Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
إن تبرير ذلك لا بد أن يكون أنطولوجيا: فعندما نشاهد عملا فنيا عظيما ونلج إلى عالمه فنحن لا نغادر بيتنا، إن صح التعبير، بل «نعود إلى البيت»! إننا نقول على الفور، حقا إن الأمر كذلك، لقد قال الفنان الحق، لقد قبض على الواقع في صورة، في «شكل»، إنه لم يستحضر عالما مسحورا لا وجود له بل هذا العالم نفسه، عالم الخبرة والفهم الذاتي الذي نعيش فيه ونسعى ونمارس وجودنا، والتحويل إلى «شكل» هو في الحقيقة تحويل إلى حقيقة الوجود، ومن ثم فمشروعية الفن لا تأتي من أنه يقدم لذة جمالية بل من أنه يكشف النقاب عن الوجود، وفهم الفن لا يأتي من خلال تقطيعه وتقسيمه منهجيا بوصفه موضوعا، ولا من خلال فصل الشكل عن المضمون، وإنما يأتي من خلال الانفتاح على الوجود، ومن خلال الإصغاء إلى السؤال الذي يلقيه علينا العمل الفني.
العمل الفني إذن يقدم لنا عالما حقا، وينبغي علينا ألا نختزل هذا العالم إلى معايير عالمنا أو إلى معايير المناهج، غير أننا لا نفهم هذا العالم الجديد إلا لأننا نشارك سلفا في بنى الفهم الذاتي التي تجعله حقيقة بالنسبة لنا، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل الشيء الذي يتم فهمه هو الشيء نفسه الذي كان مقصودا، أما الوسيط الذي يؤدي هذا الفهم الذاتي فهو الشكل، فالفنان يمتلك القدرة على أن يحول خبرته بالوجود إلى صورة أو شكل، وحين تتحول خبرة الوجود إلى شكل فإنها تتخذ قواما وتصبح ماثلة باقية دائمة، ويصبح الالتقاء بها متاحا للأجيال التالية، أي تصير قابلة للإعادة والتكرار، لقد أصبح لها صفة «العمل» وطبيعته وليس مجرد طاقة الوجود، أي إنها أصبحت «حقيقة مقيمة باقية»
Das Bleibende Wahre .
3
والتغير الذي يعتري المواد الخام حين تتحول إلى صورة ليس مجرد تبدل بسيط بل هو تحول حقيقي: فالشيء الذي كان قبلا لم يعد كائنا، أما الشيء الكائن الآن، أي الشيء الذي يمثل في لعبة الفن فهو «الحقيقة»
Truth ... الحقيقة التي بمكنتها الآن أن تدوم، والاتحاد الذي يتم بين الحقيقة المتمثلة وبين الشكل هو اتحاد تام والتئام كامل، بحيث إن هناك شيئا ما جديدا قد أتى إلى الوجود، وبحيث إن الشكل الآن لم يعد نسخا بسيطا لأي شيء، هذا الاستقلال الظاهر ليس استقلال «الوعي الاستطيقي» المتجرد والمنعزل بل هو اتحاد المعرفة بالوسيط الحسي اتحادا تاما ... هو «توسط»
Mediation
المعرفة بالمعنى الأعمق للكلمة، وإن خبرة مشاهدة العمل الفني تجعل هذه المعرفة معرفة مشتركة.
ولمفهوم «التوسط التام» عند جادامر جانب آخر، فهو يؤكد عدم تمايز العنصر الاستطيقي عن غيره من العناصر داخل لعبة العمل الفني، إننا حين نستمع إلى «خطبة وعظية جيدة» على سبيل المثال فنحن لا نفصل الشكل فيه عن المضمون، ونحن نحس غريزيا أن التمايز الاستطيقي لا مكان له في المواعظ، ونحس بالغريزة أنه لا معنى لأن نصف شعيرة أو طقسا بأنه «جميل»، وبنفس المقياس فإن التمايز بين الاستطيقي وغير الاستطيقي لا مكان له في فهم خبرتنا بالعمل الفني، فالجانب الاستطيقي أو الشكلي في التقائنا بعمل فني هو جزء لا يتجزأ مما يقوله العمل، أي إنه ملتئم تماما ب «الشيء المقصود» بحيث يصبح التمايز الاستطيقي مصطنعا وباطلا، وقد دأب جادامر على رفض القسمة الثنائية للشكل والمضمون بوصفها نتاجا للفكر الانعكاسي وملحقا بثنائية «الذات/الموضوع» التي يرفضها هي أيضا أسوة بأستاذه هيدجر، وهكذا في مقابل مبدأ «التمايز الاستطيقي»
Aesthetic Differentiation
Unknown page