Falsafat Tarikh Cinda Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Genres
إنها وجدت قبل اللغة المنطوقة. وطبقا للمسلمة التي تنص على أن الخيال يزداد قوة كلما ضعفت القدرة على التفكير، أضفى الشعراء الأوائل العاطفة والحس على أشياء غير حية عن طريق المجازات والرموز وأساليب البيان، وأوضح أشكال المجاز هي الاستعارة؛ فكل استعارة هي حكاية خرافية مختصرة وهذا يدل على العصر الذي ظهرت فيه الاستعارات في اللغات، وظهور الاستعارة في اللغة يتيح لنا الفرصة للحكم على هذا العصر، وقد وجد في كل اللغات أن الاستعارات مستمدة من الجسد البشري وأجزائه ومن الأحاسيس والعواطف البشرية. فمثلا ترمز الرأس للقمة والكتفان للثقل والفم للأشياء المفتوحة والقلب للمركز والجسد للأرض ... إلخ. وهذا يثبت مسلمة فيكو التي تقول: إن الإنسان عندما يضل في الجهل يجعل من نفسه مقياس كل شيء.
يفرق فيكو بين الميتافيزيقا العقلية التي تقول إن الإنسان يحصل على الأشياء ويستوعبها عن طريق فهمها، بينما تقول الميتافيزيقا الخيالية إن الإنسان عندما لا يفهم يضفي نفسه على الأشياء ويصبح هو الأشياء نفسها عن طريق اندماجه فيها. وفي رأي فيكو أن المنطق الشعري للشعوب الأولى نشأ من هذه الميتافيزيقا الخيالية وهو منطق المجاز والاستعارة، الذي نشأ عن عجز الشعراء الأول عن تجريد الأشكال والخصائص الأساسية في الأشياء، وتحولت الصور المجازية إلى استعارات عندما رفعت الجزئيات إلى مصاف الكليات، وكذلك لم ينشأ فن السخرية إلا في العصور العقلية المتأخرة لأنها نوع من الكذب الذي يكتسي قناع الحقيقة. وهذا يدل على مبدأ هام من مبادئ التنظيمات البشرية يؤكد الأصل الشعري، وهو أن الأمميين الأوائل كانوا في بساطة الأطفال الذين هم صادقون بطبيعتهم، فلم تكن الخرافات الأولى تدعي الكذب، وكانوا يعتقدون أن حكاياتهم حكايات حقيقية وصادقة،
4
كذلك نشأ فن المسوخ والتحولات الشعرية من هذه الطبيعة البشرية الأولى وهي عدم القدرة على تجريد الصور والخصائص الشعرية من الموضوعات. هكذا كانت كل المجازات أشكالا ضرورية للتعبير عند الشعوب الشاعرية الأولى، ثم أصبحت رمزية عندما نمت القدرة على التجريد مع تطور العقل البشري، أي عندما اخترعت الكلمات التي تدل على أشكال مجردة بمقارنة علاقة أجزائها وكلياتها. ويؤكد فيكو خطأ اللغويين الأول في زعمهم أن النثر حديث طبيعي والشعر غير طبيعي، وأن النثر أسبق في الوجود من الشعر. وهو يعارض هذا الرأي - كما سنرى في السطور التالية - ويحاول إثبات أن الشعوب الأولى كانت شعوبا شاعرية وبالتالي بدأت اللغة بداية شعرية، بل ذهب إلى أبعد من هذا فوضع نظرية في نشأة اللغات والحروف.
إن مسألة البحث في أصل اللغات غير مطروحة في العصر الحديث لأنها أصبحت مسألة ميتافيزيقية انتهى العلماء إلى صعوبة حسمها بصورة نهائية، وقد اجتهد فيكو نفسه في إثبات أن اللغة بدأت شعرا وأثر هذا على آراء الرومانتيكيين في القرن التاسع عشر، وبالرغم من أن نظريته يشك الآن في قيمتها العلمية إلا أنها أثرت فترة طويلة على بحوث العلماء عن أصل اللغة، وهي تستحق على كل حال أن نذكرها بشيء من التفصيل؛ لأنها جزء هام من تطبيقه لقانون تطور الأمم في ثلاث مراحل، وأيا كان الرأي في القيمة العلمية لنظرية فيكو عن أصل اللغات والحروف فلا يمكن إنكار قيمتها التاريخية.
