Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
Aesthetic Consciousness
كشيء متميز ومنفصل عن مجالات الخبرة «غير الاستطيقية» هو مفهوم حديث نسبيا، وأنه في الحقيقة نتاج للاتجاه العام إلى «إضفاء الذاتية»
Subjectivizing
على الفكر منذ ديكارت، أي الميل إلى تأسيس كل المعرفة على اليقين الذاتي، وفقا لهذا التصور تعد الذات التي تتأمل موضوعا استطيقيا هي وعي خال يتلقى إدراكات حسية، وبطريقة ما يستمتع بالوقع المباشر للشكل الحسي الخالص، هكذا تنفصل «الخبرة الاستطيقية» وتنبت عن المجالات العملية الأخرى، ولا يمكن قياسها بمعيار «المضمون»
Content
لأنها استجابة ل «الشكل»
Form ، إنها شيء لا صلة له بفهم الذات المدركة لنفسها، ولا صلة له بالزمن، إنها لحظة غير زمانية ولا تشير إلى أي شيء غير ذاتها.
يترتب على هذا التصور نتائج كثيرة؛ أولها: أنه لم تعد هناك طريقة وافية لتعليل الفن غير المتعة الحسية، لم تعد هناك معايير فنية تتعلق بالمحتوى أو «المضمون» ما دام الفن ليس معرفة، لقد تم وضع تمييزات مغالطة بين الشكل والمضمون في الفن وعزيت اللذة الجمالية إلى الشكل، لم يعد للفن أي مكان واضح في العالم ما دام الفن والفنان لا ينتسبان للعالم بأي صورة محددة، لم يعد للفن أي وظيفة في المجتمع ولم يعد للفنان أي مكان فيه، ولم يعد هناك سبب مشروع لتلك «القداسة» الواضحة للفن، والتي نحسها عندما نستاء لأي تحطيم غشوم لأي عمل فني عظيم، ومن المتيقن أنه من الصعب على الفنان أن يزعم أنه ملهم وصاحب وحي إذا كان كل ما يبدعه هو تعبير شكلي عن مشاعر وكل ما يقدمه هو لذة جمالية.
غير أن هذا التصور للظاهرة الاستطيقية يناقض خبرتنا ذاتها بأي عمل فني عظيم، فخبرة الالتقاء بعمل فني تفتح لنا عالما وليست مجرد انشداه بلذة حسية إزاء ظاهر الأشكال، وبمجرد أن نكف عن النظر إلى العمل على أنه «موضوع» ونرى إليه على أنه «عالم»، عندما نرى «عالما» من خلاله، عندئذ سندرك أن الفن ليس إدراكا حسيا بل «معرفة»، عندما نلتقي الفن تتسع آفاق عالمنا الخاص وفهمنا لأنفسنا فنرى العالم في ضوء جديد، كما لو كنا نراه للمرة الأولى، حتى الأشياء المعتادة والشائعة في الحياة تبدو في نور جديد عندما يضيئها الفن، فالعمل الفني ليس منفصلا عن عالمنا الذي نعيش فيه ولا عن فهمنا لأنفسنا، ونحن في لقائنا بالعمل الفني لا نوغل في عالم غريب ولا نخطو خارج الزمن والتاريخ ولا ننفصل عن أنفسنا أو عن الأشياء غير الاستطيقية، إننا بالأحرى نصبح حاضرين حضورا أكثر امتلاء، ونحن حين نضم إلينا ذاتية الآخر ووحدته، بوصفه عالما، فإننا في الوقت نفسه نحقق فهمنا لأنفسنا ذاتها. عندما نفهم عملا فنيا عظيما فإن خبرتنا بالعمل تتفاعل مع كياننا كله، ويوضع فهمنا لأنفسنا على المحك، وما يحدث إذاك هو أننا لسنا من يستجوب العمل وإنما العمل هو من يستجوبنا ويلقي علينا سؤاله، أي يشغلنا بالمسألة التي شغلته والتي أتت به إلى الوجود.
ولكن رب قائل يقول إننا عندما نشاهد عملا فنيا فإن العالم المألوف الذي نعيش فيه حياتنا يختفي ويتبدد، بينما ينبلج عالم العمل الفني ويبقى لفترة وجيزة عالما مغلقا على حاله مكتفيا بذاته، وما هو بنسخة محاكية للواقع وما ينبغي أن يقاس بمقاييس الواقع، فكيف يمكننا أن نوفق بين هذا القول وبين ما ذهبنا إليه من أن العمل الفني يقدم لنا عالما متصلا تمام الاتصال بعالمنا الحياتي الذي نعيش فيه؟
Unknown page