193

Fahm Fahm

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Genres

prima Facie .

14

هكذا تقف الفرويدية ضد الأنا الجوهري الديكارتي التي تسيطر على كامل الشخصية وتراقبها، إن العالم النفسي مليء بالسراب والأوهام، ومن ثم فالتحليل النفسي يخضع الذات ل «تأويل تاريخي» يدرجها في مشروع «أركيولوجي» ينشد تفسير الحاضر بالرجوع إلى المصدر (الماضي). ليس هناك «كوجيتو» أصلي يضع نفسه في حكم يقيني ولا ذات تمثل «موجودا» يتمتع بالدوام ومعطى مباشرا ونهائيا.

15

إن الذات تتكون تدريجيا وتبرز من خلال التاريخ النفسي للفرد في علاقة «تضايف»

Correlation

مع الغيرية ومع الواقع الموضوعي، فالذات تتهيكل وتجدد هيكلتها دوما من خلال لحظات جدلية يتمثل «نسيجها الخلفي» في الممنوع، ولا يمكن للكائن أن يصبح ذاتا بدون أن يجابه تجارب وصراعات مختلفة وأن يرتبط بقوى غريبة وحتى معادية له، مع ما ينجم عن ذلك من كبت يمثل النظام المحتوم لنفسية «حكم عليها» بالتبعية تجاه الطفولة، تجاه الماضي، أي ما هو حتم لازب غير قابل للانقراض، وجملة هذه الاعتبارات من شأنها أن تفرض حدودا على كل محاولة تميل إلى إضفاء طابع صارم على منهج التأويل، إن التجربة التحليلية تحدث في حقل الكلام والعلامات، وليس في حقل الملاحظة كسائر العلوم.

فالتأويل ينتقل من معنى إلى معنى آخر، من الدال إلى شيء آخر يريد أن يكون المدلول الأصلي، وبالرغم من أن «الأعراض العصابية، مثلها مثل زلات القلم واللسان والأحلام، لها معنى وترتبط ارتباطا وثيقا بحياة المريض الحميمة»، فإن ذلك لا يسمح بالادعاء بأن هذا الدال يطابقه مدلول واحد مطلق؛ إذ إن «ظروف الحياة المرضية لا بد أن تكون عديدة ومتنوعة أكثر مما افترضناه» (فرويد: مدخل إلى التحليل النفسي).

فالمحلل ليس السيد المطلق ولا حافظ المعنى الوحيد للنزاعات النفسية، وليس هناك معنى ظاهر وإلى الوراء في الماضي البعيد معنى خفي يدركه نهائيا تحليل ذكي: «إن المدلول يشير إلى اتجاه بدون حدود وإلى طريق غير خطي: المعنى الظاهر والمعنى الباطن قطبان لمعنى واحد لا يمكن استحضاره ولا إدراكه كمجرد اتجاه لمعنى يخص تاريخا فرديا تتحقق جدليته الكاشفة والمكونة من خلال ظروف المعالجة التحليلية.»

إن الاعتبارات السابقة الذكر تجعل من «التعديل الداخلي للفلسفة التأملية» أمرا ضروريا، بما أن الذاتية تعيش تجربة التبعية تجاه وجود لم تضعه يجردها من ملكية أصل المعنى، إلا أن التأمل الذي يلغي ذاته كتأمل هو كذلك نتاج للتأمل، التأمل النقدي والتأويلي، التأمل الذي يقتضي التوسط

Unknown page