Eleonora Duse
18
حينما تبسطهما باستعطاف لاستقبال محبوبها «أرماندو»
Armando . فالذي كان يعبده «إخناتون» هو جمال إله الشمس وفيضه، وهذه العاطفة هي التي نقلتها إلينا أناشيد «تل العمارنة»؛ فهي لذلك لا تحتوي على لاهوت أو خلقيات اجتماعية. وبالرغم من ذلك فإنه من الواضح تماما أن «إخناتون» قد قبل قبولا شاملا اعتناق الخلقيات الهليوبوليسية، التي كانت قد بلغت الذروة في سموها، بل إنه في الواقع أبرز النظام الخلقي للتعاليم الشمسية القديمة في شكل أوضح مما كان عليه في أي وقت كان قبل حكم «إخناتون».
على أن علاقة حركة «إخناتون» هذه الوثيقة باللاهوت الهليوبوليسي ظاهرة في كل نواحيها؛ فقد كان توحيد السلالة الملكية بسلالة إله الشمس على يد كهنة «هليوبوليس» في متون الأهرام، وما ترتب عليه من اعتبار كل فرعون ابنا لإله الشمس، قد نقل إلى الإله «رع» - كما ذكرنا من قبل - صفات الحكم الكريمة التي تشبع بها فراعنة العهد الإقطاعي؛ ففي ذلك الحين كان الفرعون قد صار «الراعي الطيب» أو «راعي الماشية الطيب». وهذه الصورة التي تنطق بعطف الملك الأبوي وحمايته لرعاياه قد نقلت إلى «رع»، وبذلك اكتسب «رع» لنفسه، بشكل مدهش، صفات إنسانية وعطفا أبويا نتيجة لذلك التطور الذي حدث في تصوير الملكية في العهد الإقطاعي.
وبذلك كانت تلك القوى الاجتماعية التي أوجدت هذا المثل الأعلى للملكية، هي المؤثرات النهائية التي - بمعونة الملكية - قد زادت من سلطان «رع » وأكسبته صبغة إنسانية، بعد أن كان مركزه قبل ذلك سياسيا لا يخرج عن كونه فكرة آلية مهملة، فكأن هذه الصفة الإنسانية التي كسبها «رع» كانت قريبة من التي كان ينشدها «أوزير» نفسه.
وكانت التعاليم الإخناتونية منجذبة بكليتها نحو هذا الميل الذي ينعطف إليه المذهب الشمسي؛ إذ قد عثرنا على أنشودة للشمس من عهد والد «إخناتون» سمي فيها إله الشمس «الراعي الشجاع الذي رعى قطعانه»، وهذه إشارة تربط بوضوح مذهب «آتون» بالحركة الاجتماعية الخلقية التي ظهرت في العهد الإقطاعي.
وحينما نعيد إلى ذاكرتنا الآن الأصل الهليوبوليسي لماعت (الحق، الصدق، العدالة) التي صارت تمثل في إلهة، هي بنت إله الشمس، يجب أن نلاحظ ما جاء في كتاب الموتى من أن جماعة الآلهة الذين يجلسون في قاعة «ماعت» لا يوجد بأجسامهم إثم ولا بهتان، وأنهم يعيشون على الصدق «ماعت»، وهناك يؤكد الميت براءته لأولئك الآلهة بقوله: «إني أعيش على الصدق وأتزود من صدق (أو عدالة) قلبي.»
فهذا المذهب الشمسي الذي كان يشد أزره أولئك الآلهة في «هليوبوليس» قد اعتنقه الآن «إخناتون» بجوارحه، حتى إنه كان على الدوام يذيل اسمه الملكي الرسمي في كل آثار الدولة العظيمة بهذه الكلمات: «العائش على الصدق (ماعت)»، وهذا النعت الهام الذي ألحق باسم «إخناتون» جعله الممثل الرسمي والمعاضد للنظام الخلقي القومي العظيم، الذي تصوره كهنة المذهب الشمسي قديما في «هليوبوليس» في عهد يرجع تاريخه إلى عصر الأهرام، وألبسه المفكرون الاجتماعيون والرسل في العهد الإقطاعي المصري أهمية خلقية فاقت ما كان عليه في أي زمن من قبل. فإذا أعدنا إلى ذاكرتنا ما كان يدعيه «إخناتون» من التسلط على سائر العالم بلا برهان، ظهر لنا أن ما كان يرمي إليه من وراء إضافته تلك الكلمات إلى اسمه الملكي إنما هو امتداد سلطان النظام الخلقي القديم القومي حتى يصير نظاما مسيطرا على سائر العالم الدولي العظيم الذي كان هو سيده إذ ذاك.
وبذلك نجد أن سيطرة مملكة الشمس القديمة للقيم الخلقية، وقد امتدت إلى حدودها العالمية المنطقية، وأن «التوحيد» الذي كان منطويا في ثنايا تعليم كهنة هليوبوليس، قد نطق بهما «إخناتون» نطقا لا إبهام فيه ولا خفاء.
Unknown page