ليقلب حال النظرية الأدبية المعاصرة» رأسا على عقب، وليضع بذلك أحد المصطلحات البارزة والمؤثرة في النقد الأدبي المعاصر. لقد قال بارت: «إن النص من الآن فصاعدا على كافة مستوياته وبجميع أدواته، منذ صناعته وحتى قراءته، يظهر بشكل يغيب فيه المؤلف غيابا كاملا.»
115
ويدعو بارت إلى أن نحذف من قاموسنا كلمة «مؤلف» لنحل محلها «الكاتب»
Le scripteur ، والكاتب - وفقا لبارت - ليس في داخله «عواطف» ولا «أمزجة» ولا «مشاعر» ولا «انطباعات». لا يوجد لديه إلا ذلك القاموس الضخم الذي يستمد منه كتابة «نشاط لفظي» لا يمكن أن ينفد أبدا. ويعترف بارت بأن الحياة الخاصة للكاتب من الممكن أن تكون ذات جاذبية حكائية كبيرة جدا، ويمكن أن تفسر كيف ولماذا ظهرت الكتب إلى حيز الوجود، وغالبا ما تفعل ذلك ... لكنها ليست ذات أهمية بالنسبة للقيمة الأدبية لكتبه، أو لمعناها، مثلما أن الحياة الشخصية لعالم الفيزياء ليس لها قيمة بالنسبة لقبول أو رفض أفكاره عن نظرية الكم أو بنية الذرة.
وفي هذا السياق أيضا يقول دولوز: «إن العمل الفني مستقل تماما عن مبدعه.»
116
ومن هنا أيضا دعوة فوكو إلى أن يصدر المؤلف كتابه دون أن يضع اسمه عليه؛ «فمعرفة الاسم لا تفيد في شيء، والأفضل قراءة الكتاب لذاته.»
117
المؤلف دوره ينتهي بكتابة النص، والعبء يقع بعد ذلك على القارئ في عملية القراءة ... عبء اقتناص المعنى في تعدديته واختلافه. وهذا ما يجعل القارئ مشاركا في عملية إنتاج النص. فدور القارئ لا يقل أهمية عن دور المؤلف، ولا يمكن فصل عملية القراءة عن الكتابة؛ إذ هما متلازمتان. والقارئ هو الذي يقرر معنى النص من خلال استرشاده بالعلامات التي يستخدمها المؤلف، لكنه لا يتقيد بها، ويمكنه أن ينتصر، من خلال النص، للمعنى الذي تستحضره العلامات في ذهنه، والذي يمكن أن يتغير من يوم لآخر ومن قارئ لآخر. على أن الكاتب - في رأي بارت - لا بد أن يساهم في جعل عملية القراءة مثمرة، ويتم ذلك عن طريقين؛ الأول: ألا يقدم نصا مغلقا محملا بالأحكام القاطعة، ذاخرا بالنتائج النهائية، والتي عادة ما تقوم على وهم مبناه أن المؤلف يمتلك اليقين، ويعرف الحقيقة المطلقة. وأن يقوم على العكس من ذلك بتقديم نص مفتوح (وهو ما عبر عنه إيكو بالأثر الأدبي المفتوح
Apri Letteraria Impatto ؛ أي انفتاح النص على عوالم عديدة يصعب حصرها). ومعيار انفتاح النص عند بارت هو الغموض والالتباس والإيحاء بالمعنى دون تحديده. والطريق الثاني: ألا يتدخل الكاتب في عملية القراءة بأي صورة من الصور، كأن يؤيد وجهة نظر على أخرى أو معنى على معنى آخر أو يقول «لست أقصد هذا بالضبط» ... إلخ. هذا التدخل كفيل بإفساد عملية القراءة وتحويل مسارها التعددي.
Unknown page