يقدم فيكو نظريته في نشأة اللغات ويعارض الباحثين الذين يقولون إن أصل الحروف منفصل عن أصل اللغات؛ فهو يرى أن الحروف واللغات مرتبطان بالطبيعة، فإذا كانت الحروف قد تشكلت لتعبر عن الأصوات المنطوقة بدلا من الإشارات فقد وجدت عند كل الشعوب، ولكن إخفاق الباحثين وجهلهم ببداية اللغات والحروف جعلهم يخفقون أيضا في معرفة الطبيعة الشعرية للشعوب الأولى، وكيف تحدثوا بالأساطير وكتبوا بالكتابة السرية والرمزية الهيروغليفية. ويرى فيكو أن الفلسفة يجب أن تتبنى هذه المبادئ في دراستها للأفكار الإنسانية. كما يجب أيضا أن تكون مبادئ علم اللغة في دراسته للكلمات البشرية؛ لذلك يجب التسليم بهذه المبادئ التي يراها فيكو ضرورية لفهم هذه الشعوب الموغلة في القدم، وهي أن البشر الأولين في الأمم الأممية يتصورون الأفكار بتخيل أن لها جواهر حية وصامتة، وأنهم يعبرون عن أنفسهم بلغة مشتقة من البيئة الطبيعة أي البيئة الجغرافية التي لها تأثير قوي على لغات الشعوب وعاداتهم.
ننتقل إلى نشأة المراحل الثلاث للغات فنجد فيكو يطبق فكرته الرئيسية التي أخذها عن المصريين القدماء عن مرور العالم بثلاثة عصور وارتباط هذه العصور بثلاثة أنواع من اللغات هي الهيروغليفية (أي الإلهية المقدسة وهي خاصة بالعصر الإلهي) ثم اللغة البطولية (وهي اللغة الرمزية التي توافق عصر الأبطال) وأخيرا لغة الرسائل (التي استخدمها البشر فيما بينهم لقضاء حاجاتهم). ويثبت فيكو أن هذه اللغات الثلاث كانت موجودة أيضا في الفكر اليوناني، ويستشهد بنصوص من هوميروس في ملحمتيه الإلياذة والأوديسة، فهناك نص في الإلياذة يؤكد أن «نسطور» عاش ثلاثة أجيال من البشر تحدثوا بثلاث لغات.
5
واللغة الإلهية المقدسة (الهيروغليفية) تحدثت بها كل الشعوب القديمة. ويورد فيكو بعض الأمثلة لشعوب تحدثت بها قديما مثل المصريين والأثيوبيين في أفريقيا والكلدانيين والسكيثيين في الشرق ... إلخ وبعض الشعوب ما زال يتحدث بها حتى الآن مثل الصين. ويعارض فيكو بهذا رأيا ينسبه للمصريين القدماء بأن الهيروغليفية لغة اخترعها الفلاسفة ليخفوا فيها غموض حكمتهم السرية المقتصرة على فئة قليلة، ويدلل فيكو على صدق رأيه بنصوص من الإلياذة والأوديسة يؤكد فيها هوميروس أن هناك لغة أقدم من لغته (التي كانت بلا شك لغة بطولية) دعاها لغة الآلهة. هذه اللغة الإلهية سواء عند اليونان أو الرومان تطابق اللغة الهيروغليفية عند المصريين، والنوع الثاني من الحديث الذي يطابق المرحلة البطولية كان حديثا رمزيا يستخدم ما أطلق عليه هوميروس
Sémata
Unknown page