كما رأينا، كان سياسيا، حتى إن اسم إله الشمس الجديد كان يوضع في الطغراء الفرعوني باعتباره شعارا ملكيا مزدوجا.
والثاني:
اعتبار سلطان إله الشمس وسيطرته العالمية قوة طبيعية ملموسة حاضرة في كل مكان تتمثل في حرارة الشمس ونورها.
والثالث:
كان التطور المنطقي لمذهب «هليوبوليس» الخاص بالنظام الخلقي، الذي كان أقدم من عهد «إخناتون» بنحو ألفي سنة.
بقي علينا الآن أن نفحص آخر هذه الأسس الرئيسية التي قام عليها التوحيد عند «إخناتون»، على أننا عند هذه النقطة نشعر بقلة ما لدينا من المصادر المدونة وضآلتها، وإن كانت هذه المصادر النادرة التي بقيت لنا من ذلك العصر تكشف لنا عن مدى التقدم في تفكير ذلك الملك الشاب خلال نصف الجيل الذي حكمه.
ولا يمكن الباحث أن يظن أن حركة حية نامية ذات تقدم مثل الحركة التي قام بها «إخناتون» لم تكن قد أنتجت أبحاثا دونت فيها تعاليمه، بل إن لدينا من الدلائل ما يثبت وجود مثل تلك الأبحاث؛ ففي مقابر «تل العمارنة» التي ولع أصحابها من أشراف رجال البلاط الإخناتوني بأن يرسموا فوق جدرانها ما كانت عليه علاقاتهم مع مليكهم، نجد أنهم كانوا يشيرون باستمرار إلى ذلك المذهب الجديد، ولم يكن لديهم للتعبير عنه إلا كلمة واحدة وهي كلمة «التعليم»، وهذا التعليم منسوب للملك وحده، ولا يمكن أن يتسرب إلينا شك في أن ذلك التعليم هو الاسم العام للبيان الرسمي لمذهب «إخناتون» الذي كتب طبعا في رسالة من نوع ما على أوراق البردي.
على أنه بعد سقوط «إخناتون» لم يترك أعداؤه حجرا واحدا لم يقلبوه لإزالة كل أثر باق يدل على حكمه الممقوت عندهم، وقد دمروا بطبيعة الحال مخطوطات الملك هذه المدونة على البردي. وأما معلوماتنا عن تلك الحركة من ناحية العقائد الدينية فهي مستقاة بأجمعها من نتف وقطع وقعت لنا عرضا، وبخاصة تلك الأناشيد التي زين بها أشراف رجاله جدران مقابرهم.
وحينما نقرأ أنشودة «آتون» العظمى لأول مرة يدهشنا أن مثل هذه الأنشودة التي تعبر عن الوحي الديني، لا تشتمل إلا على إشارات قليلة عن موضوع الأخلاق والسلوك الإنساني، وهو الذي كان قد احتل مكانة بارزة - كما نعلم - بين عناصر الديانة الشمسية الهليوبوليسية التي تضرب إليها حركة «إخناتون» الدينية بوشائج قوية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن القوة الرئيسية التي حركت روح «إخناتون» كانت العاطفة.
والواقع أن ثورة «إخناتون» كانت في روحها أولا وقبل كل شيء عاطفية بدرجة قوية، نجد هذه الحقيقة ظاهرة جلية في الأناشيد ، كما نجدها كذلك بارزة جدا في الفن. فعندما يرسم لنا أحد فناني «تل العمارنة» صورة «إخناتون» أو أحد رعاياه وهو يتعبد، رافعا ذراعيه تضرعا إلى إله الشمس، فإن وسائله العاطفية في مثل تينك الذراعين المرفوعتين تبلغ في شدة جاذبيتها روعة ذراعي «إلونورا دوز»
Unknown page