة، يعد تشارلز ساتشي أبرز نموذج على هذا النوع؛ نظرا لأنه يتاجر في الأعمال الفنية لأغراض المضاربة، ومجموعته من الأعمال الفنية مرتبطة بالموارد المالية لشركاته، كما أنه يشتهر بشرائه مباشرة من الفنانين أو حتى من معارض التصنيف. تتمثل نتيجة مثل هذا النشاط - كما أكد تيموثي كون - في تضاؤل سيطرة المعارض على الأسعار التي يضعها الفنانون، وأنه صار عليها الاستجابة لمكانة الفنان في السوق الثانوية. مع ذلك، يستطرد كون بقوله إن قدرا كبيرا من تحديد الأسعار ونقص الشفافية لا يزال موجودا. تحدد المزادات أسعار عمل الفنانين، وكثيرا ما تتعرض للتلاعب من قبل هواة الجمع أو التجار الذين يقدمون مبالغ أكثر من المتوقعة بغية تعزيز قيمة ممتلكاتهم. في عالم الفن، مثل هذه الممارسات المتعلقة بتحديد الأسعار والمتاجرة بناء على معلومات داخلية، والتي يمكن أن تكون غير قانونية في أي مجال آخر من الاستثمار، تبقى شيئا مألوفا.

ثمة عامل آخر ألقى بظلاله بدرجة كبيرة على السوق، وهو جمع المؤسسات التجارية للأعمال الفنية، وهذه ظاهرة حديثة إلى حد ما، تشكلت الغالبية العظمى من تلك المقتنيات الفنية بعد عام 1945، تقريبا منذ عام 1975. استعرض ألكسندر ألبيرو في فترة مبكرة بعضا من العواقب على مسار الفن المعاصر في كتابه المميز عن تسويق الفن المفاهيمي في وقت أضحى فيه جمع المؤسسات التجارية للأعمال الفنية أمرا هاما للمرة الأولى. جمعت المؤسسات التجارية الأعمال الفنية المبتكرة التي تعكس على نحو موات قيمها الخاصة بالإبداع وريادة المشروعات، ورغم أنه كان نشاطا محدودا، منفصلا عن الإدارة العامة للشركة، وغالبا ما يكون مستندا إلى اهتمامات المسئولين التنفيذيين الفردية وميولهم، فقد تغير جمع الشركات للأعمال الفنية مؤخرا. بين المؤسسات التجارية الضخمة، أضحى جمع الأعمال الفنية جزءا من خطة العمل، ويصمم بحيث يتوافق مع صورة الشركة، ولم يعد موجها للبحث عن شيء زخرفي فحسب لتعليقه على جدران المكتب، مع ذلك، يؤكد تشين-تاو وو في رؤيته عن جمع المؤسسات التجارية للأعمال الفنية أنه لا يزال هناك تفضيل بين الشركات للأعمال السطحية الزخرفية التي لا يحتمل أن تثير الجدل حول القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الدينية؛ فهذه الأعمال الفنية، في نهاية المطاف، الغرض منها أن تشاهد في إطار ليس خاصا تماما أو عاما تماما.

من الصعوبة بمكان تقييم أثر جمع المؤسسات التجارية للأعمال الفنية على الفن المعاصر؛ نظرا لأن معظم الصفقات تظل في طي الكتمان. بمقدورنا تخمين أن هذا الجمع يشكل قدرا هائلا من مبيعات الفن المعاصر، لكن من الصعب تحديد هذا القدر بالضبط، وذلك لأن شراء الأعمال الفنية غالبا ما يندرج ضمن ميزانيات العلاقات العامة أو الإنشاءات أو تأثيث المكاتب. ويستشهد وو بدراسة أجريت عام 1990 زعمت أن جمع الشركات التجارية للأعمال الفنية في الولايات المتحدة مسئول عما يقرب من عشرين أو ثلاثين في المائة من السوق الفنية في مدينة نيويورك، وخارج المدينة تصل هذه النسبة إلى نصف السوق الفنية تقريبا. من الجائز أن حجم هذا الشراء المؤسسي الذرائعي يدفع السوق الفنية إلى أن تؤدي كسوق عادية.

Unknown page