Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
2 (2) هرمنيوطيقا الارتياب عند بول ريكور
المعادلة الصعبة: هرمنيوطيقا «الانفتاح النقدي»، «الشك والرجاء».
الهرمنيوطيقا علم وفن معا في آن، وهذه العبارة ، ببساطتها الخادعة، هي سبب الجدل المحتدم في الزمن الحديث في مجال الهرمنيوطيقا، ذلك المبحث الذي بدأه شلايرماخر (1768-1834م) بمحاولته انتزاع المعنى من خلال فهم عقل المؤلف، والذي اكتسب دفعة كبرى مع جادامر ودعوته إلى قيام حوار بين أفقي النص والقارئ، وانتهى إلى هرمنيوطيقا اليوم التي ترتكز على القارئ وتسند إليه دورا متعاظم الأهمية في العملية التأويلية.
لم يقنع بول ريكور، رغم أنه يعمل داخل إطار «هرمنيوطيقا القارئ»، إن صح هذا التعبير، بالذاتية الصميمة المرتبطة بهذه الهرمنيوطيقا، فأراد أن يتخذ المسار الضيق والخط الرفيع الممدود بين دعوة الموضوعية (المرتكزة على النص نفسه) وبين البقاء في حالة «انفتاح» معين على ما «يعتمل في باطن النص ولعله كان قمينا أن يقوله»، تمثل هرمنيوطيقا الارتياب عند ريكور محاولته للإبقاء على كل من الطابع العلمي والطابع الفني للتأويل دون منح أي منهما منزلة مطلقة، ذهب ريكور إلى أن حيوية الهرمنيوطيقا يكفلها هذا الدافع المزدوج: الإصغاء والشك، الإذعان والتمرد، يقول ثيسلتون موجزا ماهية الهرمنيوطيقا عند ريكور: «الأول يتعلق بمهمة «إزالة الأصنام»، أي أن نصبح على وعي نقدي بأنفسنا عندما نسقط رغباتنا وبناءاتنا الذهنية على النصوص، وبهذا الوعي النقدي لا تعود إسقاطاتنا الذاتية تخاطبنا من خارج أنفسنا على أنها «آخر»، والثاني يتعلق بالحاجة إلى الإصغاء بانفتاح إلى الرمز وإلى السرد، وبذلك نتيح لأحداث خلاقة أن تحدث «أمام النص» وتمارس تأثيرها علينا.»
3 (2-1) أبطال الارتياب
في مستهل كتابه «فرويد والفلسفة» يلفت ريكور الانتباه إلى الشخصيات المحورية الثلاث (ماركس ونيتشه وفرويد) الذين حاولوا، كل من زاويته الخاصة، إزالة الأقنعة وفضح الزيف وكشف الباطن الحقيقي من الظاهر السطحي، ويبدو أن الارتياب الذي مارسه هؤلاء الثلاثة يمثل نماذج شارحة لهرمنيوطيقا ريكور نفسه، ومن ثم تجدر دراستهم إذا شئنا أن نفهم تأويليته حق الفهم، لقد حاول كل واحد من هؤلاء أن يعثر على المعنى الحقيقي للعقيدة بواسطة نزع المعنى الزائف وتعريته، أما تحليل ماركس للعقيدة فقد أفضى به إلى نتيجة مؤداها أنه بينما تبدو العقيدة معنية بموضوعات رفيعة من السمو الروحي والخلاص الشخصي فقد كانت وظيفتها في حقيقة الأمر هي التعتيم على الأحوال غير الإنسانية للعمل الإنساني، وجعل البؤس الحياتي أكثر احتمالا، وبهذه الطريقة كانت العقيدة تستخدم كأفيون للشعوب، وأما نيتشه فقد اعتبر الهدف الحقيقي للعقيدة هو أن ترفع الضعفاء إلى موقع قوة، وتجعل من الضعف فضيلة، وهو هدف يكذب هدفها الظاهري، وهو أن تجعل الحياة أكثر احتمالا بالنسبة للضعفاء والطغام، وذلك بتدعيم فضائل من قبيل الشفقة والكدح والتواضع والود وغير ذلك مما أسماه «أخلاق العبيد»، هكذا أزال نيتشه القناع عن العقيدة وكشف أنها مهرب الضعفاء وملجأ العجزة.
4
وأما فرويد، وقد مارس نفس العملية الارتيابية التي تعمد إلى إزالة الأقنعة وكشف الحقيقي من السطحي، فقد خلص في تحليله إلى أنه بينما تدرك العقيدة كمصدر مشروع للسكينة والأمل عندما يواجه المرء مصاعب الحياة فإنها في حقيقة الأمر وهم لا يعدو أن يكون تعبيرا عن رغبة المرء في «أب-إله»، هكذا قدم رءوس الارتياب نماذج واضحة للشك في العقيدة والثقافة، وبقي على ريكور أن يطبق المبدأ نفسه على فعل التواصل تحت عنوان «هرمنيوطيقا الارتياب»
Hermeneutics of suspicion
ولم يكن خافيا على ريكور أن هؤلاء الارتيابيين الثلاثة لم يكونوا بأية حال من أصحاب «مذهب الشك»
Unknown page